"تغلغل الأيديولوجيا".. هل يتحول الشاباك إلى أداة صراع سياسي في إسرائيل؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أظهر استطلاع حديث مستويات ثقة متدنية نسبيا في قيادة جهاز الأمن العام الداخلي الإسرائيلي (الشاباك).

وأفاد الاستطلاع الذي أجراه معهد "سياسة الشعب اليهودي" (JPPI) بأن نحو 52 بالمئة ثقتهم في قيادة الجهاز منخفضة جدا أو إلى حد ما، بينما عبّر أقل من النصف (45 بالمئة) عن ثقة عالية أو إلى حد ما.

وشدد على أن "الشاباك أخفق في مهمته المتمثلة في حماية الإسرائيليين، وهو يعترف بهذا الفشل علنا، ولذلك من الطبيعي أن تتضرر ثقة الجمهور في الجهاز".

وجدير بالذكر أن هذه الأرقام أفضل من تلك المتعلقة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ إذ أعرب 68 بالمئة عن انعدام ثقتهم به تماما، بحسب المعهد.

تغلغل الأيديولوجيا

لكن -وهذه هي النقطة الأساسية- يتبيّن أن مستويات الثقة في قيادة الشاباك ترتبط بالانتماء السياسي، وفق تقييم رئيس المعهد، يديديا شتيرن، لنتائج الاستطلاع.

فحوالي 85 بالمئة من الإسرائيليين اليمينيين لا يثقون بقادة الجهاز، حيث أعرب 51 بالمئة عن ثقة متدنية جدا، و34 بالمئة عن ثقة متدنية إلى حد ما، في حين أن مستويات الثقة أعلى بكثير بين من يُعرّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى الوسط السياسي أو اليسار.

فعلى سبيل المثال، أكثر من ثلاثة أرباع ناخبي حزب "الوحدة الوطنية" بقيادة بيني غانتس (وسط-يمين) وناخبي حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد (وسط)، إضافة إلى أكثر من 80 بالمئة من مؤيدي حزب "الديمقراطيون"، الذي يضم حزب "ميرتس" وحزب العمل ويرأسه يائير غولان (يسار)، لديهم ثقة عالية أو متوسطة في جهاز الشاباك.

وبحسب مقال لـ"شتيرن"، نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، فإن "الاستنتاج الواضح هو أن العامل الأساسي الذي يؤثر على مستوى الثقة في قيادة الشاباك ليس الإخفاق العملياتي عشية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل الانقسام السياسي في إسرائيل".

واختصر ذلك بقوله: "أخبرني لمن صوّتّ في الانتخابات الأخيرة، أخبرك بمستوى ثقتك في قيادة الشاباك".

وأضاف: "يشكّل هذا مثالا واضحا على التغلغل الخطير للآراء الأيديولوجية والسياسية في تقييم المؤسسات المهنية"، مؤكدا أن "تحويل جهاز الشاباك إلى ساحة معركة سياسية من شأنه أن يضر بإسرائيل بأكملها".

وأوضح شتيرن أنه "عندما يتحول جهاز يتمتع بصلاحيات استثنائية إلى ساحة معركة حزبية، تكون الديمقراطية نفسها في خطر".

وأشار إلى أن "هذا الأمر أصبح مألوفا، فنتائج مماثلة تظهر عند قياس الثقة في المؤسسات الأخرى، خاصة السلطة القضائية".

واستطرد شتيرن: “رغم أن خطة الإصلاح القضائي لم تُطبَّق فعليا بعد -وكان إنجازها الوحيد حتى الآن هو القانون الأخير المتعلق بتشكيل لجنة تعيين مفوض الرقابة القضائية- إلا أن الجدل السياسي حولها أحدث تحولا في وعي الجمهور”.

وأكد أنه "كما هو الحال مع الشاباك، باتت الثقة في الجهاز القضائي تعتمد بشكل أساسي على الميول السياسية والأيديولوجية للأفراد".

خطر محدق

وقال شتيرن: إن "ربط مستوى الثقة في قيادة الشاباك بالانتماءات السياسية يشكل خطرا كبيرا نظرا للصلاحيات والمسؤوليات الموكلة إليه".

فوفقا لقانون الشاباك، فإن من بين مهامه "منع وإحباط الأنشطة غير القانونية التي تستهدف الإضرار بأمن الدولة أو بالنظام الديمقراطي أو بمؤسساته".

وإلى جانب مسؤوليته عن إحباط العمليات التي تنفذها جهات خارجية، يتولى الشاباك أيضا مهمة حماية آليات الحكم الحساسة والمؤسسات الديمقراطية.

ولأداء هذه المهام، يمتلك الجهاز أدوات وصلاحيات استثنائية، تشمل قدرات استخباراتية، والتنصت، والبحث السري في الحواسيب، وعمليات الاستجواب، وغيرها من الوسائل.

وقال شتيرن: "نحن، مواطني إسرائيل، نمنح الشاباك صلاحيات واسعة، لكن الشرط الواضح لاستخدامها هو أن يعمل الجهاز بطريقة مهنية وغير منحازة، وفقا لما يفرضه قانون الشاباك".

وتابع: "يتساءل البعض عما إذا كان للجهاز دور في حالة حدوث أزمة دستورية – على سبيل المثال، إذا رفض رئيس الوزراء أو الحكومة الامتثال لقرار صادر عن المحكمة العليا، أعتقد أن الإجابة هي: لا".

واستدرك: "مع ذلك، فلا جدال في أن الشاباك يمتلك صلاحية التحرك ضد مرتكبي الجرائم لدوافع أيديولوجية -أي المتورطين في التحريض أو الفتنة أو جرائم الكراهية وغيرها من الجرائم المشابهة- عندما يشكلون تهديدا لـ(وجود الديمقراطية)".

وتترتب على ذلك تداعيات واضحة على حرية التعبير والاحتجاج، والصحافة المستقلة، والتجمعات ذات الطابع الأيديولوجي.

كما يرى الشاباك نفسه مخولا بالتحرك ضد أنشطة قانونية في ذاتها، لكنها قد تؤدي بشكل متوقع إلى تقويض النظام الديمقراطي، مثل استدعاء المتطرفين سياسيا لإجراء محادثات تحذيرية في ظل ظروف معينة.

وشدد شتيرن على أن "اتساع نطاق صلاحيات الشاباك داخل (كيان) إسرائيل وفي تعامله مع المجتمع، إلى جانب الغموض في تفسيرها، وتداخل مجالات عمله مع القضايا الأيديولوجية والسياسية، إضافة إلى ترسانته القوية من الأدوات – كل ذلك يؤكد الأهمية القصوى لإبقاء الجهاز خارج الصراع السياسي".

وتابع: "ويستلزم ذلك أن يحرص الشاباك وقيادته على النأي بأنفسهم عن النزاعات الأيديولوجية في إسرائيل، وأن تمتنع المنظومة السياسية عن تصنيفه وفقا للانقسامات السياسية على أساس أنه (معنا أو ضدنا)".

وقال شتيرن: "يمكن -بل ويجب- محاسبة الشاباك على أوجه القصور في أدائه، لكن لا ينبغي تقويض الثقة العامة في مهنيته وحياده".

وأضاف أنه “ورغم ضرورة خضوعه للرقابة القضائية والبرلمانية، فإن تحويله إلى ساحة للصراع السياسي لا يمثل مجرد مساس بمصداقيته، بل قد يفتح الباب أمام تنافس على السيطرة السياسية على هذا الجهاز القوي، وهو أمر يضر بنا جميعا”.

وختم شتيرن مقاله مؤكدا: "لا دور للشاباك، ولا ينبغي له أن يتخذ موقفا، في الخلاف الداخلي حول الرؤية والهوية، فهو مُكلَّف بحماية العقد الذي يجمع مصيرنا المشترك، ولن يتمكن من أداء مهمته في حماية الدولة بفاعلية إلا من خلال الحفاظ على حياده ونزاهته".