سياسي أردني: الحرب على غزة ولبنان ستطول وصمت إيران يشجع إسرائيل (خاص)

يوسف العلي | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قال السياسي والوزير الأردني الأسبق، جواد العناني، إن الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة ولبنان ستطول أكثر، إذا لم تقبل تل أبيب بما حققته وتخرج من الأراضي التي احتلتها، لأنها لا يمكن أن تبقى فيها إلى الأبد.

وأوضح العناني في حوار مع "الاستقلال" أن "إسرائيل تعتقد بعد مرور عام على طوفان الأقصى، أنها وصلت إلى مرحلة قاربت فيها على تحقيق كل تطلعاتها في خلق مناطق عازلة، واحتلال مزيد من الأراضي وتثبيت أمنها الداخلي، والقضاء على مجموعتين من المقاومة".

وأشار إلى أن "الهجوم الإيراني بالصواريخ جعل الإسرائيليين يتواضعون أكثر، وأن الأمور ليست سهلة كما يعتقدون، لأن التنافس الإيراني الإسرائيلي أصبح على المحك".

ورأى العناني أن "موقف الأردن رصين جدا في تعاطيه مع الحرب على قطاع غزة ولبنان أيضا، لأنه يعتقد أنه إذا دخل الحرب سيخسر كل الأعداء ويعود إلى مواقف صعبة جدا".

وأكد السياسي الأردني أن “الأردن يمتلك الكثير من الأوراق في مواجهة إسرائيل، فهناك الصمود الأردني والاتفاقات التي إذا خرقتها تل أبيب فإنه سيرد عليها”.

وجواد العناني، سياسي واقتصادي أردني من مواليد 1943، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورجيا الأميركية، وشغل منصب، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وتولى حقائب وزارية عدة منها: الصناعة والتجارة والخارجية والسياحة والإعلام. 

عام الطوفان

  • بعد مرور عام على "طوفان الأقصى" وتوسع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لتشمل لبنان.. كيف تقيّم المشهد الحالي؟

بعد مرور عام على طوفان الأقصى، تعتقد إسرائيل أنها وصلت إلى مرحلة  قاربت فيها على تحقيق كل تطلعاتها في خلق مناطق عازلة واحتلال مزيد من الأراضي وتثبيت أمنها الداخلي.

وأيضا تعتقد أنها تقترب من القضاء على مجموعتين من المقاومة تعدهما أشد قساوة وعداوة عليها (في إشارة إلى حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس).

لكن الهجوم الإيراني بالصواريخ جعل الإسرائيليين يتواضعون أكثر، فالأمور ليست سهلة كما يعتقدون، لأن التنافس الإيراني الإسرائيلي أصبح على المحك.

بمعنى أن طهران إذا سكتت على كل ما يجرى من إسرائيل تجاه حماس وحتى على إيران نفسها، فستعطي الإسرائيليين، خصوصا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، شعورا بالتفوق، وأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، خصوصا إذا كان هذا الصمت بعد اغتيال القائد إسماعيل هنية، وكذلك تفجير أجهزة "بايجر" و"وكي توكي" في لبنان.

ولذلك، أرى أن الحرب ستطول أكثر، أو تقبل إسرائيل بما حققته وتخرج من الأراضي التي احتلتها، لأنها لا يمكن أن تبقى فيها، وأعتقد أنها ستكون مرشحة بعد ذلك إلى تغيير حكومتها وإجراء انتخابات جديدة حتى قبل عام 2028.

  • كيف ترى التعاطي السياسي والأمني الأردني مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟

أعتقد أن موقف الأردن رصين جدا في تعاطيه مع الحرب على قطاع غزة ولبنان أيضا؛ لأنه يعتقد أنه إذا دخلها، فسيخسر كل الأعداء ويعود إلى مواقف صعبة جدا.

  • تصدي الأردن للصواريخ الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل.. هل يضعه في عين العاصفة لتناله هجمات الأذرع الإيرانية؟

القضية ليست الخشية من إيران؛ لأن طهران قادرة على ضرب الأردن إذا أرادت.

لكن الأخير لا يستطيع إلا أن يأخذ موقفا وسطا، ولا يستطيع أن يجعل الأراضي الأردنية ساحة معركة بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، لأن الأردن سيكون الدولة التي تتعرض للهجوم.

إضافة إلى ذلك، فإن الأردن يجاور دولا لا تستطيع أن تتقدّم لإنقاذه، وإنما هي بحاجة إلى من ينقذها أيضا، لذلك الكل الآن في الوطن العربي يعتمد على نفسه ويخطط سياساته بالطريقة التي يعتقد أنها تحمي مصالحه.

ومع هذا كله، فإن الأردن يقدّم حاليا أقصى ما يستطيع دبلوماسيا وإنسانيا وطبيا واجتماعيا وتمويلا وتعاطفا مع القضية الفلسطينية، لأنها تشكل جزءا أساسيا من سياساته.

لذلك، أعتقد أن الموقف الأردني جيد ومتوازن يأخذ في الحسبان الظروف الإقليمية والدولية، ويعرف مدى حدوده، وهو يستطيع الدفاع عن نفسه.

وهذا أكبر إنجاز يمكن للأردن أن يحققه، إذا حاولت إسرائيل طمس فكرة الدولة الفلسطينية واستعاضت عنها بوطن بديل في عمان، وهذا ما أوضحه الملك (عبد الله الثاني) في خطابه أمام الأمم المتحدة.

  • هل يمتلك الأردن أوراق ضغط على إسرائيل لم يستخدمها حتى الآن في إيقاف العدوان على غزة ومنع توسعه؟

الأوراق التي يمتلكها الأردن في مواجهة إسرائيل كثيرة جدا، فهناك الصمود الأردني والاتفاقات التي إذا خرقتها تل أبيب فإنه سيرد عليها.

والأمر الثالث هو أنه إذا سعت إسرائيل لإشعال الفوضى في الأردن، فإنها ستكون هي نفسها معرضة لنتائجها.

معروف أن المقاومة الفلسطينية تعد الجبهة الأردنية مهمة جدا بالنسبة لها، وأن الأردن أيضا ليس عاجزا في الدفاع عن نفسه.

وأعتقد أنه من أكثر الدول استقرارا وأثبت ذلك مرارا وتكرارا، فالأردن يتمتع بموقع إنساني جيد وحظي باحترام معنوي من العالم، لذلك ليس من السهل على إسرائيل مهاجمته.

 وتعرف إسرائيل أيضا، أنها إذا دخلت إلى الأراضي الأردنية فهناك أكثر من مليون أردني قادرون على حمل السلاح والمقاومة.

وإذا فتحت جبهة الأردن وامتزجت المقاومة الأردنية مع الفلسطينيين، فهذا سيكون عبئا كبيرا على إسرائيل، وقادتها العسكريون يعرفون ذلك تماما.

الأردن قادر على استخدام أوراقه السياسية والدبلوماسية بقوة، وبذلك استطاع انتقاد إسرائيل وتحميلها مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبت ضد أهلنا في فلسطين ولبنان، وأن تل أبيب لا تستطيع أن ترد على ذلك بأكثر من الرد الشفوي، والتصريحات غير الموزونة التي تصدر عن وزرائها المتطرفين. 

شارع محتقن

  • تفاعل الشارع الأردني ضد العدوان الإسرائيلي عبّرت عنه الاحتجاجات الحاشدة.. هل يمكن أن يتطور الأمر إلى غير ذلك؟

دائما موقف الشعب الأردني هو الوقوف مع أهلنا في فلسطين وما يحصل في لبنان أيضا.

وهناك من يقول إن نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة أظهرت أن حزب "جبهة العمل الإسلامي" استفاد من كونه من المؤيدين والأنصار الأقوياء لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، والمقاومة بشكل عام.

هناك مشاعر شعبية قوية جدا، وهذه لا يكبتها الأردن، ولا يتدخل فيها، وإنما يتركها تعبّر عن نفسها في حدود القانون.

وهذا أمر طبيعي أن يتعاطف الأردنيون كلهم مع الفلسطينيين، فهم أشقاؤهم في الدم واللحم والجوار والنسب والتجارة، لذلك علاقتنا طويلة وتاريخية وثابتة.

النظام في الأردن والملك والحكومة يوجهون انتقادات قاسية ضد إسرائيل، وتبدي تعاطفا مع الشعب الأردني في عواطفه تجاه فلسطين.

ويدرك الأردن أن استمرار الحرب وتوسعتها سينطوي على تحديات بالنسبة للبلاد، وأنه سيكون جاهزا لها في المستقبل.

  • البعض يقول إن العملية التي نفذها الشاب ماهر الجازي كانت تعبر عن احتقان الشارع الأردني.. كيف تعلقون؟

العملية التي نفذها الشهيد ماهر الجازي (خلال سبتمبر/أيلول 2024 على معبر الكرامة وأدت إلى مقتل 3 إسرائيليين)، دعت إلى فخر كل قبيلة الحويطات التي ينتمي إليها، بهذا الإنجاز.

فهم لهم تاريخ في الحروب ضد إسرائيل مع الجيش الأردني، وكذلك يعلمون تماما مدى ما يتحمله الفلسطينيون.

من هنا، لا بد أن تصل عند بعض الأشخاص العواطف والحماسة إلى درجة أن يعبر عنها بقوة السلاح.

وبالتالي نحن في الأردن لا نستغرب حصول ذلك، لأن الشعب الأردني يتعاطف ويتلاحم مع الشعب الفلسطيني، وردة الفعل هذه تدل على مدى هذا التقارب بين الشعبين.

لذلك، هذا رد على من يحاول أن يفصل بين الشعبين داخل الأردن، رغم أن هذه الأمور (محاولة الفصل) اعتيادية وتحصل في كل دول العالم، لكن الأردنيين والفلسطينيين متلاحمون أفقيا ورأسيا.

  • كيف تقيّم تعامل السلطات الأردنية مع الشارع الأردني والاحتجاجات الشعبية المتضامنة مع قطاع غزة؟

يتعاطف الأردن تاريخيا مع المتظاهرين، وحتى في الربيع العربي كانت تخرج مظاهرات كبيرة في البلاد، فالبعض يبحث عن عمل لأبنائه أو هناك من عليه ديون، وآخرون يشتكون من نقص وتعثر في الخدمات المقدّمة لهم، وبالتالي يعبّر عن نفسه.

فالأردن لا يستخدم العنف ضد أحد إلا في الحالات النادرة، لا سيما مع من يعتدي على الأملاك العامة، ومن يحاول تهديد أمن الآخرين، أما من يخرج للتظاهر ويعبر عن غضبه في الشارع، فلا يجرى التعامل معه بانتقاد أو قسوة.

كما أنه تعامل بشكل حسن مع المتظاهرين في الربيع العربي، واستطاع أن يستوعب هذه الهزة بالتعاطف، لا سيما من الشرطة، ولم يكن هناك أناس أخذوا إلى السجن.

شاهدنا أحيانا مظاهرات لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكن الأردن تعامل معها في حدود السلطة بمعنى لا إفراط ولا تفريط، ودائما يحصل العفو، وهذا يأتي عن مقدرة وليس عن ضعف.

لذلك يخرج الناس مطمئنين للتظاهر في الأردن، لأنه حتى لو جرى اعتقالهم فسيفرج عنهم في اليوم الثاني، من دون تعذيب ومساءلة وضرب إلا في حالات نادرة، وهذه إذا حصلت ينتقدها الناس بشدة. 

واقع سياسي

  • إلى ماذا تعزو أسباب تقدم التيار الإسلامي في الانتخابات الأردنية الأخيرة على باقي التيارات الأردنية؟

فوز التيار الإسلامي بـ31 مقعدا من أصل 138، يعد نجاحا في المرتبة الأولى لهذا التيار، فهو حقق أصواتا أكثر مما كان يتوقع، وهم أشخاص لهم سمعتهم وقيادتهم، وبالتالي الناس التي خرجت لانتخابهم، تثق بهم.

قطعا استفاد التيار الإسلامي في الأردن من تأييده للمقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى أنهم يتمتعون بأخلاق عالية بخصوص الابتعاد عن الفساد والمفاسد، وهذه أيضا أتت لهم بأصوات.

الكثير من أعضاء التيار الإسلامي يخدمون الناس من دون النظر إلى أصولهم ومستواهم الاجتماعي والسياسي أو نفوذهم في البلد، بل على العكس، وهذه كلها انطباعات متكونة لدى الشارع الأردني حيال "الحركة الإسلامية"، لذلك أعطوها أصواتهم.

ونجاح "الحركة الإسلامية" ليس كبيرا إلى الحد الذي يجعلها في موقف تهديد على الإطلاق، وإنما في موقف تحدٍّ لبعض قرارات الحكومة التي قد لا تعجبها، لكنهم لا يستطيعون تغيير الثوابت الأساسية في السياسة الأردنية سواء الداخلية أو الخارجية.

والسبب أنهم لا يشكلون إلا نحو أقل من ربع الأصوات في مجلس النواب، وإذا تحالف معهم 12 نائبا آخرون، من أصحاب الميول الإسلامية أو من المعارضة، فسيكون عددهم نحو 44 نائبا.

سيكون عملهم في الأمور الاعتيادية ودراسة القوانين، لا سيما قانون الموازنة المالية، ولكنهم قد لا يوافقون على بعض الأشياء فيها.

وإذا وضعت كتلة التيار الإسلامي والمعارضين لهذه القوانين في جدول أعمالها- ليست ذات الأبعاد السياسية المهمة- فإنهم سيؤثرون.

  • هل نشهد في المرحلة المقبلة برلمانا أكثر تفاعلا مع قضايا الشارع الأردني في ظل دورة برلمانية مغايرة عن سابقاتها؟

 البرلمان الحالي سواء مع المعارضة أو بدونها فيه تحديات؛ لأن الشباب (النواب الجدد) شعروا بأنهم أتوا بتصويت من الشعب، وأنهم حزبيون الآن ويجب أن يدافعوا عن أحزابهم وتكتلاتهم.

لذلك، اللعبة البرلمانية اختلفت ودخلنا في مرحلة أقرب إلى التحدي البرلماني، وبالتالي فإن حكومة رئيس الوزراء، جعفر حسان، ستجد أن مناخ البرلمان الحالي مختلف عما شهدناه خلال السنوات السابقة. 

واقع اقتصادي

  • هل كان للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تداعيات على الواقع الاقتصادي في الأردن؟

الوضع الاقتصادي في الأردن فيه تحديات، وهي تظهر على مستوى مؤشرات الاقتصاد الكلي، ومنها معدل النمو.

ورغم أنه ارتفع في الربع الأول من العام 2024، لكنه ما يزال دون الحد الأدنى المطلوب، حتى نقول إن هناك نموا يمكن أن يخلق فرص عمل.

الجهد المطلوب في الأردن أكثر مما يتحقق حاليا؛ لأن الظروف الخارجية والحروب كلها لها تأثير واضح على مستوردات وصادرات الأردن والأسعار في البلاد.

  • في حال استمر العدوان الإسرائيلي واتسعت دائرة الحرب بالمنطقة.. كيف ترى تداعياتها الاقتصادية على الأردن؟

إذا استمرت الحرب بين إيران وإسرائيل، فإن هذا من شأنه أن يرفع أجور الشحن والتأمين التجاري، وكذلك كلف التصدير.

إضافة إلى أنه قد تحدث إضرابات في أميركا وغيرها، لأننا نرى حركة إضرابات عالمية بدأت تنشط هذه الأيام.

وهذا إذا حصل فإننا أمام ارتفاع كبير في الكلف سيجعل الناس يهربون إلى الذهب والملاذات الآمنة، وبالتالي ستحصل على الأردن بعض الضغوط مثل باقي الدول.

الأمر الثاني، هو عجز الموازنة الأردنية الذي يكبر وكبر معه الدين الخارجي والداخلي.

فالحكومة تنافس القطاع الخاص على الأموال والسيولة المتاحة لدى البنوك من أجل الاستثمار وتيسير الأعمال التجارية والمدفوعات.

كذلك نسبة البطالة مازالت مرتفعة، ومشكلة الفقر بدأت تعم في البلد، وهذه كلها أمور تجعل الاقتصاد الأردني أمام تحديات لا سيما خلال المرحلة المقبلة.

ولذلك يتطلب الأمر تحسين فرص الاستثمار والإدارة ورفع كفاءة الانتاج وتحسين إدارة الموارد.