لأول مرة منذ 2012.. لماذا عينت إيطاليا سفيرا لدى النظام السوري؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تتزاحم خلفها ملفات معقدة، لجأت إيطاليا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي  إلى مد يدها من جديد إلى نظام بشار الأسد في سوريا.

فبعد أكثر من عقد من الزمان على خروج إيطاليا من سوريا ردا على حملة القمع الدموية التي شنها الأسد لقمع الثورة، عينت روما سفيرا لها في دمشق.

روما في دمشق

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، في 26 يوليو/ تموز 2024 إن بلاده قررت تعيين سفير في سوريا "لتسليط الضوء" عليها.

وأفاد بتعيين المبعوث الإيطالي الخاص لسوريا ستيفانو رافاجنان سفيرا في دمشق، مشيرا إلى أنه سيتولى منصبه قريبا.

وقال تاجاني إن تعيين سفير إيطالي لسوريا يأتي بعد أن كلّف مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دائرة العمل الخارجي الأوروبي "بدراسة ما يمكن القيام به لسوريا".

ونقلت وسائل إعلام عن الوزير قوله إن هذه الخطوة تجعل إيطاليا أول دولة من مجموعة السبع تعيد فتح بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ سحب كثير من الدول سفرائها عقب اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011. 

وسحبت إيطاليا جميع موظفيها من سفارتها في دمشق في عام 2012 وعلقت النشاط الدبلوماسي في سوريا احتجاجا على "العنف غير المقبول" من النظام السوري ضد المدنيين.

وفي الآونة الأخيرة، حثت إيطاليا وسبع دول أخرى من الاتحاد الأوروبي الاتحاد على تبني موقف أكثر استباقية بشأن سوريا.

وفي رسالة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، سلطوا الضوء على الهجرة المستمرة للسوريين، مؤكدين على الضغوط على الدول المجاورة وخطر موجات جديدة من اللاجئين بسبب التوترات الإقليمية المتزايدة.

ووقعت الرسالة إلى جانب إيطاليا، كل من النمسا، وقبرص، وجمهورية التشيك، واليونان، وكرواتيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا. 

وأعربت عن أسفها "للوضع الإنساني" في البلاد الذي "تفاقم" حيث كانت اقتصادها "في حالة خراب".

واقترحت أيضا تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي إلى سوريا، يتولى إعادة التواصل مع السفير السوري في بروكسل والتنسيق مع الجهات الفاعلة السورية والإقليمية.

ومن بين المقترحات الأخرى البدء بتبادل إستراتيجي مع الشركاء العرب والتعامل مع الآثار السلبية للعقوبات الأوروبية المفروضة على الأسد.

وفي الوقت الحاضر، هناك ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي تعمل في دمشق، وهي رومانيا، وبلغاريا، واليونان، وقبرص، وجمهورية التشيك، والمجر.

لكن لم يستأنف أي من شركاء إيطاليا في مجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان) الوجود الدبلوماسي في سوريا حتى الآن.

مسار متسارع

واتجاه روما نحو طريق دمشق، يأتي بعد أكثر من عام على بدء الدول العربية في استعادة علاقاتها تدريجيا مع نظام الأسد.

وقد كانت الخطوة الأكثر أهمية من الناحية الرمزية في مايو/ أيار 2023 عندما أعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية بعد طرد نظام الأسد من شغل المقعد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 لقمعه الثورة بالحديد والنار.

كما أن روما جست نبض نظام الأسد، خلال الفترة الأخيرة، وربما وفق خبراء قد توصلت لنقاط اتفاق معينة.

إذ كشفت مصادر دبلوماسية غربية لـ"تلفزيون سوريا" المعارض، عن زيارة رئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي للعاصمة السورية دمشق في 28 مايو 2024 حيث التقى الأسد ومدير مخابراته اللواء حسام لوقا.

وبحسب المصدر، فإن كارفيللي وضع الأسد في صورة عملية التنسيق الجارية بين مجموعة دول أوروبية قررت إعادة النظر بطبيعة الواقع السياسي والأمني في سوريا، والتعامل "بواقعية" مع الظرف والتحولات الحاصلة بما يخدم مصالح كل الأطراف على حد سواء.

والآن تعزو بعض المواقع الأوروبية خطوة إيطاليا بأن روما تريد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا لمنع روسيا من احتكار الجهود الدبلوماسية، وهي الخطوة التي قد تؤدي إلى انقسامات بين حلفاء الاتحاد الأوروبي.

لكن ما كان لافتا هو أن إعلان تعيين السفير الإيطالي جاء بعد يوم من استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو رئيس النظام السوري بشار الأسد في 25 يوليو 2024 بزيارة مفاجئة لم يعلن عنها لهذه الدولة الحليفة للأسد التي تدخلت عسكريا عام 2015 لإنقاذ نظامه من السقوط.

وأتى اللقاء بين بوتين والأسد منذ زيارة للأخير إلى موسكو في مارس 2023، في الوقت الذي تحدث فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع يوليو 2024 على هامش قمة في كازخستان، عن احتمال حصول لقاء مع الأسد لمباشرة تطبيع العلاقات التركية-السورية.

وقد كرر أردوغان دعوته لاحقا الأسد لعقد لقاء بينهما في بلد ثالث لم يسمه، في وقت يشترط فيه الأخير انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ( الشمال السوري) ويصف هذا التواجد بـ "الاحتلال".

“لوبي أوروبي”

وضمن هذه الجزئية، يؤكد لـ"الاستقلال" الباحث السوري، يونس الكريم، أن "تعيين إيطاليا سفيرا لها في دمشق جاء بعد لقاءات أمنية مطولة مع مخابرات الأسد عندما كان علي مملوك رئيسا للأمن الوطني والذي زار بطبيعة الحال إيطاليا أكثر من مرة".

وأضاف الكريم: “لقد جاء تعيين السفير الإيطالي ضمن محاول عدم إبقاء الشرخ في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي مع نظام الأسد نتيجة وجود دول فقيرة في هذا التكتل تعاني من عد أراضيها طريقا للجوء إلى أوروبا من اللاجئين السوريين”.

واستدرك قائلا: “هناك خوف من تلك الدول من تصاعد موجة الهجرة عقب الأحداث التي شهدتها تركيا من ارتفاع موجة العنصرية ضد اللاجئين وازدياد عمليات الترحيل والتي ربما تقود إلى فتح الحدود نحو أوروبا من جديد”.

 ولذلك "محاولة تواصل هذا اللوبي الأوروبي مع الأسد هي لمنع موجة لجوء جديدة قد تحدث في الفترة القريبة مع ارتفاع مؤشرات الصراع في إدلب"، وفق الكريم.

وأشار الباحث السوري إلى أن “هذا اللوبي الأوروبي يرى أن وجوده داخل نظام الأسد سوف يحجم وجود روسيا بالتوافق مع تركيا على الحدود السورية التركية”.

وبالتالي هذا الأمر من شأنه، وفق الكريم، أن يربك الحسابات الأوروبية وخاصة لارتباط ذلك بحرب أوكرانيا لذلك هم يعملون على الاطلاع المباشر لتطورات التقارب بين أنقرة ودمشق ومنع صياغة حل سياسي في سوريا بناء على القياس الروسي والإيراني".

كما أن "عدم إيفاء الأسد بتعهداته لمنع وصول المخدرات والكبتاغون إلى الأردن ومنها إلى الخليج خلال عملية التطبيع العربي صعّد من وصول الكبتاغون إلى أوروبا عبر سواحل قبرص الرومية وإيطاليا وهما أحد المعابر الرئيسة لتجارة المخدرات نحو أوروبا"، حسب الكريم.

ولا شك أن تغيير عدد من الدول الأوروبية بشكل منفرد سياساتها تجاه نظام الأسد، لم يكن مفاجئا.

إذ سبق أن وجدت ثماني دول أوروبية الباب مواربا لإجراء مباحثات ومناقشات مع النظام السوري خلال الفترة الأخيرة بعيدا عن موقف الاتحاد الأوروبي الذي ما يزال غير معترف به منذ عام 2011 حين قمع الثورة بالحديد والنار.

وفي تسليط الضوء على الانقسامات في أوروبا، أصدرت ثماني دول، هي: النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا في 17 مايو 2024 بيانا مشتركا بعد محادثات بجزيرة قبرص، في مخالفة للمواقف السابقة للكتلة الأوروبية.

وفي إعلان مشترك، قال مسؤولون من تلك الدول إنهم اتفقوا على إعادة تقييم من شأنها أن تؤدي إلى "طرق أكثر فعالية للتعامل" مع اللاجئين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. 

وهنا يشير الباحث يونس الكريم، إلى "قيام رئيس المخابرات العامة التابعة للنظام السوري بزيارة سرية إلى قبرص الرومية، ولقائه مع تاسوس تزيونيس مستشار الأمن القومي ومدير المخابرات القبرصية في مايو 2024، والتي جرت بناء على توجيهات من بشار الأسد".

ورأى الكريم، “أن تعيين إيطاليا سفيرا لها في دمشق هو بمثابة نيابة عن الاتحاد الأوروبي وهو سفير أمني، وهي محاولة من التكتل لمنع التواصل المباشر وغير المباشر مع نظام الأسد إلا عن طريق الإيطاليين”.

وأضاف: "هذا الأمر له جوانب تتعلق برفض فرنسا وألمانيا وبلجيكا التعامل مع الأسد وخاصة في ظل استمرار محاكمات أفراد وضباط من النظام السوري في تلك الدول الأوروبية ولن تتخلى عن تلك المحاكمات".

وأردف قائلا: "كما أن هذا الأمر قد يدفع بحكومة الأسد بالتضحية بتجار وقنوات تهريب المخدرات وغسيل الأموال للإيرانيين وحزب الله".

"سفير أمني"

ورغم أن بعض الدول مثل إيطاليا وقبرص أكثر انفتاحا على وجود شكل من أشكال الحوار مع الأسد لمناقشة السبل الممكنة على الأقل لتعزيز عمليات العودة الطوعية للاجئين السوريين بالتعاون مع الأمم المتحدة وتحت رعايتها.

إلا أن هناك دولا أخرى، مثل فرنسا، التي تعترف بالضغط الذي يفرضه اللاجئون تظل ثابتة على أنه لا يمكن إجراء أي نقاش مع نظام الأسد قبل استيفاء الشروط الأساسية للحل السياسي.

وهنا يلفت الكريم إلى أن "السفير الإيطالي سيكون بمثابة منسق أمني وعلاقات إنسانية لها علاقة بالتعافي المبكر وإعادة بعض اللاجئين من دول اللجوء حيث سيعمل على الخروج من التفاوض الروسي التركي حول المساعدات الأممية مع الاتحاد الأوروبي".

وهذا الأمر وفق الكريم "يعطي دول الخليج العربي نوعا من الارتياح لوجود مثل السفير الإيطالي الذي تتعدى مهامه التواصل السياسي، الأمر الذي يجنب الاتحاد الأوروبي انتهاك القانون الدولي في التواصل فقط مع القادة الأمنيين لنظام الأسد".

وذهب الكريم للقول: "السفير الإيطالي لن يخرج بمحاولة التطبيع مع نظام الأسد إلا بشروط تطبيق القرار الأممي 2254، ولن يكون له دور في تعويم الأسد بل سيكون له دور المراقب على أموال التعافي المبكر الذي سيقدم لسوريا".

والقرار رقم 2254 صادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015 بشأن سوريا ينص على تطبيق الحل السياسي عبر أربع سلال: “الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب”، حيث لم يطبق النظام السوري أيا من هذه السلال بعد.

الملاحظ أن تسارع الخطوات الأوروبية نحو النظام السوري، تزامن مع ما نقلته صحيفة "الوطن" المحلية الموالية للنظام السوري عما سمته مصادر صحفية في العاصمة البلجيكية بروكسل قولها إن ثماني دول أوروبية تقدمت إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بـ "لا ورقة" حول سوريا.

وتقول الصحيفة في تقرير لها نشر في 25 يوليو 2024 إن الدول الثماني "تساءلت عما حققه الاتحاد الأوروبي نتيجة سياسة المقاطعة وفرض العقوبات على النظام السوري من جهة، وما تحقق من خلال صرف الملايين من المساعدات الإنسانية من دون أن يكون لها أي مفعول على سياسة أوروبا تجاه سوريا".

وأشارت المصادر إلى أن الدول الثماني "طلبت مراجعة كاملة لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه النظام السوري وتجاوز ما سمي باللاءات الثلاث، أي لا للتطبيع ولا رفع العقوبات ولا إعادة الإعمار، والانخراط في مشاريع التعافي المبكر بحيث تكون سياسة أوروبا أكثر براغماتية وواقعية والتوقف عن انتظار سقوط النظام الذي لا يزال موجوداً، في حين أن النفوذ الأوروبي هو الذي تراجع أو شبه اختفى في الشرق الأوسط".

وكانت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية كشفت في 22 يوليو 2024 أن النمسا وكرواتيا وقبرص الرومية والتشيك واليونان وإيطاليا وسلوفاكيا وسلوفينيا بعثت برسالة إلى جوزيب بوريل. 

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن "أي تحرك يسعى لتخفيف الضغط عن النظام السوري من المرجح أن يلقى معارضة من دول أوروبية أخرى، نظراً لارتكاب النظام لكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان إلى جانب جرائم الحرب".

وبحسب ما جاء في "اللا ورقة"، وفق مصادر الصحيفة السورية المقربة من الأسد أنها تضمنت “توصية بضرورة توقف المصارف الأوروبية عن إدراج السوريين على اللوائح السوداء، فيما يخص تمويل بعض البضائع، وخاصة تلك غير المشمولة بالعقوبات، والعودة إلى العمل بانتظام لضمان وصول ما يحتاجه الشعب السوري من معدات طبية وإنسانية من خلال المصارف الأوروبية”.