هدف زيارة وزير الخارجية الأردني إلى إيران.. حماية عمان أم تل أبيب؟

يوسف العلي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في زيارة نادرة، حطت طائرة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، رحالها في العاصمة الإيرانية طهران في 4 أغسطس/ آب 2024، والتقى بنظيره الإيراني علي باقري، ورئيس البلاد مسعود بزشكيان، حاملا له رسالة من الملك عبدالله الثاني بشأن الأوضاع في المنطقة.

تأتي زيارة الصفدي إلى إيران، على وقع تصاعد التوتر في المنطقة بعد اغتيال الاحتلال الإسرائيلي، رئيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية، بالعاصمة طهران في 31 يوليو/ تموز 2024، وتعهد إيران بالرد على ما وصفته بـ"الخطأ الكبير".

تهور وجنون

وبخصوص مدى قدرة الأردن على خفض التصعيد في المنطقة، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عيّاد، إن "الحراك الدبلوماسي للأردن والنشاط غير المسبوق بالتوجه إلى طهران، يقع ضمن محاولاته تجنّب هذه المواجهة، وأن يصبح جزءا من معركة لا يرغب فيها".

وأوضح عيّاد لـ"الاستقلال" أن "الأردن يحاول من وراء الزيارة إلى طهران توضيح موقفه واستيضاح موقف إيران من جهة أخرى، ومحاولة للوصول إلى الحد الأدنى من التنسيق بين البلدين، وحتى لو كان ذلك على المستوى الدبلوماسي".

وأشار إلى أن "الأردن يحاول التنسيق مع إيران بشكل يمنع من التصعيد على المستوى السياسي والدبلوماسي بين البلدين، وهي خطوة استباقية أرادت لها المملكة الأردنية ، أن يتجنب أي تدهور في العلاقات الإيرانية الأردنية، وهو يريد أن يستبق ذلك".

وتابع: "لأن المواجهة التي ستقع لا شك أن الأردن لا يستطيع أن يتحكم في كل مدخلاتها ومخرجاتها في ظل الوجود الأميركي بالمنطقة، والتهور والجنون الإسرائيلي، لذلك جلّ ما يستطيع القيام به هو محاولة الدفاع عن سيادته ضمن الموارد والإمكانات المتاحة له".

وأردف، عيّاد قائلا: "أيضا هي محاولة أن يتجنب حدوث أي توتر على صعيد العلاقات الأردنية الإيرانية على خلفية توترات المنطقة، ولعل ذلك هو ما سعت إليه المملكة الهاشمية في ظل هذا التصعيد، والذي يتحمل بالتأكيد الجانب الإسرائيلي مسؤوليته".

ولفت إلى أن "النشاط الأردني لم يقتصر على هذا الجانب، وإنما حاول الضغط على الإدارة الأميركية وهذا ظهر من خلال الدبلوماسية الأنشطة تجاه المملكة من الرئيس الأميركي، جو بايدن، لذلك الأردن يظهر قدرا من الممانعة لأية نشاطات عسكرية عبر أجوائه سواء أميركية أو إسرائيلية".

وأعرب الكاتب الأردني عن اعتقاده بأن "الأردن يحاول الوصول إلى نقطة من التوازن يصعب الوصول إليها، ولكنه يبذل جهدا في هذا المجال، ولعل الزيارة إلى إيران مؤشر قوي على ذلك".

 وبحسب قناة "المملكة" الأردنية، فإن الصفدي، نقل خلال اللقاء، رسالة من الملك عبدالله الثاني إلى الرئيس الإيراني بشأن الأوضاع في المنطقة والعلاقات الثنائية، فيما بعث الأخير تحياته للملك، وأكد حرص بلاده على تطوير العلاقات مع الأردن في مختلف المستويات.

وأفادت القناة الرسمية في 4 أغسطس، بأنه جرى، خلال الاجتماع، بحث "التصعيد الخطير" الذي تشهده المنطقة، وتداعيات اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي أكد الأردن إدانته له، وعدّه جريمة تصعيدية نكراء وخرقا للقانون الدولي.

والصفدي أكد، في تصريحات صحفية للتلفزيون الإيراني بعد لقاء مع نظيره الإيراني، أن خفض التصعيد وحماية المنطقة من ويلات حرب إقليمية يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري، ووقف إسرائيل استباحتها لحقوق الشعب الفلسطيني، وخروقاتها للقانون الدولي.

"زيارة فاشلة"

لكن صحيفة "الغارديان" البريطانية، وصفت زيارة الصفدي إلى إيران ولقاءه القادة الإيرانيين بأنها محكوم عليها بالفشل، مؤكدة أن أحد مخاوف وزير الخارجية الأردني هو أن يتعرض الأردن لهجوم من إيران إذا ساعد في الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية.

وذكرت الصحيفة خلال تقرير نشرته في 4 أغسطس، أن "الأردن الحليف مع الغرب، والذي يضم عددا كبيرا من الفلسطينيين، يواجه مهمة صعبة في ظل دعوات محلية لقطع العلاقات مع إسرائيل والتوقف عن حمايتها بعد إسقاط صواريخ إيرانية كانت تستهدف الأخيرة في أبريل 2024".

وأضافت: يبدو أن الزيارة محكوم عليها بالفشل نظرا لإصرار إيران، على عدم وجود مجال للتسوية وأنها سترد بشكل حاسم على اغتيال هنية. وفي اجتماع مع الصفدي، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن مقتل هنية كان "خطأً كبيرا" ارتكبته إسرائيل "ولن يمر دون رد".

وقالت الولايات المتحدة إنها ستدافع عن إسرائيل في حالة وقوع هجوم إيراني، ونقلت سفنا حربية وطائرات مقاتلة إلى المنطقة. وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون فينر، لشبكة "آي بي سي" الأميركية: "نحن نبذل قصارى جهدنا للتأكد من عدم تفاقم هذا الوضع".

واختتم وزير الخارجية الأردني زيارة نادرة لإيران، في 4 أغسطس، دعا خلالها إلى وقف تصاعد العنف والإسهام في "بناء منطقة يعمها الأمن والسلام"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

وتأتي زيارة الصفدي لإيران في أعقاب اتصالات دبلوماسية مستمرة من قبل الولايات المتحدة وشركائها بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ومصر لمنع المزيد من التصعيد بالمنطقة بعد مقتل هنية.

وقبل لقاء بزشكيان، أصر الصفدي على أنه لم يكن يحمل رسالة من إسرائيل، لكن "الغارديان" ذكرت أن أحد مخاوفه هو أن يتعرض الأردن لهجوم من إيران إذا ساعد في الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية.

وقال الصفدي في مؤتمر صحفي عقده في طهران مع نظيره الإيراني إن الملك عبد الله الثاني كلفه بأن "يلبي الدعوة إلى طهران لإجراء حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية بما يحمي مصالح البلدين".

وأضاف: "نطالب بأن يكون هنالك تحرك فاعل يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ويوقف مثل هذه الخطوات اللاشرعية الإسرائيلية، وارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، لنحمي المنطقة كلها من تبعات حرب إقليمية سيكون أثرها مدمرا على الجميع".

وتابع الصفدي، قائلا: "نحن نريد لمنطقتنا أن تعيش بأمن وسلام واستقرار، ونريد للتصعيد أن ينتهي".

“حزام الصد”

خلال الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل 2024، تصدت السلطات الأردنية للعديد من المسيّرات فوق أراضيها، إذ أكدت في حينها حكومة الأردن، "تعاملها مع أجسام طائرة اخترقت أجواءها، وتصدت لها". 

وأكدت وكالة "رويترز"، في 13 أبريل، أن "مقاتلات أردنية أطلقت النار على عشرات المُسيرات الإيرانية في شمال ووسط الأردن وهي في طريقها لإسرائيل".

وأطلقت إيران في 13 أبريل، ما يزيد على 330 طائرة مسيّرة وصاروخا على إسرائيل، ردا على تدمير غارة جوية إسرائيلية في الأول من ذات الشهر، مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا، بينهم القائد البارز في “الحرس الثوري”، محمد رضا زاهدي.

وعلى ضوء تصدي الأردن لطائرات إيران المسيّرة، احتفت صحف إسرائيلية ومحللون؛ بالدور الأردني في صد جزء من الهجوم الإيراني على "إسرائيل"، وعدّوا ذلك تعبيرا عن التعاون الوثيق بين الجانبين، ونجاح إسرائيلي في "هندسة" تصد إقليمي للهجوم.

وقالت الصحفية الإسرائيلية، سمدار بيري، إنه بينما اختفى الملك الأردني بالتزامن مع الهجوم الإيراني، ولم يظهر للتعليق على ما يجرى، فإنه كان يعمل خلف الكواليس، ويوجه سلاح الجو لصد الهجوم الإيراني.

وأضافت بيري خلال تقرير لها بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 14 أبريل، إنه حتى قبل الهجوم الإيراني الليلة، ومرور الطائرات في أجواء الأردن، فقد أوضح الملك في المحادثات أنه لن يسمح للإيرانيين بالعمل في الأراضي الأردنية كما يفعلون في العراق وسوريا ولبنان. 

وأردفت: "بالأمس، فجأة، تم الكشف عن سر التعاون الوثيق بين قوات الأمن الأردنية ونظيرتها الإسرائيلية، وسمحت المملكة للطائرات الإسرائيلية بحرية العمل الكاملة في سماء الأردن، فهاجمت الطائرات الإيرانية بدون طيار، وبدا للحظة أن التعاون العلني والسري في عهد إسحاق رابين والملك حسين يعود إلى عهد عبد الله وبنيامين نتنياهو (رئيس وزراء إسرائيل)".

وقالت بيري، إن "طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ومعدات إلكترونية متطورة نصبت كمينا للطائرات بدون طيار الإيرانية في سماء الأردن، وفي الوقت نفسه خرجت طائرات أردنية من قواعدها لإطلاق النار على الطائرات بدون طيار الإيرانية التي شقت طريقها إلى الأراضي الإسرائيلية". 

وذكرت الكاتبة الإسرائيلية أن "المعلومات المحدودة تؤكد أن معظم الهجمات لم تحدث داخل الأراضي الإسرائيلية. وقد أعلن الأردن إغلاق مجاله الجوي، وأغلق مطار عمان، بالضبط خلال الساعات التي تم فيها تعليق الرحلات الجوية في إسرائيل".

من جانبه، رأى المحلل العسكري رون بن يشاي، أن "الهجوم الإيراني فشل بعد أن أعدّ الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون، وعلى ما يبدو سلاح الجو الأردني أيضا، حزام رصد مسبق لمئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران".

وأضاف بن يشاي خلال تحليل نشره موقع "واينت" العبري في 14 أبريل، أنه "نتيجة لذلك فقد تمكنت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي من تركيز جهودها على اعتراضها قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية".

ورأى بن يشاي أن "إنجازا آخر لإسرائيل يكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن أيضا، لم ترتدع من تهديدات إيران باستهدافهم، وإنما حاربوا بشكل فعال من خلال تقاسم عمل دقيق ومخطط له مسبقا إلى جانب إسرائيل، وبذلك تحقق حلم إسرائيل الإستراتيجي بهندسة الدفاع الإقليمي أمام إيران".

وفي تهديد صريح، أبلغ مصدر إيراني مسؤول (لم يكشف عن هويته) وكالة "فارس" الإيرانية أن طهران تراقب عن كثب الأردن الذي قد يصبح "الهدف التالي في حال أي تحرك (لصالح إسرائيل)"، حسبما نقلت "رويترز" في 14 أبريل.

وقبل ذلك، ذكرت وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية للأنباء أن وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني حذر من أن طهران سترد بحزم على أي دولة "تفتح مجالها الجوي أو أراضيها لهجمات إسرائيلية على إيران".

لكن سفارة إيران في الأردن، أصدرت بيانا في 14 أبريل، نفت فيه تهديد بلادها للمملكة، مؤكدة أن التصريحات التي صدرت حول تهديد الأردن "غير صحيحة ومن مصادر غير رسمية".