"رمتني بدائها وانسلت".. قصة حزب الدعوة الشيعي الذي يتهم إدارة سوريا بالإرهاب

"نوري المالكي متهم بتفجير سيارات مفخخة وهجمات انتحارية قتلت مئات العراقيين"
اتهامات “الإرهاب” التي أطلقها نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق بحق الإدارة السورية الجديدة، أعادت إلى الأذهان الحديث عن التاريخ الدموي لحزب الدعوة (شيعي)، الذي يتزعمه، والذي يُتهم بالتورط في قتل مئات العراقيين بتفجيرات وعمليات انتحارية.
وفي 2 فبراير/ شباط 2025، قال المالكي خلال كلمة له بمؤتمر عشائري في كربلاء العراقية: إن "سوريا الآن يحكمها إرهابيون كانوا سجناء لدينا في العراق.. ولا يمكن للإرهابي أن يحكم بلدا متعدد الطوائف.. والآن هناك فتنة كبرى، والشيعة السوريون يستنجدون بنا".

"تاريخ دموي"
نوري المالكي الذي يوجه اتهامات الإرهاب إلى القيادة السورية الحالية التي جاءت بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، يُتّهم هو شخصيا برئاسة "مكتب الجهاد" في حزب الدعوة خلال حقبة ثمانينيات القرن العشرين، حين كان يقيم في سوريا، والوقوف وراء العديد من التفجيرات.
وبالتزامن مع نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، وإعلان إقامة نظام ولاية الفقيه بزعامة رجل الدين الإيراني الشيعي روح الله الخميني، لم يتردد حزب الدعوة الإسلامية، المناهض لحزب البعث العراقي، في اعتماد العنف ضد المسؤولين العراقيين الموالين لصدام حسين.
ومنذ 1979، قاد حزب الدعوة العديد من الهجمات الدامية ضد بعض المسؤولين بحزب البعث العراقي، ثم أتبعها بعملية محاولة اغتيال فاشلة ضد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء خلال زيارته إلى الجامعة المستنصرية، في شهر أبريل/ نيسان 1980، والتي قُتل فيها طالبان.
وفي اليوم التالي وعند تشييع الضحايا، بادر أيضًا جماعة من حزب الدعوة في تحدٍ جديد وأطلقوا النار على المشيعين وخرج صدام حسين في خطاب يهددهم فيه ويتهمهم بالعمالة والخيانة، لتشن بعهدها حملة أمنية واسعة ضد مسؤولي حزب الدعوة.
وخلال أبريل/ نيسان 1980، أدت العمليات الأمنية العراقية إلى إعدام المرجع الديني الشيعي، محمد باقر الصدر، الذي صنف كأهم مؤسسي حزب الدعوة، بتهمة الخيانة والعمل لصالح إيران، لتندلع في العام نفسه حرب بين إيران والعراق امتدت لثماني سنوات.
وأمام هذا الوضع، فرّ عدد كبير من قادة حزب الدعوة نحو إيران وسوريا، وبالحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت خلال سبتمبر/ أيلول 1980، قاد الحزب وبدعم من النظام الإيراني، العديد من العمليات ضد المصالح العراقية داخل وخارج العراق.
وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990) تحوّل الدبلوماسيون العراقيون هناك إلى أهداف لعناصر حزب الدعوة، فخلال فبراير/شباط 1981، اغتيل الدبلوماسي العراقي محمد علي خضير عباس ومرافقه غرب العاصمة بيروت.
وبعدها بعشرة أشهر فقط، اهتزت العاصمة اللبنانية بيروت يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 1981 على وقع حادثة تفجير السفارة العراقية، وذلك بتفجير شاحنة مفخخة كانت مجهّزة بنحو 100 كجم من المتفجرات قادها انتحاري من حزب الدعوة يدعى أبو مريم.
وقد أسفر هذا التفجير عن نسف السفارة وأدى لمقتل 61 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، ومن بين القتلى السفير العراقي عبد الرزاق لفتة، وبلقيس الراوي زوجة الشاعر السوري نزار قبّاني، حيث عملت الأخيرة بتلك الفترة بالملحقية الثقافية للسفارة.
ورغم عدم تحديد مسؤولين مباشرين عن تدبير عملية التفجير، ظهرت خلال السنوات الأخيرة بعض التقارير التي تحدثت عن وجود دور للمالكي الذي كان يوجد حينها في سوريا، بالتخطيط لتفجير مبنى السفارة العراقية في بيروت عام 1981.
وخلال مقابلة مع برنامج "الصندوق الأسود" في عام 2024، قال ضابط المخابرات العراقي الأسبق سالم الجميلي، إن "تفجير سفارة العراق في بيروت جرى بتعاون مشترك بين حزب الدعوة والمخابرات السورية، لأن الأخيرة كانت تهيمن على الأمن اللبناني في حينها.. وأن هذا الحزب هو أول من بدأ العمليات الانتحارية".
ازدواجية التبرير
وبخصوص التفجيرات التي كان يقوم بها حزب الدعوة في حقبة الثمانينيات، والتي نالت وزارة التخطيط في بغداد، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى استهداف مقر وكالة الأنباء العراقية، والتي جرت كلها بسيارات مفخخة، يجد لها قادة الحزب التبريرات في تنفيذها.
ويقول علي الأديب القيادي البارز في حزب الدعوة والذي تسلم في عام 2010 إلى 2014 منصب وزير التعليم العالي في العراق، إن "الأماكن التي استهدفها الحزب كانت عبارة عن أوكار تآمرية تخطط ضد المواطن"، حسب مقابلة تلفزيونية مع قناة "الحرة" الأميركية يعتقد أنها تعود إلى العام 2008.
وعن الفرق بين تفجيرات الإرهاب في العراق بعد عام 2003، وبين ما قام به حزب الدعوة، يبرر الأديب قائلا: "الآن السيارات المفخخة تستهدف الأبرياء من البشر في الساحات العامة، وتقتل الأشخاص بطريقة عشوائية، في حين سياراتنا المفخخة لم تكن كثيرة أولا، وإنما كانت محدودة جدا".
الأمر الثاني يضيف الأديب، أن السيارات المفخخة لحزب الدعوة "استهدفت أوكارا أساسية كانت تقوم بعمليات التخريب الذهني والفكري للناس بالإضافة إلى التآمر المخابراتي ضد العناصر المعارضة لنظام صدام حسين".
وبكل فخر قال الأديب، إن "الذي حدث ضد السفارة العراقية في بيروت كان هو العمل الاستشهادي الأول الذي قام به الشهيد البطل أبو مريم".
أما وكالة الأنباء العراقية، فيبرر الأديب استهدافها؛ لأنها "كانت تزيف الخبر وبالتالي تحاول أن تسمم الفكر العراقي بالاتجاه المضاد وهؤلاء (العاملون فيها) كانوا هم عملاء فكريين لنظام معادٍ لأبناء الشعب العراقي، واستهدفت بهذا الشكل".
وفي السياق ذاته، تحدث القيادي البارز في حزب الدعوة، آغا رشيد فاضلي خلال مقابلة تلفزيونية نشرت على "يوتيوب" منذ عام 2015، بالقول إن "عملية تفجير الجامعة المستنصرية قام بها عناصر حزب الدعوة، وأن أحد قادتها يدعى الشيخ كامل الكابري، وكان وكيلا للصدر".
وأضاف فاضلي أن "عناصر حزب الدعوة اشتغلوا شغلا عظيما في تلك المرحلة، وأن الكابري هو من كان يدير العملية بنفسه، وأنه أبلغني بذلك عندما كنا معا في السجن، وأن من نفذها كانوا مجموعة من الشباب".
ورفض القيادي في الحزب وصف ما كان يقوم به عناصر "الدعوة" بأنه تأسيس للعنف في العراق، وقال إنه "كان دفاعا عن النفس، وحتى نثبت وجودنا. وأن الإمام الخميني علمنا الدعوة، فهو كان رسولا إلهيا".
"إرهاب شيعي"
وفي ظل الهجوم الذي يشنه حزب الدعوة على القيادة الجديدة في سوريا، واتهامها بالإرهاب، ردّ السياسي العراقي السني، مشعان الجبوري، بالقول إن "الشرع (الرئيس السوري الحالي) لم يقتل وينتقم ممن كانوا يعملون في الدولة السورية، أو الطائفة التي كانت تمسك بالسلطة في البلد (العلويين)".
وأضاف الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 29 يناير 2025، أن "هناك دواعش شيعة أيضا، تفكيرهم وسلوكهم كما يفعل تنظيم الدولة المحسوب على السنة، فهم أيضا قتلوا الآلاف من أبناء المكون السني بالعراق، بدون ذنب تحت حجة حماية المذهب".
وتابع الجبوري، قائلا: إن "الجهات الحاكمة في العراق آخر ناس يحق لهم اتهام الآخرين بقضايا الإرهاب؛ لأن لدينا إرهابيين ننظر إليهم على أنهم أبطال ونقدس بعضهم".
وأشار السياسي العراقي إلى أن "الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع) تصرف بسماحة وأخلاق وشعور بالمسؤولية ومع خصوم الأمس المحسوبين على النظام، ولم يقتل أحدا وينفذ عمليات إعدام جماعية ولم يأخذ الطيارين والأساتذة والدارسين بالعلوم النووية كما فعل الجماعة هنا (الحاكمين بالعراق) وذبحوهم كلهم".
وأكد الجبوري أن "هذا تاريخ العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا الحاضر، وأن مئات الآلاف من الشباب والرجال قتلوا؛ وذلك فقط لأن النظام السياسي العراقي السابق كان سنيا، وأن السنة قتلوا في العراق؛ لأنهم محسوبون على النظام ومن عملوا في مؤسسات الدولة".
ورأى السياسي العراقي، أن "تصرف الشرع مع الداخل السوري يفرق بسنة ضوئية عما عمله السياسيون الذين حكموا العراق بعد عام 2003، وأن من يحكم سوريا حاليا هم من القوة الوحيدة التي واجهت نظاما شرسا دمّر سوريا وحول مدنها إلى تراب، واستطاعت أن تدحره".
وبعد الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، تعرض الطيارون العراقيون الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية (1980 إلى 1988) إلى الاغتيال، وقتل منهم العشرات، إضافة إلى قتل الخبرات النووية والكفاءات العلمية بحجة انتمائهم إلى الحقبة الماضية.
وتُتهم الأحزاب التي تولت السلطة في العراق بعد عام 2003 بالوقوف وراء معظم هذه الاغتيالات، إذ ترأس حزب الدعوة الحكومات من عام 2005 إلى 2018، وتعاقب قياداته على تولي منصب رئاسة الوزراء، وهم: إبراهيم الجعفري (2005 إلى 2006) نوري المالكي (2006 إلى 2014) وحيدر العبادي (2014 إلى 2018).