إعلان مربك.. ما حقيقة كشف رئيس وزراء العراق عن اعتقال قاتل "الصدر الأول"؟

يوسف العلي | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان السلطات العراقية اعتقال "قاتل" المرجع الديني الشيعي في العراق، محمد باقر الصدر، جدلا واسعا بخصوص توقيت إظهار هذا الملف في الوقت الحالي، خصوصا بعدما جرى الحديث عن عملية القبض على المتهم منذ يونيو/ حزيران 2024.

الصدر، أعدمته السلطات العراقية في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، عام 1980، بتهمة التآمر على النظام في البلاد، والسعي إلى إعلان ثورة شيعية بدعم إيراني، وذلك في ظل توتر بين طهران وبغداد، اندلعت في العام نفسه حرب امتدت لثماني سنوات.

قصة معادة

وفي 31 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على قتلة المرجع الديني (الشيعي) محمد باقر الصدر.

وكتب السوداني على منصة "إكس"، قائلا: "يثبت رجال الأمن الوطني ومعهم الجهد الأمني للدولة أن تفانيهم يجري بالاتجاه الصحيح نحو ترسيخ القانون وتأكيد عدم الإفلات من العقاب".

وأضاف: "مع تحقيق العدالة بالقبض على رموز الآلة القمعية المجرمة للنظام الصدامي البعثي قتلة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وشقيقته (بنت الهدى) وكوكبة الشهداء من آل الحكيم ومعهم آلاف العراقيين الذين كتمت أنفاسهم الشريفة في غياهب السجون، نؤكد منهج ملاحقة المجرمين وإن طال بهم الزمن في هروبهم".

السوداني ختم بالقول: "ستبقى الجهود المخلصة تعمل بالزخم ذاته في ملاحقة كل من أجرم بحق الدم العراقي في كل زمان ومكان، هذا عهدنا لأبناء شعبنا ولكل مظلوم أو شهيد".

لكن إعلان السوداني جاء بعد أقل من عام على تصريحات قادة مليشيات عراقية عن استدراج المتهم بقتل الصدر، وأنهم كانوا وراء جمع المعلومات ومتابعة تحركاته إلى حين اعتقاله.

وفي يونيو 2024، كشف تسجيل صوتي منسوب إلى نائب زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، محمد الطباطبائي، وهو يخاطب شخص يعرّف نفسه بأنه من العصائب، قوله إن "عملية أمنية، تخللتها تهديدات لإقليم كردستان أدت إلى اعتقال مسؤول أمني رفيع من النظام السابق (صدام حسين)".

وأوضح الطباطبائي خلال المقطع أن "المسؤول السابق هو سعدون صبري المعروف بعميد نزار، والذي شغل سابقا منصب مدير الشعبة الخامسة في مديرية الاستخبارات العسكرية، فضلا عن مدير أمن النجف".

ووفق المتحدث في التسجيل الصوتي، فقد ألقي القبض عليه بعد قدومه إلى أربيل لتجديد وثائق رسمية في إقليم كردستان شمال العراق، وهو متورط في تصفية الصدر وشقيقته بنت الهدى عام 1980.

وأردف: "سلطات كردستان تأخرت أول الأمر في تسليمه، ما دفع العصائب إلى الاتصال ببنكين ريكاني وزير الإسكان والإعمار في الحكومة العراقية (القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بالإقليم)، وإبلاغه أن عدم تسليم المطلوب يعني نهاية العلاقات بين بغداد وأربيل، وأن الصواريخ والمفخخات ستتدفق عليهم".

وأشار إلى أن "العصائب كانت تتابع سعدون صبري منذ أربع سنوات، حيث تنقل بين عدة دول مجاورة منها مصر وسوريا وتركيا، وقد استغل الفريق الأمني المتابع عرض بيته في منطقة البياع ببغداد للبيع، وتم الترتيب لشرائه بشرط تسليم المبلغ في أربيل، مما أتاح الفرصة لاستدراجه إلى هناك".

وذكر المتحدث أيضا، أنه "بعد التحري وجمع المعلومات والمتابعة الدقيقة، تم رصد دخول سعدون صبري إلى كردستان قادما من محل إقامته بين الإمارات والأردن لتجديد أوراقه الشخصية الرسمية".

ولم تصدر الحكومة المركزية في وقتها أي بيان رسمي بخصوص الحادثة أو صحة التهديدات، أو علاقة "عصائب أهل الحق" بإمكانية تغير موقف بغداد من إقليم كردستان العراق في حال لم تتعاون سلطات أربيل معها.

وعلق في وقتها على الموضوع، نجل الصدر، سفير العراق الحالي في لندن محمد جعفر، عبر منصة "إكس"، بالقول إن "المسؤول عن دم الشهيد الصدر الأول وأخته العلوية بنت الهدى هو المجرم صدام ولا يهم السكين التي استخدمها في جريمته". 

وتطلق تسمية “الصدر الأول” على المرجع الشيعي محمد باقر الصدر، بينما يعرف رجل الدين محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى) بـ"الصدر الثاني"، وقد قتل بهجوم مسلح مع اثنين من أبنائه (مصطفى، ومؤمل) في النجف عام 1999. 

"حدث كبير"

لكن إعلان السوداني، القبض على المتهم بقتل الصدر، بعد عام من الحديث عن اعتقاله، فسره بعض السياسيين والمحللين بأن التوقيت ينطوي على أبعاد أخرى، الهدف منها التغطية على "حدث كبير". 

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي إن "إعلان اعتقال من يزعمون أنه قتل الصدر رغم أن الأخير أعدم بقرار محكمة، وبالتالي الدولة كانت مسؤولة عن إعدامه وليس فردا أو ضابط أمن، وهذا يؤكد أن القصة فيها أبعاد أخرى".

وقال المهداوي لـ"الاستقلال" إن "توقيت إعادة القصة إلى الواجهة وشغل الشارع بحادثة وقعت قبل 40 عاما، ربما يأتي للتعمية على قضية أكبر يجرى تمريرها، أو للتغطية على قوانين أقرها البرلمان وأثارت جدلا واسعا، ومنها قانون العفو العام، الذي يفرج عن الفاسدين وتجار المخدرات".

ولم يستبعد الباحث أن "يكون الموضوع للاستهلاك الانتخابي، كونها تأتي قبل ثمانية أشهر فقط من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وبالتالي يراد استقطاب الشارع الشيعي، إذ إنه في كل مرحلة انتخابية يرتفع منسوب الخطاب الطائفي". 

من جهته، قال النائب الشيعي المعارض للحكومة، مصطفى سند، إن "القبض على القاتل حدث العام الماضي (2024) وإعادة نشر الخبر هدفه التغطية على حدث داخلي كبير حدث قبل خمسة أيام في المنطقة الخضراء (تضم المؤسسات الرئاسية للدولة)"، حسبما نقلت قناة “الرشيد” العراقية.

ويربط البعض الموضوع بما جرى الحديث عن اعتقال مقرب من السوداني له علاقة بما عرف إعلاميا بشبكة "جوحي التجسسية"، والتي اعتقل فيها موظف في مكتب رئيس الوزراء، يدعى محمد جوحي، ووجهت إليه اتهامات بالتجسس على هواتف نواب ومسؤولين وابتزازهم.

وفي نهاية أغسطس / آب 2024، أعلنت السلطات العراقية اعتقال مدير موظف في مكتب رئيس الوزراء، يدعى محمد جوحي، بتهمة إدارة شبكة تجسس وابتزاز، وجرى الحكم عليه في ديسمبر من العام نفسه، بالحبس لمدة أربع سنوات.

وردّ السوداني على الموضوع في 9 ديسمبر 2024، أثناء مواجهة في مجلس النواب، ووصف الاتهامات للموظفين في مكتبه بالتنصت على سياسيين وشخصيات بارزة بأنها "كذبة القرن"، حسبما نقلت قناة العراقية الرسمية.  

وفي 31 يناير 2025، نقلت قناة "النهرين" العراقية عن مصادر مطلعة (لم تسمها)، أنه جرى الإفراج عن رجل الأعمال أنمار نبيل القصاب، الذي اعتقل قبل يومين بكفالة، وسافر إلى خارج العراق".

وذكرت المصادر أن "القصاب المتورط في ما يعرف بفضيحة جوحي، والذي تم اعتقاله بأمر قضائي من قبل قوة أمنية داخل المنطقة الخضراء تم تكفيله وسافر خارج العراق بعد ساعات من خروجه من التوقيف".

وبحسب ما أوردته القناة المحلية على موقعها الإلكتروني، فإن "القصاب يعد من أبرز المستوردين لأجهزة التنصت، يمتلك عقودا ضخمة واستثناءات عديدة تسهل أعماله المشبوهة".

"أدلة مغايرة"

وفي الوقت نفسه، شكك إعلاميون وناشطون عراقيون في اعترافات القيسي، الذي قال إنه قتل الصدر بإطلاق العديد من الرصاصات بسلاحه الرشاش، بينما يؤكد زهير العميدي الذي تولى دفن جثمانه، أنه شاهد أثر رصاصة واحدة فوق حاجبه الأيمن، وطعنتي سكين في صدره، إضافة إلى حرق نصف لحيته.

ونشر الكاتب العراقي علي المؤمن مقالا في موقع "ألواح طينية" مطلع فبراير 2025، عنوانه "أشكِّك في رواية سعدون القيسي بشأن قتل محمد باقر الصدر"، مؤكدا أن ما ذكره المتهم الذي ادعوا أنه مسؤول الشعبة الخامسة في مديرية الأمن، تثير الشكوك والاستغراب.

وأشار المؤمن إلى أن “رواية القيسي تتعارض مع النتائج التي توصلتُ إليها قبل (40) عاما تقريبا، بعد بضع سنوات من المتابعة، وتحديدا خلال الفترة من 1983 إلى 1987”.

وأوضح أنه قد نشر النتائج في كتاب "سنوات الجمر" الصادر عام 1993. ولعلّي بذلك؛ أول من وثّق عملية قتل الصدر، ووقائعها ومكانها وزمانها وشخوص العملية وأدواتها، وقد استندتُ في ذلك إلى خمس شهادات، ثلاث منها مباشرة، كلها تفند ما ذكره القيسي. 

ومن بين الأشخاص الذين قال الكاتب إنه أخذ شهادتهم، وكانت مغايرة لما ذكره القيسي، هم: خالدة عبد القهار، سكرتيرة خاصة لصدام حسين، والطبيب الخاص بالأخير، وهو مسيحي آشوري (لم يذكر اسمه)، عندما لجأ الاثنان إلى إيران أيضا خلال مرحلة الثمانينيات في القرن العشرين.

من جهته، قال الإعلامي العراقي، رسلي المالكي، عبر منصة "إكس" في 2 فبراير: إنه تمت المصادقة على إعدام الصدر من رئيس الجمهورية آنذاك (صدام حسين)، وتوقيع المصادقة ظاهر بيده، والإعدام تم وفق السياقات القانونية (شنقا حتى الموت)، بدلالة المادة 156 من قانون العقوبات 111 لسنة 1969".

وأوضح الإعلامي العراقي، أن نص المادة، يفيد بأنه "يعاقب بالإعدام من ارتكبَ عمدا فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها وكان الفعل من شأنه أن يؤدي إلى ذلك".

وأرفق المالكي تدوينة سابقة لزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي نشرها بنفسه لكتاب المصادقة الموقع من صدام حسين ينص على الإعدام شنقا بحق الصدر.

وكتب الإعلامي العراقي، قصي شفيق، عبر منصة "إكس" في 31 يناير 2025، قائلا: “منفذ عملية القتل المزعوم لا يمكن أن يكون برتبة لواء كما ذكرت السلطات، لأن عمره سيكون حاليا أكثر من مئة عام إذا جرى حساب تدرجه في الرتب العسكرية منذ ذلك الحين”.

ودعا شفيق القضاء العراقي إلى "تحقيق العدالة في القضية".