مصر تستضيف قمة زعماء الطوائف الدينية في السودان.. لماذا الآن؟
"الدور المصري في بداية الأحداث أفقد التيار المدني ثقتها في القاهرة"
تتأهب العاصمة المصرية القاهرة لاستقبال قمة زعماء الطوائف الدينية في السودان، المقرر أن تعقد بين يومي 13 و14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وستجمع القمة شيوخ الحركات الصوفية المختلفة وممثلي الكنائس القبطية والأنغليكانية والكاثوليكية الرومانية في السودان.
وستنظم القمة، مؤسسة فكرة للدراسات والتنمية السودانية، بدعم من المعهد الأوروبي للسلام ومعهد الولايات المتحدة للسلام.
أهداف القمة
وبحسب تقرير نشرته مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، يأمل المنظمون في أن يتمكن الزعماء الدينيون، الذين لم يتأثروا حتى الآن نسبيا بالاستقطاب الشديد الناجم عن الحرب، من إيصال أصواتهم إلى الأطراف المتحاربة.
وأضافت أنه منذ اندلاع الحرب في أبريل/ نيسان 2023، فشلت المبادرات الدبلوماسية المختلفة في وقف القتال بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان ومليشيات الدعم السريع "المتمردة" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وذكرت المجلة الفرنسية أن الدعوة وُجِّهت لعدد كبير من الزعماء الدينيين من دول مختلفة لزيارة القاهرة في 13 نوفمبر.
بما في ذلك أئمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وشيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الإسكندرية تواضروس الثاني، وممثلو مؤتمر الكنائس الإفريقية والفاتيكان والكنيسة الأنغليكانية.
وأكدت أنه في نهاية الاجتماع، سيتم تشكيل وفد رفيع المستوى للدخول في حوار مع مختلف الأطراف والدول في المنطقة، تحت رعاية وأنظار الحكومة المصرية بقيادة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
المرحلة القادمة
وعلق السياسي السوداني إبراهيم الخضر على تلك القمة المنتظرة، قائلا: “إن الدبلوماسية المصرية تعمل على تصحيح أوضاعها وموقفها في السودان، نظرا لخطورة المرحلة القادمة”.
وأردف لـ"الاستقلال": "فهي تفكر في اليوم التالي من وقف القتال؛ حيث ستحتاج إلى قوة نافذة ومؤثرة لتلعب دورا في تأسيس منظومة الحكم السودانية خلال السنوات القادمة، و"لا شك أن القوى الدينية ستكون لاعبا مهما ومؤثرا في صياغة تلك الحالة".
ويعتقد أن النظام المصري ارتكب أخطاء فادحة في إدارة الملف السوداني خلال مرحلة ما بعد 2013، عندما اصطدم أولا بنظام حكم الرئيس السابق عمر البشير.
ولفت إلى أن نظام السيسي تغافل عن المصالح الجيوسياسية للسودان، وملف سد النهضة ومياه النيل، وصولا إلى تأخره عن دعم الجيش والحكومة الانتقالية، بالتوازي مع التدخلات الإماراتية في مساندة وإمداد الدعم السريع (بالمال والسلاح)، الذي كان يحمل بذرة التمرد والانشقاق منذ البداية.
واستطرد السياسي السوداني: “الدور المصري المتذبذب، ساعد في تفكك الدولة، التي كانت بالفعل على شفا الانهيار الكامل”.
وبين أن انهيارها يعني أن القاهرة ستواجه طوفانا من الاضطرابات، سواء موجات الهجرة وتهديد حدودها الجنوبية عبر فوضى السلاح والمليشيات والتهريب، وصولا إلى الضرر الكامل بأمنها القومي المتعلق بمياه النيل، وفق قوله.
عداء دفين
وأورد أن "الدور المصري في بداية الأحداث أفقد التيار المدني ومعظم الأحزاب السياسية ثقتها في القاهرة، خاصة أن مصر كانت تدعم الجيش منفردا تقريبا”.
وهو ما خلق شعورا بالقلق لدى الأحزاب المختلفة مع المكون العسكري، مثل تجمع المهنيين والأحزاب ذات النهج اليساري والعلماني، إضافة إلى الخلاف التاريخي مع جماعة الإخوان المسلمين السودانية، نتيجة العلاقة بين النظام المصري والجماعة الأم في مصر.
فهم لا يحبذون الإخوان حتى وإن تغاضوا عن إخوان السودان، لكن تظل هناك خطوط حمراء، وفق قوله.
وفي 4 نوفمبر 2021، كشفت صحيفة "وول ستريت" الأميركية، عن مؤامرة بين السيسي والبرهان، نتج عنها انقلاب الأخير على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.
وقالت الصحيفة الأميركية إن البرهان التقى السيسي خلال زيارة سرية للقاهرة قبل يوم من الانقلاب العسكري في السودان.
وكشفت عن أن "السيسي قدم للبرهان تطمينات (لم تحددها) خلال الزيارة السرية، وما إن عاد الأخير إلى السودان حتى بدأ اعتقال مسؤولين مدنيين وحل الحكومة، وبدأت أزمة البلاد"، وهو ما جعل هناك عداء دفينا بين السيسي والمكونات والأحزاب المدنية السودانية.
ولذلك يبقى المكون الديني التقليدي، سواء الجماعات الصوفية، التي تخصها القاهرة باهتمام خاص وبارز، أو الكنائس المسيحية، من القوى الثابتة التي تعول عليها للعب دور في التواصلات الشعبية، كعامل إضافي وقوي مع الجيش، حليف مصر الأساسي في السودان، وفق الخضر.
الجماعات الصوفية
وتعول القاهرة على الجماعات الصوفية خلال المرحلة القادمة نظرا للانتشار الجغرافي لهذه الطرق في السودان، والذي يشمل سائر البلاد والقبائل.
فلكل طريقة مركز ثقل في منطقة معينة بالسودان، ويكون لها حضورها الديني والاجتماعي.
ويتأثر المجتمع السوداني بتلك المسحة الصوفية، فقلما تجد مسجدا أو زاوية في بقاع السودان الشاسعة، دون أن يكون بها صوت مديح أو ذكر لجماعة أو فرقة صوفية.
ويضم السودان نحو 40 طريقة صوفية، أشهرها: “القادرية، والختمية، والمهدية، والتيجانية، والسمانية”. وهذه الطرق ليست منتشرة في كل أرجاء السودان فحسب بل ممتدة إلى دول الجوار مثل نيجيريا وتشاد ومصر.
وفي خضم اعتماد القاهرة على الطوائف الدينية، فإن تلك الفكرة كانت قديمة داخل دولاب الدبلوماسية المصرية الخارجية. وكان لهم رجال بعينهم وسط القوى الصوفية متعددة الأطراف والاتجاهات.
وأحد أهم هؤلاء الرجال، زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، مرشد الطريقة الصوفية الختمية، محمد عثمان الميرغني (92 عاما).
وعاش هذا الزعيم السياسي والديني السوداني 10 سنوات في منفاه الاختياري في مصر، قبل أن يعود إلى الخرطوم في 21 نوفمبر 2022.
وجاء ذلك بإشراف مباشر من السيسي الذي أمر بنقله على متن طائرة خاصة إلى الخرطوم، وفق قناة القاهرة الإخبارية الحكومية.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن الميرغني من أكثر الساسة السودانيين المقربين للنظام العسكري المصري، وحزبه من الحلفاء التاريخيين للقاهرة.
إذ دعم الحفاظ على الوحدة مع مصر بعد استقلال السودان عام 1956، ومن حينها يرتبط بعلاقات وثيقة بالسلطات المصرية.
وتجمع الآلاف من أنصار الطريقة الختمية بمطار الخرطوم وبعض الشوارع المحيطة، وهم ينشدون الأهازيج الدينية، ويهتفون بحياة زعيمهم الميرغني.
وكان الشارع السوداني حينها يترقب وصوله بعد كل هذه السنوات، في ظل وضع متأزم بين العسكر متمثلة في جنرالات المجلس السيادي الانتقالي، والقوى المدنية بقيادة ائتلاف الحرية والتغيير.
وذلك قبل أن ينقلب الحال تماما بانشقاق حميدتي عن المجلس العسكري، وقيام الحرب الأهلية في السودان عام 2023.
ويتمتع الميرغني بقوة شعبية وقبلية كبيرة، ويعد واحدا من قدامى السياسيين السودانيين، ويرأس الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ عام 1968.
كما أنه زعيم الطريقة الختمية الصوفية المنتشرة في عموم السودان وبمناطق في مصر، وإريتريا، ووسط إفريقيا.
وكان شقيقه أحمد عثمان الميرغني، رئيسا للسودان حتى انقلاب الإنقاذ عام 1989، بقيادة الرئيس السابق عمر البشير.