مخابرات الملالي تترنح.. ما سر توسع عمليات "جيش العدل" السني ضد إيران؟
في الآونة الأخيرة، تزايدت هجمات ما يسمى بـ "جيش العدل" في محافظة سيستان وبلوشستان (جنوب شرق) ضد قوات الأمن الإيرانية، ما أسفر عن مقتل عشرات الضباط والجنود.
وفي تقريرها عن الموضوع، ترجع صحيفة "8 صبح" الأفغانية الناطقة بالفارسية، هذه الزيادة إلى عاملين رئيسين، أولهما أجواء مدينة زاهدان، عاصمة المحافظة الملتهبة، وثانيهما عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان.
و"جيش العدل" جماعة مسلحة سنية مدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأميركية منذ 2010، تنشط في سيستان وبلوشستان، وهي محافظة فقيرة تقع على الحدود مع باكستان وأفغانستان، وتشهد هجمات واشتباكات متكررة ضد قوات الأمن.
نشاط متصاعد
في البداية، تشير الصحيفة الأفغانية إلي الهجوم المسلح الدامي الذي شهدته محافظة سيستان وبلوشستان قبل أيام، وتلفت إلى أن "جيش العدل" أعلن مسؤوليته عنه.
وبحسب ما ذكرته الصحيفة، أدى الهجوم إلى مقتل 11 جنديا إيرانيا وإصابة سبعة آخرين. ومن المهم الإشارة إلى أن هجمات جيش العدل ضد الجيش الإيراني ليست جديدة أو مستحدثة.
ففي نهاية يونيو/ حزيران 2023، قُتل خمسة من حرس الحدود الإيرانيين نتيجة هجوم مسلح في منطقة سارافان في نفس المحافظة، وأعلن جيش العدل مسؤوليته عنه كذلك.
كما هاجم أشخاص تابعون لهذه المجموعة موقعا عسكريا في زهيدان خلال يوليو/ تموز 2023، مما أدى إلى مقتل شرطيين.
وقبل عودة حركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان، تذكر الصحيفة أن مقاتلي جيش العدل كانوا يستهدفون من حين لآخر مواقع للجيش الإيراني.
لكن في الآونة الأخيرة، ومع تزايد هجماتهم، تقول الصحيفة الأفغانية إن هجماتهم باتت أكثر تعقيدا.
حيث باتوا يشنون هجمات مسلحة مباشرة، بدلا من العمليات الانتحارية والتفجيرات. وهو ما يدل على ضعف نظام الاستخبارات الإيراني إلى حد ما، في رأي الصحيفة الأفغانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: "لماذا تزايد نشاط جيش العدل في الآونة الأخيرة ضد إيران؟".
ورأت الصحيفة أن هناك عاملين وراء تصاعد الهجمات، هما الأجواء الملتهبة في زهيدان، وعودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان.
زهيدان ملتهبة
تتناول "8 صبح" الأفغانية العامل الأول وراء نشاط جيش العدل ضد إيران؛ وهو الأجواء غير المستقرة في زهيدان.
حيث تشهد مدينة زهيدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان، حالة من "الحمى غير المسبوقة تقريبا" منذ مقتل مهسا أميني، وفق الصحيفة.
حيث خطب مولوي عبد الحميد إسماعيل زاهي، رجل الدين السني المعروف وخطيب الجمعة بمسجد مكي زاهدان، دفاعا عن حركة "المرأة والحياة والحرية"، وهو ما أشعل الثورة في زهيدان أكثر.
وبعد ادعاء الاعتداء الجنسي من قبل ضابط شرطة على فتاة بلوشية، أوضحت الصحيفة أن مشاعر الناس اشتعلت وأدت إلى حادثة في أغسطس/ آب 2022، سُميت بـ"جمعة زهيدان الدموية"، حيث قُتل فيها أكثر من مائة شخص.
وبعد ذلك، تذكر الصحيفة أن مولوي إسماعيل زاهي اتهم بشكل مباشر آية الله علي خامنئي، بالتورط في قتل المتظاهرين.
وفي إطار هذه الأحداث، تقول الصحيفة إن "خطب إسماعيل زاهي الناقدة واحتجاجات مواطني زهيدان الأسبوعية أدت إلى تصاعد عنف الشرطة".
ونتيجة لذلك، اعتُقل حفيده عبد الناصر شهبخش وحارسه الشخصي عبد الواحد شهلي.
ثم ألقت الشرطة القبض على مولوي عبد المجيد مرزاهي، وهو رجل دين سني مشهور ومستشار إسماعيل زاهي.
وتبدو هذه الاعتقالات -في رأي الصحيفة الأفغانية- أكثر خطورة عندما يُهتم بقضية إقصاء أهل السنة في إيران.
من ناحية أخرى، تبرز الصحيفة أن "سيستان وبلوشستان في الأصل هي المحافظة الأكثر حرمانا وفقرا في إيران"، لافتة إلى أن "حرمانها المستمر متعمد".
وما يؤكد هذا الادعاء، كما تنقل الصحيفة، هو عدم اكتراث الملالي بحقوق السنة في البلاد. حيث لا يتمتع السنة في إيران بأي سلطة سياسية ولا يتمتعون بالحرية اللازمة لأداء واجباتهم الدينية.
إذ إن لدى السلطات الإيرانية وجهة نظر متحيزة تجاه السنة، وخاصة البلوش.
ونتيجة لهذا الحرمان المستمر، مع اختلاطها بالدين، يصبح الوضع أكثر تأججا واشتعالا ويعطي أعذارا ومبررات لما تفعله هذه الجماعات.
وهنا تشير الصحيفة الأفغانية إلى أن "أصل جيش العدل يعود إلى هذه المحافظة المحرومة في إيران". لافتة إلى أن الجماعة تنظر إلى نفسها على أنها "المدافعة عن أهل السنة والمعارضة للملالي".
وفي المقابل، في نظر إيران، يُعد جيش العدل "جماعة إرهابية" تشير إليها وسائل الإعلام التابعة للنظام باسم "جيش الظلام".
وبالنظر إلى الوضع الحالي، تقول الصحيفة إن "الوضع في زهيدان يشجع هذه المجموعة على مهاجمة مصالح الملالي".
ووفقا لها، رغم أن خطيب مسجد مكي زاهدان السني لم يستنكر هذا الهجوم، إلا أنه أعرب عن تعازيه لأسر الضحايا، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على أمن سيستان وبلوشستان.
وفي رأي الصحيفة، لا يمكن الادعاء بأن إسماعيل زاهي سعيد بالهجوم، لكنه على الأقل يريد أن يقول للملالي إن "المعاملة التمييزية ضد البلوش وتضييق حلقة التطويق وقتل المتظاهرين له عواقب وخيمة".
عودة طالبان
تنتقل "8 صبح" الأفغانية إلى العامل الثاني وراء هذا الوضع المتأجج في زهيدان، وهو عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.
وهنا تسلط الصحيفة الضوء على "وجود أمرين مشتركين بين طالبان وجيش العدل؛ فكلاهما سني وتقع قاعدة عملياتهما في باكستان".
ولذلك، ترى الصحيفة أن "عودة طالبان إلى السلطة، والتي بُشر بها بصفتها انتصارا على حلف شمال الأطلسي الناتو، كانت سببا في تشجيع الجماعات المسلحة الأخرى".
على سبيل المثال، بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قال خالد مشعل، أحد مؤسسي حركة حماس، في مقابلة مع قناة "العربية": "لقد هُزمت أميركا على يد طالبان، وإسرائيل ستُهزم أمام حماس".
وتستنتج الصحيفة من هذا التصريح أن "حماس قد تكون متأثرة بعودة طالبان إلى السلطة، واستحضرت انتصارها على أميركا في مهاجمتها لإسرائيل".
وبالنظر إلى جيش العدل، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع طالبان، توضح الصحيفة أنه لا يرضى بأقل من النصر.
على سبيل المثال، ادعى رحمة الله نبيل، رئيس المديرية الوطنية للأمن في الحكومة الأفغانية السابقة، أن "باكستان أرسلت 600 من مقاتلي جيش العدل لمساعدة طالبان في مقاطعات نمروز وفرح وهيرات".
كما ادعى أخيرا -بحسب الصحيفة- أن "حركة طالبان أطاحت بمحافظة نمروز بمساعدة جيش العدل"، وأن "حركة طالبان أوكلت، مطلع عام 2023، مسؤولية ولايات نمروز وفرح وهرات إلى جيش العدل".
وتلفت الصحيفة الأفغانية هنا إلى أن حقيقة ذلك لم تتضح بعد، لكنه يدل في نفس الوقت على عمق العلاقة بين الطرفين.
وأضافت أن جيش العدل سيُستخدم كأداة للضغط على طهران، تماما كما استخدمته حركة طالبان باكستان ضد إسلام أباد.
وبصرف النظر عن ذلك، تؤكد الصحيفة الأفغانية أن "وجود طالبان في أفغانستان يعطي القوة لجيش العدل لمهاجمة إيران".
في ختام التقرير، تذهب "8 صبح" إلى أنه "بناء على مزاعم إيران، يمكن اعتبار وجود عوامل أخرى فعالة مثل تورط الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات".
حيث تتهم طهران هذه الدول الأربع بدعم جيش العدل؛ وذلك رغم أن الولايات المتحدة تعد أيضا هذه الجماعة "إرهابية".
وتلفت الصحيفة إلى أنه حتى وقت قريب، اعتقدت إيران أن جيش العدل يتلقى الدعم المالي من السعودية والإمارات.
وتظهر التصريحات -كما تقول الصحيفة- أن شكوك طهران بشأن دعم هذين البلدين لجيش العدل عميقة، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت لا تزال باقية على هذا الاعتقاد بعد تطبيع العلاقات مع هاتين الدولتين.