حملات مقاطعة إبداعية..كيف يقف المصريون مع أشقائهم في غزة ضد الاحتلال؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، تداول ناشطون في الأيام الأخيرة صورا لمطاعم ومتاجر تجزئة عالمية شهيرة وهي تقوم بتوزيع وجبات وأطعمة على العسكريين الإسرائيليين كدعم لهم خلال عدوانهم على غزة، الذي بدأ عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقد حفز ذلك الشعوب العربية والإسلامية للإقدام على إطلاق دعوات لبدء حملة مقاطعة ضد الشركات والمطاعم الأميركية والأوروبية الداعمة لإسرائيل.

في مصر تحولت حملة المقاطعة إلى حالة خاصة، حيث أبدع المصريون في ابتكار وسائل للمقاطعة عبر  منصات التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والأماكن العامة. 

ورأى المصريون أن المقاطعة الاقتصادية للشركات المؤيدة للاحتلال، عقيدة وطنية راسخة، وأطلقوا هاشتاغات مثل "هل قتلت اليوم فلسطينيا؟" و"لا تساهم في ثمن رصاصهم".

وأصدرت حملة "مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في مصر"، إرشادات بالمنتجات والشركات والمطاعم التي يجب مقاطعتها مع إيجاد بدائل لها، بحيث تسهل على المواطنين الاستمرار في مسارهم.

سبيرو سباتس 

كان أول إبداعات المصريين في استخدام سلاح المقاطعة، بعثهم لشركات قد اضمحلت على مدار السنين، خاصة بعد سياسة الانفتاح التي تبناها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في منتصف سبعينيات القرن العشرين.

ومن هذه الشركات "سبيرو سباتس"، وهي شركة مياه غازية محلية تحمل اسم مؤسسها (يوناني الجنسية).

كانت سباتس صاحبة الفضل في ظهور أول زجاجة مياه غازية بمصر عام 1920، ويملكها حاليا 3 أشقاء مصريين ورثوها عن والدهم الذي اشتراها من صاحبها اليوناني عام 1998.

ولاقت "سبيرو سباتس"، التي كانت شعبيتها ضئيلة جدا، ولا تذكر تقريبا، رواجا كبيرا كبديل للعلامتين الشهيرتين "بيبسي" و"كوكاكولا".

حتى إن الشركة نشرت بيانا على صفحتها على فيسبوك يفيد بتلقيها أكثر من 15 ألف سيرة ذاتية.

وذلك عندما أعلنت طلبها موظفين جددا لتلبية رغبتها في توسيع النشاط التجاري بعد الطلب الكبير على منتجاتها.

وروج النشطاء للشركة ودشنوا هاشتاغ "لن نشرب دماء إخوتنا"، مطالبين بعدم شراء "بيبسي" و"كوكاكولا" الداعمتين لإسرائيل. 

وبسبب ذلك زاد إنتاج الشركة التي يعمل بها قرابة 60 موظفا، إلى 3 أضعاف في أقل من شهر، فعملت على فتح باب التوظيف لآلاف الباحثين عن العمل.
 


ماكدونالدز فارغا 

وقد أظهر المصريون عزما واضحا على تكبيد الشركات الداعمة للاحتلال خسائر فادحة، لا سيما شركة "ماكدونالدز" للوجبات السريعة.

وكانت الشركة الأميركية، على رأس المؤسسات التي أظهرت اصطفافا واضحا بجانب الاحتلال الإسرائيلي.

حيث أعلنت "ماكدونالدز" مع بداية العدوان على غزة تقديم أكثر من 4 آلاف وجبة سريعة يوميا للجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود في مستوطنات غلاف غزة والمستشفيات.

 إلى جانب تقديمها خصومات وتخفيضات بنسبة 50 بالمئة للجنود الإسرائيليين وقوات الأمن والشرطة الذين يزورون مطاعمها في الأراضي المحتلة.

وسرعان ما وضعت حملات المقاطعة المصرية "ماكدونالدز" في القائمة السوداء، فأحجم قطاع واسع من الشعب عن ارتيادها، وانتشرت صور لعدد من الأفرع في مناطق ومحافظات مختلفة وهي فارغة تماما. 

وبسبب الخسائر الكبيرة للشركة، أعلنت في 15 أكتوبر 2023، تبرعها بمبلغ 20 مليون جنيه (نحو نصف مليون دولار) للمشاركة في مبادرات الإغاثة، لتخفيف الأعباء عن الأسر الفلسطينية المتضررة من العمليات العسكرية.

لكن ذلك لم يشفع لها واستمرت حالة المقاطعة، جزاء لتمويل وإمداد جيش الاحتلال، الذي قتل آلاف المدنيين العزل في غزة. 



تطبيق قضيتي 

ومن أهم ابتكارات الشعب المصري في تفعيل سلاح مقاطعة المنتجات الصهيونية، والشركات الداعمة لكيان الاحتلال، إصدار تطبيق "قضيتي". 

ففي 27 أكتوبر 2023، قام مجموعة من النشطاء المصريين الذين يعملون في مجال الإلكترونيات، بإصدار تطبيق "قضيتي". 

التطبيق المصري الجديد في أيام معدودة أصبح قبلة للمقاطعين، لأنه يقدم دليلا شاملا للمنتجات التي يجب الامتناع عن تناولها بتقدير أن إنتاجها يعود لدول تدعم إسرائيل.

التطبيق الجديد يعمل من خلال تنزيله على هواتف الأندرويد فقط، وفتحه ثم توجيهه في اتجاه "الباركود" الخاص بالمنتج.

ثم تظهر النتيجة إما بالتأكيد على أنه تابع للمقاطعة سواء لكونه تابعا للاحتلال أو الدول التي تدعم القصف على غزة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. 

خسائر متوالية 

من جانبه، كشف موقع "سي إن إن" الأميركي، في 31 أكتوبر، عن حجم الخسائر الاقتصادية للشركات نتيجة حملات المقاطعة في مجموعة من الدول العربية والإسلامية، منها مصر. 

وذكر أن أسهم شركة بيبسي، النشطة في المياه والمياه الغازية ورقائق البطاطس، انخفضت منذ المقاطعة لتبلغ أدنى مستوى لها في عامين إلى 158 دولارا للسهم.

وكذلك تراجعت كوكاكولا لأدنى مستوى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 ليعاود السهم اختبار منطقة الـ 55 دولارا.

وأورد أن أسهم "ماكدونالدز" هبطت لأدنى مستوى لها منذ 27 أكتوبر 2022، ووصلت الأسهم إلى مستوى قياسي منخفض عند 245.5 دولارا للسهم الواحد في 12 أكتوبر.

وبالتزامن تراجع سهم "كنتاكي فرايد تشيكن" مع اشتداد الدعوات للمقاطعة والترويج للمنتجات المحلية، وهبط بقوة من مستوى 1300 دولار للسهم إلى 1294 دولارا.

ورغم أن "ستاربكس" تحديدا في مصر تعد من "الكافيهات" التي تجذب فئة الأثرياء، لكنها تضررت بشدة من حملة المقاطعة.

فمع تكثيف الهجوم عليها تراجع السهم من مستوى 94.88 دولار في 23 أكتوبر إلى 92 دولارا في 3 نوفمبر.

وبحسب الموقع الأميركي فإن حجم صادرات واشنطن للدول العربية والإسلامية يبلغ نحو 150 مليار دولار.

خاصة بعدما زاد حجم التبادل التجاري بين الطرفين عن 300 مليار دولار خلال عام 2022.


ضارة نافعة 

فيما توقع الباحث الاقتصادي المصري أحمد محيي أن يظهر التأثير الحقيقي والقوي لحملات المقاطعة على المدى المتوسط والبعيد، أكثر منه على المستوى القصير.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه مع ختامات السنة المالية يظهر فعليا حجم الأضرار والإخفاقات الاقتصادية للشركات العملاقة العابرة للقارات مثل "كوكاكولا" و"بيبسي" و"ماكدونالدز" و"ستار بكس" وغيرها من الكيانات الكبرى. 

وقال محيي: "عندما نتحدث عن هذه الشركات فنحن نتحدث عن اقتصاد يوازي اقتصاد دول كبرى، وبلا شك الضغط عليها من خلال المقاطعة الشاملة يسهم في خلق ورقة ضغط قوية في وجه الغرب والدول الداعمة لإسرائيل". 

وشدد الباحث الاقتصادي على أن المقاطعة أيضا تمثل فرصة للصناعات الوطنية وإنعاشها أمام توحش المنتج الغربي عالي التكلفة. 

وضرب مثلا بعودة مشروبات غازية محلية مثل سبيرو سباتس وسينا كولا وشنايدر، اختفت من الأسواق لفترات طويلة، ثم ظهرت في صورة جديدة تقترب من المواصفات الغربية المنافسة لها.

وأردف أن الاقتصاد الحديث قائم على ابتكار الشعوب خاصة حاجتها الأساسية، وقد أبدع المصريون في إيجاد وسائل عديدة لتوسيع المقاطعة.

وأتبع: طرحوا بدائل تنتج محليا تحت علامات تجارية دولية، منها المقرمشات والمشروبات والحلوى والمنظفات، حتى مستلزمات الأطفال، والأجهزة الطبية أوجدوا بدائل لها، سواء محليا أو من دول غير معادية مثل الصين. 

واختتم أن الأصل في جميع الأوقات سواء في الحروب أو السلم، أن تكون الأولوية للمنتج المصري، ويجب أن تكون الحملات منظمة تتخذ قرارات مدروسة حتى يكون لها تأثير قوي.

وأكد أن المقاطعة الشاملة قد لا تكون مجدية، لكن التركيز على شركات بعينها، يكون أوقع أثرا وأشد وطأة، فالضربة المركزة القوية، أكثر تأثيرا من الضربات المتفرقة المحدودة.