ناميبيا نموذجا.. هل يؤدي قرار “العدل الدولية” إلى استرجاع أراضي فلسطين؟
"هذا الاحتلال يجب أن ينتهي في أقرب وقت ممكن"
بعد رأي محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي، طفت على السطح مقارنة الحالة الفلسطينية وحالة ناميبيا عام 1971، حيث أسهم رأي المحكمة آنذاك في استقلال ناميبيا.
ورأت محكمة العدل في 19 يوليو/ تموز 2024، أن الاحتلال الإسرائيلي “غير قانوني” ودعت إلى إنهائه “فورا”، وفي الوقت نفسه، دعت المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بإسرائيل وعدم تقديم أي دعم أو مساعدة لها في هذا السياق.
قرار تاريخي
وفي هذا السياق، وصفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، نص محكمة العدل الدولية بـ"الموقف التاريخي الذي يتحدى الضغوط السياسية الحالية".
وبقولها إن أحكام القضاة كانت واضحة وقاسية تجاه تل أبيب، أشارت المجلة إلى أن المحكمة الدولية رأت أن الاحتلال "مخالف للقانون الدولي وغير قانوني".
كما شددت في الوقت نفسه على أن "هذا الاحتلال يجب أن ينتهي في أقرب وقت ممكن".
وبتقدير إسرائيل "قوة محتلة"، طالبت المحكمة بـ"وقف سياسات الاستيطان واستغلال الموارد الطبيعية".
علاوة على ذلك، دعت المجتمع الدولي إلى "عدم الاعتراف بوجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم أي مساعدة أو دعم لها"، وفق ما ورد عن المجلة.
وفي هذا الإطار، تتساءل المجلة عن "الأهمية العملية لمثل هذا القرار في الوقت الذي تستمر فيه المعارك في غزة وتخيم على المنطقة تهديدات انتشار الصراع إلى لبنان، في حين يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارة إلى الولايات المتحدة لضمان دعم حليفه الأكثر ولاء؟".
ويقدم الإجابة على هذا السؤال الأكاديمي منذر بالحاج علي، المتخصص في القانون الدولي، حيث يشير في البداية إلى وجود سابقة مماثلة في السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية.
ففي 21 يونيو/ حزيران 1971، قضت المحكمة في قضية وجود جنوب إفريقيا في ناميبيا، وأسهم هذا الرأي بشكل كبير في تحقيق استقلال ناميبيا وحصولها على وضع دولة عضو في الأمم المتحدة.
وعلى حد وصف بالحاج علي، كان رأي المحكمة، في ذلك الوقت، مرادفا للحرية والسيادة بالنسبة للناميبيين.
وفي ضوء هذه السابقة، تتساءل "جون أفريك" الفرنسية: “كيف ينبغي تفسير الرأي الذي صدر للتو بشأن الأراضي الفلسطينية؟”
وأوضح بالحاج علي أنه "على خطا تلك السابقة الناميبية، وبعد أن قررت المحكمة أنها مختصة للنظر في القضية، رأت أن "وجود دولة الاحتلال المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني وفقا لقواعد القانون الدولي" وأن “إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت ممكن”.
ومن وجهة نظر الخبير، يُعد القرار تاريخيا في أساسه، إذ يعتمد على ثلاثة مبادئ تشكل حجر الزاوية في القانون الدولي المعاصر؛ الحظر القاطع على استخدام القوة، مع ما يترتب عليه من حظر اكتساب الأراضي بالقوة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وهكذا، تؤكد المحكمة على أن "الأراضي الفلسطينية، أي بشكل واضح الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، هي أراضٍ محتلة منذ 5 يونيو/ حزيران 1967".
سيادة فلسطينية
وبشأن ما أسمته المجلة الفرنسية بـ"الرسائل التي يوجهها القضاة إلى إسرائيل"، قال بالحاج علي أن "محكمة العدل تدين التوسع المستمر للمستوطنات التي تهدف إلى خلق وقائع لا رجعة فيها على الأرض، مما يعزز ضم أجزاء مهمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعيق ممارسة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".
وهو ما يؤدي إلى نتيجة أخرى مفروضة، بحسب الخبير، حيث تصبح إسرائيل ملزمة بـ"وقف أي نشاط استيطاني جديد فورا، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وعلى جانب آخر، لفتت المجلة إلى أنه "بالنسبة للمحكمة، وفقا للقانون الدولي المعاصر كما هو وارد في ميثاق الأمم المتحدة والمعكوس في القانون الدولي العرفي، لا يمكن للاحتلال أن يكون بأي حال من الأحوال مصدرا لحق على الأرض أو يبرر اكتسابها من قبل القوة المحتلة".
وبذلك، تؤكد المحكمة العليا على "سلامة الأراضي الفلسطينية وتعترف قضائيا بالدولة الفلسطينية كدولة ذات سيادة".
وأما فيما يخص الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة منذ عدة أشهر، ذكرت "جون أفريك" أن "الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لم تكن من بين الأسئلة التي طرحتها الجمعية العامة".
كما أوضحت أن "موضوع الإبادة الجماعية لا يزال قيد النظر أمام المحكمة في إطار الشكوى المقدمة من جنوب إفريقيا".
وفي سياق ما ذُكر سابقا، تتساءل المجلة الفرنسية: “ماذا تقول محكمة العدل الدولية تحديدا عن الاحتلال الإسرائيلي، وما الذي ينبغي على الأخير تغييره للامتثال لهذا الرأي؟”
وبحسب ما قاله خبير القانون الدولي، فإنه "عند قراءة الرأي الاستشاري للمحكمة، لا يمكن إلا أن نفكر في قوانين إسرائيل الخاصة بضم القدس الشرقية وقوانين ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية ونزع الملكية وسلب الممتلكات العقارية للفلسطينيين ورفض تصاريح البناء كتبرير لنزع الملكية".
وأضاف: "بالاعتماد على أكثر من عشرين قرارا للجمعية العامة ومجلس الأمن وتقارير من هيئات أممية مسؤولة عن حماية حقوق الإنسان واللاجئين، كانت محكمة العدل الدولية واضحة بشكل لافت".
وفي الواقع، يرى بالحاج علي أنه "منذ أن وُجد أن بعض السياسات والممارسات الإسرائيلية لا تتوافق مع النظام القانوني الذي يحكم الاحتلال، فإن هذه السياسات والممارسات تشكل انتهاكات للقانون الدولي وتلزم إسرائيل بالمسؤولية الدولية".
وبالتالي، بالإضافة إلى التزام إسرائيل بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورا، فإنها ملزمة بـ"إلغاء جميع القوانين والإجراءات التي تخلق أو تحافظ على الوضع غير الشرعي، وكذلك جميع الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية لأي جزء من هذا الإقليم".
ومن وجهة نظر بالحاج علي، قد لا تكون هذه هي النقطة الأكثر إثارة، فبناء على رأي محكمة العدل الدولية، يمكن للفلسطينيين محاسبة إسرائيل، بما في ذلك من الناحية المالية.
وبالنسبة للمحكمة، فإن إسرائيل لديها أيضا التزام قانوني بـ"إصلاح كامل الأضرار التي سببتها أفعالها غير المشروعة دوليا لجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المعنيين".
وعند قيامها بذلك، تذكرنا محكمة العدل الدولية -كما يقول الخبير- بالمبدأ الأساسي والمتوافق مع الفقه القضائي الثابت، والذي ينص على أن "الإصلاح يجب، قدر الإمكان، أن يمحو جميع آثار الفعل غير المشروع ويعيد الحالة التي كانت ستُوجد على الأرجح لو لم يُرتكب هذا الفعل".
ويتضمن ذلك، بالنسبة للمحكمة، التزام إسرائيل بـ"إعادة الأراضي والممتلكات العقارية الأخرى، وكذلك جميع الأصول المصادرة لأي شخص طبيعي أو اعتباري منذ بداية احتلالها عام 1967، كما ينطبق الأمر ذاته على الأرشيفات والوثائق".
المعنيون برأي المحكمة
وفي هذا الصدد، سلطت المجلة الضوء على المعنيين برأي المحكمة، والذي يتوجه إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة.
وأوضح بالحاج علي أنهما "معنيان بتحديد الإجراءات المطلوبة لضمان إنهاء الوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمان ممارسة الشعب الفلسطيني حقه الكامل في تقرير المصير".
وأضاف أن هذا الرأي "يتوجه في نفس الوقت إلى جميع الدول، التي عليها الالتزام، بالتعاون مع الأمم المتحدة، لتفعيل هذه الإجراءات".
وبالحديث عن ذلك، قال بالحاج علي إن "رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز وزملاءه الذين قرروا الاعتراف بدولة فلسطين، لم يكونوا مخطئين بالتأكيد".
وبناء على ما ذُكر سابقا، تساءلت "جون أفريك": “في حال عدم القدرة على إجبار إسرائيل على التصرف، هل تضع المحكمة خطوطا حمراء موجهة للدول الأعضاء؟”
وفيما يخص هذه النقطة، أكد الخبير على أن "المحكمة تفرض في هذه الحالة التزاما بالتمييز، في التعاملات مع إسرائيل، بين أراضي إسرائيل بمعناها الدقيق، والأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويشمل ذلك "التزاما بعدم إقامة علاقات تعاقدية مع إسرائيل في جميع الحالات التي تدعي فيها التصرف باسم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم أي مساعدة أو دعم للحفاظ على الوضع الذي نشأ عن هذا الوجود".
وعلى حد قول الخبير، يشكل هذا التزاما بعدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي المحتلة.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر بالحاج علي أن جميع الدول يجب عليها "الالتزام بضمان احترام إسرائيل للقانون الدولي الإنساني".
ولفتت المجلة الفرنسية النظر إلى كون هذا الرأي استشاريا فقط، متسائلة: “هل له وزن مع ذلك، وما قيمته فعليا في القانون؟”
وأجاب عليها بالحاج علي: "بالتأكيد، تقول المحكمة ما يجب وفق القانون، سواء في ممارستها لاختصاصها القضائي أو في ممارستها لاختصاصها الاستشاري، ونحن هنا بصدد نتيجة إجراءات استشارية".
وتابع: "في هذه الحالة الخاصة، تصدر المحكمة القانون بإعلان عدم شرعية الوضع الذي استشيرت بشأنه، كما هو الحال مع المستوطنات، مع التزام إسرائيل بإنهائه في أقرب وقت ممكن".