سياسة "الضغط الأقصى" الجديدة على إيران.. ماذا يهدف ترامب من ورائها؟

منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

أصدر البيت الأبيض مذكرة تفصيلية تشرح مضمون ونطاق تأثير مذكرة الأمن القومي الرئاسية التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 4 فبراير/ شباط 2025، وتقضي بإعادة تطبيق “سياسة الضغط الأقصى” ضد إيران.

وخلال توقيعه للمذكرة صرح ترامب قائلا: "آمل ألا نضطر إلى استخدامها كثيرا".

أبعاد جديدة

ونشر مركز "إيرام" التركي مقالا للكاتب رحيم فرزام، أشار فيه إلى أن "المذكرة الرئاسية تختلف من بعض الجوانب القانونية عن الأمر التنفيذي، رغم أنهما يستخدمان لتوجيه السياسة الأميركية". 

وأوضح أن “المذكرة الرئاسية تُعد وثيقة إدارية تُستخدم عادة في تحديد الإستراتيجيات والسياسات الداخلية، ولا يُشترط نشرها رسميا، مما يمنحها طابعا أقل إلزامية”. 

في المقابل، يتمتع الأمر التنفيذي بقوة قانونية أكبر ويجب نشره رسميا، مما يجعله أداة رئيسة في تنفيذ القرارات ذات الأثر الفوري، خاصة في مجال السياسة الخارجية. 

ومن هذا المنطلق، يمكن عد الوثيقة التي وقعها ترامب في 4 فبراير أقل إلزامية من تلك التي صدرت في 6 أغسطس/ آب 2018 والتي أطلقت رسميا سياسة الضغط الأقصى على إيران.

واستدرك الكاتب التركي: "يبدو أن ترامب، الذي أبدى استعداده للقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قد اختار المذكرة الرئاسية كوسيلة أقل تصعيدا في البداية، وذلك بهدف تهيئة الأجواء لمفاوضات محتملة مع طهران". 

واستطرد: “مع ذلك، فإن مضمون الوثيقة يشير إلى استمرار إستراتيجية الضغط على إيران في مختلف المجالات، بما في ذلك البرنامج النووي، والأنشطة الإقليمية، وتطوير الصواريخ، والعلاقات الاقتصادية”.

وتابع: “تعكس هذه السياسة استمرار التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تجمع بين نهج الضغط الأقصى وإمكانية التفاوض”. 

وبينما قد تمثل المذكرة الرئاسية خطوة أولية نحو مسار دبلوماسي أكثر ليونة، فإنها في الوقت ذاته تُبقي على خيارات العقوبات والضغوط الاقتصادية والعسكرية قائمة في حال عدم تجاوب إيران مع الجهود التفاوضية.

وأردف فرزام بأن “الوثيقة تولي اهتماما خاصا بالبرنامج النووي الإيراني، حيث ترى أن أنشطة تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ، التي يُزعم أنّها يمكن أن تصل إلى مرحلة صناعة رؤوس نووية، تشكل تهديدا للأمن الأميركي والعالمي.. وبناء على ذلك، تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذا الخطر”. 

واسترسل: “كما تتهم إيران بدعم منظمات إرهابية دولية، وانتهاك التزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ وذلك من خلال عدم الإفصاح الكامل عن بعض المنشآت والمواد النووية، ومنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى بعض مواقعها النووية”.

الضغط الأقصى

وتؤكد إدارة ترامب على ضرورة اتباع سياسة الضغط الأقصى كوسيلة رئيسة للحد من البرنامج النووي الإيراني، والسيطرة على قدراته في مجال الصواريخ الباليستية، والحد من نفوذه الإقليمي. 

وتهدف هذه السياسة إلى منع تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، بالإضافة إلى تعزيز عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان امتثال إيران للمعايير الدولية.

وتابع فرزام: “فيما يتعلق بالبعد الأمني الإقليمي، تستهدف هذه السياسة الأنشطة التي تنفذها إيران بالتعاون مع ما يُعرف بـ(القوى الوكيلة)، حيث تركز الإستراتيجية على قطع مصادر التمويل الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، وإضعاف شبكاته الإقليمية، وإبطال تأثير الجماعات المسلحة التي يدعمها”. 

وتتضمن الخطة إجراءات متعددة لمنع الدعم الإيراني لجماعات مثل حزب الله والحوثيين، إلى جانب تنفيذ حملة دبلوماسية دولية تهدف إلى تقييد حرية حركة هذه الجماعات خارج الحدود الإيرانية ومنعها من إنشاء مناطق آمنة.

علاوة على ذلك، تشتمل الإستراتيجية على فرض قيود تكنولوجية للحد من القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك منع نقل التكنولوجيا ذات الأغراض العسكرية.

بالإضافة إلى الحد من قدرات إيران على خوض حروب غير تقليدية، والسيطرة على أنظمة الأسلحة التقليدية. وبهذا، تستهدف هذه القيود قطاعي الدفاع الإيراني والتكنولوجيا المدنية.

وتابع: “تواصل العقوبات الاقتصادية لعب دور محوري في هذه السياسة؛ حيث تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة، وقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل، ومنع طهران من الوصول إلى النظام المالي الدولي، ومنع أي محاولات للإفلات من العقوبات”.

ومن خلال هذه الإستراتيجية الشاملة، تسعى الإدارة الأميركية إلى زيادة الضغوط على إيران لإجبارها على تغيير سلوكها في المجالات النووية والعسكرية والإقليمية.

نهج جديد 

وقال فرزام: إن “إدارة ترامب تواصل تبني سياسة الضغط الأقصى تجاه إيران، مع التركيز على استهداف مصادر دخلها الأساسية وتعزيز التعاون الإقليمي لمنع أي محاولات للالتفاف على العقوبات”. 

ويعد قطاع النفط الإيراني في صميم هذه الإستراتيجية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران من بيع النفط إلى الصين، وهي أكبر مستورد له.

كما تعمل واشنطن على منع استخدام دول الخليج كنقاط عبور للالتفاف على العقوبات، وتعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين لضمان فعالية هذه التدابير.  ومن بين الأهداف الرئيسة أيضا منع إيران من استغلال النظام المالي العراقي للتحايل على العقوبات أو تجاوزها.

إلى جانب الضغوط الاقتصادية، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تفعيل العقوبات الأممية ضد إيران من خلال آليات الأمم المتحدة. 

ومن أبرز الأدوات التي تعتمدها واشنطن آلية "سناب باك"، التي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي الموقع في يوليو/ تموز 2015، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 2016. 

ولكن ورغم ذلك، فإن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق في مايو/ أيار 2018 يحول دون استخدامها لهذه الآلية مباشرة.

وأشار الكاتب التركي إلى أنه “على عكس السياسات السابقة تتبنى الإدارة الأميركية نهجاً أكثر شمولية في التعامل مع إيران، حيث لم يعد التركيز مقتصرا على البرنامج النووي، بل يمتد ليشمل أنشطة إيران الإقليمية، وقدراتها الصاروخية، وعلاقاتها الاقتصادية”. 

ويهدف هذا النهج إلى تقليص هامش المناورة أمام طهران وإجبارها على الدخول في مفاوضات بشروط أميركية أكثر صرامة.

ومع ذلك، فإن قدرة إيران على التكيف مع العقوبات والبحث عن بدائل اقتصادية، لا سيما عبر التعاون مع دول مثل الصين وروسيا، قد تحد من فعالية هذه الإستراتيجية، لذا، سيكون لموقف القوى الكبرى دور حاسم في تحديد مدى نجاح الضغوط الأميركية.

وأضاف الكاتب: “لا شك أن سياسة الضغط الأقصى سيكون لها تأثيرات كبيرة على العلاقات بين واشنطن وطهران، وكذلك على المشهد الإقليمي.. ففي حال استمرار التصعيد، فإن العقوبات ستفرض ضغطا هائلا على الاقتصاد الإيراني، مما قد يؤدي إلى تغييرات داخلية أو يدفع طهران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية مضادة”.

وختم الكاتب مقاله قائلا: “سيعتمد نجاح هذه الإستراتيجية على مدى قدرة إدارة ترامب على تحقيق توازن بين التصعيد الدبلوماسي والمرونة التفاوضية، إلى جانب استعداد إيران لتقديم تنازلات”. 

وتابع: “فالتوترات المستمرة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، مما يجعل الفترة القادمة حاسمة في تحديد مستقبل العلاقات الأميركية-الإيرانية”.