خبيران: التحالف الخليجي التركي قد يُعيق استئناف موجة التطبيع (خاص)

محمود مصلحان | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في إطار جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخليجية التي شملت الكويت وقطر وسلطنة عُمان، وتميزت بتوقيع 24 اتفاقية وإعلانا وبيانا مشتركا في مجالات مختلفة، أجرت “الاستقلال” حوارا مع أكاديميين تركيين.

الجولة التي جاءت تلبية لدعوة زعماء الكويت وقطر وعُمان، خلال الفترة بين 21 و23 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، استعرض فيها القادة سبل تطوير التعاون كما بحث العلاقات الثنائية.

وقال الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة “باندرما 17 أيلول”، الدكتور بكير غوندوغموش: إن ”العلاقات بين تركيا وكل من قطر والكويت وعمان قائمة ومستمرة، والزيارة الأخيرة إستراتيجية وإقليمية طورتها الأطراف استنادا إلى المشهد الإقليمي المتغير".

غوندوغموش، وهو نائب رئيس مركز أبحاث الأزمات الدولية (USKAM)، يرى في حوار مع “الاستقلال” أن "العلاقات المتطورة بين دول الخليج وتركيا ستتيح فرصا لتمثيل أقوى لفلسطين في مواجهة الاحتلال من أجل القضية الفلسطينية".

وأشار إلى أن حوار المقاومة الفلسطينية، حاليا ومستقبلا، مع دول الخليج وتركيا "قد يسهم في وضع الاحتلال في مأزق دبلوماسي”.

من جانبه، قال الأكاديمي الدكتور محمد رقيب أوغلو: إن زيارة الرئيس أردوغان إلى الخليج تجسيد ملموس لمبدأ "الملكية الإقليمية" الذي تتبناه تركيا.

ورأى رقيب أوغلو في حوار مع “الاستقلال” أن “الزيارة تعكس الرؤية التي مفادها أن حلول المشكلات الإقليمية يجب أن تُنتج من قِبل دول المنطقة نفسها، وتهدف إلى إيجاد بديل لتدخلات القوى العالمية”.

ولفت إلى أن "تحالف الخليج وتركيا يمكن أن يزيد الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل، ومن المتوقع أن يُظهر الطرفان موقفا مشتركا ضد سياسات إسرائيل التوسعية، وأن يتحركا بشكل منسق في المحافل الدولية بشأن حل الدولتين".

نص الحوار مع الأكاديمي الدكتور بكير غوندوغموش:

شراكات جديدة

ما الذي تعنيه زيارة الرئيس أردوغان إلى الخليج؟

أعتقد أنه سيكون من المفيد قراءة زيارة الخليج في سياق التطورات التاريخية الأخيرة؛ فكما هو معروف، منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تشكلت في المنطقة بيئة مواتية لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. 

فالعملية التي بدأت باحتلال العراق صممتها الولايات المتحدة بطريقة تخدم الأهداف الصهيونية، كما أُكد أيضا في خطة عوديد ينون. كذلك فإن الأحداث التي تلت الربيع العربي عززت هذا التخطيط بشكل أكبر.

فبينما واجهت بعض دول المنطقة حربا أهلية أو احتلالا، اتجه البعض الآخر نحو سياسات تهدف إلى زيادة التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل بدافع عدم التعرض للأذى في خضم هذه الفوضى.

ولكن منذ طوفان الأقصى الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإننا نشهد إعادة تشكيل للبنية الأمنية في المنطقة.. ولا شك أن ما حدث في سوريا جزء من ذلك.

وحين تنظر إلى الزيارة إلى الخليج ضمن هذا السياق، فإنها تكشف عن إمكانية تسريع وتيرة البحث عن شراكات جديدة.

ما تأثير الاتصالات القائمة مع دول الخليج على غزة والقضية الفلسطينية؟

بداية، يجب توضيح أن الهجوم الذي شنَّه نظام الاحتلال في الأشهر الماضية على الوفد الفلسطيني الموجود في قطر ينبع من إدراكه للتأثير المحتمل الذي يخشاه.

ولكنّ هناك جانبا إيجابيا فيما حدث؛ فبالنسبة لدول الخليج التي كانت تظن أنها قادرة على حماية نفسها من العدوان الصهيوني من خلال الاتفاقيات الثنائية، فإن هذا الهجوم يحمل رسالة ذات مغزى؛ لأنه أثبت مرة أخرى أنه إذا تُرك التهديد الصهيوني دون رادع، فسيتصرف بعقلية شاملة دون تمييز.

ومن المعروف أن نظام الاحتلال عبّر بوضوح عن انزعاجه من قطر على وجه التحديد، من خلال بعض الهجمات التحذيرية، مثل الهجوم على قناة “الجزيرة”، لكن الهجوم الأخير أثار من جهة بحثا جديدا عن بنية أمنية في المنطقة، ومن جهة أخرى شكّل أساسا شرعيا لذلك.

أما التأثير المحتمل الأكثر أهمية للاتصال الذي أُقيم مع دول الخليج على القضية الفلسطينية، فهو تمكين دول المنطقة من التصرف بمسؤولية في حل المشكلات الإقليمية.

فالصورة التي خلقها الاحتلال الأميركي للعراق وما زال يشكّل بها توازنات المنطقة بطريقته واضحة وجلية، فلم تجلب الولايات المتحدة سوى الفوضى والدموع والدماء. 

وفي هذا السياق، فإنّ العلاقات المتطورة بين دول الخليج وتركيا ستتيح فرصا لتمثيل أقوى لفلسطين في مواجهة الاحتلال من أجل القضية الفلسطينية.

وأعتقد أنه من المهم الإشارة إلى أن الدعم والتعاطف الذي أبدته قطر والكويت وعمان للنضال الفلسطيني، والمعروفة بردود أفعال مختلفة عن مواقف السعودية والإمارات، وهو ما يشكّل فرقا جوهريا.

كذلك فإن حوار المقاومة الفلسطينية، حاليا ومستقبلا، مع هذه الدول قد يسهم في وضع الاحتلال في مأزق دبلوماسي.

موقف مشترك

تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ هيمنتها في الخليج، ما الإجراءات التي يمكن لتركيا اتخاذها في هذا الصدد؟

أهم خطوة في سياق تحويل سياسة الهيمنة التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه دول الخليج إلى ميزة لصالح تركيا هي بلا شك زيادة التعاون الثنائي بين الدول. 

ومن المهم جدا إنشاء ترابط اقتصادي متوازن من خلال التحرك بمنطق “المال يحدد النموذج”، لكن بالطبع لا ينبغي الوقوع في فخّ الحتمية الاقتصادية.

ومع ذلك، فإنَّ الطريق الأسهل لتعزيز العلاقات بين الدول يمر عبر التجارة التي تلبي الاحتياجات وتولد الأرباح.

أليست الإستراتيجية الأساسية التي تنتهجها الولايات المتحدة، أو بالأحرى العقلية الصهيونية، في المنطقة لسنوات، هي تأليب الدول على بعضها بعضا وعرقلة تعاونها التجاري والعسكري والاقتصادي والثقافي؟

ولذا، فإن الحوار الاقتصادي القائم على عدم الإضرار بكرامة الدول وسمعتها وشرفها، سيحفز لاحقا على العمل المشترك في مجالات أخرى.

علاوة على ذلك، فإن عدم رفع مستوى التعاون بين الدول الإسلامية حتى اليوم إلى ما فوق الحد الأدنى هو شيء غير طبيعي على الإطلاق، فضلا عن عدم تطويره وتعزيزه.

ومع ذلك، من المهم الإشارة هنا إلى أن تصوير حوار تركيا مع دول الخليج، كما طُرح خلال الزيارة الأخيرة، على أنه تطور استثنائي وصراع تخوضه تركيا ضد الولايات المتحدة، قد يكون أداة مفيدة لأولئك الذين يريدون تهديد دول الخليج بشكل غير مباشر.

إجمالا، العلاقات بين تركيا وكل من قطر والكويت وعمان قائمة ومستمرة، ويجب قراءة الزيارة الأخيرة على أنها إستراتيجية وطنية وإقليمية طورتها كل من تركيا ودول الخليج، استنادا إلى المشهد الإقليمي المتغير.

ما التأثير المحتمل للتحالف الخليجي التركي على إسرائيل؟ وما السياسات التي يمكن تطويرها ضدها؟

منذ اليوم الذي وُضع فيه نظام الاحتلال في المنطقة، جعل منع التنسيق والتعاون بين الدول الإسلامية هدفا رئيسا له.

وإذا ما حدثت تطورات يمكننا التعبير عنها بتشكيل تحالف خليجي تركي، فمن الممكن أن يفتح ذلك الباب أمام تطورات جديدة من شأنها تقويض الإستراتيجية الأساسية لدولة الاحتلال.

ومن أبرز هذه التطورات قدرة التحالف المحتمل على كسر احتكار دولة الاحتلال للردع الإقليمي.

وفي هذا الإطار، سيكتسب التعاون العسكري في مجال تقنيات الدفاع أهمية بالغة. 

علاوة على ذلك، ومن منظور جيوسياسي، قد يضع تحالف خليجي تركي الاحتلال في موقف صعب من خلال التأثير على مسار ممر الطاقة، مما يجعل دول المنطقة تعتمد على بعضها بعضا من خلاله. 

إلى جانب ذلك، سيسهم الموقف المشترك للتحالف المحتمل تجاه القضية الفلسطينية في تعزيز صورة دبلوماسية قوية وفعالة لصالح فلسطين لدى المجتمع الدولي.

وأخيرا، قد يُعيق التحالف الخليجي التركي إمكانية استئناف موجة التطبيع التي بدأت بين نظام الاحتلال والدول الإسلامية في المنطقة باتفاقيات أبراهام قبل طوفان الأقصى. وقد يُجبر هذا التحالف الدول التي اتخذت خطوات نحو التطبيع على إنهاء علاقاتها مع نظام الاحتلال.

====

نص الحوار مع الأكاديمي الدكتور محمد رقيب أوغلو:

أبعاد دبلوماسية

ما الذي تعنيه زيارة الرئيس أردوغان إلى الخليج؟

زيارة الرئيس أردوغان إلى الخليج هي تجسيد ملموس لمبدأ "الملكية الإقليمية" الذي تتبناه تركيا.

وتعكس هذه الزيارات الرؤية التي مفادها أن حلول المشكلات الإقليمية يجب أن تُنتج من قِبل دول المنطقة نفسها، وتهدف إلى إيجاد بديل لتدخلات القوى العالمية. 

وتتضمن هذه الزيارات تعاونا ملموسا في الأبعاد الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، مما يعزز موقع تركيا جهة فاعلة في وضع المعايير وتحقيق التوازن في المنطقة. 

ومن الممكن القول إن هذا التنسيق والتعاون بإمكانه إيجاد بديل إقليمي للحلول الغربية، لا سيما في سياق أزمة غزة والتطورات في سوريا.

ما تأثير الاتصال القائم مع دول الخليج على غزة والقضية الفلسطينية؟

يعد التعاون الذي يُطور مع دول الخليج ذا أهمية بالغة للحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة وإظهار موقف مشترك تجاه القضية الفلسطينية.

فتركيا ودول الخليج يهدفون إلى ممارسة ضغط دبلوماسي مشترك بشأن "حل الدولتين" عبر التحرك معا ضد التوسع الإسرائيلي. 

وستعزز هذه الشراكة البحث عن حل إقليمي للقضية الفلسطينية وسيوفر فرصة لنضال أكثر فاعلية على الساحة الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يلعب هذا التعاون دورا حيويا في تنسيق المساعدات الإنسانية ومرحلة إعادة إعمار غزة.

ما إطار الاتفاقيات الموقعة بين الدول ومكاسبها؟

تشمل الاتفاقيات الموقعة مجالات الطاقة وصناعة الدفاع والتجارة والبنية التحتية. 

وسيسهم اتفاق الغاز الطبيعي المسال مع عُمان لمدة 10 سنوات في أمن الطاقة، كما سيعزز التعاون في الصناعات الدفاعية مع قطر القدرات العسكرية. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن صندوق الاستثمار المشترك البالغ 500 مليون دولار ومفاوضات اتفاقية التجارة الحرة سيعمقان التكامل الاقتصادي. 

وستزيد هذه الاتفاقيات حجم الاستثمارات التركية في المنطقة، بينما ستسهل وصول دول الخليج إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية عبر تركيا. 

كما ستُسهم مشاريع الممرات اللوجستية بشكل كبير في تنويع سلاسل الإمداد.

"الملكية الإقليمية"

تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ هيمنتها في الخليج، ما الإجراءات التي يمكن لتركيا اتخاذها في هذا الصدد؟

تُقيم تركيا، في إطار مبدأ "الملكية الإقليمية"، تعاونا مستقلا مع دول الخليج لإيجاد بديل للهيمنة الأميركية. 

ومن خلال التعاون في مجالات صناعة الدفاع واتفاقيات الطاقة والشراكات المؤسسية، تُقوّي تركيا الاستقلالية الإقليمية وتهدف إلى تقليل الاعتماد على القوى العالمية. 

كما تطور تركيا مع دول المنطقة تدريبات عسكرية ومشاركة استخباراتية وسياسات أمنية مشتركة، لبناء هياكل أمنية بديلة. 

وفي هذا السياق، يمكن أن يشكل استخدام عملة إقليمية مشتركة والتعاون المالي خطوة مهمة في مواجهة هيمنة الدولار الأميركي.

هل سيكون لدول الخليج تأثير على الاقتصاد التركي؟

نعم، سيكون لها تأثير إيجابي. فعمليات الاستثمار المباشر التي ستأتي من الخليج، وتمويل الصادرات، والتعاون في مجال الطاقة، ستُسهم بشكل كبير في الاقتصاد التركي. 

كما أن زيادة حجم التجارة مع عمان وتوسع وجود الشركات التركية في المنطقة ومشاريع البنية التحتية ستُقوي العلاقات الاقتصادية. 

وستزيد استثمارات رأس المال الخليجي في الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا التركية من قدرة تركيا على إنتاج التكنولوجيا المتقدمة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون في مجال الطاقة سيسهم بشكل كبير في تحقيق هدف تركيا بأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة.

ما التأثير المحتمل للتحالف الخليجي التركي على إسرائيل؟ وما السياسات التي يمكن تطويرها ضدها؟

يمكن لتحالف الخليج وتركيا أن يزيد الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل. 

ومن المتوقع أن يُظهر الطرفان موقفا مشتركا ضد سياسات إسرائيل التوسعية، وأن يتحركا بشكل منسق في المحافل الدولية بشأن "حل الدولتين".

ومن خلال التعاون الاقتصادي والأمني، يمكن تشكيل عنصر توازن في المنطقة ووضع إستراتيجية فعالة ضد السياسات الإسرائيلية. 

وفي هذا الإطار، يمكن اتخاذ مبادرات دبلوماسية مشتركة لطرح سياسات الاحتلال الإسرائيلي للتداول في المحاكم الدولية، وفرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. 

كما يمكن طرح زيادة المساعدات الاقتصادية لفلسطين وإنشاء صندوق مشترك لإعادة إعمار غزة بشكل منسق.