مع المقاومة أم ضدها؟.. مواقف دول جنوب شرق آسيا من عدوان إسرائيل على غزة

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، تنوعت ردود أفعال دول جنوب شرق آسيا تجاه عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

فبينما أدانت سنغافورة والفلبين بشدة عملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية في السابع من أكتوبر،  تبنت كل من فيتنام وكمبوديا موقفا أكثر اعتدالا. 

فيما كانت إندونيسيا وماليزيا الدولتين الأكثر انتقاداً لإسرائيل ويعود ذلك لقربهما تقليديا من القضية الفلسطينية.  

من جانبها، سعت تايلاند إلى الحوار مع حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، من أجل إطلاق سراح رعاياها الذين كانوا يعملون في إسرائيل، واحتجزتهم الحركة كرهائن خلال تنفيذ عملية طوفان الأقصى. 

"تراجع ملحوظ"

وبشكل عام، لاحظت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" الإيطالية أن هناك ما عبرت عنه بتراجع ملحوظ في دعم القضية الفلسطينية في المنطقة. 

وأرجعت الصحيفة ذلك جزئيا إلى العلاقات الوثيقة التي تربط حكومات هذه المنطقة بالدول العربية الحريصة أكثر على تطبيع العلاقات مع الكيان المحتل. 

وانطلقت عملية تطبيع العلاقات العربية مع الاحتلال منذ عام 1979 بتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، وتبعتها الأردن في 1994، قبل أن تقوم أربع دول عربية أخرى تتقدمها الإمارات بعقد اتفاق تطبيع آخر في عام 2020 برعاية أميركية.

وكبقية دول العالم، بينت الصحيفة الإيطالية أن مواقف حكومات جنوب شرق آسيا بشأن الوضع المأساوي في غزة كانت مختلفة بسبب عاملين أساسيين. 

الأول يفسره مستوى العلاقات التي حافظت عليها هذه الدول مع إسرائيل عبر التاريخ، ويتمثل الثاني في اهتمام سياسات الدول ذات الأغلبية المسلمة بتطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 

وذكرت الصحيفة أن سنغافورة أدانت بشدة هجمات حماس لأنها تتمتع بعلاقات وثيقة مع إسرائيل منذ استقلالها عام 1965. 

كما أصدرت الفلبين بيانا شديدا نسبيا ضد المقاومة الفلسطينية ولم يكن ذلك مفاجئاً نظراً لقربها من الولايات المتحدة، الحليف التاريخي لإسرائيل. 

من جهتها، دعت الحكومة الفيتنامية جميع الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس، وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها فام ثو هانغ إن هانوي: "تراقب عن كثب وتشعر بقلق عميق إزاء تصاعد العنف بين حماس والقوات الإسرائيلية، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا بين المدنيين".

بدورها، أصدرت وزارة الخارجية الكمبودية بيانا أعربت فيه عن أسفها العميق إزاء الصراع وأدانت جميع أشكال العنف والأعمال الإرهابية. 

وعلقت الصحيفة الإيطالية بأن النهج الذي تتبناه فيتنام وكمبوديا مدرك لخطورة الصراع، ولكنه يشير أيضاً إلى تقلص الأهمية السياسية له في أجندات البلدين. 

حياد ودعم

وفيما يتعلق بتايلاند، ذكرت الصحيفة الإيطالية، أن البلاد قامت بإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع فلسطين في 18 يناير/ كانون الثاني 2012 عندما اعترفت بها كدولة مستقلة ذات سيادة.  

وكان نائب وزير الخارجية قد قال إن موقف بلاده في المواجهات الدائرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي هو "الحياد" مع الشعور بالقلق على الرعايا التايلنديين هناك.

وأكد أن بلاده تستنكر العنف بدون ذكر أي طرف داعيا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى المفاوضات من أجل إيجاد حل سلمي ودائم، ودعا إلى ضرورة إيجاد حل يحقق للفلسطينيين والإسرائيليين العيش جنبا إلى جنب.

هذا الموقف أملاه الهدف الرئيس للحكومة التايلاندية، بحسب الصحيفة الإيطالية، الذي يكمن في تأمين إطلاق سراح 30 مواطنا تايلانديا احتجزتهم حماس كرهائن خلال هجمات 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل. 

ولتحقيق هذا الهدف، انخرطت بانكوك في الأسابيع الأخيرة في محادثات دبلوماسية مكثفة مع ممثلي حركة حماس. 

وأدت هذه المحادثات إلى إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن التايلانديين المحتجزين لدى فصائل المقاومة.

في المقابل، عبرت الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل إندونيسيا وماليزيا عن مواقفها بقوة من الأوضاع في غزة لا سيما أن الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية حافظ على الدوام على انتشار واسع النطاق.

وكانت إندونيسيا قد عبرت عن قلقها العميق إزاء تصاعد الصراع ودعت إلى الوقف الفوري للعنف الإسرائيلي لتجنب وقوع المزيد من الضحايا.  

وكان بيان صادر عن وزارة خارجيتها قد قال "إن جذور الصراع، وهي احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، يجب حلها وفقا للمعايير التي وافقت عليها الأمم المتحدة". 

بدورها، قالت حكومة ماليزيا إنها تشعر بقلق عميق إزاء خسارة العديد من الأرواح منددة بالنفاق الغربي في التعامل مع الاحتلال الذي يمارس الفصل العنصري وينتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان والقانون الدولي.

واتهمت إسرائيل بالاحتلال غير القانوني وأدانت سياسة التهجير التي تنتهجها. 

ولم تصف هذه الدول الثلاث، تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، هجمات حماس بأنها "إرهابية" بل رأت أنها تندرج في السياق الأوسع للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وفيما يتعلق بالتوجه داخل المنظمات الدولية، صوتت ثماني دول من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بشأن طلب هدنة إنسانية.  

وفي إطار منظمة التعاون الإسلامي، كثفت إندونيسيا وماليزيا ضغوطهما من أجل وقف دائم لإطلاق النار. 

وتدين منظمة التعاون الإسلامي تزايد مشاعر العداء للإسلام في مختلف البلدان حول العالم، التي طالبت الحكومة الماليزية بالعمل على محاربتها وحماية الحق في التعبير السلمي عن الدعم للقضية الفلسطينية.  

كما تحمل المنظمة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عما يحدث، ودعت جميع أطراف المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياتها تجاه وقف العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني.

عامل التطبيع

وفي السياق، أكدت الصحيفة الايطالية أهمية ملاحظة كيف تغير الدعم للقضية الفلسطينية في جنوب شرق آسيا مع مرور الوقت.

 على سبيل المثال، تذكر كيف شكل مؤتمر باندونغ نقطة تحول في دعم القضية الفلسطينية بقوة في مختلف دول المنطقة. 

عقد المؤتمر الذي كان أول اجتماع لدول العالم الثالث التي كانت قد استقلت حديثا في منتصف القرن العشرين، في الفترة من 18 إلى 24 أبريل/نيسان عام 1955 في باندونغ بإندونيسيا.

وشهد مشاركة 29 دولة من إفريقيا وآسيا لمناقشة موضوع السلام، ودور دول العالم الثالث في الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وعدم الاصطفاف مع أي منهما.

وكذلك تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدان الإفريقية والآسيوية، وإنهاء الاستعمار.

بمرور الوقت، تزعم الصحيفة الإيطالية أن الدعم لهذه القضية العادلة تراجع مع ترسيخ إسرائيل لنفسها كقوة على الساحة الدولية وذلك بفضل دعم الولايات المتحدة.  

واليوم، تلاحظ الصحيفة وجود دعم محدود يقتصر على أسباب ثقافية أو حالة من التوافق لحكومات هذه المنطقة من العالم مع الدول العربية التي قررت مواصلة عملية التطبيع مع إسرائيل.

وألمحت الى أن هذا السبب الذي يفسر امتناع دول آسيان اليوم عن التصويت على القرارات الأممية أو تفضيلها موقف الحياد السياسي.