لماذا يسعى اللوبي الصهيوني لإقصاء نواب مؤيدين لغزة عن الكونغرس الأميركي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تعاظم تعاطف الشعب الأميركي مع الفلسطينيين في غزة بسبب الإبادة الصهيونية، وتصاعد أصوات نواب في الكونغرس والخارجية الأميركية تطالب بتغيير سياسة واشنطن تجاه الدعم المطلق لإسرائيل، تزايدت محاولات اللوبي ومليارديرات اليهود الأميركيين، لإقصاء وإبعاد نواب من الكونغرس في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 التشريعية والرئاسية، لعبوا دورا كبيرا في محاولة تقليص الدعم العسكري والمالي لإسرائيل عقب عدوانها على غزة.

وانتقد نواب ديمقراطيون في الكونغرس، إغداق حكومة الرئيس جو بايدن الأموال وفتح خزائن السلاح الأميركي لإسرائيل بلا حدود، ودعم الحزب الجمهوري لهذا النهج الداعم للاحتلال، ما أدى لأزمة مالية داخلية أميركية.

وكانت المفارقة أن يكشف موقع "بوليتيكو" الأميركي في 28 نوفمبر 2023 أن الأمر وصل حد أن "الأموال لم تعد كافية" لدعم إسرائيل، لدى وزارة الدفاع الأميركية، بسبب كثافة حجم الدعم الموجه لإسرائيل ماليا وعسكريا.

وأكد الموقع أن هناك أزمة بالموازنة وانقسامات بإدارة بايدن، باتت تعرقل مساعدات أميركا للاحتلال، وذلك بسبب تصاعد رفض نواب ديمقراطيين تمرير هذه المساعدات الباهظة.

استهداف 7 نواب

وعقب حل مشكلة تأخر انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، ووصول رئيس جديد هو المتطرف اليميني مايك جونسون، وافق المجلس فورا في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على قرار يدعم إسرائيل في حربها ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس".

وأيد القرار 412 نائبا مقابل 9 نواب ديمقراطيين، ونائب جمهوري واحد، بحسب شبكة "سي إن إن " الأميركية في 26 أكتوبر 2023.

ومع تصاعد الإبادة الصهيونية في غزة، وخروج مظاهرات واعتصامات وصلت لداخل مبني الكونغرس نفسه، تصاعدات أصوات هؤلاء النواب الديمقراطيين، رافضين إعطاء "شيك على بياض" من أموال وأسلحة الشعب الأميركي لإسرائيل.

الانقسام بين نواب الكونغرس ورفض كثير من الداعين لوقف العدوان الصهيوني لهذه المساعدات، عرقل مساعي وزارة الدفاع (البنتاغون) لتمرير حزم ضخمة منها لإسرائيل.

تعطيل التصويت على بعض هذه المساعدات أو إثارة الجدل حولها، قاده 7 أعضاء من مجلس النواب، حتى قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) أنه ليس لديها المال الكافي بسبب عرقلة نواب لميزانية دفع نفقات وتكاليف عسكرية.

تبع هذا حملات كراهية وتحريض من جانب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مستخدما أمواله وأدوات ضغطه، هدفها إقصاء حوالي 7 من النواب الديمقراطيين بوصفهم مناصرين لغزة وفلسطين.

وكانت أبرزهم النائبة من أصل فلسطيني، رشيدة طليب، التي تم توجيه "اللوم لها" في مجلس النواب، لأنها استخدمت عبارة "من النهر للبحر" لدولة فلسطين، ما عده الاحتلال والبيت الأبيض دعوة لإزالة إسرائيل.

وظهر ثلاثة سياسيين أميركيين ليعلنوا أن اللوبي الصهيوني عرض عليهم 20 مليون دولار ليترشح أي منهم مقابل عضوة الكونغرس الأميركية الفلسطينية طليب.

وقال صحفيون ونشطاء عرب في أميركا إن اللوبي الصهيوني رصد 100 مليون دولار لإقصاء هؤلاء السبعة، وبينهم رشيدة طليب.

اللوبي الصهيوني عرضوا عليه ٢٠ مليون دولار ليترشح مقابل عضوة الكونجرس الامريكية الفلسطينية رشيدة طليب. ثالث شخص يقول هذا. لوبي لا يريد لنفس واحد في الكونجرس ان يتواجد فيه و ان ينتقد الكيان. رصدوا ١٠٠ مليون لهزيمة ٦ اضافة الى رشيدة. pic.twitter.com/V0yJupD1q0

— Samar D Jarrah (@SamarDJarrah) November 28, 2023

ونقل موقع "بوليتيكو"  عن المرشح الديمقراطي، هيل هاربر، أن أحد أكبر المتبرعين لــ"لجنة الشؤون العامة الأميركية اليهودية" (أيباك)، عرض عليه 20 مليون دولار مقابل أن يترشح وينافس طليب.

وكشف أنه في 16 أكتوبر 2023 اتصل رجل الأعمال الأميركي ليندن نيلسون بالمرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ هاربر، عارضا عليه 20 مليون دولار مقابل ترشحه لـ"النواب" عن الدائرة 12 لولاية ميشيغان، لإزاحة النائبة طليب، وهو ما أكده هاربر عبر إكس.

I didn’t intend for a private phone call to turn public. But now that it has, here’s the truth.

One of AIPAC’s biggest donors offered $20m if I dropped out of the U.S. Senate race to run against @RashidaTlaib.

I said no. I won’t be bossed, bullied, or bought. https://t.co/Ji76jwPE3X

— Hill Harper (@hillharper) November 22, 2023

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها لوبي "أيباك" الإسرائيلي، من أجل إزاحة النائبة الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس.

فبعدها بأيام وتحديدا في 27 نوفمبر، قال المرشح الديمقراطي، ناصر بيضون، إنه تلقى العرض ذاته من نفس اللوبي وللغرض نفسه.

ونشر بيضون مقطعا مصورا، قال فيه إنه تلقى عرضا بـ20 مليون دولار مقابل "تخليه عن الترشح لمجلس الشيوخ والترشح لمنافسة طليب في مجلس النواب".

I was offered $20 million to withdraw from the senatorial race and to run against my friend @rashidatlaib. Even knowing where I stand on AIPAC's influence on our elections and foreign policy, the pro-Israel lobby had the nerve to suggest that I would even consider taking a dime… pic.twitter.com/QTvFhbExj9

— Nasser for Michigan (@NasserforMich) November 27, 2023

وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 21 نوفمبر 2023 إن اللوبي الصهيوني أطلق حملة للتشهير بالمرشحين الديمقراطيين مناصري فلسطين، وبالتوازي، دعم المرشحين الذين يتحدونهم في انتخابات 2024، عبر ضخ عشرات الملايين من الدولارات.

وأكد موقع "إنترسبت" الأميركي في 27 نوفمبر 2023 إن "أيباك" أنفق خلال عام 2020 فقط، ما يزيد عن 30 مليون دولار للتضييق على نواب مؤيدين لفلسطين ومعارضين لإنفاق الملايين على إسرائيل في الكونغرس.

وأكد أن هذه الأموال كانت موجهه خصوصا لإقصاء النائبات، رشيدة طليب وإلهان عمر وألكساندريا أوكاسيو كورتيس، وتوقع الموقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى 100 مليون دولار خلال انتخابات عام 2024.

وانتقد الديمقراطيون لجنة  (أيباك) وعدوا ما تفعله برشاوي المال لإسقاطهم يعني "فساد السياسة الأميركية".

وكتبت النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز (أحد الديمقراطيين الذين تستهدفهم أيباك): على تويتر قائلة: "حقيقة أن شخصا ثريا فقط في الولايات المتحدة يمكنه إجراء مكالمة وعرض الملايين لإقالة مسؤول لا يحبه يخبرك بكل شيء عن فساد سياستنا". 

The fact that in the US just *1* wealthy person can make a call and offer millions to unseat an official they dislike tells you everything about the corruption of our politics.

It also tells you why the tiny # of members who have managed to beat them are seen as such a threat. https://t.co/DtwMjgg9x9

— Alexandria Ocasio-Cortez (@AOC) November 22, 2023

والنائبة رشيدة طليب منتقدة صريحة لإسرائيل، وقد واجهت منذ فترة طويلة تحديات من أيباك، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة صارت واحدةً من أبرز المشرعين الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار.

وقالت إنها "لن تصمت إزاء ما يقع في غزة، ولن تقبل إسكات صوتها"، منتقدة مساعي اللوبي الصهيوني لربط مناهضة الصهيونية بمعاداة السامية واصفة إياها بأنها "تُستخدم لإسكات الأصوات التي تدافع عن حقوق الإنسان".

وكتبت عبر منصة إكس تتهم حتى الرئيس بايدن، زعيم حزبها الديمقراطي، بدعم "الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني"، من خلال تقديم الدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل.

كما أصدرت بيانات تنتقد تمويل أميركا لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار دون أي شروط على الإطلاق لدعم حقوق الإنسان:

My statement on $14.3 billion in funding for Israel with absolutely no conditions on upholding human rights: pic.twitter.com/AX0hErzdpN

— Congresswoman Rashida Tlaib (@RepRashida) November 2, 2023

الأغرب أنه تم الكشف عن أن ضباطا رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي يجوبون الكابيتول (المقر الرئيس للسلطة التشريعية الاتحادية-الكونغرس)، ويجمعون إحاطات سرية وخاصة عن آراء أعضاء الكونغرس حول الحرب على غزة، لـ"وأد هذه الأصوات".

موقع "إنترسبت"، نشر 29 نوفمبر 2023، وثائق تؤكد أن هذه الإحاطات تزايدت مع ظهور انتقادات في الكونغرس حول سلوك إسرائيل (الإبادة) خلال الحرب، وقتل 15 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء.

وأكد أن ثلاثة ضباط إسرائيليين، يعملون في السفارة الإسرائيلية يشاركون في جمع هذه المعلومات والإحاطات.

تفتت حزب بايدن

وأكدت صحف أميركية أن هذه الضغوط المتتالية، التي تكشف استمرار اللوبي الصهيوني في مساعيه لإزاحة "الديمقراطيين" منتقدي السياسات الإسرائيلية ومناصري فلسطين، قد تؤثر سلبا على وحدة الصف داخل الحزب الديمقراطي وتُضعف شعبيته.

صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت 28 نوفمبر، أن الرئيس بايدن يواجه "غضبا عميقا" داخل الكونغرس وإدارته بسبب تضامنه مع إسرائيل من مؤيديه وحتى من بعض الموظفين الذين قالوا إنهم يشعرون بخيبة الأمل تجاه الرئيس. 

كما عارض نواب ديمقراطيون من حزبه سياسته تجاه حرب غزة، ما سلط الضوء على الخلاف العميق بين نواب إدارة بايدن وفق "الغارديان" في 21 نوفمبر 2023.

ووفقا لاستطلاع أجرته شبكة "NBC" في 19 نوفمبر 2023، انحدرت شعبية بايدن إلى أقل مستوياتها منذ توليه الرئاسة، حيث أظهر 40 بالمئة من الأميركيين فقط أنهم راضون عن الرئيس، بسبب تعامله مع الحرب في غزة.

حيث قال 70 بالمئة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما إنهم "لا يوافقون على الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع المذبحة الإسرائيلية والتطهير العرقي في غزة"، بحسب موقع "تروث أوت" 21 نوفمبر 2023.

وأرجعت هذه النتائج السبب إلى أن بايدن يقدم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل دون خطوط حمراء، رغم تحذيرات المدافعين عن حقوق الفلسطينيين الذين يحذرون من أن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية.

ومطلع نوفمبر 2023، كتب موقع "أكسيوس"، عن وجود انقسامات داخل الكتلة الديمقراطية في الكونغرس، سببها اختلاف المواقف بشأن الحرب في غزة. 

ونقل الموقع عن نواب ديمقراطيين تأكيدهم أن هذا الوضع مرجح للتفاقم مع استمرار الحرب، واقتراب الانتخابات الأميركية عام 2024.

أيضا حثت مجموعة من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس بايدن في 21 نوفمبر 2023 للضغط على إسرائيل لاتخاذ خطوات فورية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين الأبرياء في قطاع غزة الفلسطيني، وفتح المعابر، بحسب وكالة "رويترز".

وكتبت المجموعة في رسالة إلى بايدن "يمكن تنفيذ هدفي القضاء على التهديد الذي تشكله حركة "حماس" وحماية المدنيين في وقت واحد (لأن تطبيق) القانون الدولي الإنساني يتطلب في الواقع حماية المدنيين في أثناء النزاع المسلح"

وبادر بكتابة هذه الرسالة أعضاء مجلس الشيوخ تامي بالدوين وتيم كين وكريس فان هولين، ووقعها ما لا يقل عن ثمانية ديمقراطيين آخرين في المجلس. 

ورأت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 24 نوفمبر 2023 أن صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل "أزاحت بعض الضغوط السياسية عن كاهل بايدن".

وأنه اضطر للاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكثر من 12 مرة، وأيضا قادة قطر ومصر وغيرهم لتأمين هذه الصفقة، حتى يخفف ضغوط منتقديه داخل الكونغرس وحزبه.

إغلاق الحنفية

بسبب تصاعد الإبادة في حرب غزة، لم يرتفع فقط عدد الديمقراطيين في مجلس النواب الذين يطالبون بوقف إطلاق النار، بل وتحرك بعضهم بالفعل لأول مرة منذ بداية الحرب لمنع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.

النائب "بيرني ساندرز" قدم اقتراحات للكونغرس تدعوه لمطالبة إسرائيل بتغيير سياساتها كشرط لتلقي المساعدات العسكرية الأميركية، وإجبارها على إعادة النظر في إستراتيجيتها العسكرية ضد غزة التي أدت لتصاعد الموت والتشريد والدمار.

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أكدت 16 نوفمبر 2023 أن 24 مشرعا أميركيا وقعوا على بيان أعده النواب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وبيتي ماكولوم ومارك بوكان، يدعو إلى وقف إطلاق النار.

وبالتزامن مع بيان وقف إطلاق النار، أطلق ديمقراطيون أول محاولة في الكونغرس لمنع مبيعات الأسلحة الأميركية لإسرائيل منذ بداية حرب غزة، وفق ما نقلت صحيفة "هآرتس" في 16 نوفمبر 2023

وأوضحت الصحيفة أن الجهد تقوده النائبة إلهان عمر، إلى جانب النائبات سمر لي وديليا راميريز ورشيدة طليب وكوري بوش وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، ويدعو إلى منع نقل معدات القنابل الموجهة بدقة بقيمة 320 مليون دولار إلى إسرائيل.

وقال النواب في بيانهم: "يقع على عاتق الكونغرس مسؤولية ممارسة الرقابة على مبيعات الأسلحة، لهذا السبب يجب ألا نسمح بمبيعات الأسلحة التي ستستخدم لانتهاك مباشر للقانون الأميركي والدولي وحقوق الإنسان ومكانتنا الأخلاقية في العالم".

وأكدت مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" الإلكترونية التابعة لمعهد كوينسي بواشنطن 30 نوفمبر 2023، أن أميركا قدمت مساعدات غير مقيدة لإسرائيل أكثر من أي دولة أخرى على الإطلاق، حيث تجاوزت قيمتها 130 مليار دولار.

وأوضحت أن إسرائيل ظلت منذ تأسيسها عام 1948 تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا بوصفها واحدة من أقرب حلفائها.

وفي الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، استخدم الجيش الإسرائيلي أسلحة أغلبها من الولايات المتحدة، وأدت قوة النيران "الساحقة" إلى استشهاد آلاف المدنيين الفلسطينيين ودمار مدن بأكملها، بحسب تقرير المجلة الأميركية.

وجاء في التحليل أن 79 بالمئة من إمدادات الأسلحة، التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل في الغالب مجانا، زودتها بها واشنطن في الفترة ما بين 2018 و2022.

وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل منذ تأسيسها في عام 1948 أكثر من 140 مليار دولار في شكل معونات مباشرة، ركزت على مساعدتها في التصدي للأخطار الأمنية "الجديدة والمعقدة" التي تتعرض لها.