لديها أزمات مع 6 دول.. إلى ماذا تستند الهند في معاداة جيرانها؟
بصورة لافتة، تشوب العلاقات الهندية مع كل من بنغلاديش وباكستان ونيبال وبوتان وسريلانكا والمالديف نزاعات مختلفة يتصاعد التوتر بشأنها بين الفينة والأخرى.
وعن هذا الأمر، يقول موقع "الصين نت"، إن تلك التوترات باتت تعرف بـ"معضلة الجوار الهندية" وباتت تتعقد بشكل متزايد.
وفي أحدث صور هذه التوترات، يوضح الموقع الصيني أن الأنباء التي تفيد بأن بنغلاديش تفكر في الانضمام إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) أثارت "قلقا" في الهند.
وكرد فعل، "هددت" نيودلهي بإعادة تقييم عملية التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
فما قصة معضلة الجوار الهندية؟ وما التحديات التي تواجه نيودلهي في علاقاتها مع دول الجوار؟
"الهند أولا"
وردا على ذلك يقول الموقع: مرة أخرى تكشف الأحداث الأخيرة مع بنغلاديش أن العلاقة بين الهند والدول المجاورة لها ليست متناغمة للغاية.
ففي السنوات الأخيرة، تنوعت التوترات ما بين ركود العلاقات الهندية الباكستانية، وتبادل إطلاق النار بين الحين والآخر، إلى (النزاعات على الخرائط) بين الهند وباكستان ونيبال وبنغلاديش، وإلى محادثات الحدود الهندية بين الصين وبوتان
ومنذ عام 2008، تسبب رد الفعل المبالغ فيه أثناء رسو سفينة الأبحاث الصينية في سريلانكا، فضلا عن التدابير التي اتخذتها حكومة المالديف الجديدة للحد من نفوذ الهند من أجل حماية السيادة الوطنية، في المزيد من التوترات في علاقات الهند مع جيرانها في جنوب آسيا.
ومنذ وقت ليس ببعيد، أشارت بعض وسائل الإعلام الهندية بشكل مباشر إلى "معضلة الجوار الهندية الخطيرة بشكل متزايد". ويفيد الموقع بأن "معضلة الجوار في الهند ليست قضية جديدة".
فخلال الحرب الباردة، تبنت الهند بشكل عام سياسة تدجين جنوب آسيا، إما بالسيطرة على دول مثل بوتان ونيبال من خلال معاهدات غير متكافئة، أو التدخل بقوة في الشؤون الداخلية للدول المجاورة من خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
ومن أجل منع جيران جنوب آسيا من الاعتماد على قوى خارجية لضبطها، اقترحت الهند أيضا "مبدأ أنديرا" في عام 1983، والذي يمكن أن نطلق عليه النسخة الهندية من (مبدأ مونرو).
جدير بالذكر أن "مبدأ مونرو"، المُعلن في 1823، نادى باستقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي.
وبالعودة إلى عام 1983، يذكر الموقع الصيني أن "العلاقات بين الهند والدول المجاورة لها كانت متوترة للغاية. كما أن "معظم دول جنوب آسيا كانت تغضب، لكنها لا تجرؤ على التحدث علنا ضد الهند".
وبعد نهاية الحرب الباردة، اقترح وزير خارجية الهند، في عام 1996، آنذاك، إندر كمار كجرال، "مبدأ جوجرال" لتحسين العلاقات مع دول الجوار في جنوب آسيا، وهو الاقتراح الذي تبعته الحكومات الهندية المتعاقبة.
وفي عام 2014، بعد وصول حكومة مودي إلى السلطة، يشير الموقع إلى أن الهند طرحت سياسة رفيعة المستوى باسم "الجوار أولا" وزادت من استثماراتها في الموارد للدول المجاورة.
ويؤكد الموقع الصيني أنه "من الناحية الموضوعية، حققت هذه السياسات الكثير من التقدم".
وبخلاف جمود العلاقات مع باكستان، زاد التأثير الهندي على الدول المجاورة الأخرى بدرجات متفاوتة، حيث أصبح من الصعب عليها أن "تتصرف بشكل كامل دون أخذ الهند في الحسبان".
ومع ذلك، يزعم "الصين.نت" أن مبدأ "الجوار أولا" تحول تدريجيا إلى "الهند أولا" على المستوى العملي.
"ولا سيما في سياق التقدم القوي للأجندة السياسية القومية الهندوسية والبيئة الخارجية المواتية نسبيا لصعودها. وهو أمر أثر أيضا بشكل خطير على العلاقات بين الهند وجيرانها في جنوب آسيا".
ثلاث فئات
ويقول الموقع الصيني إن "الهند تواجه ثلاثة تحديات رئيسة؛ صعود الأنظمة المناهضة لها في البلدان المجاورة، وصعود نفوذ الصين، والتغيرات في هيكل السلطة في جنوب آسيا".
المشكلة الأولى -وفق الموقع- هي "فشل الهند، بسبب مواجهتها مع باكستان، في تعزيز عملية التكامل في جنوب آسيا بشكل فعال". وهي التي وصفها الموقع بأنها "معضلة التكامل".
وفي رأيه، أدى هذا الفشل إلى تحول جنوب آسيا إلى حالة سمّاها "الكساد التكاملي" أو حتى "الكساد الأمني".
المشكلة الثانية هي "فشل الهند في النظر إلى التعاون العملي بين جيرانها في جنوب آسيا والصين بشكل عقلاني، ومحاولتها التدخل لعرقلة جهود الصين التنموية في دول جنوب آسيا". وهو ما أسماها الموقع "معضلة الجارتين المتنافستين".
إضافة إلى ذلك، تفشل الهند في تمكين جيرانها في جنوب آسيا من تقاسم "فوائد التنمية" التي جلبتها الصين بشكل فعال، وفق ادعاء الموقع الصيني.
أما الفئة الثالثة والأخيرة هي "تتبع الهند من جانب واحد للمنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين".
ويضيف الموقع أن دعم الهند لـ "المواجهة القائمة على المعسكرات" التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الصين في جنوب آسيا وضع الدول هناك في معضلة "اختيار الجانبين".
وفيما يتعلق بـ "معضلة التكامل"، يقول الموقع إن "الهند تواصل انتهاج سياسة عدائية تجاه باكستان، الأمر الذي يعيق بشكل خطير عملية الاندماج في جنوب آسيا".
ووفقا له، كانت رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (المشار إليها باسم "سارك") ذات يوم المنصة الرئيسة المتعددة الأطراف للتكامل الإقليمي في جنوب آسيا.
ومع ذلك، فإن الهند لديها موقف سلبي تجاه تعزيز التعاون في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، بهدف استبعاد باكستان ومواجهتها.
وفي الوقت نفسه، أشار الموقع إلى أن "الهند اختارت بناء شبكة اتصال إقليمية تستبعد باكستان من خلال الترويج لمبادرة خليج البنغال للتعاون الاقتصادي والفني المتعدد القطاعات (BIMSTEC) وآلية بنغلاديش وبوتان ونيبال والهند (BBIN)".
ونتيجة لذلك، تظل منطقة جنوب آسيا المنطقة الأقل تكاملا، حيث تمثل التجارة البينية الإقليمية 5 بالمئة فقط من إجمالي التجارة بين البلدان.
وهي نسبة أقل كثيرا من نسبة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) البالغة 30 بالمئة، والاتحاد الأوروبي (60 بالمئة)، بل وحتى أقل من نسبة 12 بالمئة في القارة الإفريقية.
إعاقة التنمية
أما من منظور "معضلة الجارتين المتنافستين بين الصين والهند"، يعتقد الموقع أن "إضفاء الطابع الأمني" الذي تمارسه الهند على النفوذ الصيني المتزايد في جنوب آسيا كان سببا في إعاقة تنمية التعاون العملي بين دول جنوب آسيا والصين بشكل خطير.
فمنطقة جنوب آسيا تعد جزءا مهما من الدبلوماسية الطرفية للصين، ولكن من الصعب دائما على الهند التخلص من سوء الفهم للتعاون الصيني الباكستاني بتقدير أنه يستهدف الهند.
ومن الصعب على الهند أيضا التخلي عن التفكير الإستراتيجي المتمثل في التعامل مع دول جنوب آسيا بصفتها دولا صغيرة ومنطقة نفوذ.
كذلك من الصعب إزالة المخاوف بشأن استبدال الصين لموقف الهند في جنوب آسيا، وهو ما ينتج عنه "التشكيك المعتاد" و"التخريب المتعمد" لتعاون الصين العملي مع دول جنوب آسيا.
ونتيجة لذلك، أصبحت دول جنوب آسيا غير قادرة على تقاسم جهود تمكين التنمية في الصين بشكل فعال، وأصبحت أكثر ميلا إلى (الطرد المركزي) تجاه الهند".
ومن منظور "معضلة المواجهة القائمة على المعسكرات"، تنتهج الهند خطأً سياسة "الاعتماد على الولايات المتحدة لاحتواء الصين"، والتي أقحمت دول جنوب آسيا بشكل سلبي في لعبة القوى العظمى.
وعلى خلفية المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، انحرفت الهند تدريجيا عن استقلالها الإستراتيجي، وبادرت إلى إدخال الولايات المتحدة إلى جنوب آسيا، في محاولة للاستفادة من اللعبة الصينية الأميركية.
ولذلك، أعربت الهند عن موافقتها الضمنية على تعزيز الولايات المتحدة لوجودها الأمني في خليج البنغال، من خلال التوقيع على اتفاقية تعاون دفاعي مع جزر المالديف وتعزيز المبادرة الأمنية لخليج البنغال.
وقد عملت الهند بنشاط على تلبية احتياجات الولايات المتحدة، عبر عرقلة الدول لبناء الحزام والطريق في بنغلاديش وسريلانكا ونيبال ودول أخرى.
كما تستخدم الولايات المتحدة الهند لدعم "بطاقة الحدود" و"بطاقة التبت" و"بطاقة تايوان" للصين، حتى إنها أبرمت اتفاقية الصيانة والإصلاح مع الولايات المتحدة ووافقت على بناء البنية التحتية في الهند لتوريد وإصلاح الطائرات والسفن الأميركية.
ورغم أن جيران الهند في جنوب آسيا أكدوا مرارا وتكرارا على إصرارهم على انتهاج سياسات خارجية مستقلة ومعارضتهم لاختيار أحد الجانبين بين القوى الكبرى، إلا أن الولايات المتحدة والهند وحدتا جهودهما من أجل تقليص المساحة المستقلة لهذه البلدان إلى حد كبير.
واختتم الموقع الصيني تقريره بالقول: "تتمتع الهند بمزايا هائلة في التعامل مع العلاقات مع جيرانها في جنوب آسيا، إلا أن النهج الذي تتبناه باهت. ويتعين عليها أن تلتزم بسياسة (الجوار أولا) الحقيقية، وألا تمرر (معضلة الجوار) إلى الصين".