بعد طوفان الأقصى.. لماذا صعدت ألمانيا حملاتها ضد المسلمين؟
مركز هامبورغ هو أقدم مؤسسة إسلامية أوروبية
صعدت وزارة الداخلية الألمانية أخيرا من الخطوات الهادفة لمحاربة المساجد والمراكز الإسلامية في جميع أنحاء البلاد، بحجة “محاربة التطرف” وإيران ووكلائها.
كان آخر تلك الإجراءات، إصدار الوزارة قرارا بحظر أنشطة "المركز الإسلامي في هامبورغ" و5 من منظماته الفرعية، بحجة أنه "ينشر أيديولوجية إسلامية متطرفة في ألمانيا" ويدعم حزب الله اللبناني ويعادي السامية.
واتهمت الوزارة في 24 يوليو/تموز 2024 المركز بأنه "ممثل مباشر للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي"، متهمة إياه بـ "نشر فكر طهران بأسلوب عدائي ومتشدد".
وأنه يسعى، الى "إقامة حكم استبدادي وديني بديل عن الديمقراطية، ويدعم البعد العسكري والسياسي لتنظيمات مثل حزب الله".
وفتش حوالي 670 عنصرا من قوات الشرطة 53 عقارًا في ثماني ولايات اتحادية بناءً على أوامر أمنية وقضائية بعد عد المركز "منظمة إسلامية متطرفة لها أهداف مخالفة للدستور"، وفق الصحف الألمانية.
وكان المركز الإسلامي في هامبورغ، وهو جمعية تدير مسجدا محور تحقيق منذ عدة أشهر للاشتباه في دعمه حزب الله اللبناني وصلاته بإيران، خاصة عقب عملية طوفان الاقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومشاركة حزب الله في دعم غزة وخروج مظاهرات ضد إسرائيل في ألمانيا.
والمسجد يسمي "الإمام علي" في هامبورغ (IZH) ومعروف بـ "المسجد الأزرق" بسبب ألوانه، والمركز الذي يديره يعد مؤسسة شيعية مشهورة.
وهذا المركز، هو أقدم مؤسسة إسلامية أوروبية، وأدرج رسميا في قائمة التراث التاريخي لمدينة هامبورغ الألمانية عام 2013، وأصبح أحد الوجهات التي يزورها السياح.
لماذا الآن؟
لم يكن إعلان وزارة الداخلية عن عملية كبيرة في جميع أنحاء ألمانيا، هو أول خطوة تُتخذ ضد مساجد ألمانية، فقد سبقها تحركات عدة منذ عام 2020.
برغم أن الاستهداف طال هذه المرة المركز الشيعي في هامبورغ، فقد امتد لمراكز ومساجد أخرى للمسلمين، خاصة عقب طوفان الاقصى وحالة الهستيريا الألمانية تجاه وصف كل معارضة لإسرائيل بأنها "معاداة للسامية".
وحين حظرت ألمانيا حزب الله اللبناني في 30 أبريل/نيسان 2020 قال وزير الداخلية الألمانية حينئذ، "هورست زيهوفر" لصحيفة "بيلد" الألمانية إن السبب هو أن الحزب يشكك في حق إسرائيل في الوجود ويدعو علناً لتدميرها بعنف.
وهذه المرة، قالت وزيرة الداخلية الألمانية "نانسي فايسر" في 24 يوليو عن حظر المركز الإسلامي في هامبورغ إن من ضمن أسباب الغلق "نشره معاداة السامية العدوانية"، ما يشير أن الهدف ليس دعم المركز لحزب الله، بقدر ما أن قرار الحظر هو مساندة للاحتلال الإسرائيلي.
ووجهت انتقادات عنيفة إلى ألمانيا بسبب تزويدها إسرائيل بأسلحة مميتة لقتل أهالي غزة وقمعها المظاهرات المناهضة لتل أبيب، واتباعها سياسات نازية ضد منتقدي الاحتلال مثل سحب الإقامة أو السجن.
وقال تقرير لمجلة "السياسة والمجتمع الدولي" (IPS) الصادرة في بلجيكا، 5 يونيو/حزيران 2024، إن موقف الحكومة الألمانية من الحرب في غزة يتسبب في ضرر دائم لسمعة البلاد في مختلف أنحاء العالم.
أوضحت أن سمعة ألمانيا، التي ترسخت على مدى العقود الأخيرة كحامية للحقوق المدنية، أصبحت في خطر أن تذهب أدراج الريح بسبب الانحياز الألماني والمعايير المزدوجة والقمع الوحشي للمتظاهرين مع غزة، وترحيل من ينتقدون الاحتلال الإسرائيلي.
وسبق أن داهمت الشرطة المركز الإسلامي الرئيس في هامبورغ، بجانب 53 عقارًا مرتبطًا به في 10 مدن ألمانية، وصادرت أموالها، ضمن عمليات استهداف لمراكز أخرى سنية.
وأغلقت السلطات الألمانية في يونيو/حزيران 2024 بعض المساجد السلفية السنية بنفس التهمة التي وجهتها لمركز هامبورغ وهي "مخالفة أنشطتها للنظام الدستوري".
وحظرت وزارة الداخلية في ولاية سكسونيا السفلى شرقي ألمانيا، جمعية "الجالية الإسلامية الألمانية" (DMG) التي يشتهر خطباؤها بخطب سلفية، وأغلقت مسجدها في مدينة براونشفايغ، بتهمة أن أنشطتها "مخالفة للنظام الدستوري".
لكن هذه المرة قالت السلطات إن المركز الإسلامي (مسجد الإمام علي) في هامبورغ وفروعه "تابعة للنظام الإيراني"، وأنها رصدت مخالفات للمركز تتعارض مع القوانين الألمانية بسبب خطابات معاداة السامية.
وقالت وزيرة الداخلية نانسي فايزر إن الأدلة التي جرى جمعها في إطار التحقيق أكدت أن المركز "يروج لأيديولوجية إسلامية متطرفة وشمولية في ألمانيا"، والمنظمات الفرعية التابعة له "تدعم أيضًا إرهابيي حزب الله وتنشر معاداة السامية العدوانية".
وزعمت أن المركز بصفته الممثل المباشر لعلي خامنئي في إيران، ينشر أيديولوجية الثورة الإسلامية بطريقة عدوانية ويسعى إلى إحداث مثل هذه الثورة في ألمانيا الاتحادية.
وقالت الداخلية الألمانية إنه بسبب الحظر سيجري إغلاق أربعة مساجد في البلاد، ومصادرة أصول الجمعية الإسلامية الشيعية.
وتشير تقديرات الوزارة إلى وجود ما بين 150 إلى 200 جماعة شيعية في ألمانيا، بحسب وكالة أسوشيتد برس الأميركية 24 يوليو/تموز 2024.
وقدرت المخابرات الداخلية الألمانية خلال تقرير نشرته في 9 يوليو/تموز 2020، أن 1050 شخصاً في ألمانيا "أعضاء في جناح متطرف بحزب الله"، لكن لا يشكلون منظمة رسمية، وإنما يعملون بشكل غير رسمي في أنشطة من بينها جمع الأموال.
تاريخ من الاستهداف
منذ عام 2013، يصنف الاتحاد الأوروبي، الجناح العسكري لحزب الله "منظمة إرهابية"، إلا أن بلدانا أوروبية، منها ألمانيا، كانت تفرق بينه وبين الجناح السياسي.
لكن في 30 أبريل 2020 حظرت ألمانيا أنشطة حزب الله كافة (الجناح العسكري والسياسي معا)، على أراضيها وصنفته “منظمة إرهابية”.
وقررت حظر رموز حزب الله في التجمعات والمنشورات ووسائل الإعلام، وإمكانية مصادرة أصوله.
وفي نفس اليوم نفذت سلسلة مداهمات لجمعيات ومساجد في أربع مدن ألمانية بدعوى قربها من الحزب، وأنها تنتهك القانون الجنائي وتعارض مبدأ التفاهم الدولي، وفق بيان حينئذ لوزارة الداخلية.
وقبلها في سبتمبر/أيلول 2019 منحت الحكومة الألمانية الادعاء العام الاتحادي تفويض ملاحقة "أنشطة حزب الله وأعضائه جنائياً".
وفي يناير/كانون ثان 2022 كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن إلغاء عضوية "المركز الإسلامي" في هامبورغ، التابع للنظام الإيراني، من المجلس التنفيذي للجاليات الإسلامية في الولاية.
أكدت أنه جرى اتخاذ هذا القرار بعد أن زعمت مصادر المخابرات الألمانية دعم المركز الإيراني لقاسم سليماني قائد الحرس الثوري الذي اغتالته أميركا عام 2020 في بغداد.
لاحقا، في 9 يوليو 2020، أصدرت المخابرات الداخلية الألمانية، والتي تعرف بـ "هيئة حماية الدستور"، تقريرها الأمني السنوي لعام 2019، الذي تضمن إحصائيات ودراسات حول التنظيمات اليمينية واليسارية المتطرفة.
وكذلك "التيارات الإسلامية المتطرفة"، وأبرزها حزب الله اللبناني وعملاء الاستخبارات الإيرانية في ألمانيا، وفق التقرير.
ووصف "حزب الله الإسلامي الشيعي"، بأنه "ينفي حق إسرائيل في الوجود، ويقوم بكفاح مسلح قائم على الإرهاب ضد إسرائيل حيث يعدها محتلا غير شرعي للتراب الفلسطيني ويقوم بمقاومة مشروعة ضدها".
وتضمن التقرير معلومات عن المركز الإسلامي في مدينة هامبورغ، حيث وصفه بأنه "يعد أهم تمثيل لإيران في ألمانيا بالإضافة إلى السفارة ومركزا للدعاية الإيرانية المهمة في أوروبا".
ووفق قوله، "تحاول إيران ربط الشيعة من جنسيات مختلفة بنفسها ونشر القيم الاجتماعية والسياسية والدينية الأساسية للدولة الإيرانية في أوروبا".
وأوضح أن المركز أنشأ شبكة وطنية من الاتصالات داخل العديد من المساجد والجمعيات الشيعية الإسلامية، ويمارس تأثيرًا كبيرًا عليها، ويسيطر عليها بالكامل.
وفي 18 يوليو 2020، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إن تقريرا مخابراتيا ألمانيا وجد أن الجمعيات الشيعية في البلد الأوروبي متورطة في الدعم المالي لحزب الله.
أوضحت أن جهاز المخابرات المحلية في بريمن شمال ألمانيا، كشف أن مركز "المصطفى"، الذي يعمل تحت غطاء اجتماعي، لخدمة الطائفة الشيعية في ألمانيا، تبين أنه يجمع الأموال ويحولها إلى حزب الله في لبنان.
وبحسب مزاعم تقرير المخابرات، فإن حوالي 50 شخصا في بريمن ونحو 1050 في مختلف أنحاء ألمانيا، أعضاء في جمعية المصطفى، وأن هذه الجمعية العربية تعمل كنقطة وصل بين المناصرين في بريمن، وقيادة الحزب في لبنان.
ولم يذكر التقرير حجم الأموال التي أرسلها أنصار الحزب في بريمن إلى لبنان.
وأشار إلى أن مركز المصطفى أرسل أموالاً لأسر مقاتلي الحزب، كما أنه حاول ملء الفراغ الذي أحدثه منع الحكومة الألمانية منظمة "مشروع الطفل اليتيم في لبنان" عام 2014، من العمل على أراضيها.
وسبق في يونيو 2022 أن طردت المانيا نائب رئيس المركز الإسلامي في هامبورغ الإيراني سليمان موسوي، بتهمة دعمه لمنظمات متطرفة وإرهابية، وكان هذا تمهيدا لغلق المركز عام 2024.
تحريض سعودي إماراتي
ومنذ عام 2020 تحرض وسائل إعلام سعودية وإماراتية ضد نشاط هذا المركز الإسلامي الشيعي، وتتهمه بأنه يمول حزب الله.
وفي 9 سبتمبر/أيلول 2020 نشر موقع قناة "العربية. نت" تقريرا يزعم حصوله على أدلة ومستندات تؤكد أن مركز هامبورغ يمول حزب الله.
كما نشر "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، الذي تموله الإمارات، العديد من الدراسات التحريضية ضد مسلمي أوروبا ومنه المركز الإسلامي الشيعي في هامبورغ، مؤكدا علاقته بالاستخبارات الإيرانية وجمعه معلومات لها.
كما نشر موقع “العرب” الإماراتي تقريرا في 25 يوليو 2024 حول غلق المركز الشيعي في هامبورغ يزعم أن "التعاون بات وثيقاً بين الاستخبارات والبعثات الدبلوماسية الإيرانية في أوروبا والمساجد والجمعيات التي تتبع إيران".
وقالت قناة "العربية" في تقريرها، السابق الإشارة إليه، إن "إيران تستغل نقطة دعم الأنظمة الأوروبية للجمعيات الثقافية وحرية المعتقد، وبالتالي هي تلعب على هذه الثغرة".
وبينت أنه "يصعب التفريق بين الجمعيات والمساجد التي تدعم الجماعات المتطرفة وأجندات استخباراتية معادية، وبين حرية المعتقد التي من المستبعد على الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية استهدافها نظرا لانتشار الجالية الشيعية هناك والمراكز التابعة لها".
وزعم موقع "العربية" أنه حصل على معلومات حصرية من وحدة دراسات الجماعات المتطرفة في “مركز جنيف للدراسات والأبحاث”، تؤكد أن إستراتيجية إيران تنقسم إلى 3 محاور رئيسة.
أخطرها إستراتيجية "تشكيل مراكز دينية تتبع لإيران مباشرة وجماعات سرية مهمتها رصد ومتابعة الجاليات الشيعية في أوروبا والبدء بالسيطرة عليها حتى التهديد بالقتل".
واتهمت "العربية" المركز الإسلامي في هامبورغ بأنه يجند الجاليات الشيعية عبر ضابط سابق بالحرس الثوري يدير هذه العملية وغيرها من عمليات التجسس وغسيل الأموال.
وقالت إنها حصلت على نص مذكرة استخبارية بعثتها الحكومة الفيدرالية إلى البرلمان في 21 أغسطس/آب 2019 تؤكد سيطرة طهران على الجاليات الشيعية وتجنيدهم.
وأكدت المذكرة أن "المنظمات والمساجد الألمانية التي تخضع للنفوذ الإيراني، تعمل نظريا تحت مظلة المجتمع الإسلامي للمنظمات الشيعية، لكن المركز في هامبورغ هو المحرك الأساسي لها".
واتهمت "العربية"، منظمة المجتمع الإسلامي للمنظمات الشيعية في ألمانيا (أسست عام 2009)، والتي يندرج ضمنها المركز الإسلامي في هامبورغ، بالحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي في 2019 بلغ 137 ألف يورو وتسخير هذه الأموال لأهداف النظام الإيراني.
إذ إن المركز على اتصال مباشر بمكتب خامنئي، ويوفر أشكال الدعم كافة لحزب الله اللبناني"، وفقا لما قاله مسؤول السياسة المحلية للديمقراطيين الألمان دنيس غلادياتور، في رسالة إلى البرلمان في هامبورغ.
وقالت "العربية" إن هذه الانتهاكات شكلت الشرارة للتحركات الرسمية والحزبية في هامبورغ في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 لحظر ذراع إيران الرئيسة في ألمانيا، لا سيما بعد تصنيف حزب الله أخيرا منظمة إرهابية وحظر جميع أنشطته.
واتهمت ضمنا، إيران وهذه المنظمات الشيعية في أوروبا بتهريب وغسيل الأموال عبر تهريب المخدرات وتبييض الأموال.
كما اتهمت حزب الله في أوروبا باتباع إستراتيجية جديدة في نقل الأموال إلى لبنان أو سوريا، وفق مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للدراسات والأبحاث ناصر زهير.
ورحبت وزارة الخارجية الإسرائيلية بقرار ألمانيا حظر كل نشاط لحزب الله اللبناني على أراضيها، ودعت "الدول الأوروبية الأخرى وكذلك الاتحاد الأوروبي" إلى أن تحذو حذو برلين بمنع نشاطاته الاجتماعية والسياسية والعسكرية كافة.
أيضا دعا السفير الأميركي في ألمانيا وقتها ريتشارد غرينيل "كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير مشابهة".