كير ستارمر.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد الذي قاد حزب العمال للإطاحة بالمحافظين

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

سجل التاريخ البريطاني أن زعيم حزب العمال كير ستارمر أنهى 14 عاما من عهد الحكومات التي قادها المحافظون، بعدما حصد الأغلبية الحاسمة في الانتخابات الوطنية ليتولى بعد ذلك منصب رئيس الوزراء.

وحقق حزب العمال (يسار وسط) انتصارا ساحقا في الانتخابات التشريعية التي جرت في 4 يوليو 2024، بحصوله على 410 مقاعد من أصل 650 في مجلس العموم، متقدما بفارق شاسع على المحافظين الذين تنحصر حصتهم بـ131 مقعدا في أسوأ نتيجة انتخابية لهم منذ مطلع القرن العشرين.

و326 مقعدا هي الضرورية للحصول على الغالبية المطلقة في مجلس العموم وتشكيل الحكومة البريطانية والتي تمكن حزب العمال من تجاوزها وتشكيل الحكومة بمفرده.

وبذلك تكون الانتخابات قد فتحت أبواب داونينغ ستريت أمام زعيم حزب العمال كير ستارمر البالغ 61 عاما لتقلد منصب رئيس الوزراء بعد تسع سنوات فقط على دخوله عالم السياسة وأربع سنوات على توليه منصب زعيم حزب العمال.

خيارات صعبة

وأعلن قصر باكنغهام الملكي البريطاني رسميا أن الملك تشالز عين زعيم حزب العمال ستارمر رئيسا للوزراء خلفا لريشي سوناك الذي قدم استقالته للملك.

وفي خطاب النصر  بلندن في 5 يوليو 2024، قال ستارمر الذي ضمن حزبه الغالبية المطلقة في البرلمان "اليوم نبدأ فصلا جديدا،  نبدأ مهمة التغيير، مهمة التجدد الوطني ونباشر إعادة بناء بلدنا".

​​وستارمر هو أول زعيم لحزب العمال يفوز في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة منذ ما يقرب من 20 عاما، منذ توني بلير عام 2005.

وسيقود ستارمر البلاد وهو واحد من الأسماء المهمة والمعروفة في دهاليز السياسة البريطانية، في ظل حالة عدم رضا المواطنين عن حزب المحافظين.

وحذرت الاقتصادية والسياسية راشيل ريفيس التي من المقرر أن تصبح أول وزيرة للمال في تاريخ المملكة المتحدة،  في 5 يوليو 2024 من أن حكومة حزب العمال الجديدة سيتعين عليها اتخاذ "خيارات صعبة" في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.

وقالت ريفيس، وهي خبيرة اقتصادية سابقة في بنك إنكلترا تبلغ 45 عاما وأعيد انتخابها نائبة في دائرتها الانتخابية "الطريق الواجب سلوكه لن يكون سهلا، لا يوجد حل سحري، وهناك خيارات صعبة تنتظرنا. نحن لسنا واهمين بشأن حجم التحدي الذي نواجهه أو شدة الصعوبات التي سنرثها من المحافظين".

كير ستارمر

ولد كير رودني ستارمر في 2 سبتمبر/ أيلول 1962، ونشأ في منزل ضيق في ضواحي لندن برعاية أبيه وأمه التي تعاني من مرض خطير وتوفيت في يونيو/ حزيران 2024.

ووالداه من محبي الحيوانات وقد قال ستارمر مازحا ذات يوم "كلما غادر أحدنا المنزل، كان يتم استبدال حمار به".

وعملت والدته في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وهو نظام الرعاية الصحية العامة المجاني في بريطانيا، وكان والده صانع أدوات - وهي حقيقة كررها ستارمر كثيرا أثناء الحملة الانتخابية.

بعد دراساته القانونية في جامعتي ليدز وأكسفورد، حول ستارمر انتباهه إلى القضايا اليسارية ودافع عن النقابات العمالية والناشطين المناهضين لماكدونالدز والسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في الخارج.

وهو محام سابق حاصل على لقب "فارس" لخدماته في مجال العدالة الجنائية، وقبل أن يتولى ستارمر زعامة حزب العمال تدرج في مسؤوليات عدة، من محام في مجال حقوق الإنسان إلى مدع عام للدولة.

وتعلم ستارمر في المدرسة العزف على الكمان على يد نورمان كوك عازف الغيتار السابق الذي أصبح منسق موسيقى مشهور، وانضم إلى مدرسة موسيقى مرموقة في لندن خلال عطلات نهاية الأسبوع.

وستارمر وهو مشجع فريق أرسنال يقال إن زوجته فيكتوريا في الخدمة الصحية الوطنية وله منها فتى وفتاة في سن المراهقة.

وتعهد ستارمر في حال انتخابه الحفاظ على عادته المتمثلة بعدم العمل بعد الساعة السادسة مساء من أيام الجمعة وتمضية هذا الوقت مع عائلته.

وفي بداياته عام 2003 تولى وظيفة تضمن امتثال الشرطة في أيرلندا الشمالية لتشريعات حقوق الإنسان.

وبعد خمس سنوات، تم تعيينه مديرا للنيابة العامة في إنجلترا وويلز عندما كان زعيم حزب العمال غوردون براون رئيسا للوزراء.

بين عامي 2008 و2013، أشرف على محاكمة أعضاء برلمان بتهمة استغلال نفقاتهم، وصحفيين بتهمة التنصت على الهواتف، ومثيري شغب شبان شاركوا في الاضطرابات في جميع أنحاء إنجلترا.

ساعد ستارمر في إدارة مجلة يسارية تسمى “البدائل الاشتراكية”، ثم أصبح محاميا، وترقى في الرتب حتى أصبح رئيسا للادعاء العام عام 2008، وأدار خدمة الادعاء العام التابعة للحكومة، وحصل على لقب فارس عام 2014، قبل عام من تحوله إلى السياسة.

وحصل على لقب سير من الملكة إليزابيث الثانية، لكنه نادرا ما استخدم هذا اللقب، وعام 2015 تم انتخابه عضوا في البرلمان عن منطقة في شمال لندن تغلب على ناخبيها الميول اليسارية.

وكانت اللحظة الفارقة في حياة ستارمر عندما انتخب لقيادة حزب العمال عام 2020، ومنذ ذلك الحين سار الرجل نحو إقناع أفراد حزبه إلى الإبقاء عليه رئيسا.

ويعد كير ستارمر والذي سمي على اسم مؤسس حزب العمال كير هاردي، الأكثر انتماء إلى الطبقة العاملة من بين الذين تعاقبوا على رئاسة الحزب المعارض منذ عقود.

وواجه سنوات من الانتقادات بسبب افتقاره الملحوظ إلى الكاريزما، لكن مهمته المنهجية لإعادة حزب العمال إلى مركز السياسة البريطانية وتوسيع جاذبيته بين الناخبين أتت بثمارها. 

واستفاد ستارمر وحزب العمال، بلا منازع، من سنوات العجز الاقتصادي والفوضى السياسية في ظل حكم المحافظين.

تحديات منتظرة

من بين القضايا المهمة التي ستواجه ستارمر في المملكة المتحدة ملف الهجرة، والرعاية الصحية، والبنية الأساسية، والبيئة.

وسيكافح ستارمر من أجل كيفية التعامل مع الدعم المتزايد لسلالة من السياسات اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة والتي تتجذر في جميع أنحاء أوروبا، لا سيما اتجاه بعض الدول لتطبيق النموذج البريطاني في ترحيل بعض اللاجئين إلى رواندا الواقعة شرق إفريقيا وهي الخطوة التي لم تطبق بعد.

ومن المتوقع أن يصل العبء الضريبي في بريطانيا إلى أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية، ويعادل صافي الدين تقريبا الناتج الاقتصادي السنوي، لا سيما في ظل انخفاض مستويات المعيشة، وحيث تشهد الخدمات العامة تدهورا، خاصة خدمة الصحة الوطنية التي تعاني من الإضرابات.

إلا أنه وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لدى ستارمر عدد من الأهداف تشمل الحد من التهرب الضريبي، وتقصير قوائم انتظار المرضى في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وتوظيف المزيد من المعلمين وضباط الشرطة المحلية. 

كما يريد التفاوض على صفقة أفضل مع الاتحاد الأوروبي، نظرا للعواقب الاقتصادية الكارثية المترتبة على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

وفي حديث سابق لستارمر مع هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أعلن مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2022 عن رغبته في استبدال مجلس اللوردات بمجلس مُنتخب.

وإذا كان مجلس العموم المنتخب بالاقتراع العام له الكلمة الفصل في البرلمان فإن مجلس اللوردات يمكنه تعديل أو تأخير إقرار بعض القوانين.

ويضم مجلس اللوردات حوالي 800 عضو يتم تعيينهم بطريقة غير شفافة كثيرا.

ويعين رؤساء الوزراء المنتهية ولايتهم في مجلس اللوردات "لائحة شرف" غالبا ما تضم حلفاء يصبحون بعد ذلك برلمانيين مدى الحياة.

مراوغ بشأن غزة

وفي الموقف من قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي وحرب إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والتي خلفت أكثر من 38 ألف شهيد فقد راوغ ستارمر بشأن جرائم الحرب رغم خلفيته القانونية.

وحاول الرجل الذي كان محاميا سابقا للملكة الراحلة إليزابيث الثانية، صد كل المناشدات بإقرار هدنة ووقف إطلاق النار في القطاع المحاصر منذ 18 عاما.

وتعرض ستارمر حينما كان برفقة زوجته في 9 ديسمبر 2023 داخل عربة قطار يستقلها متوجها إلى مدينة غلاسكو لمواجهة مباشرة مع ناشطين لتذكيره بما يجرى من إبادة في غزة على يد إسرائيل.

وصودف وجود أحد النشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية في العربة التي تقل ستارمر، حيث استغل الناشط هذا الموقف، وتقدم نحو مقعد ستارمر موجها إليه السؤال التالي: “ستارمر، كم من طفل في غزة يجب أن يموت لتوقف أنت وحكومتك الحرب؟”

وحاول ستارمر بحنكته التنصل من الإجابة، لكن نشطاء آخرين تبعوه ووجهوا إليه ذات الأسئلة في محطة قطار غلاسكو بعد ترجله.

وسأله أحد النشطاء: "ماذا حدث لحقوق الإنسان ماذا حدث للديمقراطية؟.. ندعو إلى السلام والديمقراطية ولا نرى أيا من ذلك عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين". 

ستارمر سبق أن رفض أكثر من مرة وقف إطلاق النار في غزة، بحجة أن الأمر لن يكون مناسبا، ومن شأنه أن يجمد الصراع ويشجع حركة “حماس”، وهو موقف اختلف معه الكثيرون فيه من أعضاء حزبه.

اللافت أن الفترة القادمة ستكون حافلة بالشد والجذب بين ستارمر والسياسي اليساري المخضرم جيريمي كوربين الذي فاز بمقعده البرلماني.

وتعهد كوربين وهو ناشط مؤيد للفلسطينيين، بأن يكون شوكة في خاصرة حكومة ستارمر المقبلة بعد خلاف حاد مع خليفته في قيادة الحزب.

واستقال كوربين من زعامة حزب العمال عام 2019 بعد أسوأ هزيمة انتخابية يتعرض لها الحزب منذ عام 1935، وطرده ستارمر من الحزب بعد أقل من عام متهما إياه بتقويض الجهود المبذولة لمعالجة معاداة السامية.

ومع ذلك، تمكن كوربين من الاحتفاظ بمقعده عن دائرة إيسلينجتون نورث الانتخابية شمال لندن والتي يمثلها منذ عام 1983، متغلبا على مرشح حزب العمال بأغلبية 24120 صوتا مقابل 16873 صوتا.

وقال كوربين "هذه النتيجة بالنسبة لي هي رسالة مدوية من سكان إيسلينجتون بأنهم يريدون شيئا مختلفا، ويريدون شيئا أفضل".

وعد من صوتوا له "يتطلعون لحكومة على المسرح العالمي تبحث عن السلام، وليس الحرب، ولن تسمح باستمرار الظروف المروعة في غزة في الوقت الحاضر".

ومن مواقف ستارمر المثيرة هي حديثه بإعجاب عن الرئيس الأميركي جو بايدن، خاصة تركيزه على خلق فرص العمل والاستثمار في الصناعة المحلية، حتى إن مجلة الإيكونوميست وصفته بأنه "مُغرم" بالرئيس الأميركي.

لذا، فمن المتوقع أن يكون لبايدن حليف وثيق مثل ستارمر، إذا تمكن طبعا من الإطاحة بمنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

كما تعهد ستارمر، الذي صوت لصالح البقاء وليس الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، بتحسين الاتفاق "الفاشل" بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك في مجالات مثل التجارة والبحث والأمن. 

ومع ذلك، أصر  ستارمر على أنه لا توجد حالة تسمح لبريطانيا بالانضمام مجددا إلى الاتحاد الأوروبي.