حرب بربرية.. تنديد بشن الاحتلال غارات عنيفة على لبنان وجدل حول قدرات "حزب الله"
"عدوان الاحتلال الإسرائيلي الواسع على جنوب لبنان جريمة حرب"
موجة غضب واسعة أثارها شن الاحتلال الإسرائيلي غارات عنيفة على جنوب وشرق لبنان، استهدفت مستشفيات ومراكز طبية وسيارات إسعاف، أسفرت عن مقتل 558 بينهم 50 طفلا و94 امرأة، و1835 جريحًا، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.
جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن في 23 سبتمبر/أيلول 2024، مهاجمة 1300 هدف تابع لحزب الله في جميع أنحاء لبنان، وتنفيذ أكثر من 650 طلعة هجومية خلال 24 ساعة، بدعوى أنها "ضربة استباقية" بعد رصد تحركات لحزب الله لاستهداف إسرائيل.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن إسرائيل تقوم "بهدم ما بناه حزب الله منذ 20 عاما" –على حد زعمه-، فيما أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، إطلاق اسم "سهام الشمال" على العملية العسكرية في لبنان.
وواصلت طائرات الاحتلال الإسرائيلي حتى فجر 24 سبتمبر شن غارات عنيفة على مناطق عدة في البقاع وجنوب لبنان، وقالت وسائل إعلام لبنانية إن الغارات نالت عدة بلدات بقضاء صور وصيدا جنوب البلاد.
ورد حزب الله بإطلاق رشقات صاروخية من جنوب لبنان باتجاه الجليل، أطلق على إثرها جيش الاحتلال صفارات الإنذار بعدة مناطق الشمال، وجنوب وشرق حيفا تحذيرا من رشقات صاروخية تستهدفها مجددا.
وأعلن حزب الله في بياناته أنه قصف ثلاث مرات متتالية مطار مجدو العسكري غرب مدينة العفولة شمال "إسرائيل" بصواريخ "فادي 1" و"فادي 2"، وذلك "إسنادا لغزة ودفاعا عن لبنان وشعبه".
كما قصف بصواريخ "فادي 2" قاعدة ومطار رامات دافيد جنوب شرق حيفا، وهي القاعدة الأكبر في المنطقة الشمالية وواحدة من 3 قواعد جوية رئيسة في إسرائيل، وتحتل موقعا إستراتيجيا قرب خطوط المواجهة الإسرائيلية مع لبنان وسوريا والضفة الغربية.
وأفاد "حزب الله" لاحقا بأنه قصف قاعدة عاموس بصواريخ "فادي 1"، ومصنع المواد المتفجرة بمنطقة زخرون التي تبعد عن الحدود 60 كيلومترا بصواريخ "فادي 2" -سورية الصنع وجزء من ترسانة الحزب العسكرية وتعادل صاروخ خيبر الإيراني".
من جانبها، عدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عدوان الاحتلال الإسرائيلي الواسع على جنوب لبنان "جريمة حرب" يعبر عن الطبيعة النازية للعدو الصهيوني، وعن المأزق الذي يعيشه (رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو نتيجة سياساته العقيمة.
وأعلنت تضامنها مع حزب الله والشعب اللبناني في "مواجهة هذا العدوان الوحشي"، مطالبة "محكمة الجنايات الدولية باتخاذ الإجراءات اللازمة لملاحقة واعتقال قادة الكيان الصهيوني بصفتهم مجرمي حرب".
بدوره، ذكر بيان للبيت الأبيض، أن "خطر التصعيد في لبنان حقيقي، ومازلنا نعتقد أن الحل الدبلوماسي ممكن"، مبينا أن الولايات المتحدة تحاول العمل من أجل التواصل لحل دبلوماسي.
ردات الفعل
وندد ناشطون بتكرار الاحتلال الإسرائيلي لنفس مجازره وإجرامه في غزة، باستهدافه المستشفيات وفرق الإسعاف وسياراتهم والمراكز الطبية في لبنان خلال الغارات التي يشنها عليه، مؤكدين أن استهداف الإسعاف جريمة حرب في غزة ولبنان تؤكد وحشية الاحتلال.
وأشادوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على منصة "إكس" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حزب_الله، #جنوب_لبنان، #الاحتلال_الإسرائيلي، وغيرها برد المقاومة اللبنانية على ما وصفه الاحتلال بأنه ضربات استباقية لحزب الله واستهدافه جنوب لبنان، معربين عن ثقتهم في حزب الله وقدرته على ردع الاحتلال.
ودعوا حزب الله للرد بـ"أقوى ما يستطيع على أي هدف يمكنه إصابته" داخل الكيان، فيما رأى آخرون أن لبنان "لا يستطيع تحمل" الاستهداف الإسرائيلي خاصة في ظل ما يعانيه من أزمات داخلية، وما أصاب حزب الله أخيرا من استهداف إسرائيلي لقادته أربك حساباته الداخلية.
وتفاعلا مع التطورات، أشار أستاذ العلوم السياسية خليل العناني، إلى "ارتقاء 500 شهيد في لبنان في أول يوم لقصف الكيان"، مستنكرا أن البعض لا يزال حائرا في تحديد موقفه مما يجرى هناك، وتساءل: “فهل بعد هذا البؤس بؤس؟”
وأشار الناشط الحقوقي بلال نزار ريان، إلى أن "لبنان قدم في أول أيام العدوان 500 شهيد وأكثر من 1600 جريح، وهو أكبر عدد من الشهداء بعد غزة"، قائلا: “كان بإمكانهم الحياد والنأي جانبا، لكن حلفاء الصدق أوفوا بالكلمة والعهد في نصرة غزة، ودعم مقاومتها الباسلة بالمال والدم والولد والبلد.”
وقال الكاتب السياسي إبراهيم المدهون، إن "لبنان، بوقوفه الشجاع والعزيز مع غزة، أثبت أنه الحاضن الحقيقي للقضية الفلسطينية، خاصة في أوقات الشدائد عندما تخلى الجميع. اليوم، يدفع لبنان ثمن هذا الموقف العظيم، ولكننا نثق بأن حزب الله سيواجه العدوان بكل شجاعة وبسالة، وسينتصر".
وحذر من أن "الوضع خطير جدا، وما يحدث من استشهاد مئات المدنيين اللبنانيين في ساعات معدودة ليس حربا، بل هو جريمة وحشية نكراء يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي"، معربا عن أمله من جميع قوى المقاومة أن "تتوحد لتوجيه ضربة واحدة لهذا العدو".
وأضاف المدهون: "لقد دخلنا نفق الحرب، ومن المحتمل ألا نخرج منه بسهولة، لكننا نرفع رؤوسنا عاليا، ونسأل الله أن يُلهمنا كما ألهم أصحاب رسول الله، وأن ينصرنا كما نصر الصحابة في خيبر".
تشبيح نتنياهو
واستنكر ناشطون استهداف الاحتلال الإسرائيلي فرق الإسعاف التابعة للدفاع المدني اللبناني في قرية الدوير بالنبطية جنوبي لبنان، متداولين صورا ومقاطع فيديو توثق اللحظات الأولى للقصف الإسرائيلي وأخرى لسيارات الإسعاف مشتعلة.
وعرض الصحفي حسام شبات، صورة توثق ما أسفر عنه استهداف الاحتلال لإحدى السيارات التابعة لفرق الإسعاف جنوب لبنان.
وندد أحد المغردين، باستهداف الاحتلال لسيارات الإسعاف جنوب لبنان، متسائلا: “هل يوجد أحقر من الصهيونية؟! وهل يوجد أتفه من الفارحين بالعدوان على لبنان وفلسطين؟؟”
وعلقت رؤى النبهاني، على صورة سيارة الإسعاف المشتعلة، قائلة إن "هذا جانب من جرائم شبيحة نتنياهو".
قراءات وتحليلات
وفي قراءات وتحليلات للمشهد بعد تصعيد العدوان الإسرائيلي، قال المحلل السياسي ياسين عز الدين، اختلط في لبنان دم الشيعي والسني معا، فالضحايا من الطوائف كافة، وحوالي مئة من الشهداء أطفال ونساء أبرياء، فالعدوان يستهدف كل لبنان وليس طائفة معينة ولا حزبا دون غيره.
وأوضح أن انتصار الاحتلال لا سمح الله يعني ضياع الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، مؤكدا أن هذه حرب المسلمين كلهم لا فرق بينهم، إن لم تكن معهم فأنت مع الاحتلال والغرب وحقدهم العنصري، وأن الاحتلال لا يفرق في عدوانه بين مسلم وآخر ولا عربي وآخر.
وأكد عز الدين، أن "من يبث الفرقة بهذه اللحظات الحاسمة لا يخدم سوى الاحتلال".
ورأى المحلل السياسي ياسر الزعاترة، أن "ردود حزب الله على التصعيد الإسرائيلي كانت قوية، وأكّدت أن الجسم العسكري لم يُصَب بعطب كبير رغم الاغتيالات، وحتى لو صحّت التكهنات بشأن اغتيال القيادي علي كركي، فإن ذلك مما يمكن تعويضه كحال التنظيمات المسلحة، وإن أشار الأمر (إذ صحّ مرة أخرى) أن حجم الاختراق في جسم الحزب يبدو كبيرا".
وأشار إلى أن نتنياهو يريد كسر الحزب كجزء من مشروع ردّ الاعتبار بعد 7 أكتوبر، وتكريس نفسه ملكا لـ"الكيان"، ثم فرض التطبيع بلا ثمن على المحيط العربي برمّته.
وبشر الزعاترة، بأن ذلك لن يحدث بإذن الله، لأن لهذه الأمة طقوسها في التصدّي للغزاة من كل لون، ونزيف الصهاينة في قطاع غزة بعد عام من العدوان أمام قوة مقاومة مُحاصرة في إقليم صغير مُحاصر، يؤكّد ذلك.
وعد إعلان أميركا علمها بالعدوان يعني مشاركة فيه، حتى لو عُطف بتوضيحات عن عدم المشاركة المباشرة، أو عدم العلم بالتفاصيل، مشيرا إلى أن هذا يعني أن استهداف قواتها في سوريا والعراق سيكون مشروعا.
وأوضح المحامي ناصر الدويلة، أن هدف العمليات مع حزب الله يتجاوز إعادة سكان الجنوب إلى تدمير حزب الله واحتلال البقاع والاندفاع إلى داخل سوريا، على أن يتم ذلك على مرحلتين، الأولى الاندفاع عبر سهل البقاع إلى الهرمل، والثانية اجتياح سوريا من محورين الأول من الجولان والثاني من حمص إلى حماة إلى إدلب.
وأشار إلى أن محور الجولان يتحرك على اتجاهين الأول القنيطرة دمشق والثاني سعسع حوران ابتداء من خربة غزالة باتجاه درعا البلد ومنفذ جابر يترك جبل الدروز وجبل العلويين لأهلها ومستعمرة للأكراد، فتقسم سوريا إلى الشام السني محتل وجبل الدروز مع الدروز وجبل العلويين مع العلويين والحسكة والرقة والبو كمال بيد الأكراد، وتترك حلب وقرى الشمال بيد مليشيات متناحرة.
وأكد الدويلة، أن هذه المرحلة الأولى من الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به نتنياهو قبل يومين، أما المرحلة الثانية فسيكون احتلال المفرق في الأردن والاندفاع نحو تبوك ثم المدينة المنورة، ومحور ينطلق من المفرق العمري طريف عرعر رفحا حفر الباطن الكويت.
وأضاف أن العراق والبحرين والإحساء ستمنح لإيران، والهند تمنح جنوب الجزيرة العربية والإمارات وعمان، مؤكدا أن هذا هو المخطط الذي يقصده نتنياهو بتشكيل الشرق الأوسط الجديد.
وقال المحلل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية، إن إسرائيل تُعيد إنتاج سيناريو غزة في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية والبقاع، مؤكدا أن "لا حدود للتوحش الإسرائيلي".
وعد الرد بقسوة وبكل الوسائل ومن كل الجبهات هو الحل، مؤكدا أن لا مطرح للرهان على المجتمع الدولي ودبلوماسية الوسطاء.
وأضاف أن واشنطن تكذب حين تقول إنها تبذل كل ما في وسعها لوقف التدهور، واتهمها بتغطية وتمويل والمشاركة في "هذه الحرب البربرية".
ونشر عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض عمر عبدالعزيز، صورة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، قائلا إن "كل ما يحدث بالمنطقة اليوم هو مخطط رسمه هذا الرجل ورفاقه وتحدث به منذ سنوات".
وذكر بأن "السنوار ناشد العالم وزعماء المنطقة وشعوبها، ودعا للحلول السلمية والإنسانية، ووافق على الحلول السياسية، قبل أن يتركوا له الخيار الوحيد وهو خيار الطوفان والحلول الصفرية".
إشادة وثناء
وإشادة بحزب الله وإعرابا عن الثقة فيه ودفعه لردع الاحتلال، أفاد عبده فايد، بأن "الحزب يستطيع بترسانته التي تتجاوز ربع مليون صاروخ أن يضرب أهدافا مدنية إسرائيلية فيوقع عشرات القتلى، ويستطيع عسكريا أن يقصف منشآت إستراتيجية كالمطارات والموانئ ومنصات النفط ومخازن الأمونيا.. يستطيع في ضربة قتل عشرات بل ومئات".
وحذر من أن ثمن ذلك في المقابل هو لبنان بالكامل وليس الضاحية ولا الجنوب، بل قلب بيروت، فتستحيل أثرا بعد عين، معربا عن أسفه الشديد أن لبنان كله ليس مقاومة، ولا كله يفضل رفع السلاح، ولا كله يمتلك عزم أنصار الحزب في الصمود المطلق.
وأضاف فايد، أن من هنا التنقل ببطء جدا في التصعيد، خطوة بطيئة ثقيلة تلو الأخرى، عوضا عن قفزة هائلة ستكون أثمانها فوق تحمل لبنان المنهك أصلا بل والمتربص بعض أبنائه بالمقاومة، مؤكدا أن الحل المثالي شعبيا هو سحق إسرائيل بضربات نوعية.
وحث الصحفي حسن عليك، "المقاومة اللبنانية على الاستمرار في مسار عملها، وفق معرفتها بالظروف والوقائع، ووفق رؤيتها وخططها، وأن يكون ما نريد، لا ما يريده العدوّ وهو القضاء علينا وصياغة بلادنا وفق مشيئته، إرادتنا لا إرادته. مشيئة الله لا مشيئة أميركا وإسرائيل".
وأكد أن “ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في لبنان حملة صدمة وترويع للمدنيين لا للعسكر، وورقة الضغط الرئيسة التي يستخدمها العدو”.
وقال: "يريدنا أن نضغط على المقاومة ودفعها إلى الاستسلام، ليسهل عليه فرض شروطه علينا. هذا ما بدأه العدو اليوم".
وقال المحلل السياسي هاني الدالي، إن الشعب اللبناني يقاوم بكل شجاعة واستبسال في وجه الغارات والاعتداءات الإسرائيلية الإجرامية، مضيفا: "لا شيء يمكن أن يكسر إرادتنا، لبنان سيظل رمز الكرامة والتحدي والصمود والانتصار".
تشكيك وارتياب
في المقابل، شكك ناشطون في قدرات حزب الله وطالبوه بمزيد من الرد والردع إن كان يستطيع فعل ذلك، وتساءل سلطان الحربي: “ما الذي يمنع حزب الله من تدمير محطات الكهرباء ومجمعات الطاقة ومراكز الاتصالات وسدود ومضخات مياه وسفن الكيان الصهيوني؟”
وذكر أحد المغردين، بأن "حزب الله تلقى ضربة قاصمة باغتيال أغلب قادته واختراق اتصالات منتسبيه والضربات الاستباقية على مخازن أسلحته"، مؤكدا أنه "لن يستطيع الصمود بمفرده".
وتساءل: "من سيقف معه؟"، مشيرا إلى أن "الحوثي هدد تهديدا شديدا اللهجة في حالة دعمه لحزب الله سيتم ضربه ضربات مؤلمة ليست كسابقتها".
ورأى أحد المغردين، أن “حزب الله فقد مبررات بقائه، فلا هو حمى لبنان ولا هو حرر فلسطين ولم يستطيع استعادة مزارع شبعا، وإسرائيل مسحت بكرامته الأرض واغتالت جميع قيادات الصف الأول وجزء كبير من الصف الثاني”.
وتابع: "إيران تركته يتجرع الذل وهو عاجز عن حماية مؤخرته، وبالتالي انكشفت عورته وكذبه أمام الجميع".