آخرهم قاآني.. كيف تمكنت إسرائيل من اختراق قادة إيران وحزب الله؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار الأشهر الماضية، استخدمت إسرائيل، قدراتها الاستخباراتية والعسكرية لتوجيه ضربات قاسية لأعدائها في كل من لبنان وإيران مستغلة عوامل الضعف وسهولة الاختراق التي أحدثتها في بنيتهم الأمنية والمعلوماتية. 

وجاء ذلك بعدما عجزت إسرائيل بشكل كبير على مدار عام كامل عن اختراق بنية حركة المقاومة الإسلامية حماس داخل غزة، والوصول إلى كبار القادة بناء على تجسس أو اختراق، كما حدث في بيروت وطهران.

استجواب قاآني 

كانت آخر الأحداث تتمثل في تضارب الأنباء حول مصير قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، بعد أن أشيع أنه استهدف في الضاحية الجنوبية للبنان.

وذلك في العملية الإسرائيلية التي جرت يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وقصدت "هاشم صفي الدين" نائب الأمين العام لحزب الله، الذي كان مرشحا لخلافة حسن نصر الله.

لكن حسمت إيران تكهنات مصرعه عندما كشف "إيرج مسجدي" نائب قاآني أنه "بصحة جيدة" دون إبداء مزيد من التفاصيل. 

وفي 10 أكتوبر، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن قاآني على قيد الحياة ولم يصب بأذى ولكنه تحت الحراسة المشددة، ويتم استجوابه، حيث تحقق إيران في خروقات أمنية كبرى. 

وأوردت أن قاآني لم يظهر إلى العلن منذ أن قتلت إسرائيل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية ضخمة على بيروت في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، وهو الحدث الذي هز تحالف محور المقاومة.

ومنذ ذلك الحين، فتح الحرس الثوري الإيراني تحقيقات في كيفية تمكن إسرائيل من اختراق القيادة العليا للحزب اللبناني، وتحديد مكان وزمان وجود نصر الله.

وقالت عشرة مصادر في طهران وبيروت وبغداد، بما في ذلك شخصيات شيعية بارزة ومصادر مقربة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، لموقع ميدل إيست آي إن قاآني، وفريقه قيد الحبس الاحتياطي بينما يبحث المحققون عن إجابات.

وكان قاآني قد وصل إلى لبنان بعد يومين من اغتيال نصر الله، برفقة العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني وشخصيات أخرى في مهمة محددة هدفها "تقييم الوضع الميداني"، وفقا لمصادر الموقع البريطاني.

لكن بعد الهجوم على هاشم صفي الدين، انقطع الاتصال بالجنرال الإيراني لمدة يومين.

الحرس الثوري 

حينها تصاعدت التكهنات في وسائل الإعلام بأن قاآني أصيب أو قتل في القصف الإسرائيلي المستمر للضاحية الجنوبية لبيروت.

لكن مصدرا رفيعا بالحرس الثوري ومسؤولين عراقيين كبارا قالوا "إن قائد فيلق القدس لم يصب ولم يكن مع صفي الدين في اجتماع مجلس الشورى" وهو ما فتح باب الشكوك والتساؤلات. 

وعززت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، تلك الشكوك عندما نقلت عن مصادر خاصة أن قاآني أصيب بأزمة قلبية ونقل إلى المستشفى خلال التحقيقات معه.

وذلك مع حالة من القلق الكبيرة في رأس السلطة الإيرانية، تحديدا المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بشأن مدى التغلغل الإسرائيلي داخل هرم القيادة.

المصادر ذاتها كشفت أن التحقيقات التي يشرف عليها خامنئي بنفسه بدأت مع قاآني بعد إيداع رئيس مكتبه في السجن بعد أن وردت معلومات عن تواصله مع إسرائيل من خلال وسيط يعيش خارج إيران.

يأتي هذا وسط أنباء عن وجود خلافات داخل أجنحة فيلق القدس منذ اغتيال قائده السابق قاسم سليماني، ضغطت باتجاه عزل قاآني، بسبب الشكوك حول وجود اختراق شديد في المؤسسة. 

وبحسب المصادر، هناك اتجاه قوي لإعادة هيكلة فيلق القدس بعد تنحية قاآني، الذي سيجرى تكريمه من قبل المرشد علي خامنئي خلال الأيام المقبلة، كما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية الرسمية. 

وتعد فكرة اختراق فيلق القدس أمرا كبيرا كونه الذراع العسكري للسياسة الإيرانية الخارجية من طهران إلى دمشق وبغداد وصنعاء، وصولا إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.

اغتيال هنية 

ومع ذلك مثلت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران يوم 31 يوليو/ تموز 2024، فشلا استخباراتيا هائلا للنظام الذي يتفاخر بأسلحته وإمكانياته وقدرته على "تدمير إسرائيل". 

فاغتيال شخصية بحجم هنية يعد مسا مباشرا بـ"السيادة" الإيرانية، غير أن تفاصيل العملية تزيد الطين بلة، نظرا لحساسية المكان الذي استهدف فيه.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن هنية اغتيل في مقر خاص جدا تابع للحرس الثوري الإيراني شمال طهران ويقيم فيها المسؤولون الكبار بمحور المقاومة.

ولم تكشف إيران على الفور الكيفية التي اغتيل بها هنية، وتضاربت الأقاويل والتقارير بالشرق الأوسط والغرب حيال ذلك. 

إذ منع النظام الإيراني وسائل الإعلام من تغطية الحدث بشكل مباشر حيث لم تظهر أي صور أو مقاطع فيديو الموقع الذي كان فيه هنية.

لكن صحفا عالمية بدأت تنشر تقارير تشير إلى وجود اختراقات ضخمة في المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية، مكنت جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” من اغتيال القائد الفلسطيني.

ففي 3 أغسطس/ آب 2024، نشرت صحيفة “التلغراف” البريطانية تقريرا نقلت فيه عن مسؤولين إيرانيين لم تسمهم أن جهاز “الموساد” جند عملاء إيرانيين لزرع عبوات ناسفة بمقر إقامة هنية في طهران تسببت في اغتياله.

وأضافت أن القوات المسلحة الإيرانية على ثقة بأن الموساد وظف عملاء من وحدة "أنصار المهدي" التابعة للحرس الثوري الإيراني. 

وبناء على أوامر مباشرة من الموساد، عمل هؤلاء العملاء على تثبيت العبوات في 3 غرف منفصلة داخل مقر إقامة هنية.

وسبق أن أكدت شبكة “سي إن إن”، أن هنية اغتيل نتيجة قنبلة جرى تهريبها داخل دار الضيافة، الذي كان تحت حماية الحرس الثوري.

وأكدت الشبكة الأميركية مطلع أغسطس/آب 2024 أن العملية تعد خرقا مذهلا لأمن للحرس الثوري الإيراني.

اختراق إسرائيلي

وجرى الحديث عن تعرض “أنصار المهدي” للاختراق، وهي وحدة أمنية داخل الحرس الثوري مسؤولة بشكل مباشر عن ضمان أمن المسؤولين رفيعي المستوى. 

وشنت الحكومة الإيرانية عمليات اعتقال سريعة في صفوف الأجهزة الأمنية، ما يؤكد فرضية أن الاغتيال كان نتيجة اختراق أمني كبير.

وفي هذا السياق ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 3 أغسطس، أن إيران اعتقلت أكثر من 20 شخصا، من بينهم ضباط استخبارات كبار ومسؤولون عسكريون وموظفون في دار الضيافة التي اغتيل فيها هنية.

وأضافت أن وحدة الاستخبارات المتخصصة في التجسس التابعة للحرس الثوري، هي التي تتولى التحقيق في الحادث وتطارد المشتبه بهم على أمل أن يقودوها إلى أعضاء الفريق الذي خطط وساعد ونفذ عملية الاغتيال.

وأوضحت أنه جرى وضع جميع موظفي دار الضيافة رهن الإقامة الجبرية (معظمهم من وحدة أنصار المهدي)، واعتقل بعضهم، وصودرت جميع الأجهزة الإلكترونية والهواتف الشخصية.

ولا ينفصل السقوط الأمني والاستخباراتي الكبير في إيران عن تصريحات صادمة أدلى بها الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد عام 2021، عندما كشف أن مسؤول مكافحة إسرائيل في وزارة الاستخبارات الإيرانية كان جاسوسا لإسرائيل. 

وذكر نجاد في مقابلة بالفيديو أن ذلك جعل إسرائيل تنجح في تنفيذ عمليات تجسس کبیرة في إيران، من بینها الاستيلاء على وثائق نووية وفضائية من مراكز حساسة.

كما أشار إلى تفاصيل ما أسماه "عمليات إسرائيل المكثفة" داخل إيران، لافتا إلى وجود “عصابة أمنية” رفيعة المستوى في بلاده تتبع لهم.

وأضاف: "هذه العصابة الفاسدة عليها أن تشرح دورها في اغتيال العلماء النوويين والتفجيرات في نطنز". 

وأتبع: "لقد سرقوا وثائق مهمة للغاية في تورقوز آباد وفي منظمة الفضاء، هذه ليست مزحة، هذه وثائق أمن البلاد، لقد جاءوا وأخذوها ونقلوها إلى إسرائيل".

قيادات حزب الله 

لذلك فإن هذه الثغرات الأمنية التي تزلزل طهران وتعبث بأمنها، ابتلعت قيادات حزب الله في أيام معدودة. 

فقد ألحقت التكتيكات الإسرائيلية القاتلة على الجبهة اللبنانية، أضرارا كبيرة بأقوى عدو لها في المنطقة بعد حماس، وهو حزب الله.

ففي 17 و18 سبتمبر/أيلول، انفجرت آلاف أجهزة النداء المحمولة "بايجر" ومئات أجهزة اللاسلكي في وقت واحد تقريبا في مختلف أنحاء لبنان وسوريا، مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف. 

وبعد يومين، أسفرت غارة جوية إسرائيلية عن مقتل 45 شخصا على الأقل، معظمهم من مقاتلي حزب الله.

وبعد ذلك استهدفت سلسلة من الغارات الجوية 1600 موقع مزعوم لحزب الله، في عملية إسرائيلية أطلق عليها اسم "سهام الشمال". 

لكن الأصعب يكمن في نجاح دولة الاحتلال في ضرب مصفوفة قيادات حزب الله، من أعلى رأس وهو حسن نصر الله وصولا إلى كبار قادة العمليات، وكانوا كالتالي:

  • حسن قصير - أحد قادة الحزب في سوريا 
  • محمد جعفر قصير - قائد الوحدة 4400 المسؤول عن التمويل 
  • علي كركي - قائد الجبهة الجنوبية 
  • محمد حسين سرور - قائد الوحدة الجوية 
  • إبراهيم قبيسي - قائد وحدة الصواريخ 
  • إبراهيم عقيل - قائد عمليات الحزب 
  • أحمد وهبي - قائد وحدة الرضوان 
  • فؤاد شكر - المستشار العسكري والذراع اليمنى لنصر الله 
  • محمد ناصر - قائد قسم عمليات الحزب على الحدود مع إسرائيل 
  • سامي طالب - قائد وحدة النصر 
  • نبيل قاووق - نائب رئيس المجلس التنفيذي 

وحدات استخباراتية

وكان السؤال الذي طرح نفسه بقوة، كيف استطاعت دولة الاحتلال الحصول على هذا الصيد الثمين، وتوجيه تلك الضربة القوية بسرعة وحسم.

أجاب عن هذا السؤال تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في نهاية سبتمبر 2024، ورد فيه أن إسرائيل لم تتمكن حقا خلال ما يقرب من 4 عقود شهدت قتالا ضد حزب الله، من تغيير مسار الأمور إلا أخيرا، وأن ما تغير هو “عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية”.

وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه على مدار عقدين، عملت "وحدة استخبارات الإشارات 8200" في الجيش الإسرائيلي، وجهاز الاستخبارات العسكرية المسماة "أمان"، إضافة إلى "الوحدة 504"، التي تجمع معلومات من مصادر بشرية على الأرض، باستخراج كميات هائلة من البيانات.

واستخرجت تلك الجهات البيانات المذكورة لرسم خريطة نمو قوات حزب الله عند الجبهة الشمالية. 

وأفاد التقرير البريطاني بأن انتشار عناصر حزب الله في سوريا خلال قتالها مع قوات نظام بشار الأسد ضد المعارضة، منذ نحو 13 عاما، ساعد في كشف الكثير من المعلومات عن الجماعة اللبنانية.

وأضاف أن "توسع فرق حزب الله في سوريا أضعف آليات الرقابة الداخلية لديهم، مما أدى إلى فتح الباب للتسلل الاستخباراتي الإسرائيلي على مستوى كبير".

ووفقا لفايننشال تايمز، فإن الحرب في سوريا وفرت لجواسيس إسرائيل "نافورة من البيانات"، معظمها متاح للناس.

على سبيل المثال، "ملصقات القتلى" التي استخدمها حزب الله بانتظام لنعي قتلاه في سوريا، والتي كانت مليئة بمعلومات صغيرة.

بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أن جنازات قتلى حزب الله، كشفت أيضا الكثير من المعلومات، إذ أخرجت في بعض الأحيان كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.

وحلل الزميل في "مركز كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، يزيد صايغ، الثغرة الأمنية للحزب، قائلا "لقد تحولوا من كونهم منضبطين للغاية ومتشددين إلى كيان يسمح بدخول عدد كبير من الناس، أكثر مما ينبغي، وكان ذلك بداية ضعفهم".