“كعكة نينوى”.. ما طبيعة صراع الأكراد مع الإطار الشيعي في العراق؟

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد محافظة نينوى (مركزها الموصل) ذات الغالبية السنية في العراق، صراعا سياسيا بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي الموالية لإيران، والأكراد، للسيطرة على وحداتها الإدارية، تمثل أخيرا بإقالة تنذر بأزمة سياسية ربما تنسحب على محافظات أخرى.

وكان تنظيم الدولة قد اجتاح محافظة نينوى عام 2014 واحتلها حتى عام 2017، ما ألحق دمارا كبيرا في المباني ومنازل الأهالي، وموجة نزوح كبيرة لسكان المدينة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين نسمة، فضلا عن 11 ألف قتيل من المدنيين.

إقالات بالجملة  

وفي خطوة جديدة أشعلت صراعا بين القوى الكردية، والإطار التنسيقي الشيعي، وتحديدا المليشيات الموالية لإيران، أقال مجلس محافظة نينوى في 2 يوليو/ تموز 2024، 24 مدير وحدة إدارية من أصل 31، وتعيين بدلاء عنهم، في جلسة غابت عنها أبرز الكتل السياسية، المناهضة للحشد الشعبي.

وصوّتت كتلة "نينوى المستقبل" التي تمتلك 16 من أصل 29 مقدا في المجلس محافظة نينوى، وهي مدعومة من قوى الإطار التنسيقي ويسيطر عليها كتلتا "بابليون" بقيادة القيادي في الحشد الشعبي ريان الكلداني، و"العقد الوطني" بزعامة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

وقبل ذلك القرار بيوم احد، أجرى رئيس مليشيا "بابليون" ريان الكلداني زيارات إلى عدد من مدن محافظة نينوى والتقى بوجهائها، وكان يصرّح أثناء اللقاءات عن سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني على المناطق العربية، وذلك تمهيدا لإجراءات مجلس المحافظة الأخير.

الخطاب المتداول للكلداني هو خفض هيمنة الحزب الديمقراطي على إدارات المحافظة خصوصا التي سكانها من العرب والمسيحيين، لكن القرار الرسمي المعلن لمجلس المحافظة الخاص بإقالة رؤساء الإدارات هو تردي الخدمات في هذه الوحدات.

وقال الكلداني خلال مقابلة تلفزيونية، في 11 يوليو، إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يحتل 40 بالمئة من محافظة نينوى، وما حصل هو إعادة الحقوق لأهلها، وأرجعنا الوحدات الإدارية إلى العرب والمسيحيين، ويفترض الديمقراطي له فقط 4 وحدات، لكن بقي بيديه اليوم 7 إدارات.

وأوضح زعيم "بابليون" أن "رئيس الوزراء موافق على ما جرى في محافظة نينوى، لأن الأمر جرى وفق القانون والدستور بتصويت غالبية أعضاء مجلس المحافظة على الإجراءات".

التحالفات في نينوى معقدة، لأن عددا من القوى العربية وبعضا من الزعامات القبلية والقوى المسيحية متحالفة أيضا مع "الديمقراطي الكردستاني"، ويعتقدون أن هناك محاولات محمومة من قوى "الإطار التنسيقي" للسيطرة على المحافظة باستخدام السلاح والمال والاقتصاد.

وبحسب ما كشفته قناة "دجلة" العراقية في 9 يوليو، فإن قيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق" أسمع مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني كلاما فيه رائحة تهديد خلال اللقاء ببغداد في 4 يوليو، بأنه "لا تدفعونا بعد الموصل إرسال ريان الكلداني إلى كركوك لعمل الشيء نفسه".

انقلاب إداري

في المقابل، هاجم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مجلس محافظة نينوى بعد قراراته الأخيرة بتغيير مسؤولي الأقضية والنواحي في المحافظة واصفا إياها بـ "الانقلاب على الدستور والقوانين".

وقال النائب في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، شيروان الدوبرداني، خلال مؤتمر صحفي في 3 يوليو، إن "قرارات مجلس المحافظة الصادرة في 2 يوليو، بتغيير مسؤولي الأقضية والنواحي، كانت مخالفة للدستور والقانون".

وأضاف الدوبرداني أن "القرارات كانت فيها مخالفة للمادة 47 من الدستور والتي تخص الفصل بين السلطات إذ إن ما حصل يمثل تداخلا للجهة التشريعية لعمل الجهة التنفيذية في نينوى".

وبين أن "الفقرة السابعة من المادة الثامنة نصت على أن إعفاء أي مدير دائرة أو مدير ناحية يجب أن يسبقه استجواب وهذا الأمر لم يحصل"، واصفا تلك القرارات بأنها "انقلاب على الدستور والقوانين، وسنوجه كتابا لرئيس البرلمان ومجلس نينوى من أجل إلغاء قرارات الجلسة كونها غير دستورية".

إجراء مجلس محافظة نينوى، رفضته أيضا كتلة "تحالف نينوى الموحد" التي تمتلك 13 مقعدا وتضم قوى كردية وأخرى سنية، مؤكدة في بيان لها أن الإقالات لم تكن قانونية، لأنهم لم يرتبكوا مخالفات، إضافة إلى أن البدلاء يجب أن يمتلكوا خبرة لا تقل عن 10 سنوات، وفقا للقانون.

الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات التابعة لرئاسة الوزراء أصدرت قرارا في 3 يوليو يقضي بإيقاف إجراءات مجلس محافظة نينوى، مؤكدة ضرورة "التريث لحين ورود رأي مجلس الدولة لما في ذلك من أهمية بالغة في تنظيم عملية اختيار رؤساء الوحدات الإدارية".

وشددت على أنه في "كل الأحوال لا يجوز التعامل مع المعين أصالة في إدارة الوحدة الإدارية أو المكلف بإدارتها استنادا للقانون أو المكلف بتسيير شؤون الوحدة الإدارية وذلك لاختلاف المركز القانوني لكل منهما عن الآخر، وبالتالي الإجراءات والسياقات التي تتبع في إقالة أو إعفاء أو تعيين البديل".

وأشارت الهيئة إلى أن "الذهاب لتغيير رؤساء الوحدات الإدارية المعينين أصالة دون انتظار رأي مجلس الدولة يقتضي البدء بإجراءات الاستجواب ومن ثم الإقالة وانتهاء المدد القانونية للطعون واكتساب الدرجة القطعية قبل البدء بعملية اختيار البدلاء".

ولفتت إلى أن "أصل عملية الاستجواب والإقالة تتم لشاغل المنصب بصورة منفردة وبجلسات تخصص لهذا الغرض، وأن عملية السياقات التي فرضها القانون لا تسمح باتخاذ قرارات جماعية بالإقالة".

"إتمام السيطرة"

وبخصوص الصراع الحال في نينوى بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني، قال الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، إن "الحشد الشعبي مهيمن على المحافظة ومواردها، فمن الطبيعي أن يسعى لإتمام سيطرته على المناصب الأخرى الإدارية فيها".

وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "كل الكتل المنافسة السنية تشظت، وبالتالي سيعاد الترتيب ويحصل العرب السنة على مناصب عدة وأخرى للأكراد، وبالتالي هم (الإطار التنسيقي) يهيمنون على أكبر محافظة سنية عربية من حيث التعداد السكاني".

ولفت الباحث إلى أن "حديث ريان الكلداني أن الوحدات الإدارية أعيدت للعرب من السنة والمسيحيين، فإن التي ذهبت إلى السنة ستكون الأضعف ويلبون ما يريده الإطار والحشد منهم، على خلاف ما كانت عليه عندما يديرها الديمقراطي الكردستاني، الذي يدير إقليم كردستان العراق".

وأشار المساري إلى أن "الصراع الدائر على المغانم والسلطة في نينوى بين الإطار والديمقراطي الكردستاني، يجعل من المحافظة على شفا بركان قابل للانفجار في أي لحظة، لأن الطرفين ليسا أهلا لقيادة المدينة الواسعة، وأن أهلها هم الأحق والأقدر على ذلك".

وعقب استعادة المحافظة من سيطرة تنظيم الدلة عام 2017، بسطت المليشيات الموالية لإيران والمنضوية ضمن قوات تشكيلات الحشد الشعبي، سيطرتها على المدينة، التي تضم إضافة إلى الغالبية العربية السنية، مكونات أخرى من الأكراد والتركمان والمسيحيين، والأيزيديين.

لم يقتصر عمل عدد من المليشيات الشيعية على الجانب الأمني، وإنما بدأت بفتح "مكاتب اقتصادية"، تدر عليها أموالا طائلة من مقدرات محافظة نينوى، خارج إطار مؤسسات الدولة الرسمية.

وكانت واحدة من فضائح نهب مقدرات نينوى، ما صرح به النائب السابق عن المحافظة، محمد إقبال، عبر "تويتر" في 16 يناير/كانون الثاني 2019، أن "7 ملايين طن من الحديد جرى نقلها وتهريبها من نينوى وبموافقات مباشرة من رئاسة الوزراء".

وفي 24 مارس 2019، قال أسامة النجيفي القيادي السني من نينوى، ونائب الرئيس العراقي السابق خلال مقابلة تلفزيونية، إن "40 مكتبا اقتصاديا يمارس أعمالا غير قانونية، وإن القوات الأمنية في الموصل لا تستطيع التصدي للمكاتب الاقتصادية، لأنها محمية من جهات في العاصمة بغداد".

وعلى الصعيد ذاته، قال النائب في البرلمان عن محافظة نينوى أحمد الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير 2019، إن مليشيا "كتائب الإمام علي" بزعامة شبل الزيدي تسيطر على ثلاثة آبار في حقول نجمة النفطية، التي تعد من أجود أنواع الآبار النفطية بالعراق.

وقال الجبوري إن "رجلا يدعى أبا رقية ينتمي للكتائب المذكورة يسيطر على منفذ عبور صهاريج النفط التي تخرج من آبار القيارة باتجاه البصرة، ويطالب بحصته منها مقابل مرورها".

وأضاف أن "وزارة النفط والجهات الحكومية العراقية تعلم بما يجري في المحافظة ولا تتحرك"، متهما محافظ نينوى (السابق) نوفل العاكوب بـ"الفساد والتواطؤ وخيانة الأمانة، ومساهمته بتعبيد الطرق التي تم تهريب النفط من خلالها".

وشدد الجبوري على أن "نفط العراقيين يسرق يوميا ويتم تهريبه من هذه المليشيات المسلحة، التي من المفترض أن تكون رواتب للعراقيين كون البلد يعتمد على تصدير النفط في الوقت الحالي فقط".

وأكد النائب العراقي أن "حقول آبار النفط في محافظة نينوى ويبلغ عددها 72 حقلا ضمن أربعة حقول، هذه كلها كانت تصدر 30 ألف برميل يوميا قبل عام 2012".

ولفت إلى أن "هذا الفصيل المسلح بدأ بالتوسع بعد دخوله المحافظة بالتعاون مع عدد من أبناء المنطقة، حتى سيطر في بداية عام 2018 على آبار النفط في حقل نجمة وبدأ باستخراج النفط وتهريبه".

الكلمات المفتاحية