إلى أي مدى تتأثر قناة السويس بهجمات الحوثيين ضد إسرائيل في باب المندب؟
منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وتتوالى هجمات مليشيا الحوثي اليمنية في مضيق باب المندب ضد السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل، من أجل وقف العدوان على غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
هذا الأمر دفع عديدا من شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها بين الشرق والغرب، من البحر الأحمر وقناة السويس إلى الدوران حول إفريقيا، فيما يعرف بـ"طريق رأس الرجاء الصالح".
وأعلنت أربع من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم، خلال يومي 15 و16 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تعليق عمليات الشحن كافة عبر البحر الأحمر، على خلفية هجمات مليشيا الحوثي.
الشركات الأربعة تبلغ حصتها من سوق الحاويات العالمي 53.6 بالمئة، لذا يتوقع اقتصاديون تدهورا في دخل القناة المصرية يضاف لحالة الانهيار العام الذي يقوده نظام عبد الفتاح السيسي.
ويقع مضيق باب المندب بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا، ويربط البحر الأحمر مع خليج عدن والمحيط الهندي، ويختصر رحلات السفن مدة 14 يوما في المتوسط، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
ويمر عبره نحو 6.2 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا باتجاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وفقًا للتقرير الشهري الصادر عن "حركة الحاويات العالمية".
ويمر ما يقدر بنحو 12 بالمئة من التجارة العالمية عبر قناة السويس وتُبحر منها قرابة 17 ألف سفينة شحن وناقلة نفط سنويا، وفق مجلة "سي باور" لرصد السفن البحرية.
تعليقات وإلغاءات
وبدأت هجمات الحوثيين ضد السفن في 19 نوفمبر، بالسيطرة على سفينة شحن تجارية، هي "غالاكسي ليدر" بطائرات مروحية، في تحرك كان بداية لسلسلة من الهجمات في البحر الأحمر.
تبع ذلك في 3 ديسمبر استهداف ثلاث سفن تجارية بصواريخ ومسيرات جوية، قالوا إنها كانت متجهة لإسرائيل ورفضت الاستجابة لإنذارهم. ثم ضرب صاروخ حوثي يوم 12 ديسمبر سفينة ترفع العلم النرويجي.
وتعرضت ثلاث سفن هي: "أم.أس.سي بالاتيوم 3" و"أم.أس.سي ألانيا" و"الجسرة"، لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر يوم 15 ديسمبر، بصواريخ باليستية مضادة للسفن.
ومع أن صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أكدت في 16 ديسمبر أن تحركات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، "بمثابة دعاية لها وتصوير لتضامنها مع حلفائها بالمنطقة ومع الفلسطينيين".
"وربما كانت محاولة لتحسين صورتها بين اليمنيين وغيرهم"، إلا أن استهداف السفن التجارية رفع من كلفة تأمينها، وأثر على نقل السلع بهذا الطريق العالمي، ما دفع أربعا من هذه الشركات الكبرى لتحويل سفنها.
الشركات هي: شركة MSC الإيطالية السويسرية للشحن، أكبر مجموعة شحن للحاويات في العالم، وتصل حصتها من سوق تداول الحاويات العالمي إلى 18.2 بالمئة.
وشركة "ميرسك" الدنماركية العالمية للشحن، ثاني أكبر مجموعة شحن للحاويات في العالم، بحصة 15.8 بالمئة، من سوق تداول الحاويات العالمي.
وشركة CMA CGM الفرنسية، ثالث أكبر مجموعة شحن حاويات عالميا، بحصة 12.8 بالمئة، وشركة هاباغ لويد الألمانية، خامس أكبر مجموعة شحن للحاويات عالميا، بحصة 6.8 بالمئة، أي بإجمالي 53.6 بالمئة من سوق السفن.
أيضا أعلنت شركة خامسة، هي الشحن الدولية OOCL ومقرها هونغ كونغ (لها مكاتب في 70 دولة ولديها 59 سفينة) في 17 ديسمبر، أنها ستوقف "شحن البضائع من وإلى إسرائيل فورا وحتى إشعار آخر".
وهو ما يعني أن قرابة نصف سفن العالم أُجبرت على تغيير مسارها عبر البحر الأحمر وقناة السويس إلى طرق أخري أبرزها رأس الرجاء الصالح وخسارة مصر عوائد مرورها في القناة.
أيضا تسببت هجمات الحوثيين في توقف العمل بشكل شبه كامل في ميناء إيلات جنوب إسرائيل، حسبما أفاد موقع "أكسيوس" في 14 ديسمبر، وساعد على ذلك استهداف الحوثيين له بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وقال موقع "بوليتيكو" في 16 ديسمبر، إن كبار المسؤولين في إدارة بايدن يدرسون خيارات لتوجيه ضربة كبيرة ضد الحوثيين في اليمن بعد أن شنوا هجمات على السفن البحرية والتجارية في البحر الأحمر.
وفي 18 ديسمبر، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات باسم "حارس الازدهار"، بهدف ردع هجمات مليشيا "الحوثي" بالبحر الأحمر وتهديدها لرحلات التجارة البحرية.
لكن فابيان هاينز، الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، حذر في تصريحات لإحدى الصحف من أن الحوثيين لديهم أسلحة متطورة، وصواريخ يصل مداها إلى 800 كيلومتر، ولديهم ترسانة ضخمة من الصواريخ المضادة للسفن.
قال إن واشنطن لا تريد ضم الحوثيين إلى قائمة أعدائها، لأنها تعلم أهمية الموقع الجغرافي باليمن، وفي الوقت ذاته صعوبة استهداف الحوثيين عسكرياً في معاقلهم الجبلية التي تقع بأكثر المناطق وعورة في واحدة من أكثر بلدان العالم مناطق جبلية.
حيث نجا الحوثيون من حملة قصف إماراتية سعودية استمرت لسنوات بأنواع الطائرات نفسها التي تمتلكها واشنطن، وبدعم وتوجيه منها، وكان ردهم على أرض السعودية والإمارات مؤلما.
هل تتضرر القناة؟
تعد إيرادات قناة السويس مصدر دخل رئيسا لمصر خاصة من العملة الصعبة، وهي تشكل أهمية كبيرة في الوقت الراهن في ظل معاناة البلاد بالفعل من أزمة مالية واقتصادية حادة.
محلل عسكري مصري اعترف أن "ما تقوم به مليشيا الحوثي يشكل تهديدا حقيقيا على حركة الملاحة الدولية بجنوب البحر الأحمر، ستظهر نتائجه وآثاره المباشرة على قناة السويس وحركة التجارة العالمية".
المحلل محمود جمال أكد أنه تهديد لقناة السويس ستظهر تبعاته إذا استمر الوضع على ما هو عليه، لأن مليشيا الحوثي أعلنت إنها تستهدف السفن الإسرائيلية فقط، ثم تطور الأمر ليشمل السفن كافة المتجهة للموانئ الإسرائيلية.
الحوثيون استهدفوا اليوم ناقلة مواد بترولية ترفع علم النرويج خلال إبحارها بالقرب من مضيق باب المندب. بحسب معلومات رسمية تم إستهداف السفينة النرويجية بواسطة صاروخ كروز تسبب في اصابة مباشرة للسفينة واشتعال النيران بها.
ما تقوم به جماعة الحوثي يشكل تهديدا حقيقيا علي حركة الملاحة… pic.twitter.com/Eq3tmTL2Oq— Mahmoud Gamal (@mahmouedgamal44) December 12, 2023
خبير اقتصادي أيضا أوضح أن إعلان معظم شركات النقل البحري البعد عن باب المندب بعد هجمات الحوثيين يعني خسارة قناة السويس الكثير من دخلها الحالي الذي يقدر بـ 9.5 مليارات دولار، بسبب عرقلة خطوط الإمداد الدولية.
أكد لـ "الاستقلال"، مفضلا عدم ذكر اسمه، أنه لو استمر هذا الوضع بضعة أشهر، أي استمرار حرب غزة أشهر، ستخسر مصر ربع وربما ثلث دخلها من القناة.
أوضح أنه كلما طال أمد حرب غزة، التي رهن الحوثيون، مرور مصالح إسرائيل في باب المندب والبحر الأحمر بوقفها، انهار دخل قناة السويس وقد تخسر أغلب دخلها، ما سيزيد الضغط على النظام المصري الذي يعاني من اقتصاد منهار.
من جانبه، أكد الخبير المصري اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع السابق، أن استمرار الأزمة لفترة طويلة لمدة عام، قد يؤثر، لكنه توقع ألا يستمر ما يحدث طويلاً وتتدخل التحالفات البحرية الكبيرة للتأمين.
اللواء نصر سالم رئيس جهاز الأستطلاع السابق : #قناة_السويس لابديل لها على الاطلاق ولايمكن الاستغناء عنها https://t.co/4navtBbLUF pic.twitter.com/Apy8bv9TL8
— حرب وجود (@ahmedamara37) December 17, 2023
رسميا، قال رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، في بيان، في 17 ديسمبر 2023 إن حركة الملاحة بالقناة منتظمة، وإن الهيئة تتابع التوترات الجارية في البحر الأحمر.
وأكد أن الهيئة تدرس مدى تأثيرها على حركة الملاحة بالقناة في ظل إعلان بعض الخطوط الملاحية عن تحويل رحلاتها بشكل مؤقت إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني اعترافه بآثار ضارة لتحركات الحوثيين على القناة.
"ربيع" أكد أيضا أنه خلال 28 يوما (19 نوفمبر حتى 17 ديسمبر 2023) تركت 55 سفينة قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين واتجهت للعبور من طريق رأس الرجاء الصالح.
وادعى أن هذه "نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة خلال تلك الفترة"، لكن الأرقام التي أوردها كانت في فترة زمنية سابقة لإعلان شركات الشحن العملاقة الأربع، التي تستحوذ على 53.6 بالمئة من حصة سوق الحاويات العالمي، وقف مرور سفنها بالقناة، ما يعني ارتفاع أعداد السفن الممتنعة عن المرور بالقناة لاحقا.
الفريق أسامة ربيع:" حركة الملاحة بالقناة منتظمة ...ونتابع عن كثب تداعيات تأثير التوترات الجارية في البحر الأحمر على حركة الملاحة بالقناة " #Suezcanal#قناة_السويس_شريان_الحياة pic.twitter.com/9P0fK4dxvR
— هيئة قناة السويس Suez Canal Authority (@SuezAuthorityEG) December 17, 2023
وفي حوار مع قناة "صدى البلد" في 17 ديسمبر، حاول الفريق أسامة ربيع طمأنة المصريين على أن "إيرادات القناة السويس ليست في خطر".
قال إن "هناك زيادة في الإيرادات هذا العام بقيمة مالية تقدر بمليار و300 مليون دولار، ومستهدف أن تصل الإيرادات (نهاية) هذا العام إلى 10 مليارات و350 مليون دولار".
قال إن السفن التي غيرت وجهتها من قناة السويس، قليلة جدا ولا تثير القلق، ومن أوقف تجارته سيأتي مرة أخرى إلى قناة السويس مثلما حدث في حادثة إيفرغيفن".
هل إيرادات قناة السويس في خطر؟ .. الفريق أسامة ربيع يجيب
#صدى_البلد #على_مسئوليتي pic.twitter.com/LBuStZWnoU— صدى البلد (@baladtv) December 17, 2023
لكن الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ"الاستقلال" أوضح أن كل ما يعلنه رئيس قناة السويس هو أرقام لإحصائيات عن فترات سابقة لقرار شركات الشحن الكبرى التحول لرأس الرجاء الصالح، ويظهر تراجع الإيرادات في نهاية يناير 2024 وما بعدها لو استمرت الأزمة.
وكانت السفينة "إيفرغيفن" جنحت في قناة السويس عام 2021، وأغلقت القناة ستة أيام، فأدى ذلك إلى تفاقم أزمة سلاسل التوريد العالمية.
الهدف إسرائيل
مع هذا، استشهد مسئول حوثي، بأرقام هيئة قناة السويس ليؤكد أنهم لا يضرون الملاحة في البحر الأحمر، ويستهدفون فقط سفنا تتجه لإسرائيل، لحين رفع الحصار عن غزة.
"حزام الأسد" عضو المكتب السياسي لمليشيا الحوثي، قال إن حركة الملاحة الدولية في باب المندب تسير باعتيادية، مستشهدا بإحصائية الملاحة في قناة السويس لشهر نوفمبر 2023 مقارنة بعام 2022.
أوضح أن العمليات العسكرية للبحرية اليمنية "لا تستهدف إلّا كيان العدو الصهيوني الذي يعربد ويرتكب أبشع المجازر بحق أهلنا في غزة، ولن تتوقف عمليات قواتنا إلا بوقف العدوان وفك الحصار عن قطاع غزة".
هذه حركة الملاحة الدولية ليومنا هذا في باب المندب تسير باعتيادية، وهذه هي إحصائية الملاحة في قناة السويس لشهر نوفمبر مقارنة بالعام الماضي صادرة عن هيئة قناة السويس.
الخلاصة: هي أن العمليات العسكرية للبحرية اليمنية لا تستهدف إلّا كيان العدو الصهيوني الذي يعربد ويرتكب أبشع المجازر… pic.twitter.com/OTjBtlCPcY— حزام الأسد (@hezamalasad) December 17, 2023
ويشير تقرير لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأقصى"، نشر في 7 ديسمبر حول تأثير هجمات الحوثيين على طرق التجارة في البحر الأحمر، إلى أن اتجاه السفن لتحويل مساراتها عن قناة السويس ومضيق باب المندب، في اتجاه رأس الرجاء الصالح، لاسيما المرتبطة بإسرائيل، يضر قناة السويس.
أوضح أنه إذا تصاعدت هجمات الحوثيين وأدت إلى تعطيل شديد في حركة الملاحة في البحر الأحمر، سيتعرض كل من أمن الطاقة العالمي وتجارة البضائع لضربة أخرى، خصوصاً في أوروبا، التي لا تزال تتعافى من التأثير الهائل للحرب الأوكرانية.
أشار إلى أنه وفقاً لـ"إدارة معلومات الطاقة الأميركية"، زادت عمليات نقل النفط الخام المتجهة شمالا عبر طريقين رئيسين إلى البحر المتوسط، وهما قناة السويس وخط أنابيب سوميد في مصر، بأكثر من 60 بالمئة خلال النصف الأول من 2023 مقارنة بعام 2020.
حيث دفعت العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، أوروبا إلى استيراد المزيد من النفط من بعض المنتجين في الشرق الأوسط، مثل العراق، وهو ما يتم عبر قناة السويس ما يضر مصر حال انتقال هذه الصادرات عبر طريق الرجاء الصالح.
وفي ظل هذه المستجدات، انتشرت أنباء غير مؤكدة مفادها أن الإمارات دشنت جسرا بريا ينقذ إسرائيل من الحصار الحوثي البحري.
الجسر يبدأ من الإمارات ويمر عبر السعودية والأردن لإيصال مساعدات ومواد غذائية للاحتلال لتعويض منع الحوثيين مرور السفن له.
الجسرٍ البري الجديد البديل عن البحر الأحمر وقناة السويس، كشف عنه موقع "واللا" الإسرائيلي في 16 ديسمبر، مؤكدا نقل شحنات غذائية طازجة عبر موانئ دبي مروراً بالسعودية والأردن إلى تل أبيب.
لكن السلطات الأردنية، نفت التقارير الإسرائيلية عن وجود جسر بري بديل للبحر الأحمر، عبر موانئ دبي مرورا بالسعودية والأردن، لنقل بضائع إلى إسرائيل.
وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا" في 17 ديسمبر 2023 عن مصادر في وزارتي النقل والصناعة والتجارة إن هذه الأخبار "لا صحة لها وتهدف إلى التشويش على الموقف الأردني الثابت تجاه ما يجري في غزة".
فيما قال الخبير المصري اللواء نصر سالم في تصريحات تلفزيونية إن إعلان إسرائيل تشغيل خط النقل البري بين موانئ السعودية والإمارات وإسرائيل والأردن "غير مؤثر".
وأوضح أن "قناة السويس لا بديل لها على الإطلاق ولا يمكن الاستغناء عنها وأي طرق أخرى سواء الإسرائيلي أو الطريق الهندي الذي قدم في مؤتمر العشرين لن يغني عن قناة السويس".