حيدر العبادي.. "تشرشل العراق" الذي أفل نجمه بعد تخندقه في صف إيران

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

"قائد النصر، سياسي تصالحي، (وينستون) تشرشل العراق"، ألقاب كانت تطلق على رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، الذي تولى رئاسة الحكومة في مرحلة خطيرة مر بها البلد، وذلك بعد سيطرة تنظيم الدولة على ثلث مساحة بلاد الرافدين لمدة ثلاث سنوات.

وفي 2014، اجتاح تنظيم الدولة مدينة نينوى العراقية قادما من سوريا، ثم سيطر على مدن الأنبار وصلاح الدين وكركوك وأجزاء من ديالى وبابل، وصولا إلى مشارف بغداد.

وبعدها أعلن العراق بمساعدة أميركا وحلفاء غربيين الحرب على التنظيم حتى استعاد تلك المناطق في عام 2017.

نجمه يأفل

رغم ما عده البعض أكبر إنجاز حققه رئيس وزراء عراقي بعد عام 2003، وهو تحقيق النصر على تنظيم الدولة، فإن شعبية العبادي شهدت تراجعا سريعا، منذ نهاية رئاسته للحكومة (2014 إلى 2018) وحتى آخر انتخابات محلية شهدها العراق في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023.

ولم يحصل العبادي عبر ائتلاف "النصر" الذي شكله عام 2018، سوى على مقعدين اثنين من مجموع 22 حصل عليه تحالف "قوى الدولة"، الذي انضوى فيه رئيس الوزراء العراقي الأسبق، ويقوده زعيم تيار "الحكمة الوطني" رجل الدين عمّار الحكيم.

وليست هذه المرة الأولى التي تتراجع فيها حظوظ ائتلاف العبادي، إذ حصل في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021 على 4 مقاعد فقط، وذلك مقارنة بحصول "النصر" على 21 مقعدا في أول انتخابات برلمانية شارك فيها رئيس الوزراء العراقي الأسبق بشكل منفرد عام 2018.

وبعد انتخابات عام 2021، التي حقق فيها التيار الصدري المرتبة الأولى قبل استقالة نوابه بعد فشلهم في تشكيل حكومة أغلبية سياسية، فضل العبادي الانضمام إلى قوى الإطار التنسيقي، وربما تكون هذه بداية تراجعه بشكل أكبر، إضافة إلى قبوله بقيادة الحكيم لتحالف "قوى الدولة".

قبل انتخابات عام 2018، كان العبادي يعد من مناوئي حلفاء إيران في العراق، ولطالما شنت المليشيات الشيعية هجوما حادا ضده واتهمته بولائه إلى بريطانيا أكثر من عمله من أجل العراق، في إشارة منهم إلى الجنسية البريطانية التي يحملها منذ ثمانينيات القرن العشرين.

تمكن العبادي، صاحب الشخصية المحببة، ذو الجسم الممتلئ والشعر الخفيف، من إعادة تعبئة عشرات الآلاف من الرجال بمساعدة مدربين أجانب عادوا لإعادة بناء قوة عراقية يمكن أن تقضي على تنظيم الدولة، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في 2017.

وأشارت إلى أنه تحت قيادته، تمكنت القوات العراقية من طرد تنظيم الدولة من أكثر من 90 بالمئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، كما استعادت السيطرة على مناطق استولت عليها قوات البيشمركة الكردية خارج حدود إقليم كردستان الشمالي الذي يتمتع بحكم ذاتي.

بعدما كان يوصف بالرجل "غير القادر على الحسم، والضعيف والتصالحي بالنسبة للساحة السياسية العراقية، فإن العبادي أصبح اليوم في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، القائد الجديد الذي انتظره العراق، حسبما ذكرت الوكالة الفرنسية.

مناوئ لإيران

في 2014، كلف رئيس الجمهورية العراقية آنذاك، فؤاد معصوم، حيدر العبادي، وكان يشغل منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلفا لرئيس الوزراء المنتهية ولايته الثانية في حينها نوري المالكي (2006 إلى 2014).

إلى جانب موقعه في البرلمان، كان العبادي يشغل قبل ذلك منصب مسؤول المكتب السياسي في حزب الدعوة الإسلامية (الشيعي) والمتحدث الرسمي باسمه، والذي يقوده نوري المالكي الحليف الشيعي الأبرز لإيران.

وتسبب توليه أزمة داخل حزب الدعوة، استمرت لسنوات جراء خلافات مع المالكي الذي اتهمه في حينها بالغدر به والتآمر عليه، كون الأخير كان يطمح بولاية ثالثة، حتى انتهى المطاف باستقالة العبادي من صفوف الحزب في عام 2019.

وبلغ الخلاف بين العبادي والمالكي ذروته عام 2015، حينما طلب الأول من الثاني بأن يخلي مكاتبه داخل المنطقة الخضراء ببغداد، والتي كان يشغلها حين تولى منصب رئيس الوزراء.

شن العبادي هجوما لاذعا غير مسبوق على المالكي، إذ وصفه تهكما بأنه "قائد الضرورة"، وهو اللقب الذي كان يطلق قبل عام 2003 على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، واتهمه بتبديد ثروة العراق.

وأكد العبادي في حينها أنه تسلم منصبه "وفي خزينة الدولة 3 مليارات دولار فقط، وعلى الدولة دين بقيمة 15 مليار دولار".

وتساءل: "هل يعقل أن يبدد قائد الضرورة أموال الدولة على البذخ وهبات من أجل الانتخابات والفوز مرة أخرى بأصوات هؤلاء الذين يمنحهم تلك الهبات؟"

وفي 31 مايو/أيار 2015، أعلن العبادي، في مقابلة مع قناة "العراقية" الرسمية حياد بلاده في الصراع الإيراني السعودي، وقال: "إذا كان الأخوة السعوديون يعتقدون أن العراق هو بوابة لإيران فهم مخطئون".

وأضاف العبادي عندما كان وقتها رئيسا للوزراء، قائلا: "العراق ليس بوابة لإيران ونحن لا نريد أن ندخل في صراعات إقليمية بين الرياض وطهران"، مشددا على أن بغداد "لا تحسب على هذا الصراع".

وخلال زيارة أجراها إلى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2015، رحب العبادي، بالمساعدة الإيرانية في القتال ضد تنظيم الدولة، إلا أنه قال إن على طهران احترام سيادة بغداد.

كما شن العبادي عام 2017 هجوما على المليشيات الموالية لإيران، بالقول: إنهم "يريدون أن تكون الدولة أضعف شيء حتى يتمكنوا منها، وتكون عصاباتهم أقوى من الدولة والمجتمع حتى يسيطروا على مقدرات الشعب بالقوة وبتهديد السلاح، حتى عندما تعترض يختطفونك".

وتساءل قائلا: "هل نحن قاتلنا النظام السابق (صدام حسين) من أجل أن تحكمنا عصابات، أم حتى نعيش أحرارا؟ لا نقبل أن يتحكم بنا أحد مهما كانت هويته".

واتهم رئيس الحكومة العراقية من قصدهم بخطابه وتنظيم الدولة بأنهم "كلهم كاذبون، وهذا ليس له علاقة بالدين، وإن المتدين هو من يحفظ المال العام ولا يقتل على الشبهة ويخطف الأبرياء من الناس".

وزير سابق

حيدر جواد العبادي من مواليد بغداد عام 1952، حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة التكنولوجية في بغداد، وشهادة الدكتوراه في نفس التخصص من جامعة مانشستر عام 1980.

ينتسب إلى عشيرة عبادة، متزوج من اثنتين، كنية الزوجة الأولى أم يُسر، والثانية سارة خالد الدليمي، والدها برلماني سني وكاتب إسلامي معروف، قُتل بحادث تفجير في أحد جوامع بغداد عام 2011.

وكان العبادي، قد تدرج في المناصب داخل قيادة حزب الدعوة منذ انتمائه إليه عام 1967 وهو بعمر 15 عاما حسب سيرته الشخصية في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وأصبح في 1979 عضوا بالقيادة التنفيذية لحزب الدعوة، وكان مسؤولا عن تنظيماته في بريطانيا عام 1977، والتي حصل على جنسيتها في ثمانينيات القرن العشرين.

عام 1982 أعدمت السلطات العراقية اثنين من إخوته بتهمة الانتماء لحزب الدعوة (الذي كان محظورا في البلاد لقربه من إيران)، ثم بعدها بعام جرى سحب جواز سفره بأمر من رئاسة مخابرات النظام بتهمة ممارسة نشاط معادٍ لنظام البعث بحسب بعض الوثائق.

عاد العبادي إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، والإطاحة بنظام حزب البعث بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، وانتخب في 2006 عضوا بالبرلمان عن مدينة بغداد.

عين في عام 2003 وزيرا للاتصالات في الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة إياد علاوي، إبان فترة حكم مجلس الحكم في العراق الذي شكله الحاكم الأميركي المدني بول بريمر.

تولى العبادي منصب رئيس لجنة الاستثمار والإعمار في البرلمان، كما أصبح عام 2005 مستشارا لرئيس الوزراء وتولى عددا من الملفات مثل المنسق العام لمدينة تلعفر، ومهمة التنسيق مع الأمم المتحدة في شؤون المهجرين العراقيين.

حين تولى رئاسة الحكومة العراقية بين 2014 و2018، تعهد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأن يدعمه في تولي ولاية ثانية حتى يكمل ما بدأه من إصلاح في أوضاع البلاد، لكنه تراجع عند خروج احتجاجات في البصرة تطالب العبادي بتوفير الكهرباء في يوليو/تموز 2017.

لكن العبادي، أعلن خلال مقابلة تلفزيونية في ديسمبر 2018، أن "صراع الإرادات في العراق وداخل إيران خلق جوا أدى إلى إبعاده من السلطة، وعن رئاسة الحكومة لولاية ثانية"، في إشارة منه إلى أن طهران قطعت الغاز متعمدة في الصيف اللاهب عن مولدات الكهرباء، لإخراج مظاهرات ضده.

وتعتمد المحطات الكهربائية العراقية بشكل كبير على الغاز المستورد من الجارة إيران التي تغطّي ثلث احتياجات العراق من الطاقة، لكن تقطع طهران دائما الغاز ما يزيد من سوء عملية وصول التيار الكهربائي بشكل يومي بالنسبة للسكان البالغ عددهم أكثر من 43 مليون نسمة.