رغم حديثه عن حق طهران وحزب الله في الرد على إسرائيل.. لماذا يغازل بزشكيان أميركا؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة في إيران، لا ينفك الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان عن إطلاق تصريحات مثيرة يغازل فيها الولايات المتحدة، رغم حديثه عن حق بلاده وحزب الله اللبناني في الرد على الاعتداءات التي تطالهم.

ومع مراسيم تسلم بزشكيان كرسي الرئاسة في 30 يوليو/ تموز 2024، أقدمت إسرائيل على اغتيال رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، والمسؤول العسكري لحزب الله اللبناني، فؤاد شكر، ثم توسعت الاغتيالات والهجمات ضد الحزب الموالي لإيران. 

وطالما توعدت إيران بالرد الحتمي على اغتيال هنية، لكنها أكدت على لسان أبرز مسؤوليها رفض المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، رغم توسيع الاحتلال هجماته على محور إيران بالمنطقة.

تصريحات مثيرة

بالتزامن مع حديثه المستمر عن عدم تفريط بلاده بحق الرد على اغتيال، هنية، لكن تصريحاته تضمنت رسائل إلى أميركا وإسرائيل، تشير إلى رغبة إيران في إبعاد شبح الحرب عنها والسعي إلى التهدئة.

آخر تصريحات بزشكيان، كانت تلك التي أدلى بها لدى وصوله إلى مطار جون إف كينيدي في نيويورك، للمشاركة في الدورة الـ79 من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالقول: إن "رسالتنا للعالم هي رسالة أمن وسلام، بعيدا عن الحرب وسفك الدماء والقتل".

وأضاف بزشكيان في تصريح للتلفزيون الإيراني عقب هبوط طائرته في المطار، في 23 سبتمبر، أنه "بدلا من الحرب وإراقة الدماء والقتل، ينبغي لنا أن نخلق عالما يمكن لجميع الناس أن يعيشوا فيه براحة، بغض النظر عن لونهم وعرقهم ومنطقة معيشتهم".

وقال الرئيس الإيراني في تصريحات على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، إننا "مستعدون للحوار مع واشنطن وحل الخلافات ويجب عليها الالتزام بتعهداتها، وإن حلفاءنا لا يتلقون الأوامر منا ويتخذون قراراتهم وفق تقديرات الدفاع عن أنفسهم".

وأردف: "مستعدون لوضع كل أسلحتنا جانبا لكن السؤال هو عن مدى استعداد إسرائيل لفعل الشيء نفسه، ومستعدون للعمل على خفض التوترات في المنطقة لكن إسرائيل لا تريد ذلك وتصعد الحرب وتوسعها".

وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية في 24 سبتمبر، قال بزشكيان إن "حزب الله لا يستطيع مواجهة إسرائيل منفردا، فهو لا يمكن أن يقف بمفرده أمام دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية". 

وعندما سئل عما إذا كانت إيران ستحث حزب الله على ضبط النفس في رده على الضربات الإسرائيلية، قال الرئيس الإيراني إن "حزب الله يواجه دولة "مسلحة بشكل جيد جدا ولديها إمكانية الوصول إلى أنظمة أسلحة تفوق بكثير أي شيء آخر".

وفي تصريح أكثر غرابة، طالب بزشكيان من أميركا بأن تكون العلاقة أخوية، بقوله: "نحن لم نفرض عقوبات على أميركا أو نبني قاعدة عسكرية حول دولتهم أو نهددهم، وإذا أثبتوا أنهم ملتزمون بالاتفاقيات وما كتبوه سنكون أخوة ونحن لسنا طلاب حرب وإنما رجال سلام". 

وأوضح بزشكيان خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة طهران في 16 سبتمبر، أن بلاده ليس لديها عداء مع أحد، وأن "الأميركيين جعلونا شعبا محاربا؛ ونحن مسالمون".

وشدد على أنه "لا يمكن للأميركيين أن يأتوا ويستولوا على أرضنا متى أرادوا ونحن نحني رؤوسنا بكل تواضع، ويجب على الأميركيين أولا أن يثبتوا أخوتهم ثم يطلبوا منا الميراث".

"حمل وديع"

وعن هذه المغازلة للغرب، رأى الباحث السياسي والأكاديمي العراقي، ميثم محمد صاحب، أن "الرئيس الإصلاحي، أظهر مع بدء تسلمه منصبه رغبته بتطبيع العلاقة مع الولايات المتحدة".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "النظام الإيراني جاء برجل طبيب بلا عمامة إلى الرئاسة حتى لا يقال إنه يهينها بخضوعه وتودده للغرب، كونها تعرف خطابه مسبقا، ودفعته للرئاسة حتى يظهر بمظهر الحمل الوديع الساعي إلى نشر السلام، ورفض الحرب والتصعيد".  

وأكد الباحث أن "رسائل بزشكيان عبر تصريحاته تظهر حقيقة رعب النظام الإيراني من أي حرب مع إسرائيل والغرب، من المحتمل أن تفقده عمل 40 عاما وما حققه من تمدد ونفوذ في المنطقة، وبالتالي مستعد أن يضحي بورقة حزب الله اللبناني مقابل الحفاظ على وضعه".

ورأى صاحب أن "بزشكيان في حديثه عن عدم استطاعة حزب الله مواجهة إسرائيل بمفرده فيه تفريط عن الذراع الأهم لإيران بالمنطقة من حيث الولاء والتسليح، بالتالي طرحه كان كأنه وسيط يريد تقديم النصيحة بين أطراف متصارعة، وهو ليس طرفا فيها".

وبحسب الباحث، فإن "إيران داخليا لا تحتمل أي حرب خارجية، فهي ليست كما كانت عليه إبان الحرب الإيرانية العراقية عام 1980، وحماسة الشعب في وقتها للدفاع عن نظام ولاية الفقيه الفتي، لكنه اليوم هرم وعليه نقمة داخلية كبيرة، وإذا وقعت الحرب فإن جبهات عدة ستفتح".

وفي المقابل، كتب الباحث لقاء مكي، في منشور عبر إكس في 24 سبتمبر: "هل تتخلى إيران عن حزب الله؟ هذا سؤال طرح اليوم بقوة، بعدما كرر الرئيس الإيراني المواقف التصالحية تجاه الولايات المتحدة".

وقال إن "مثل هذه المواقف في خضم حرب ضروس تشنها إسرائيل على حزب الله في لبنان، يعني أن إيران لن تقوم بمساندة حليفها وذراعها الأساسي بالمنطقة، كما أنها توقف عمليا سيل المخاوف من حرب شاملة، وهو ما يوفر لإسرائيل فرصة للمضي في هجماتها دون اعتراض جدي من أميركا".

وأردف: "الموقف الإيراني لا يعني التخلي عن حزب الله بالمفهوم المطلق كحليف أساسي، ففي حرب 2006 لم تتدخل إيران عسكريا لصالحه، واستمرت العلاقة بينهما، لكن هذه المرة هناك اختلافات جوهرية في السياق الإيراني والإقليمي تجعل موقف طهران مقدمة لنتائج مختلفة بشكل أو بآخر".

في هذه الحرب بالذات، يؤكد مكي أن "إيران تدرك أن الأمر يتعلق بمتغيرات جيوسياسية يراد لها أن تحصل في المنطقة، جزء منها على حساب مصالحها، وهي تشجع حلفاءها في المحور على القتال، كي تحسن من فرصها الإستراتيجية في تقليص الخسائر أو تعظيم المكاسب". 

ورأى مكي أن "هذا دور هؤلاء الحلفاء. إنهم ليسوا شركاء، بل مقاتلين أو مستخدمين لخدمة الأهداف الإيرانية، وربما اقتنع هؤلاء أن الأمر عقائدي وإستراتيجي لتمكين (الشيعة) في عموم الإقليم بقيادة إيرانية، وأنهم بدون الدعم والقيادة الإيرانية قد يتعرضون للعزل في بلدانهم".

وتوقع الباحث أن "إيران لن تتخلى عن هذه القوى، فهي استثمارها الناجح، وأولها حزب الله، لكنها قد تقبل بتقليص أدوارها محليا داخل بلدانها، وجعلها أقرب للسياسة منهم للعسكرة".

وأكد مكي أن "كل ذلك مقابل أثمان تتضمن رفع العقوبات، والحفاظ على قدر من المصالح الإيرانية في العراق ولبنان وسوريا، وتحول إيران إلى قوة إقليمية قريبة من الغرب، وإن واصلت رفع شعارات الثورة".

وخلال منشور آخر كتبه على "إكس" في 17 سبتمبر، قال مكي: "نستطيع أن نتفهم أجندة بزشكيان بالتقارب مع الولايات المتحدة، فهو ترشح وفاز على أساس العمل من أجل هذا التقارب، وربما يفتح بالفعل ثغرات في جدار العقوبات ضد بلاده". 

وبين الباحث أنه "ليس متوقعا أن يمضي بزشكيان في مهمته دون مباركة خامنئي، وقد يكون توقف إيران عن مهاجمة إسرائيل بعد اغتيال هنية، في طهران، نتيجة مقاربة الرئيس الجديد، بموافقة المرشد بطبيعة الحال".

"إرادة خامنئي"

صعود بزشكيان إلى منصب الرئاسة، كان بدفع خامنئي، لخلافة الرئيس المحافظ السابق إبراهيم رئيسي، الذي لقي مصرعه بحادث تحطم طائرته شمال غرب إيران في 19 مايو/ أيار 2024.

وبنسبة تجاوزت 53 بالمئة من أصوات الإيرانيين، فاز بزشكيان على منافسه المحافظ سعيد جليلي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 5 يونيو، وذلك بعد أسبوع من جولة أولى شهدت تنافس ستة مرشحين، لم يتمكن أحدهم من تحقيق الأغلبية.

وبعد كل من: محمد خاتمي (1997 إلى 2005)، وحسن روحاني (2013 إلى 2021)، يُعد مسعود بزشكيان ثالث شخصية إصلاحية تتولى رئاسة الجمهورية في إيران منذ الإطاحة بالنظام الملكي العلماني عام 1979 وتولي التيار الشيعي الديني السلطة.

أولى معطيات دفع النظام لبزشكيان هو أن مجموع الأصوات التي حصلت عليها الشخصيات الثلاثة المنافسة له في الجولة الأولى من الانتخابات بعد انسحاب اثنين من المتنافسين المحافظين الخمسة، تجاوزت 13 مليون صوت، بينما حصد المرشح الإصلاحي 10.4 ملايين صوت.

ورغم دعم كل مرشحي المحافظين للمحافظ جليلي في الجولة الثانية، وحصوله على 13 مليون صوت، حقق الإصلاحي بزشكيان، 17 مليون صوت، الأمر الذي عزته وزارة الداخلية الإيرانية إلى ارتفاع نسبة المشاركة إلى 49.8 بالمئة، بعدما بلغت بالجولة الأولى 40 بالمئة.

الأمر الثاني، فإنه رغم رفض مجلس صيانة الدستور، ترشّح بزكشيان لانتخابات الرئاسة عام 2021، بسبب "عدم أهليته"، فقد وافق على خوضه السباق الانتخابي الأخير بتدخل مباشر من المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، دون الإفصاح عن الأسباب.

وقال بزشكيان في آخر انتخابات برلمانية خاضها عام 2024، إن مجلس صيانة الدستور رفض أهليته لخوضها، بدعوى عدم التزامه العملي بنظام الحكم، غير أن خامنئي تدخل وأوصى بالتصديق على أهليته.

وسبق لبزشكيان الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرتين؛ حيث انسحب من دورة 2013 بعد إعلان ترشحه، وفشل في إكمال خوض انتخابات 2021، التي فاز فيها إبراهيم رئيسي، بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته.

ويربط البعض بين إرادة النظام الإيراني حاليا في الدفع بشخصية إصلاحية، ورفض ذلك عام 2009 عندما أصرّ على تولي أحمدي نجاد الرئاسة الإيرانية لولاية ثانية، وذلك من خلال تزوير نتائج الانتخابات، حسبما ادعى الإصلاحيون في ذلك الوقت.

وعلى ضوء نتائج انتخابات عام 2009، تفجرت احتجاجات واسعة في إيران، دعما لمرشّحَي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، استمرت حتى بدايات عام 2010، وأطلق عليها مؤيدوها حينها تسمية "الحركة الخضراء الإيرانية"، والتي واجهتها السلطات بالقمع العنيف.

ويعد رئيس الجمهورية في إيران هو رأس السلطة التنفيذية، وهي إحدى أبرز هيئات الحكم إلى جانب السلطتين القضائية والتشريعية "مجلس الشورى الإسلامي" (البرلمان)، إلا أن رأس الدولة وصاحب الكلمة الفصل في سياساتها العليا هو المرشد الأعلى لإيران.