لماذا أصبحت تركيا الضامن الأخير لمستقبل الصومال السياسي والأمني؟

داود علي | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل وضع يزداد اضطرابا وتتراجع فيه التحالفات القديمة، وجدت مقديشو نفسها أمام معادلة أمنية وسياسية شديدة التعقيد. 

واشنطن التي لطالما شكلت مظلة الدعم العسكري واللوجستي تتراجع بهدوء، فيما تتسع فجوة الفراغ الذي تملؤه "حركة الشباب" بالرصاص والنار.

وعلى وقع الانهيارات الميدانية، لم تجد حكومة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بدا من التوجه شرقا؛ حيث وجدت أنقرة تنتظرها بيد ممدودة وسلاح جاهز.

بين تسليم المسيّرات الحديثة والمروحيات القتالية، وطرح فكرة إرسال قوات برية لأول مرة، تتحول تركيا من مجرد داعم بعيد إلى شريك إستراتيجي مباشر، يعيد رسم خريطة التحالفات داخل القرن الإفريقي. 

ومع كل خطوة تتقدمها أنقرة، تتراجع الولايات المتحدة وتزداد مقديشو التصاقا بأنقرة كحليف أكثر التزاما وواقعية.

فهل أصبح الأمن الصومالي مرهونا بقرار تركي، وهل يشهد القرن الإفريقي ولادة نظام جديد تكون فيه أنقرة أكثر حضورا من واشنطن؟

أسئلة كبرى تطرحها الأحداث المتسارعة، والإجابات قد تحمل مفاجآت تتجاوز حدود الصومال بكثير.

ضمانات أمنية 

وتسعى حكومة مقديشو للحصول على ضمانات أمنية من تركيا، بعد تراجع الدعم الأميركي، وفي ظل هجوم “حركة الشباب” على مشارف العاصمة الصومالية.

وقالت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية في تقرير نشرته في 21 أبريل/ نيسان 2025: إنه مع تراجع سيطرة الرئيس شيخ محمود على البلاد، بالتزامن مع انخفاض المساعدات العسكرية الغربية، سلمت تركيا أسلحة للحكومة وتدرس حاليا إرسال قوات برية، وذلك لتجاوز الهزيمة العسكرية التي مُني بها الجيش الصومالي. 

وهو ما جعل الاتصالات بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والصومالي حسن شيخ محمود، تتجاوز جميع البروتوكولات الدبلوماسية المعتادة، حيث اتصل أردوغان شخصيا بنظيره الصومالي لدعوته لزيارة أنقرة على وجه السرعة. 

وخلال اجتماعه مع أردوغان في العاصمة التركية، يومي 27 و28 مارس/ آذار 2025، طلب محمود توفير المزيد من الموارد لمواجهة تقدم “حركة الشباب”. 

ورغم عدم حسم الأمر بعد، تدرس تركيا لأول مرة إرسال قوات برية إلى الصومال.

فيما يضيق الوقت أمام إدارة الرئيس الصومالي، فقد استعادت الحركة المتمردة منذ فبراير/ شباط 2025، مساحات واسعة من الأراضي في منطقة هيرشبيلي عقب انشقاق عدة مليشيات قبلية من وسط البلاد، ويوجد مقاتلوها حاليا في بلدة أفغوي التي تبعد 30 كيلومترا فقط عن مقديشو. 

وفي 6 أبريل، استهدف مقاتلو الحركة بقذائف الهاون مطار مقديشو الدولي، الذي يضم سفارات وقوات بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي (ATMIS).

المسيرات التركية 

وأمام هذه الظروف غير المستقرة، سلمت تركيا للصومال، في 18 مارس 2025، عدة طائرات مسيرة من طراز "أكينجي" الحديثة من إنتاج شركة بايكار ومروحيات قتالية من طراز T-129 ATAK التي طورتها شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية. 

وأسهمت هذه المعدات، التي تعد جزءا من اتفاقية التعاون الاقتصادي والدفاعي الموقعة بين البلدين في فبراير 2024، في منع انهيار العديد من خطوط المواجهة للجيش الصومالي المأزوم.

ولم يقف الدعم التركي على السلاح والمسيرات فقط، حيث تعتزم أنقرة أيضا حماية استثماراتها العديدة في البلاد, خاصة تلك الواقعة خارج العاصمة مقديشو.

مثل الميناء (قيد الإنشاء حاليا) في هوبيو على بعد 500 كيلومتر شمال العاصمة، أو قاعدة الفضاء الذي تبنيها أنقرة في أدالي على بعد 150 كيلومترا شمال مقديشو.

خاصة أن حركة الشباب بعد تقدمها الأخير، أصبحت على بعد 60 كيلومترا من أدالي، ويثير هذا التطور قلق أنقرة بما يكفي للنظر في نشر قوات لها هناك قد تشمل أكثر من 300 فرد من القوات الخاصة. 

ولا يوجد جنود أتراك في الصومال حاليا، ويقتصر الجيش التركي على نشر مدربين عسكريين فقط في معسكر "ترك سوم" في مقديشو، حيث يقومون منذ عام 2017، بتدريب وحدات الكوماندوز الصومالية المعروفة باسم "غور غور".

التوتر مع واشنطن

وكان الرئيس حسن شيخ محمود، قد اصطحب معه في زيارته الأخيرة إلى تركيا، فريقا صغيرا ضم وزير الموانئ والنقل البحري عبد القادر محمد نور المتحدث بالتركية والذي درس في أنقرة، وهو كذلك الوسيط الرئيس للمصالح التركية في الصومال.

وعدت الولايات المتحدة قربه من تركيا مبالغا فيه مما دفعها للضغط على محمود لإقالته من وزارة الدفاع في 17 مارس، ليُنقل لمنصب وزاري بديل.

ومع ذلك، فإن العلاقة بين حسن شيخ محمود وواشنطن، تشهد حالة من التوتر منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

فبينما يكثف البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) مناقشاته مع سلطات إقليم أرض الصومال بهدف احتمال نقل قاعدة جوية إلى بربرة يسعى الرئيس الصومالي إلى استعادة السيطرة على المنطقة. 

وفي 16 مارس، بعث برسالة إلى ترامب يعرض عليه فيها السيطرة الحصرية على العديد من الموانئ والقواعد الجوية في بربرة وبوساسو غير الخاضعتين لسيطرة مقديشو، لكن ترامب لم يرد عليه. 

وكما هو الحال خلال فترة ولاية ترامب الأولى، يعتزم البنتاغون تقليص التزامه الميداني في الصومال؛ حيث يسحب تدريجيا تمويل تدريب لواء داناب النخبوي التابع للجيش الصومالي والمكون من أكثر من ألفي مقاتل.

والذي تدربه شركة "بانكورفت" العسكرية الأميركية الخاصة، داخل القاعدة الجوية السوفيتية السابقة في باليدوجلي، على بعد 100 كيلومتر شمال مقديشو. 

ومطلع أبريل/ نيسان 2024، وقعت أزمة بين الولايات المتحدة والصومال، عندما قررت واشنطن تعليق تمويل الحصص الغذائية عقب فضيحة فساد واسعة النطاق إثر بيع حصص عسكرية علنا في أكشاك أسواق مقديشو، ما أثار غضب السفارة الأميركية.

أزمات متعددة 

أسباب أخرى دفعت مقديشو للتقارب مع أنقرة، مثل الأزمات التي تلاحقها على مستوى ميزانية القوات الأجنبية التي تقاتل حركة الشباب.

ففي  ديسمبر/ كانون الأول 2024، تسبب نشر وحدات من قوات "داناب" الخاصة في جوبا لاند جنوب البلاد، لتسوية نزاع سياسي مع رئيس المنطقة أحمد محمد إسلام (مادوبي)، والذي تعارض مقديشو إعادة انتخابه، تململ واشنطن.

لأن البنتاغون يرى أن دور هذه القوة هو محاربة حركة الشباب وليس تسوية الخلافات السياسية الداخلية. 

كما أقال الرئيس حسن شيخ محمود، القائد في قوات داناب، عرب ديغ أحمد، بعد انتقاده العلني لتفكيك قوات الوحدة النخبوية الصومالية.

ومنذ بداية العام 2025، لم تدفع القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) رواتب جنود داناب البالغة 300 دولار شهريا لكل مقاتل، ولذا تدفعها مقديشو في الوقت الراهن وتبحث عن مانحين آخرين لمواصلة دفع الرواتب. 

وفي يناير/ كانون الثاني 2025، خفضت واشنطن ميزانية "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" بشكل كبير فعلقت النفقات اللوجستية الأخرى لداناب، مثل عمليات الإجلاء الطبي للجنود الجرحى بطائرات الهليكوبتر، وصيانة موقع باليدوجلي، مما قلل بشكل كبير من قدرته التشغيلية.

ومن ناحية أخرى، علق الجيش البريطاني أيضا في ديسمبر 2025، جزءا من عملية "تانغهام" التي تتضمن تدريب عدة مئات من ضباط الجيش الصومالي في بيدوا، عاصمة المنطقة الجنوبية الغربية. 

ويمثل هذا مصدر قلق إضافيا لشركاء الصومال الأمنيين في وقت لا يزال فيه تمويل بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوسوم)، والمقرر أن تبدأ عملها في يوليو/ تموز 2025، محل شك. 

يذكر أن عدد الأفراد النظاميين للبعثة، التي ستحل محل بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، سينخفض من 17 ألفا وستمائة، إلى 11 ألفا وثمانمائة فرد.

على المستوى الإفريقي كذلك يواجه النظام الصومالي عقبات قوية، آخرها في 9 أبريل 2025، عندما طلبت الحكومة من نائب رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال الدبلوماسي الجنوب إفريقي، سيفويل ثانديكايا بام، مغادرة البلاد.

ووصل الأمر أن اتهمه وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، بدعم "حركة الشباب". 

تحد لواشنطن 

وأشارت مواقع متخصصة في الشؤون العسكرية، منها “ديفينس سكيورتي آسيا” (مقره كوالالمبور)، إلى أن “تركيا أصبحت الحليف الأوثق للصومال”.

وذكر الموقع في تقريره الصادر في 22 مارس 2025، أن عملية تسليم الطائرات المسيرة  تمت بين أنقرة ومقديشو “في تحد للولايات المتحدة التي عارضت هذه الخطوة”. 

وأضاف أن "العملية جاءت بعد أيام قليلة من إقالة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لعبد القادر محمد نور من منصب وزير الدفاع، وتعيينه وزيرا للنقل والموانئ، في خطوة تمت تحت ضغوط أميركية بسبب دوره في تعزيز التعاون العسكري بين الصومال وتركيا.

وشدد الموقع الماليزي على أن التعاون العسكري بين تركيا والصومال “أصبح لافتا للنظر، خاصة بعد توقيع اتفاقية بحرية ودفاعية بين البلدين عام 2024”. 

وأوضح أن الاتفاقية منحت القوات البحرية والجوية التركية صلاحيات تأمين المياه الإقليمية الصومالية، وإنشاء قوة بحرية صومالية، بالإضافة إلى المساعدة في عمليات التنقيب عن الطاقة. 

ولفت إلى أن “التحالف الوثيق بين البلدين، مثير للمخاوف في واشنطن وعواصم غربية أخرى مثل باريس، بالإضافة إلى دول عربية مثل أبوظبي والقاهرة”. 

وذكر أن “تركيا تواصل استثماراتها الكبيرة في البنية التحتية والعسكرية في الصومال، مع التزامها بدعم جهود مكافحة الإرهاب، والقوى الأخرى المهددة لمقديشو”.

ويفيد "ديفينس سكيورتي آسيا" أن هذا التحول الجيوسياسي بين أنقرة ومقديشو “يعكس النفوذ المتزايد لتركيا على الساحة الدولية عموما، وفي القارة السمراء بشكل خاص”.