مونديال المغرب 2030.. كيف تخطط بريطانيا لالتهام قطعة من الكعكة؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

تسارع بريطانيا الخطى من أجل الحصول على جزء من كعكة الاستثمارات المنتظرة في سياق استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم لعام 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال.

وأعلن مفوض التجارة البريطانية لإفريقيا، جون هامفري، عن إرسال وفد من 12 شركة بريطانية إلى المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 15 و17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وذلك في مهمة تجارية خاصة بكأس العالم، لتحديد فرص الشراكة.

تكلفة استضافة

وذكر هامفري في تغريدة له على "إكس" في 11 أكتوبر، أن المملكة المتحدة ترى أن الشركات البريطانية والمغربية تتمتع بتاريخ غني من التعاون في تطوير البنية التحتية.

واسترسل: "خصوصا في ظل خبرة المملكة المتحدة في مجال البنية التحتية الرياضية، بدءا من الهندسة المعمارية والتصميم إلى إدارة المشاريع والهندسة والخدمات المهنية، حيث لعبت دورا في بناء عدد من الملاعب الرياضية المدرجة في عدد من المحافل الرياضية الدولية".

يُذكر أن العاهل المغربي محمد السادس، زف للمواطنين خبر تنظيم المغرب لكأس العام بشكل مشترك، في 4 أكتوبر 2023، وفق ما نشره بيان للديوان الملكي.

وأكد الملك أن بلاده "ستلتزم بالعمل، في تكامل تام، مع الهيئات المكلفة بهذا الملف في البلدان المضيفة".

وفور إعلان الخبر، تم إنشاء لجنة تنفيذية مكونة من ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص والرياضة، وذلك لترتيب الأولويات والاستجابة لشروط الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التي تفرض أن يتوفر 14 ملعبا جاهزا في البلدان الثلاثة لإقامة نهائيات كأس العالم 2030.

وفي هذا السياق، أجرت شركة "سوجي كابيتال" التابعة للمجموعة المصرفية المغربية “سوسيتي جينيرال” دراسة حول تكلفة استضافة المملكة لبطولة كأس العالم 2030، رفقة إسبانيا والبرتغال.

وتوقعت الشركة أن تكلف ما بين 15 و20 مليار دولار لاقتصادات الدول الثلاث.

وتبلغ حصة المغرب من هذه الميزانية التنظيمية الضخمة حوالي 52 مليار درهم (نحو 5 مليارات دولار).

ويتضمن هذا المبلغ 1.6 مليار دولار لبناء وترميم الملاعب، و786 مليون دولار تكاليف مراكز التدريب، و1.6 مليار دولار للنقل والبنى التحتية، ونحو 982 مليون دولار لتكاليف التدريب والتنظيم العام.

بوابة الدخول

ويرى الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن “مسعى بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية الكبرى للاستثمار في المشاريع المتعلقة بكأس العالم، تتجاوز حدود المغرب، إلى جعله قنطرة لهم ولشركاتهم إلى باقي الدول الإفريقية”.

وأوضح الكتاني لـ"الاستقلال"، أن “بريطانيا والدول التي تشبهها تريد أن يكون المغرب بوابة دخولها إلى إفريقيا، بعد أن تضررت صورتهم وحضورهم بها في الفترات الأخيرة”.

ورأى أنه "من الجيد للمغرب بناء علاقة تجارية مع بريطانيا وباقي الدول، لكن يجب أيضا الانتباه إلى أن بريطانيا، وكأي دولة أوروبية إنما تسعى أساسا لمصالحها، ولذلك يجب التعامل معها على هذا الأساس".

وعليه، يردف الخبير الاقتصادي، “يجب أن يبقى التعاون بين هذه الدول والمغرب منحصرا في إطار اقتصادي وتجاري وعلمي وليس في الجانب السياسي، أي عبر تشكيل تكتل أو توجه مشترك للاستثمار في إفريقيا، لأنه في النهاية لن يكون سوى في صالح الدول الغربية”.

وأوضح الكتاني أن "الدول الغربية تعمل جاهدة على فرض نموذجها الاقتصادي والثقافي على العالم، مما يستوجب التعامل معهم بذكاء، أي بالحرص على مصالحنا وعدم التفريط في هويتنا ومقوماتنا الثقافية". 

وفي ظل هذا الاهتمام الاقتصادي لبلاده، أكد سفير لندن بالرباط، سايمون مارتن، أن "الخبرتين البريطانية والمغربية يمكنهما الاستفادة من بعضهما البعض".

وقال مارتن لموقع "هسبريس" المغربي في 17 أكتوبر 2024، إن "الحكومة البريطانية، التي تمتلك هيئة للبنية التحتية عملت وتواصل العمل على مشاريع متعلقة بالأحداث الرياضية، تولي أهمية كبيرة للاستثمار في المغرب ضمن مشاريع مونديال 2030، خاصة في تطوير البنية التحتية للمطارات والسكك الحديدية بالتعاون مع الحكومة المغربية والقطاع الخاص".

وأضاف أن "عددا كبيرا من مشجعي كرة القدم البريطانيين يأملون زيارة المملكة المغربية عام 2030 لمتابعة هذا الحلم المونديالي".

وأشار السفير إلى أن "اثنتي عشرة شركة ومنظمة بريطانية شاركت بشكل وثيق في تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، مثل أولمبياد لندن 2012، وألعاب الكومنولث في برمنغهام 2014".

واستطرد: "وفي وقت قريب شارك العديد من هذه الشركات في تنظيم كأس العالم في قطر 2022. 

اهتمام بريطاني

وفي هذا الصدد، ومع احتمال أن يستضيف المغرب كأس أمم إفريقيا لعام 2025، بالإضافة إلى المشاركة في استضافة مونديال 2030، فإن الدول الأربع في المملكة المتحدة، إلى جانب أيرلندا، تستضيف أيضا بطولة أوروبا لعام 2028".

واسترسل مارتن: "هناك قدر هائل من الخبرة التي يمكن للشركات والمنظمات البريطانية تقديمها، كما يمكننا أن نتعلم الكثير من تجارب المغرب أيضا".

وأضاف أن "هذه الأحداث الرياضية تشكل فرصة مهمة لرؤية نشاط اقتصادي كبير وزيادة الاستثمارات البريطانية في المغرب".

وأوضح أن "حكومة لندن تدرس حاليا استثمار مبلغ لا يقل عن 5 مليارات جنيه إسترليني (نحو 6.5 مليارات دولار) لدعم هذا التوجه".

ولفت إلى أن "هذا الأمر مازال في مراحله الأولى، ويتطلب العمل مع القطاع الخاص، لذا لا يمكن حاليا تقديم رقم دقيق حول حجم الاستثمارات البريطانية في المغرب، ولكن من المؤكد أن الأيام الأخيرة شهدت مشاركة كبيرة لأسماء بريطانية مرموقة في مجالات التصميم والبناء".

وأكد مارتن أن الشركات البريطانية شاركت بشكل وثيق في تنظيم الأحداث الرياضية وإنشاء الملاعب والبنية التحتية المحيطة بها، وكذلك في التخطيط الرئيس.

وأشار إلى بعض المشاريع التي تم تنفيذها في المغرب، مثل المسرح الكبير في الرباط، مضيفا أن هناك شركات بريطانية تشارك حاليا في تصميم ملعب جديد في العاصمة الرباط، بالإضافة إلى شركة بريطانية أخرى فازت بصفقة تصميم ملعب الحسن الثاني في الدار البيضاء، الذي ينتظر العالم افتتاحه.

الاهتمام البريطاني بالاستثمار في المغرب في ظل استعداده لتنظيم كأس العالم وفي ظل مشاريعه الكبرى المعلنة بدا قويا، حيث أصدرت وزارة التجارة البريطانية دليلا للشركات للتعريف بأهم التوجهات الاستثمارية في المغرب، مركزة على 4 مجالات أساسية وهي، النقل وقطاع الماء والصحة والطاقات النظيفة.

ووفق موقع "صوت المغرب" في 15 أكتوبر 2024، فإن الوزارة تتوقع بأن قيمة الاستثمارات المبرمجة في قطاع النقل إلى غاية عام 2040 ستتجاوز 47 مليار دولار، تشمل إنشاء الطرق وتحديثها في أفق سنة 2035 بـ9.6 مليارات دولار، وتطوير السكك الحديدية لسنة 2040 بـ37 مليار دولار، بالإضافة إلى تطوير المطارات بحلول سنة 2030 بغلاف يناهز 700 مليون دولار.

أما بالنسبة لقطاع الماء، فقد أوضح التقرير البريطاني أن الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع ستصل إلى 40 مليار دولار بحول سنة 2050، بهدف التخفيف من الإجهاد المائي الذي بات المغرب يعاني منه، بما فيها خطة قصيرة الأجل لتوفير مياه الشرب والري بحلول عام 2027.

وأشار التقرير أيضا إلى فرص الاستثمار في القطاع الصحي، مدفوعة بعدد من الإصلاحات الهيكلية الحكومية والتي ستؤدي إلى إحداث مستشفيات وتوسيع أخرى.

وأبرز أن إجمالي الاستثمار في هذا القطاع سيؤدي إلى إنفاق ما مجموعه مليارا دولار لبناء مستشفيات جديدة ومستشفيات جامعية، بالإضافة إلى 220 مليون دولار لإعادة تأهيل عدد من المستشفيات.

وسلط المصدر ذاته الضوء أيضا على مشاريع الطاقة النظيفة، كفرصة كبيرة للشركات البريطانية، خصوصا في ظل طموح المغرب للوصول إلى نسبة 52 بالمئة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وأضاف: "وذلك من خلال بناء قدرة تزيد عن 6 جيجاوات بحلول عام 2027، وهو ما سيرفع حجم الاستثمارات في هذا القطاع إلى ما بين 6 و8 مليارات دولار".

رهانات اقتصادية

وفي هذا الصدد، أكد القنصل العام للمملكة المتحدة في الدار البيضاء، طوم هيل، أن "الشركات البريطانية مهتمة بتطوير مجال النقل السككي في المغرب، في إطار الاستعدادات لاستضافة مونديال 2030".

وأضاف هيل في تصريح للصحافة خلال احتفال أقيم في 17 أكتوبر 2024 بسفارة بريطانيا في الرباط، على هامش مهمة تجارية قادت 12 شركة بريطانية إلى المغرب، أن "الشركات البريطانية ترى أن البنية التحتية في القطاع الرياضي بالمغرب مثيرة للاهتمام للغاية في إطار استعدادات المملكة لمونديال 2030".

وأوضح الدبلوماسي البريطاني، الذي يشغل أيضا منصب مدير فرع قطاع التجارة والأعمال الحكومي البريطاني بالمغرب، أن محادثات جرت مع الشركة الوطنية للنقل السككي في المغرب حول هذا الأمر، وتم اكتشاف طموحات مغربية كبيرة في مجال البنيات التحتية الخاصة بالمحطات، مشيرا إلى أن "بريطانيا مهتمة جدا بالاستثمار في هذا المجال".

ويرى هيل أن "مستقبل العلاقات بين المقاولين المغاربة والبريطانيين مزدهر، خاصة أن مشاريع المونديال تشارك فيها شركات بريطانية، مثل شركة (بوبولوس) التي فازت بعقد تصميم ملعب الحسن الثاني في الدار البيضاء، وشركة (زها حديد) التي أنجزت تصميم مسرح الرباط الكبير". 

وأضاف أن "المغرب يضم مقاولين متميزين، فيما تمتلك بريطانيا مصممين عالميين".

وتابع المتحدث ذاته: "تحويل هذه التصاميم إلى واقع والعمل مع المقاولين المغاربة أمر مثير للغاية، لذلك فإن البنية التحتية الرياضية والبنية التحتية للنقل هي من بين أهدافنا، بالإضافة إلى المشاريع المتعلقة بالمستشفيات الصحية، إذ لاحظ البريطانيون حاليا نموا كبيرا في هذا القطاع في المملكة المغربية".

نبه الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، إلى أن "العائد المباشر بالنسبة للمغرب فيما يتعلق بالمونديال سيكون في البنى التحتية الرياضية، غير أن الخسارة ستكون فيما بعد".

وأوضح الكتاني لـ"الاستقلال"، أن "الأسر المغربية لا تتوفر على دخل اقتصادي يسمح لها بأن تواظب على الحضور للملاعب الرياضية التي سيتم إنشاؤها، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على مداخيل هذه الملاعب وما تحتاجه لصيانتها".

وشدد على أن "الملاعب التي يتم إعدادها ستستقبل ما بين 70 و90 ألف متفرج، غير أن هذا العدد سينخفض ما بعد البطولة إلى 10 آلاف، مما يفقد هذه المنشآت توازنها المالي".

ورأى الكتاني أن "شغل الرأي العام المغربي بمشاريع كأس العالم لن يكون له عائد اقتصادي حقيقي على البنية الاقتصادية للبلاد، باستثناء أشياء رمزية أو من باب الترفيه".

وأبرز أن "المجتمع المغربي بحاجة إلى نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية لملايين الشباب الضائع، وجزء منهم لم يندمج اقتصاديا واجتماعيا، مما يعني أننا بحاجة إلى مجهود كبير لإدماجهم، لا أن نشغلهم في السنوات المقبلة بألعاب كأس العالم".

وأردف، وأيضا من الناحية الحسابية، نجد أن الإحصائيات تقول إن المغرب سيربح من المونديال 1.5 مليار دولار، مقابل خسارته لـ4.5 مليارات دولار في الإعداد والبناء، وهذه خسارة مالية مباشرة لميزانية الدولة.

في المقابل، دعا الكتاني إلى التركيز على بناء ملاعب القرب، لما لها من دور في إبعاد الشباب المغربي عن المخدرات والانحراف، وفي الحفاظ على صحتهم، عكس الملاعب الكبيرة، التي لها صورة تسويقية فقط.

وخلص الكتاني إلى أن "التقدم يكون بالصناعة والبحث العلمي والتغطية الاجتماعية الجيدة.. إلخ، وليس بترويج أن التقدم قد يكون بالكرة، لأن هذا لن يتحقق أبدا".