إستراتيجية بايدن لمواجهة الكراهية.. خطوة تصحيحية أم مناكفة لترامب؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ دقائق

12

طباعة

مشاركة

بعد تأخير لأكثر من عام، وقبل 5 أسابيع من مغادرته البيت الأبيض، أصدر الرئيس جو بايدن، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، "إستراتيجية"، طال انتظارها "لمواجهة كراهية المسلمين والعرب".

صدور "وثيقة إستراتيجية مكافحة الإسلاموفوبيا، جاء بعد تزايد الاعتداءات والكراهية للمسلمين والعرب من بعض المتطرفين اليمينيين، عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، وقيادة اللوبي الصهيوني مع مجموعات "المسيحية الصهيونية" حملة عداء ضدهم.

الوثيقة، المؤلفة من 64 صفحة، جاءت متأخرة وبعد أكثر من عام من مقتل الطفل الأميركي المسلم وديع الفيومي (ست سنوات) طعنا على يد رجل عنصري استهدفه هو ووالدته لأنهما من أصل فلسطيني.

كما صدرت بعد إصدار الإدارة الأميركية في مايو/أيار 2023 إستراتيجية مشابهة أخرى لصالح اليهود، باسم "مكافحة معاداة السامية"، برغم أن الإحصاءات تشير إلى أن المتضرر الأكبر من الكراهية هم المسلمون.

ويرجع محللون توقيت صدور الوثيقة قبل انتهاء حكم بايدن، بأنها "رسالة" لإدارة  الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والذي يوصف بأنه معاد للإسلام والمسلمين.

إذ تصاعد التوتر بين الجماعات المؤيدة لإسرائيل ونظرائهم المؤيدين للفلسطينيين في بعض الجامعات الأميركية على خلفية العدوان على غزة، وصدرت تحذيرات من جهات مختلفة من تصاعد "معاداة السامية" و"كراهية الإسلام والعرب".

ما الجديد؟

مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدر البيت الأبيض "بيانا" بشأن إستراتيجية أميركية لمكافحة "الإسلاموفوبيا" مع تصاعد أفعال تصنف على أنها "جرائم كراهية" ضد المسلمين.

وأوضحت إدارة بايدن حينها أن هذه الإستراتيجية، التي يعدها مجلسا "السياسة" الداخلية و"الأمن القومي"، ستضع خطة لحماية المسلمين من التمييز ضدهم بسبب الدين أو العرق، والكراهية والتعصب والعنف.

لكن لم تُعلن هذه الإستراتيجية، ولم تذكر الإدارة أي تفاصيل محددة حولها، مكتفية بالقول إنه سيتم العمل مع قادة المجتمع والدعاة والمسؤولين، وأعضاء الكونغرس لصياغتها لاحقا.

وبعد قرابة 13 شهرا، صدرت بعنوان "أول إستراتيجية وطنية أميركية على الإطلاق لمكافحة الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب".

ورغم الحفاوة بها، انتقد خبراء تأخرها وقالوا إنها ليست كافية لوقف الاعتداءات العنصرية المتصاعدة بحق المسلمين منذ بدء العدوان على غزة.

وتتضمن الإستراتيجية أكثر من 100 إجراء تنفيذي و100 دعوة للعمل، بهدف معالجة والعنف والتحيز والتمييز ضد المسلمين والأميركيين العرب.

وتتضمن الخطوات الرئيسة: تطوير برامج تعليمية لمواجهة الكراهية، والتواصل مع المجتمعات لمشاركة قصص المسلمين والعرب الأميركيين، وتعزيز التصوير الدقيق في وسائل الإعلام.

وتعزيز القدرات الفيدرالية والمحلية لتوثيق جرائم الكراهية والإبلاغ عنها، والاستجابة لها بشكل فعال. 

كما تتضمن "إعادة النظر في سياسات السفر لضمان خلوها من التحيز واعتمادها على تدابير أمنية قائمة على الأدلة".

وتحتوي على أربع ركائز وأولويات أساسية هي: "زيادة الوعي بالكراهية ضد المسلمين والعرب مع الاعتراف على نطاق أوسع بتراث هذه المجتمعات، وتحسين سلامتهم وأمنهم على نطاق واسع".

إضافة إلى "استيعاب الممارسات الدينية الإسلامية والعربية بشكل مناسب من خلال العمل على الحد من التمييز ضدهم، وتشجيع التضامن بين المجتمعات لمواجهة الكراهية بشكل أكبر".

وتتشابه العديد من أهداف هذه الإستراتيجية لصالح العرب والمسلمين، مع تلك التي وضعتها إدارة بايدن في خطتها للحد من معاداة السامية، وخاصة التركيز على "تحسين السلامة والأمن وتشجيع التضامن بين المجتمعات".

إذ "تتطابق هذه الوثيقة الجديدة مع إستراتيجية شاملة لمكافحة معاداة السامية أصدرها البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 2023"، وفق ما قالت وكالة "رويترز" البريطانية في 13 ديسمبر 2024.

وقال البيت الأبيض إن الجزء الأكبر من إجراءاته بشأن الإستراتيجية جرى تنفيذه، والباقي سيطرح قبل يوم تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2025.

وفي مقدمة الإستراتيجية، اعترف بايدن بارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين والعرب، ووصف التمييز والتنمر ضدهم بأنه "خاطئ وغير مقبول"، كما وصف الهجوم على الطفل وديع الفيومي ووالدته بأنه "أمر شنيع".

وكتب "بايدن" عبر مواقع التواصل يقول: "يستحق المسلمون والعرب العيش بكرامة والتمتع بكل الحقوق إلى أقصى حد جنبا إلى جنب مع جميع الأميركيين"، وشدد على أن "السياسات التي تؤدي إلى تمييز ضد مجتمعات بأكملها خاطئة ولا تحمي سلامتنا".

وأشار إلى أن "المسلمين والعرب الأميركيين ساعدوا في بناء الأمة منذ تأسيسها".

وأسهم المسلمون والعرب منذ فترة طويلة في نسيج المجتمع الأميركي، حيث عملوا كأطباء ومعلمين وعسكريين وموظفين حكوميين.

على سبيل المثال، أحدث المخترع الأميركي العربي أنتوني فاضل، المعروف باسم "أبو مشغل الآيبود"، ثورة في عالم التكنولوجيا الاستهلاكية. 

وعلى نحو مماثل، حطمت ابتهاج محمد، وهي رياضية أميركية مسلمة، الحواجز بصفتها أول امرأة تنافس في الألعاب الأولمبية مرتدية الحجاب، ففازت بالميدالية البرونزية في المبارزة.

ومع ذلك، فإن الصور النمطية التي تروج لها وسائل الإعلام والتحيزات النظامية غالبًا ما طغت على هذه المساهمات، وفق "شبكة تلفزيون أخبار المسلمين"، أو "مسلم نتوورك تي.في"، 13 ديسمبر 2024.

وبعد ضغوط مارسها نواب مسلمون بسبب تصاعد العداء والتهديدات ضد مسلمي أميركا ووصولها لنواب الكونغرس أنفسهم، صادق مجلس النواب الأميركي في 15 ديسمبر 2021، على مشروع قانون لمكافحة العداء ضدهم قدمته النائبة إلهان عمر.

القانون عد انتصارا مهما للمسلمين في أميركا والعالم بعدما صوت لصالحه 219 نائبا مقابل 212، بحسب ما نقلت وسائل إعلام أميركية.

ويستهدف إنشاء مكتب خاص داخل وزارة الخارجية لمكافحة الإسلاموفوبيا على مستوى العالم، لمعالجة تزايدها.

لكن تعطل تمريره من قبل مجلس الشيوخ قبل تحويله إلى الرئيس جو بايدن للتوقيع عليه ليصبح قانوناً.

أهمية الإستراتيجية 

كان أهم ما في هذه الإستراتيجية هو ضمها العرب فيما يخص الكراهية التي يعانون منها في أميركا، وعدم قصرها على "المسلمين" فقط.

قالت إنه بينما يجرى استهداف الأفراد في بعض الأحيان لأنهم يعدون مسلمين، "فمن الأهمية بمكان أيضا أن ندرك أن العرب يتعرضون للاستهداف بشكل روتيني لمجرد كونهم على ما هم عليه".

أيضا أهمية نشر الوثيقة الآن أنها جاءت قبل 5 أسابيع من تنصيب دونالد ترامب، الذي كان فرض حظر سفر على مواطني بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، خلال ولايته الأولى، قبل أن يلغيه بايدن، في أول يوم له في منصبه.

ومع أن ترامب حاول اجتذاب أصوات المسلمين في انتخابات الرئاسة، ودعمه بعضهم بدعوى أنه سيوقف العدوان على غزة ويقدم لهم مزايا وخدمات داخلية، فقد صدرت عنه تصريحات عدوانية بعد فوزه، كما عين رموزا صهيونية بإدارته الجديدة.

وقال، بعدما حصل على دعم بعض الناخبين المسلمين الغاضبين من دعم بايدن للحرب في غزة، إنه سيمنع دخول أي شخص يشكك في "حق إسرائيل في الوجود"، وإنه سيلغي تأشيرات الطلاب الأجانب "المعادين للسامية".

وتوقع مؤسس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، أن تتخلى إدارة ترامب الجديدة عن هذه الإستراتيجية، لكنه رحب بإدراج كراهية العرب ضمن السلوكيات الخطيرة بدلا من التركيز فقط على الأفعال التي تستهدف المسلمين.

ويشير تقرير لشبكة "مسلم نتوورك تي.في"، 13 ديسمبر 2024، إلى عدة تحديات تواجه تطبيق هذه الإستراتيجية.

وأوضحت أن "نجاح يعتمد على التعاون بين المستفيدين على اختلاف مشاربهم من هذه الإستراتيجية، بما في ذلك حكومات الولايات والحكومات المحلية، وشركاء القطاع الخاص، والحلفاء الدوليين".

نقلت عن "نقاد" قولهم إن المبادرات السابقة المماثلة، مثل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة معاداة السامية، واجهت عقبات في تبنيها وتنفيذها على نطاق واسع.

وشددت على ضرورة أن يركز المتخصصون في وسائل الإعلام، على مطالبة معلمي المدارس والجامعات بضمان تصوير وفهم عادل للمسلمين، وأن يبينوا أن مكافحة الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب، مسؤولية جماعية.

وأن يُطلب من المؤسسات التعليمية تقديم مناهج تسلط الضوء على المساهمات التاريخية والثقافية للأميركيين المسلمين والعرب.

ودعت "شبكة المسلمين" منصات التواصل الاجتماعي إلى مراعاة مكافحة خطاب الكراهية عبر الإنترنت من خلال تحسين خوارزمياتها وممارساتها في إدارة المحتوى.

وعلى مدار عام 2023 تزايدت التهديدات والهجمات ضد العرب والمسلمين، وفقا لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وأكد المكتب ارتفاع جرائم الكراهية بحقهم، حيث جرى الإبلاغ عن 123 حادثة معادية للعرب خلال عام 2024.

وقبل اندلاع العدوان الإسرائيلي، كانت جرائم الكراهية في ارتفاع بالفعل، حيث زادت بنسبة تزيد عن 10 بالمئة عام 2022، وفقا لموقع "أكسيوس" الأميركي.

وتُظهر دراسة أصدرها "مركز دراسة الكراهية والتطرف" عام 2022، أن الصراعات في الشرق الأوسط والاحتلال الإسرائيلي، وراء كثير من جرائم الكراهية في أميركا وأنها تشهد قفزات في هذا العداء.

وكشف استطلاع أجراه "معهد الآخر والانتماء" بجامعة كاليفورنيا، ونشره موقع ميدل إيست آي البريطاني مطلع أكتوبر 2021، أن 67.5 بالمئة من المسلمين تعرضوا للإسلاموفوبيا، أي "هجوم لفظي أو جسدي ونزع لصفة الإنسانية".

متأخرة وغير كافية

وقد انتقد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، أكبر منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية والدفاع عن المسلمين في الولايات المتحدة، "وثيقة البيت الأبيض التي طال انتظارها" ووصفها بأنها "أقل من اللازم ومتأخرة للغاية".

المجلس قال في بيان إن "إستراتيجية البيت الأبيض تتضمن بعض التوصيات الإيجابية المتعلقة بالتعصب ضد المسلمين، ولكن تم إصدارها في وقت متأخر للغاية لإحداث تأثير، وتفشل في الوعد بأي تغييرات في البرامج الفيدرالية التي تديم التمييز على نطاق واسع".

وانتقد البيت الأبيض لعدم إنهاء قائمة مراقبة اتحادية وقائمة "حظر طيران" تشمل العديد من الأميركيين من أصول عربية ومسلمة.

وأوضح أن الخطة لا تعالج "قائمة المراقبة الفيدرالية" التي تستهدف أميركيين عربا بصفتهم إرهابيين محتملين.

وأضافت "كير" أن الخطة "فشلت في الوعد بإنهاء العامل الأكثر أهمية للتعصب ضد المسلمين اليوم، وهو الإبادة الجماعية (الصهيونية) التي تدعمها الولايات المتحدة في غزة".

وذكر أن بايدن لا يستطيع "الادعاء بشكل موثوق" أنه يهتم بالمسلمين أو الإسلاموفوبيا "بينما يدعم تدمير الحكومة الإسرائيلية للمساجد وتدنيس القرآن وتمكين جرائم الحرب في غزة".

وأشار إبراهيم هوبر من مجلس كير إلى أن "هذه خطوة مهمة إلى الأمام، ولكن الاختبار الحقيقي سيكون في تنفيذها".

ودعت الناشطة العربية الأميركية "ليندا صرصور" إلى إيجاد آليات لمساءلة من يميزون ويعادون العرب والمسلمين، مؤكدة على الحاجة إلى تحقيق تقدم ملموس.

أيضا انتقد "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية"، في 13 ديسمبر 2024، إدارة بايدن، مشيرا إلى دعوته قبل سنوات لإصلاح البرامج الحكومية التي تعكس التمييز ضد المسلمين دون جدوى.

قال: "طالبنا باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع الوكالات الحكومية من الاستمرار في ممارسة سلطاتها وأدواتها في مراقبة المسلمين واستجوابهم واحتجازهم على الحدود، فضلاً عن حرمان الأشخاص من البلدان ذات الأغلبية المسلمة من مزايا الهجرة".

وقالت "هينا شمسي"، مديرة مشروع الأمن القومي في اتحاد الحريات المدنية الأميركية: "في حين تعترف هذه الإستراتيجية بالتمييز وأضراره، فإنها لا تفعل الكثير لإنهاء هذه الأضرار وهي فرصة ضائعة".

وأوضحت أن المسؤولين بالأمن القومي الأميركي ظلوا طوال عقود، يبررون تمرير قوانين وبرامج تضر بشكل غير متناسب بالمسلمين.

وأعربت عن أملها في أن تعالج إستراتيجية مكافحة التمييز الجادة، العديد من الممارسات الحكومية المتحيزة "التي تحرم مجتمعاتنا من المشاركة المتساوية في الحياة المدنية وديمقراطيتنا، مثل قوائم المراقبة الفيدرالية والمراقبة والتحقيق".

قالت: "نحن محبطون بشدة لأن الإدارة لم تتخذ حتى الخطوة الأساسية المتأخرة المتمثلة في الاعتراف بأن التمييز ضد المسلمين كان أمرا روتينيا يُنفذ في سياسات الحكومة.

وعقب عملية طوفان الأقصى، استغلت الدعاية الصهيونية وأبواق التيار المسيحي الإنجيلي الداعم للاحتلال ما جرى بصورة تشوه المقاومة وتصورها كمجموعة إرهابية، ما انعكس على تزايد الكراهية ضد المسلمين.

ورغم وضوح الصورة عقب بدء المجازر الإسرائيلية في غزة وأن هذه الدعاية كان هدفها التمهيد لإبادة الفلسطينيين، استمرت حملات الكراهية واضطهاد المسلمين.