بين التحالف الأميركي القسري والنفوذ الإيراني الراسخ.. ما مصير العراق؟

"العراق يعيش وضعا دقيقا ويواجه توازنا هشا للغاية"
مع تصاعد التوتر بين إيران ومليشياتها الشيعية المتجذرة في العراق من جهة وأميركا وإيران من جهة أخرى، تكثر التساؤلات بشأن مستقبل حكومة محمد شياع السوداني التي تسعى إلى "جلب الاستقرار" للبلاد.
وفي هذا السياق، يقول "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إن العراق في طليعة الدول التي تهددها الفوضى، على خلفية زيادة التوترات بالشرق الأوسط والعدوان على غزة المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
معركة نفوذ
وذكر المعهد أن العراق يشكل نقطة أساسية في إستراتيجية إيران التي زادت من خلال وكلائها الشيعة في السنوات الأخيرة من نفوذها على حساب نفوذ الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن العراق دخل مع سقوط الرئيس الراحل صدام حسين فترة من الفوضى وحرب أهلية دموية.
أعقبها ظهور تنظيم الدولة والحرب ضده التي أدت إلى الابتعاد أكثر عن الشريك الأميركي في مقابل ترسيخ الدور الإيراني أكثر في البلاد.
لذلك يصف موقف الحكومة الحالية بقيادة محمد شياع السوداني بالصعب "بين التحالف القسري ولكن الضروري مع الولايات المتحدة من ناحية والنفوذ الفارسي المتزايد باستمرار لا سيما بين السكان الشيعة الأغلبية في البلاد من ناحية أخرى".
وقال إن العراق يعيش اليوم الفترة الأكثر استقرارا منذ سقوط صدام، إلا أن التصعيد الجديد يخلق أزمة لحكومة تسعى إلى تحقيق التوازن من خلال العلاقات الدولية.
وتواجه كذلك صعوبات في السيطرة على أطراف البلاد التي تهيمن عليها المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران.
وبينما يزيد دمج قوات الحشد الشعبي داخل القوات الحكومية من النفوذ الإيراني داخل المؤسسات العراقية، يخضع البعض الآخر وأهمها كتائب حزب الله الآن لسيطرة إيران المباشرة.
بحسب المعهد الايطالي، يشكل العراق نقطة أساسية في الإستراتيجية الإيرانية التي تعمل على إنشاء محور وتواصل مباشر بين طهران-بغداد-دمشق- بيروت وهو كذلك بالنسبة لهدف الولايات المتحدة في احتواء طهران.
من جانبها، تعمل الحكومة العراقية الحالية وكذلك جزء كبير من المجتمع المدني العراقي، على تجنب اندلاع صراع أو تورط بلادهم في حرب بالوكالة بين القوى الأجنبية.
توازن معقد
ويرى المعهد الإيطالي أن البحث عن التوازن بين مختلف الحلفاء يزداد تعقيداً مع تواصل حالة التصعيد، بينما يقسم النفوذ الثقافي الإيراني البلاد بين الشيعة الأغلبية التي تقطن خاصة وسط وجنوب البلاد والسكان السنة في الشمال الغربي وخاصة في محافظة الأنبار.
وبينما يبدو أن إيران وإسرائيل تريدان تجنب التصعيد، لا يستبعد المعهد استهداف الاحتلال لوكلاء طهران في العراق بغاية استعادة قوة الردع التي فقدها في السابع من أكتوبر.
لذلك يستنتج أن بلاد الرافدين “قد تتحول إلى ساحة مواجهة بين المليشيات المتحالفة مع إيران، والجماعات المناهضة لها والمدعومة من أميركا وإسرائيل وقد تتأجج الاحتكاكات أكثر في ظل الخلافات بين السنة والشيعة”، على حد تعبيره.

تركيا كذلك فاعل إضافي منخرط في البلاد وتشن عمليات عسكرية في شمال البلاد ضد حزب العمال الكردستاني ولديها خلاف على المياه مع العراق بشأن بناء السدود على نهري دجلة والفرات، وفق المعهد.
إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت تغييرا مهما نحو الانفراج بعد سنوات من الخلافات والاشتباكات الحدودية بين القوات المسلحة العراقية والتركية.
وكان البلدان قد وقعا في أبريل 2024 خلال زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد نحو 26 اتفاقية في مجالات مُتعددة أمنية وسياسية وتنموية، كالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومشروع طريق التنمية، وقضايا لها علاقة بالمياه خاصة السدود التركية على نهر الفرات وبتصدير النفط.
إلا أن المعهد الايطالي يشير إلى احتمال أن تستخدم أنقرة هذا الانفراج في العلاقات لتوسيع دائرة نفوذها في شمال العراق مستفيدة من تحالفها مع إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي والتركمان الذين يسكنون سهل نينوى.
لذلك يستنتج أن التوازن يبدو هشا وقد يتصادم النفوذ الإيراني والتركي في المستقبل مما يعيد شمال البلاد إلى سيناريو الفوضى الذي تخشاه بغداد أكثر.
وتابع أن "السعودية تعد جارة أخرى غير مريحة لبغداد لا سيما وأنها مثلت مسرحاً للصراع بين طهران والرياض التي تمارس نفوذاً كبيراً على السنة في جنوب غرب البلاد".
ولفت إلى أن هذا النهج تغير منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة وتحقق معه انفراج في العلاقات مع العراق مصحوبا باستثمارات ضخمة في البنية التحتية.
نتائج عكسية
طرف آخر مهتم بالوضع في العراق هو الولايات المتحدة التي شرعت من خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في فك الارتباط للتركيز على المحيط الهادئ.
ويفترض المعهد الإيطالي أن تفاقم الأوضاع في المنطقة نتيجة العدوان على غزة وكذلك التصعيد بين إيران وإسرائيل قد لا يسمحان لواشنطن بفك الارتباط والانسحاب التام.
وقال إن الحكومة العراقية مطالبة بالرد على ضغوط طهران ووكلائها الذين يشاركون في عملية صنع القرار في المؤسسات العراقية.
وحذر من أن عملية إدراج هذه المليشيات في المؤسسات قد تأتي بنتائج عكسية على السوداني ما قد يجعله مرتبطا بإيران بشكل كبير ويضيق مجال المناورة لديه خاصة فيما يتعلق بحليفه الأميركي.
والخلاصة هي أن “العراق يعيش وضعا دقيقا ويواجه توازنا هشا للغاية في ظل هذه العلاقات مع هذه الأطراف، بالإضافة إلى انتشار مليشيات وجماعات في المنطقة بعضها مرتبط بإيران وكذلك تنظيم الدولة والجماعات المناهضة لإيران”.
وألمح إلى إمكانية أن تدفع التوترات بين إسرائيل وإيران وكذلك النفوذ الإيراني المتزايد داخل المؤسسات، فضلا عن الدعم الشعبي القوي للقضية الفلسطينية، كلها السوداني إلى اتخاذ قرار ما.
وقال إن الخروج من وضعية الغموض الإستراتيجي والانحياز رسميا إلى إيران" من شأنه أن يعيد البلاد إلى دوامة الصراع الداخلي بين من يدافع عن النفوذ الإيراني ومن يخشاه.
وقد يبحث السنة عن الحماية من السعودية وقد يفعل السكان التركمان في الشمال الشيء نفسه مع تركيا، وكل هذا سيؤدي إلى زعزعة استقرار العراق مجددا وزيادة تفككه، يختم المعهد الإيطالي.