بعد خفض واشنطن وارادتها من نفط العراق.. كيف تأثر اقتصاد بغداد؟
صادرات العراق من النفط ومشتقاته إلى أميركا في أبريل بلغت 10.512 ملايين برميل
في ثاني ضربة تتعرض لها صادرات النفط العراقي خلال عامين متتاليين، اتجهت الولايات المتحدة إلى خفض استيراد النفط الثقيل من بغداد واستبدال النفط الكندي به، وذلك بعد مرور أكثر من عام على توقف التدفقات النفطية عبر الأنبوب الواصل إلى ميناء جيهان التركي.
ومن بين الدول العربية المصدرّة للنفط، يأتي العراق في المرتبة الثانية بعد السعودية بحجم الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي بلغت 4.89 ملايين برميل، بقيمة إجمالية بلغت 370.2 مليار دولار خلال الشهر الأول فقط من عام 2024.
بديل أرخص
وفي خطوة لم تحصل منذ عام 2003، قررت الولايات المتحدة الاتجاه إلى خفض استيراد النفط العراقي الثقيل واستبدال الكندي به، بعدما كانت تستورد من البصرة 76 ألف برميل يوميا وتنوي تقليل الكمية إلى 3 آلاف فقط يوميا، حسبما أكدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وأفادت الوكالة خلال تقرير لها في 24 يونيو/ حزيران 2024، أن "مصافي الساحل الغربي للولايات المتحدة تستبدل وارداتها من النفط العراقي الثقيل بنفط أرخص من كندا، حيث يعمل خط أنابيب ترانس ماونتن الموسع حديثا على تعديل التدفقات التجارية عبر المحيط الهادئ".
وأضافت أنه "من المقرر أن تستورد كاليفورنيا وواشنطن حوالي 150 ألف برميل يوميا من الخام الكندي عن طريق الناقلات، وهذا يعني زيادة سبعة أضعاف عن متوسط الكميات".
وأشارت الوكالة الأميركية إلى أنه "من المتوقع أن تنخفض واردات الولايات المتحدة من نفط خام البصرة الثقيل العراقي إلى 3587 برميلا يوميا فقط من 76 ألف برميل".
وفي الأول من يوليو/تموز 2024، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن العراق صدّر من النفط الخام ومشتقاته إلى الولايات المتحدة أكثر من 10 ملايين برميل خلال شهر أبريل/نيسان من العام الجاري.
وأظهر جدول للإدارة، أن صادرات العراق من النفط ومشتقاته إلى الولايات المتحدة الأميركية في شهر أبريل بلغت 10.512 ملايين برميل، مرتفعة بمقدار 3.437 ملايين برميل عما سجلته في مارس الماضي والذي بلغت فيه 7.075 ملايين برميل.
وتلعب علاقات التجارة النفطية بين العراق والولايات المتحدة دورا مهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إضافة إلى أنها تسهم في تعزيز استقرار السوق النفطية العالمية وتوفير الطاقة للاقتصادات الأميركية.
يحل العراق خامسا بإنتاجه 4.27 ملايين برميل يوميا، وفق بيانات أوبك، وهو ثاني أكبر منتج ضمن المنظمة بعد السعودية. وباحتياطات مؤكدة تبلغ 145 مليار برميل، ويتمتع بالقدرة على زيادة الإنتاج بشكل أكبر، لكنه مقيد بالبنية التحتية وعقبات في التصدير.
تحدٍّ كبير
وبخصوص مدى انعكاس خفض الصادرات النفطية لأميركا على العراق، رأى الباحث العراقي في الشؤون الاقتصادية، رعد ثامر أن "النفط العراقي كان يصل إلى الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، رغم كل التوترات الجيوسياسية، وبالتالي التخفيض ليس له بعد سياسي، وإنما اقتصادي".
وأوضح الباحث أن "التخفيض جاء وفق خطة مسبقة، وذلك لأن خام العراق المتوسط- وبسبب كلفة النقل العالية- أسعاره أعلى من النفط الكندي، الأمر الآخر، هو الحامضية المرتفعة للنفط العراقي، وهذا يضيف كلفا أعلى في التعامل معه داخل مصافي الولايات المتحدة".
وبناء على ذلك، يرى ثامر، أن "صادرات نفط كندا إلى الولايات المتحدة زادت على حساب النفط العراقي، خصوصا بعد التوسعة في الأنبوب الكندي (ترانس ماونتن)، وبذلك رفعت الأخيرة من طاقاتها الإنتاجية بنحو ثلاثة أضعاف، والتي يمكن تصديرها إلى المصافي الأميركية".
وتوقع الباحث أن "تسيطر روسيا في المستقبل القريب على سوق الطاقة الآسيوي من خلال تصدير الغاز والنفط، خصوصا أن الصين والهند من أكبر المشترين منها، وبالتالي يعد هذا تحديا كبيرا للعراق للبحث عن أسواق جديده لنفطه غربا، لكن يمكن أن يساعد أنبوب (البصرة- العقبة) في ذلك".
وأشار إلى أن "المصافي الهندية استطاعت أن تحقق الاكتفاء، وهناك حصص للأخيرة يجب استيرادها من السعودية والخليج حسب اتفاقات سياسية، لذلك تحول فائض النفط الروسي إلى عمليات تحايل تجرى في عرض البحر أو من خلال موانئ دول أخرى".
وفي 30 يونيو، أصدرت ما يسمى "تنسيقية المقاومة العراقية" (مجموعة مليشيات موالية لإيران) بيانا، شددت فيه على ضرورة "اتخاذ مواقف حازمة تجاه دول التطبيع لا أن تُدعم بنفط العراق وأمواله"، في إشارة منها إلى الأردن.
وتابعت: "ولعل خط أنبوب نفط العقبة- البصرة الذي يستنزف العراق بمبالغ طائلة دون جدوى اقتصادية للبلاد، يعد نقطة البداية لإدخال العراق إلى مشروع خبيث يمهد للتطبيع مع الكيان (الإسرائيلي)".
وفي 17 أبريل، نقل موقع "الاقتصاد نيوز" العراقي، عن سوزان بيل محللة شركة "ريستاد إنرجي" (مختصة بأبحاث الطاقة)، أن "مصافي الساحل الغربي للولايات المتحدة التي تعتمد على خام البصرة الثقيل وغيره من خام الشرق الأوسط سيكون لديها أسباب للتحول إلى النفط الكندي، لانخفاض سعره وقرب موقعه".
وأضافت: "كما ستسمح ترانس ماونتن أيضا بشحن المزيد من النفط الكندي عبر المحيط الهادئ إلى آسيا، حيث يتم بيع معظم النفط الثقيل من خام البصرة، مما قد يفرض ضغوطا قد تتسبب بهبوط الأسعار".
وأشارت إلى أن "خط أنابيب ترانس ماونتن قد يغير الأسعار الناجمة عن فوارق البعد الجغرافي لنفط البصرة الثقيل، مثل العلاوة التي تبلغ نحو دولارين للبرميل من نفس النوع، والذي يباع في سنغافورة قبالة ساحل الخليج الأميركي".
وأردفت المحللة، قائلة: "وقد تتقلص هذه العلاوة مع سعي مصافي ساحل الخليج الأميركي للحصول على المزيد من خام البصرة الثقيل ليحل محل النفط الكندي الذي تسمح ترانس ماونتن بتدفقه إلى آسيا وكذلك الخام المكسيكي الذي تخفض الحكومة هناك صادراته".
اقتصاد ريعي
وفي السياق ذاته، قال الخبير النفطي العراقي كوفند شيرواني، في حديث لصحيفة "العالم الجديد" في 1 يوليو، إنه "من الطبيعي لمستهلكي النفط أن يبحثوا دائما عن سعر رخيص، لا سيما بعد الارتفاع الكبير بالأسعار، وبالتأكيد الأسواق الأميركية بدأت تبحث عن أسعار أرخص كأن يكون الخام الكندي".
وأضاف: "كما أن وصوله (الخام الكندي) للسوق الأميركي أسهل، مقارنة بالنفط العراقي الذي بات وصوله للأسواق الأوروبية والأميركية صعب بسبب عدم الاستقرار والظروف الأمنية في البحر الأحمر والهجمات المستمرة على الشحنات التجارية والنفطية التي تتجه إلى أسواق الغرب".
ولفت إلى أن "الكميات التي كانت ترسل للأسواق الأميركية ليست بالكبيرة ويمكن تعويضها بسهولة في الأسواق الآسيوية التي كانت هي دائما الأسواق المفضلة للنفط العراقي، لكن مع توقف المنفذ الشمالي عبر ميناء جيهان التركي والذي كان يعد منفذا آمنا للأسواق الأوروبية كافة".
وبيّن شيرواني أن "خط جيهان التركي كان ممكنا توسيعه من 400 ألف إلى حدود 900 ألف برميل يوميا، لولا توقفه، لكان يمكن أن يغذي الأسواق الأوروبية ويعوض النقص الناجم عن تراجع إيرادات الغاز والنفط الروسي إلى أوروبا الغربية".
وأكد الخبير أن "الاقتصاد العراقي مشكلته أنه اقتصاد ريعي ويعتمد بنسبة كبيرة- تتجاوز 93 بالمئة- على النفط، وهذه نسبة عالية تعني أنه الإيرادات الأخرى لا تتجاوز 13 بالمئة، لكن الأمر الجيد أنه في قانون الموازنة (2024) ثبت سعر النفط بما يوازي 70 دولارا للبرميل، والآن يباع بما يزيد عن 80 دولارا".
وتوقف تدفق النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، بعد قرار صدر عن هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، في 24 مارس/ آذار 2023، بالقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن تمرير الأخيرة صادرات نفط إقليم كردستان، عبر جيهان دون موافقة بغداد.
وتسبب إغلاق طريق تصدير النفط الشمالي عبر تركيا في خسائر اقتصادية كبيرة، فبحسب وزارة النفط العراقية، فقد أدى التوقف إلى خسارة تقدر بما يتراوح بين 11 و12 مليار دولار حتى عام 2024.
وبحسب قول شيرواني، فإن "الحكومة العراقية الآن تسعى إلى معالجة الخلل الكبير في هيكلية الاقتصاد، والذي يعتمد على النفط عن طريق تنشيط المفاصل الأخرى كالزراعة والصناعة والتجارة والسياحة".
ولفت إلى أن "الحكومة تطمح إلى تقليل الاعتماد على النفط، لكن هذا يحتاج إلى خطط وبرامج ودعم القطاعات الأخرى التي تراجعت للأسف خلال السنوات الـ20 الماضية وأصبح البلد مستوردا ومستهلكا لأغلب السلع الغذائية والزراعية، وكذلك يستورد العديد من الصناعات حتى البسيطة منها".
المصادر
- أمريكا تستورد نفطا من 4 دول عربية "بينها العراق" بـ 1.2 مليار دولار في شهر
- هل يؤثر خفض استيراد واشنطن من النفط العراقي على واردات بغداد؟
- "تنسيقية المقاومة العراقية" تجتمع إثر تهديدات إسرائيلية أمريكية بشن حرب شاملة على لبنان
- بعد عام من توقفه.. ما مصير خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا؟
- تصدير النفط العراقي عبر تركيا.. ما حجم الخسائر جراء التوقف؟
- الولايات المتحدة تتجه لخفض استيراد النفط العراقي
- صحيفة بلومبيرغ تفصل.. كيف سيؤثر خط أنابيب "ترانس ماونتن" الكندي على نفط البصرة؟
- العراق يصدر أكثر من 10 ملايين برميل نفط ومشتقاته لأمريكا خلال شهر