متهمة بجرائم حرب.. لماذا تستضيف السعودية والإمارات "تاليس" الفرنسية الدفاعية؟

12388 | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تعيد شركة "تاليس" الفرنسية للصناعات الدفاعية  تموضع كبار المسؤولين التنفيذيين لها في منطقة الخليج لتعزيز العلاقات مع الرياض وأبوظبي، وذلك مواكبة للتأسيس الرسمي لمقرها الإقليمي بالسعودية في مايو/أيار 2023.

تاليس التي عقدت مع العديد من الأنظمة العربية صفقات سلاح وأمدتهم برادارات وتقنيات مراقبة مثل "مصر والعراق"، تعمل على تجهيز الإدارة لتعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط، تحديدا العواصم الخليجية.

النجم الصاعد 

وفي 25 سبتمبر/أيلول 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، تقريرا كشف عن تفاصيل متعلقة بإجراءات تاليس الجديدة تجاه الخليج. 

وذكرت أن "برنار رو" يستعد أخيرا للانتقال من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة تاليس في أبوظبي ليحل محل "باسكال ليسولنييه" كرئيس لمكتبها في السعودية، وهو المنصب الذي شغله الأخير منذ عام 2017. 

ووصفت المجلة الفرنسية "رو" بالنجم الصاعد شديد الأهمية في تاليس، خاصة أنه عمل سابقا في مكاتبها بالصين وباكستان، وشارك بتسليم 80 طائرة رافال إلى الإمارات في ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وتلك الطائرات تحديدا كان لها مواصفات خاصة، حيث زودتها تاليس بمجموعة الحرب الإلكترونية "Spectra". 

وأوردت "إنتيليجنس أونلاين" أن بديل "رو" في أبوظبي، سيكون عبد الحفيظ مردي، المدير السابق لمكاتب "تاليس" في عمان والعراق والأردن، والذي قاد أنشطة الشركة للدفاع الجوي في بغداد.

وعقبت أن ترقية هذين المديرين التنفيذيين جاءت في وقت تتطلع فيه الشركة الفرنسية إلى تعزيز علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات، فهما من أكبر عملائها في الشرق الأوسط. 

وإلى جانب ذلك، يعزز العميلان المذكوران من اهتمام الشركة الفرنسية بأمن الحدود والمراقبة الجوية وزيادة عقود شبكات الاتصالات، حيث تريد تاليس تأسيس وجود محلي دائم لها في تلك المنطقة. 

كيان ابن سلمان

لذلك فإنه بالإضافة إلى بناء مقرها الإقليمي في الرياض، والذي يعد عمليا خطوة مطلوبة من شركات الدفاع الأجنبية التي تأمل في تنفيذ أعمال تجارية في السعودية، سيشرف "رو" على المشروع المشترك "سامي– تاليس للأنظمة الإلكترونية". 

وهي شراكة تأسست عام 2020 بين تاليس والشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، الكيان الذي أنشأه ولي العهد محمد بن سلمان لإدارة صفقات نقل التكنولوجيا مع شركات الدفاع الأجنبية. 

وتتطلع الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) إلى إنتاج بعض العتاد الذي يباع إلى الرياض محليا بما يتماشى مع إستراتيجية محمد بن سلمان الاقتصادية لرؤية 2030 للمملكة، ولقواتها المسلحة، وللتصدير إلى دول أخرى.

لكن هذا المشروع المشترك اتسم بالبطء الشديد في تحويل مذكرات التفاهم إلى مشاريع ملموسة، بحسب ما أورده تقرير نشره موقع "بوليتيكال" الإسباني في 27 سبتمبر 2023.

 وذكر كذلك أنه جرت مناقشات جدية بين "باتريس كين"الرئيس التنفيذي لشركة تاليس، و"وليد أبو خالد" من الشركة السعودية للصناعات العسكرية لإنتاج رادار تاليس جي إم 60 محليا.

وذلك بالتزامن مع تخطيط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة السعودية، بغرض منع شراء الأخيرة  مقاتلة تايفون الجديدة من ألمانيا.

وعوضا عن ذلك، سيكون ماكرون وسيطا لتاليس لإنجاز محاولات الدخول في مناقشات ثنائية لعرض المزيد من طائرات رافال الفرنسية على السعودية.

خطط أبو ظبي

وفي 18 مارس/آذار 2023، كشف موقع "الأمن والدفاع" العربي، أن تاليس تستهدف بيع طائرات رافال إلى بغداد.

وهي العملية التي تابعها عبد الحفيظ مردي الرئيس التنفيذي للشركة في أبو ظبي، والذي يشغل أيضا منصب الرئيس التنفيذي لشركة تاليس إمارات تكنولوجيز.

وهذه الأخيرة جزء من برنامج "المقاصة" الذي أنشأته مجموعة توازن الإماراتية مع تاليس، بوصفها الهيئة الإماراتية المسؤولة عن المشتريات الدفاعية.

وقد حصلت تاليس على المزيد من العقود المدنية في الإمارات خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك لافتات خدمة مترو أنفاق دبي، ونظام التذاكر والاتصالات.

هذا إضافة إلى البنية التحتية الأمنية في مطار دبي الدولي، وأنظمة الحرب الإلكترونية لسفن البحرية الإماراتية. 

وبالنسبة للإمارات، يعد نقل التكنولوجيا وإمكانية التصدير إلى الأسواق المحلية من ضمن الأهداف النهائية.

ومن هنا جاءت المفاوضات المكثفة في وقت سابق من العام 2023، مع توازن بشأن ترتيبات بيع رافال.

يذكر أن مردي رئيس تاليس في أبوظبي يتمتع بخبرة في المفاوضات الصعبة مع عملائه العراقيين. 

وهو الذي أشرف على بيع تاليس لنظام C4I (القيادة والتحكم والحاسب والاستخبارات) المجهز برادار GM200 إلى بغداد في 13 أغسطس/ آب 2023.

كما سبق أن أسهم في تزويد العراق أيضا برادار GM400 عام 2020. وواجهت الصفقة آنذاك صعوبات مع الحكومة الأميركية، التي أعادت توجيه خط الائتمان لعقد صيانة طائرة لوكهيد مارتن F 16 العراقية. 

وتوصلت حينها السفارة الفرنسية وتاليس إلى اتفاق مالي مباشر مع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، وتمت الصفقة.

جرائم حرب 

تلك الاستراتيجية التوسعية دفعت "تاليس" إلى تنمية مواردها البشرية بقوة للانخراط في صفقات جديدة مع العملاء.

وفي 23 فبراير/شباط 2023، أعلن الرئيس التنفيذي للمجموعة، باتريس كين في مقابلة مع صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" المحلية، أن الشركة تخطط لإضافة 12 ألف وظيفة جديدة هذا العام في ظل وجود طلب قوي على مختلف منتجاتها.

وأوضح أن الشركة وظفت خلال السنوات الثماني الماضية ما يتراوح بين 5 آلاف إلى 8 آلاف فرد سنويا.

فيما أضافت خلال العام 2022، نحو 11500 وظيفة جديدة، ويقدر إجمالي عدد موظفيها بنحو 80 ألفا، 40 ألفا منهم في فرنسا.

وأشار إلى أن أنشطة الشركة كافة بما في ذلك الدفاع والأمن والطيران والفضاء والهوية والأمن الرقمي تنمو بقوة.

وتاليس هي وريث العملاق الفرنسي "مجموعة طومسون سي إس إف" التي تأسست عام 1968، وكانت من أهم مقاولي صناعة السلاح في فرنسا والعالم. 

وفي 6 ديسمبر 2000 جرى تغيير اسمها إلى "تاليس"، ويقع مقرها الرئيس في ضاحية "نويي سور سين" بباريس.

وتورطت الشركة في جرائم حرب متعددة بعدة مناطق من العالم، خاصة الشرق الأوسط. 

وفي 2 يونيو/حزيران 2022، رفعت ثلاث منظمات غير حكومية دعوى قضائية أمام محكمة في باريس ضد شركات فرنسية كبرى لإنتاج الأسلحة، على رأسها تاليس. 

وجاء ذلك بسبب ما قالت إنه تواطؤ في جرائم حرب باليمن بعد بيع أسلحة للسعودية والإمارات، استخدمت على نطاق واسع في استهداف المدنيين.

والدعوى رفعتها عدة منظمات، هي المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومواطنة لحقوق الإنسان وشيربا إنترناشونال.

وفي مطلع يناير/كانون الثاني 2023، وصفت منظمة العفو الدولية "أمنستي" نشاط شركة تاليس بـ "غير المسؤول" خاصة أنها نقلت أسلحة بكميات كبيرة إلى الرياض وأبوظبي، تم استخدامها في جرائم الحرب الواقعة باليمن على يد التحالف الذي قادته السعودية منذ عام 2015. 

 

بيانات المصريين 

لم يقف نشاط "تاليس" عند هذا الحد، ففي 25 نوفمبر 2021، كشف موقع "سيرفيلانس ديسكلوز" الفرنسي، عن تسريبات تتصل بالعلاقات العسكرية الاستخباراتية بين باريس والقاهرة.

وأعلن أن نظاما سيبرانيا ضخما للمراقبة أقامته 3 شركات فرنسية بموافقة من السلطات الفرنسية ساعد النظام المصري في أعمال القمع غير المسبوقة للمجتمع.

وأوردت أن نظام عبد الفتاح السيسي يعتقل ما يقرب من 65 ألف شخص، وتسبب في إخفاء 3 آلاف آخرين.

وأوضح الموقع أن الشركات الثلاث هي "نيكسا تكنولوجيز"، و"إيكروم سنريز" التابعة لشركة تاليس، والثالثة هي "داسو سيستيم"، الفرع التكنولوجي لشركة صناعة الأسلحة الفرنسية للوزن الثقيل والمصنع لطائرة رافال.

لكن المثير في كشف موقع "سيرفيلانس ديسكلوز"، أن السيسي اعتمد على حليفين مهمين، هما دولة الإمارات وفرنسا.

وأشار إلى أن الإمارات وضعت حوالي 168 مليون دولار على الطاولة في عام 2013 لتزويد السيسي بالعنصر المفقود لترسانته القمعية وهو التجسس الرقمي.

أما فرنسا، فقد قدمت شركاتها ومنها تاليس لإمداد السيسي بالتكنولوجيا المطلوبة، التي استخدمها في قمع معارضيه.