مع اقتراب التطبيع بين السعودية وإسرائيل.. لماذا يتخوف النظام المصري؟
في مقابلة أجراها مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 21 سبتمبر/ أيلول 2023، تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن كل شيء يخص المملكة داخليا وخارجيا.
لكن أخطر ما تناوله اللقاء، وفق مراقبين، العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، حيث أكد ابن سلمان أن بلاده تقترب كل يوم أكثر من تطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني.
بعدها عقب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لأول مرة على اتفاق تطبيع العلاقات بين الاحتلال والسعودية، مشددا على ضرورة أخذ القضية الفلسطينية في الحسبان.
وقال تصريح حمل كثيرا من الدلالات إن "أفضل صفقة هي تلك التي يخرج فيها الجميع من طاولة المفاوضات وهم غير راضين قليلا"، لافتا إلى "عمل عمان بجانب القاهرة للتوصل إلى اتفاق ناجح" يتطرق إلى حقوق الفلسطينيين.
وهو ما عد أن لدى مصر والأردن تحفظات على الأقل على طريقة وسياقات التطبيع السعودي مع الاحتلال الإسرائيلي.
تصريحات ملك الأردن، ذكرت كثيرين بتأكيد مركز "مالكوم كير كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط أن التطبيع السعودي يزيد من تهميش مصر جيوسياسيا.
إذ قال في ورقة بحثية في 14 يونيو/ حزيران 2023، إن "اعتماد مصر المتزايد على التمويل الخارجي أدى إلى تهميشهما على مستوى الاقتصاد العالمي وفي المشهد الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وأضاف: "تراجعت أهمية مصر الجيواستراتيجية كوسيط محتمل بين العالم العربي وإسرائيل، وقد كان هذا الدور حجر الأساس في علاقات القاهرة مع واشنطن بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت في العام 1979".
واستدرك المركز قائلا: "لكن اليوم، وبفضل ما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، باتت دولتان في مجلس التعاون الخليجي، هما الإمارات والبحرين، تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلى جانب المغرب والسودان، ما أنهى احتكار مصر والأردن للعلاقات مع إسرائيل".
ومضى يقول: "لهذا السبب ربما تحفظت مصر ضمنيا على التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، من خلال تركيزها على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وليس فقط مع الدول العربية".
مفارقات تاريخية
وبالعودة إلى التاريخ لمعرفة المفارقات بين الماضي والوقت الراهن، فإنه في 26 مارس/ آذار 1979 وتحديدا في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة، وتحت إشراف الرئيس الأميركي جيمي كارتر، اكتملت حلقات التطبيع بين القاهرة وتل أبيب بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وقبل ذلك في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وقف الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات، تحت قبة مجلس الشعب في القاهرة، وألقى خطابه الشهير الذي قال فيه "إنه مستعد أن يذهب إلى آخر العالم سعيا وراء السلام".
وراح إلى أبعد من ذلك عندما أعلن بقوة "وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم، إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته".
وجاء يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، الذي لم ينسه العرب طويلا، إذ وصل السادات إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، ليكون أول رئيس عربي يقوم بزيارة إلى إسرائيل، ويبدأ معها عهود التطبيع.
وبذلك الحدث ذهب التضامن العربي الذي تحقق في حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، أدراج الرياح، وقاطعت الدول العربية (بما فيها السعودية) مصر، وانتقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
عم الغضب الشعبي أرجاء الوطن العربي والإسلامي، أما السادات الذي وصف نفسه ببطل الحرب والسلام، قال: "مضت السنين العجاف، لأننا عرفنا طريق السلام، مضت كل المعاناة".
واليوم بعد أكثر من 4 عقود يبقى السؤال بعد أن تخلت الأنظمة العربية بموقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتبدلت العهود والمواثيق واختلت الثوابت.
لماذا يقلق نظام مثل النظام المصري الذي كان أول المطبعين، من خطوات التطبيع العربية خاصة السعودية؟
تحولات كبيرة
من جانبها رأت صحيفة "العرب" القطرية، في 15 أغسطس/ آب 2023، أن توسع إسرائيل في ملف التطبيع مع السعودية يثير مخاوف مصر والأردن وفلسطين.
وأضافت أن التطبيع سوف يحدث تحولات كبيرة في إدارة الصراع وطبيعة الأدوار التي يقوم بها كل طرف.
وذكرت الصحيفة أن التطبيع السعودي الإسرائيلي، يهدد مركزية الدول الثلاث في التعامل مع إسرائيل.
وأوضحت أن هذه الأطراف تتحسب كثيرا للتوازنات الناجمة عن هذه الخطوة وروافدها المتعددة.
وبالنسبة لمصر فإن التطبيع السعودي لا يقل عن التطبيع الإماراتي البحريني، بل ربما يزيد، وفق الصحيفة القطرية.
ومضت تقول: وذلك لانخراط الرياض في مشاريع إقليمية ودولية عن طريق تطبيعها المنتظر، منها ما يؤدي إلى تضرر مصر بشكل مباشر.
وهو ما تحقق بالفعل، إذ، أُعلن في 9 سبتمبر 2023 عن اتفاق إنشاء ممر أو خط نقل بحري بري للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.
وهو الذي عرف إعلاميا بـ "ممر القارات"، وقد أثار جدلا واسعا في مصر بشأن تهديده لقناة السويس.
وجرى التوقيع على الاتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، خلال قمة العشرين في نيودلهي بالهند.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المشروع بأنه "لحظة تاريخية لإسرائيل، ويجعلها في مفصل حركة التجارة الدولية، وأنه سيعيد صياغة العلاقات في المنطقة".
أما الرسوم المسربة للمشروع فأظهرت أنه سينطلق من الهند إلى الإمارات عبر بحر العرب، ثم منها إلى السعودية.
حيث تمر بأراضيها أطول مسافة برية في قلب شبه الجزيرة العربية، ثم إلى الأردن، ومنه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم إلى البحر المتوسط عبر موانئها.
نهاية مرحلة
وتعليقا على المشهد، يقول الباحث السياسي المصري أحمد راضي، إن "التطبيع السعودي جاء بمثابة النقطة الأخيرة التي ستنهي أدوارا معينة لقوى إقليمية كمصر والأردن ظلت تلعب لفترة طويلة كمتعهدة بكل جوانب القضية الفلسطينية، وكوسيط بين الاحتلال والدول العربية".
وأضاف لـ"الاستقلال": "رغم أن السعودية قدمت تطبيعا مجانيا لإسرائيل، كرغبة من محمد بن سلمان، لمحاولة إقرار زعامته للمنطقة، وإعلان نفسه أقوى حاكم عربي، لكن في الوقت نفسه غير مفهوم التطبيع على الطريقة القديمة".
وشرح راضي ذلك بالقول: "فمصر التي حضرت في كامب ديفيد وأوسلو لم تعد هي مصر الحاضرة الآن بعد الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وكذلك عندما تعلن الرياض تطبيعها".
لكنه استدرك قائلا: "ومع ذلك ستظل مصر مهمة للغاية ولا يجب الاستهانة بدورها نظرا لمجموعة من العوامل، على رأسها عامل الجغرافيا، ولارتباطها بأصعب وأخطر نقطة حدودية مع الاحتلال، حيث معبر رفح وقطاع غزة المحاصر".
وأوضح أن "مصر تمتلك أكبر جيش في المنطقة، وأكثر الدول العربية كثافة سكانية، ولديها آلة إعلامية قوية، فحتى وإن دخلت في طور ضعف واضمحلال، فهي مؤثرة وقادرة على تغيير المعادلة إذا ما حضرت".
ومضى الباحث المصري يقول: "مثلا بعد الربيع العربي في 2011، وصعود الإخوان المسلمين إلى الحكم، ضاعفت دولة الاحتلال ميزانيتها الدفاعية، ولا ننسى وقتها دور القاهرة في وقف الحرب على غزة عام 2012، عندما ذهب رئيس الوزراء هشام قنديل إلى القطاع خلال العدوان الإسرائيلي".
وأضاف: "لذلك ستظل القاهرة رقما صعبا، لكن ليس كما السابق، وهذا ما يقلق الجنرالات في مصر، لأنه كان جزءا من قوتهم وهيمنتهم طوال الوقت، وعلى كامب ديفيد أسست قواعد السياسة الخارجية المصرية لأربعة عقود كاملة، كانت هي التي تقود دفة المفاوضات والمباحثات، أما حاليا فالوضع تغير بلا شك".
المصادر
- ولي العهد السعودي عن التطبيع مع إسرائيل: كل يوم نقترب أكثر
- هل ينذر ارتفاع الديون بالمزيد من التهميش الجيوسياسي لمصر؟
- قمة العلمين: غياب موقف من التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا يبدّد القلق
- شاهد: قمة ثلاثية تجمع السيسي وعباس وملك الأردن في مصر لمناقشة التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية
- مخاوف مصرية من تأثير “ممر القارات” على إيرادات قناة السويس.. وخبير اقتصادي: محاولة حصار وتمرير للتطبيع السعودي مع إسرائيل