قلق روسي واحتفاء أوكراني.. ما حقيقة أنباء مرض ووفاة رمضان قديروف؟

12

طباعة

مشاركة

أثير الكثير من التكهنات أخيرا بشأن الحالة الصحية لرئيس الشيشان الموالي لروسيا "رمضان قديروف" (46 عاما)، والذي يعد اليوم أحد أبرز أعداء أوكرانيا.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2023 أكدت المخابرات الأوكرانية أن "رمضان قديروف" سقط في غيبوبة، وتدهورت صحته، وأُدخل إلى المستشفى في حالة خطرة، وسط أنباء عن وفاته.

ونقل موقع "ديلي بيست" الأميركي في 15 سبتمبر 2023 عن ممثل فرع المخابرات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف، أن رمضان قديروف في حالة حرجة و"تم تأكيد المعلومات من قبل مصادر مختلفة في الدوائر الطبية والسياسية". 

صحف أميركية وأوروبية أكدت أن قديروف يعاني من مشكلات في الكلى وربما الكبد، ومصادر أخرى قالت إنه تعرض للتسمم من قبل طبيبه الخاص الذي قتل لاحقا.

وزاد قديروف الشائعات حول تدهور حالته الصحية في مارس/آذار 2023 حين، قال لرفاقه إنه ليس مريضا، ولكنه يعاني من انتفاخ على نحو غير عادي، والناس تنسب لي أمراضاً مختلفة مثل مشاكل في الكليتين، وأحيانا في الكبد، وفق قوله.

لكن بعد هذه التكهنات والأنباء، رد رمضان قديروف على شائعات مرضه ووفاته بنشر فيديوهين 17 سبتمبر 2023 ينصح فيهما بالرياضة في الهواء وهو يمشي تحت المطر لكنه ظهر ووجهه منتفخا.

وشكك صحفيون في تاريخ الفيديوهين وقال موقع "فويس أوف أميركا" 17 سبتمبر 2023 إن تاريخ تسجيلهما غير معروف.

أنباء مرض أو وفاة قديروف الذي يلقب بأنه "كلب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين"، أثارت تساؤلات حول تداعيات غيابه عن المشهد السياسي والحربي وهل يؤثر على روسيا وحربها في أوكرانيا؟

و"قديروف" أحد أكثر المؤيدين حماسا لعدوان روسيا على أوكرانيا، أرسل كتائب شيشانية للقتال هناك إلى جانب القوات الروسية النظامية ويصف نفسه دوما بأنه "جندي مشاة لبوتين"

ويحكم قديروف، الذي انتخب رئيسا عام 2007، الشيشان ذات الأغلبية المسلمة بأدوات حكم قمعية وقتل وتعذيب، ويطارد معارضيه، الذين هرب الكثير منهم للخارج، وشكلوا جبهات معارضة ضده.

قصة المرض

انتشرت الشائعات حول صحة قديروف منذ أشهر، في الشيشان أولا ثم في أوساط معارضيه في الخارج،.

وبدأت مخابرات أوكرانيا والغرب تهتم بها بشدة ويرجح بعضها أنه مات بالفعل أو يظهر في فيديوهات دعائية بينما هو في مستشفى في موسكو.

في 3 مارس 2023، قالت صحيفة "بيلد" الألمانية إن قديروف "اكتسب وزنا كبيرا في الأشهر الأخيرة، ويبدو منتفخا جدا، ولم يعد قادرا في كثير من الأحيان على فتح عينيه"، متسائلة عما يحدث لـ "الديكتاتور الشيشاني"؟

ونقلت "بيلد" عن نائب رئيس وزراء الشيشان السابق أحمد زكاييف المقيم بالخارج، أن قديروف يعاني من مرض خطير في الكلى، وأن هذه المشكلة تفسر جسده المنتفخ.

ورجحت الصحيفة الألمانية أن يكون ظهور قديروف في فيديوهات وهو نشيط ورشيق راجع إلى تناوله "المنشطات" من وقت لآخر، مؤكدة أن "الرجل الشيشاني المجنون مدمن على هذه الأقراص وغيرها".

وأكدت حسابات أوكرانية نقلا عن "قناة جمهورية إيشكيريا الشيشانية TG" أن رمضان قديروف، مدمن مخدرات، وأنه جرى نقله للعلاج في موسكو من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، لهذا اختفى فترة عن الأنظار وظهر في نزهة بملابس النوم.

مجلة "نيوزويك" الأميركية أشارت لاحقا في 17 سبتمبر إلى أن حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مريض بشدة.

ونقلت عن صحيفة "أوبوزوريفاتيل" الأوكرانية أن "قديروف دخل في غيبوبة، ونقل جوا إلى موسكو لتلقي العلاج وأنه خضع لعملية زرع كلى، وكان في حالة حرجة".

ثم أكدت صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية 16 سبتمبر 2023 أن قديروف تعرض لمحاولة "تسميم" من جانب "سليمانوف"، نائب رئيس وزراء الشيشان السابق والطبيب الشخصي له. وزعمت أن زعيم هذا البلد دفن طبيبه حيا، بعد اكتشاف المحاولة.

نقلت عن قناة التلغرام الروسية VChK-OGPU، أن لديها معلومات داخلية من قوات الأمن الروسية، بأن قديروف دفن طبيبه في 10 سبتمبر 2023 ووصفه بـ "الخائن".

أيضا أكد موقع "b92" في 18 سبتمبر 2023 أنه "ظهرت معلومات غير مؤكدة تفيد بأن قديروف توفي ليلا في المستشفى السريري المركزي التابع لإدارة رئيس الاتحاد الروسي، حسبما ذكرت وكالة ريا نوفوستي".

زاد البلبلة قول الكرملين، لوكالة "رويترز" البريطانية 18 سبتمبر 2023 إنه ليس لديه معلومات عن صحة الزعيم الشيشاني لدى سؤاله عن تقارير وسائل التواصل الاجتماعي التي تفيد بأن الرجل البالغ من العمر 46 عاما ليس بصحة جيدة.

كما لم يرد المتحدثون باسم قديروف على مكالمات هاتفية متكررة للتعليق على تلك التقارير التي قالت إن قديروف يعالج في أحد مستشفيات موسكو.

ماذا يقلق موسكو؟

ما يقلق موسكو وبوتين، أنه بينما حشد رمضان قديروف جنوده ضمن الجيش الروسي لمحاربة أوكرانيا، كان فريق آخر من الشيشانيين يصطف مع أوكرانيا ما جدد جراح الماضي بين مؤيدي روسيا ومعارضيها.

فمنذ نجاح بوتين في احتلال الشيشان عام 2000 وتطويع حكومتها بالقوة وتسليم الحكم للمتعاونين مع روسيا من عائلة قديروف، انقسم أبناء الشيشان بين موالين لموسكو ومعارضين مناهضين لها ولعملائها الحُكام.

أبرز هؤلاء المعارضين الذين تخشى منهم موسكو، هو أحمد زكاييف، قائد الحكومة الشيشانية الانفصالية في المنفى، الذي شكل فرقا تطوعية من الشيشانيين الذين يعيشون في الخارج للقتال إلى جانب الحكومة الأوكرانية لصد الغزو الروسي.

وكان "أحمد كاييف" هو أول من تحدث عن اعتلال صحة قديروف لكن مصادر غربية قالت إنه مصدر غير موثوق بصفته غريمه، ثم عاد الغرب ليصدق تقارير مرض زعيم الشيشان بعدما تحدثت عنها المخابرات الأوكرانية بكثافة.

وقد شاركت بالفعل "فرقة دوداييف" تحت قيادة الجنرال المعارض عيسى منيف في القتال ضد الروس في أوكرانيا عام 2014، ومعها "كتيبة الشيخ منصور"، وعادوا في الحرب الحالية لقتال موسكو مجددا ومواجهة بني جلدتهم من أتباع "قديروف".

وعقب الحرب الدموية التي شنها بوتين على الشيشان منذ عام 1999، وتعيينه أحمد ثم رمضان قديروف، المواليين للكرملين والمتهمين بقمع منتقديهم بلا رحمة، رئيسا للسلطة هناك، فرّ عشرات الآلاف من المقاومين الشيشان للروس إلى أوروبا.

وتستضيف النمسا حوالي 35 ألف شيشاني، يشكلون أكبر جالية هناك، من أصل 250 ألفا موجودين في أوروبا، وتحاول روسيا الضغط لإعادة بعضهم لمحاكمتهم بدعاوى اتهامهم بـ "جرائم إرهابية".

سواء كان رمضان قديروف مريضا بصورة خطيرة، أم مات بفعل أمراض عضوية مثل الكلى والكبد، أم عبر محاولة تسميمه على يد طبيبه، كما قيل، فالمؤكد أن غيابه عن الساحة سيؤثر على قوات روسيا في أوكرانيا لسببين.

الأول، أن هذه القوات الشيشانية مهمتها اقتحام المواقع الأوكرانية أو دور العمليات الخاصة، وهو أصعب دور في الحرب وبسببه تقدمت القوات الروسية.

وربما يفسر غياب عملياتها مع تراجع عمليات مرتزقة فاغنر أخيرا تراجع الروس أمام الأوكرانيين.

وأعلنت أوكرانيا 18 سبتمبر 2023 أن قواتها اقتحمت خط الدفاع الروسي بالقرب من باخموت (شرق)، والألوية 72 و31 و83 التابعة لموسكو "دُمِّرت وفَقدت قدرتها على القتال بالكامل" في المعارك بالقرب من تلك المنطقة.

كما أعلنت استعادتها 7 كيلومترات من الأراضي خلال 7 أيام من القوات الروسية في جنوب وشرق البلاد في إطار الهجوم المضاد الذي تشنّه قوات كييف منذ أشهر.

والسبب الثاني، أن غياب رمضان قديروف ربما يعطي المعارضة الشيشانية والتي اصطدم معها قديروف، زخما جديدا وتحاول فرض وجودها في البلاد.

من يخلفه؟

وأثناء حرب الشيشان الثانية التي اندلعت عام 2000، بالتزامن مع وصول بوتين للحكم، انقسم الشيشانيون إلى فريقين، الأول يمثله رمضان قديروف وضع السلاح واستسلم للنفوذ الروسي، وآخر قرر مواصلة الحرب لنيل استقلاله عن موسكو.

ولم يكتفِ "قديروف" بموالاة روسيا، لكنه تحول إلى أمير حرب ينصاع لأوامر سيد الكرملين، وبدأ في ملاحقة خلايا المقاومة الشيشانية متعهدا باقتلاع "التمرد" من جذوره ومطاردة كل معارض للنفوذ الروسي في الداخل والخارج.

مع مرور الوقت وبفضل الدعم العسكري والاستخباراتي الروسي، أحكم قديروف سيطرته على البلاد وضيق الخناق على المعارضة، التي انتقل أغلبها للخارج، ووجدت فرصتها مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية لقتال بوتين وقديروف معا.

ومقابل قوات قديروف التي تدفقت على أوكرانيا، بدأت كتيبتا "دوادييف" و"الشيخ منصور" الشيشانيتان معاودة القتال ضد الروس والشيشان المعاونين لها كما فعلت في حرب 2014 في دونباس.

وكان تطوع ومشاركة مقاتلين شيشانيين من المعارضة التي تطالب باستقلال الشيشان وترفض موالاة بوتين، لمحاربة قوات روسيا ومعها قوات قديروف أثارت مخاوف من حرب أهلية بين الشيشانيين؟

إذ وجد هؤلاء المتطوعون في الصراع فرصة لتصفية حساباتهم مع روسيا ووكيلها قديروف الذي يحكم البلاد بيد من حديد منذ الحرب الشيشانية الثانية، ويسيطر على الوضع الداخلي الملتهب بين مؤيدي روسيا والقوى الأخرى الداعية للاستقلال.

وعندما التقى الرئيس الروسي في مارس 2023 مع أحمد ابن رمضان قديروف، والبالغ من العمر سبعة عشر عاما، رأى محللون ذلك إشارة إلى انتقال وشيك للسلطة في ظل تقارير مرض الأب، بحسب معهد "كارنيجي" 4 أبريل/نيسان 2023.

لكن تقرير "كارنيجي" أكد أن النخبة الحاكمة في الشيشان لم تتغير، إذ كان ولاؤها لأحمد قديروف الأب ثم ابنه رمضان، لذا يتوقع أن يستمر ولاؤها أيضا لموسكو حال تسليم السلطة للحفيد.

ويقول محللون إن دولة القمع التي أقامها أحمد ورمضان قديروف بدعم من روسيا وبوتين في الشيشان لا تزال قوية ونافذة ومن الصعب تصور أن تنتهي حقبة الولاء لروسيا بغياب الزعيم الحالي، إذ سيخلفه غالبا نجله "أحمد"، وهو مقاتل مثله.

ومن أشهر القادة حول قديروف، والذي يتوقع أن يدعم أحمد ابن رمضان حال رحيل الأخير، يبرز "آبتي علاء الدينوف"، وهو رئيس أركان "مليشيات أحمد" في أوكرانيا وشغل مناصب أمنية وعسكرية مختلفة في وزارة الشؤون الداخلية لجمهورية الشيشان.

وبين عامي 2011 - 2022 كان "الدينوف" نائبا لوزير الداخلية ورئيس الشرطة، ثم أصبح في عام 2022 مساعد رئيس الجمهورية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جرى تعيينه نائبا لقائد العمليات القتالية في فيلق الجيش الثاني لمديرية المليشيات الشعبية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، وحاليا يقاتل داخل أوكرانيا وإقليم دونباس.

ورغم توقع تقرير معهد "كارنيجي" دعم النخبة الحاكمة الشيشانية لأحمد قديروف، فإنه يحذر من أن "الدائرة الداخلية" للرئيس الحالي يحملون ضغائن عديدة ضد بعضهم البعض ويستخدمون الحصانة التي منحها لهم لتصفية الحسابات القديمة.