خالد نزار.. وزير دفاع جزائري سابق تطارده دماء ضحاياه حتى فراش الموت
"جزار الجزائر، مجرم حرب، كاره الإسلاميين"، كل هذه الألقاب تطلق على وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار، الذي وجه له القضاء السويسري لائحة اتهام تشمل تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وموافقته على عمليات تعذيب خلال الحرب الأهلية في التسعينيات.
واندلعت الحرب الأهلية أو العشرية السوداء بالجزائر، في يناير/ كانون الثاني 1992، بعد انقلاب الجيش الجزائري على نتائج الانتخابات البرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول 1991، التي حققت فيها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" فوزا على حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم.
وشن الجيش الجزائري- الذي سيطر على البلاد عام 1992- حملة اعتقالات طالت الآلاف من أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، ما أشعل صداما مسلحا بين جماعات التيار الإسلامي والقوات الأمنية استمر 10 سنوات، وخلف 200 ألف قتيل.
مجرم حرب
رغم عمره الذي ناهز 85 عاما، لم يتردد القضاء السويسري، في إدانة خالد نزار، بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، "بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، ودوره في إنشاء عن علم وتعمّد هياكل تهدف إلى القضاء على المعارضة الإسلامية".
وقالت النيابة العامة الفدرالية في سويسرا خلال بيان لها في 29 أغسطس، إنه "تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين".
وكان نزار قد أوقف خلال زيارة إلى جنيف في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 لاستجوابه من جانب النيابة العامة بناء على شكوى قدّمتها ضدّه منظمة "ترايل إنترناشيونال" غير الحكومية التي تحارب الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، لكن أطلق سراحه بعد ذلك وغادر سويسرا.
وفي عام 2017، طوت النيابة العامة السويسرية الملف على أساس أن الحرب الأهلية الجزائرية لا تشكل "نزاعا مسلحاً داخليا" وأنّ سويسرا لا تملك صلاحية إجراء محاكمات لمتّهمين بارتكاب جرائم حرب محتملة في هذا السياق.
لكنّ المحكمة الجنائية الفدرالية رأت في الطور الاستئنافي عام 2018 أنّ الاشتباكات في الجزائر كانت كثيفة إلى درجة أنّها مشابهة لمفهوم النزاع المسلح على النحو المحدّد في اتفاقيات جنيف والسوابق القضائية الدولية، في قرار ألزم النيابة العامة بإعادة النظر في القضية.
وأورد بيان النيابة أنه بعد الاستماع إلى 24 شخصا، قدمت النيابة العامة لائحة الاتّهام في 28 أغسطس، ثم أحيلت قضية نزّار إلى المحكمة الجنائية الفدرالية على خلفية "انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بالمعنى المقصود في اتفاقيات جنيف بين عامي 1992 و1994 في سياق الحرب الأهلية في الجزائر، وعلى خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وبحسب البيان، فإن نزّار يشتبه أنه "قام على الأقلّ بالموافقة وتنسيق وتشجيع، عن علم وتعمّد، التعذيب وغيره من الأعمال القاسية واللا إنسانية والمهينة، وانتهاكات للسلامة الجسدية والعقلية، واعتقالات وإدانات تعسفية، فضلاً عن عمليات إعدام خارج نطاق القضاء".
من جهتها، قالت منظمة "ترايل إنترناشيونال"، إنّه "بعد ما يقرب من 12 عاما من الإجراءات المضطربة، فإن الإعلان عن المحاكمة يجدّد الأمل لضحايا الحرب الأهلية الجزائرية (1991-2002) في الحصول على العدالة أخيرا. وسيكون نزّار أرفع مسؤول عسكري يحاكم في العالم على أساس الولاية القضائية الدولية".
ودعت المنظمة إلى بدء المحاكمة في أقرب وقت ممكن، مؤكدة أن الوزير خالد نزار "يحتضر"، حسب بيان لها في 29 أغسطس 2023.
الحاكم الفعلي
خالد نزار المولود عام 1937 في قرية سريانة شرق الجزائر، صنفته العديد من التقارير بأنه الحاكم الفعلي للجزائر إبان توليه منصب وزير الدفاع، والذي أدار دفة الحكم من وراء الستار، والوقوف أمام التيار الإسلامي للوصول إلى سدة الحكم، بذريعة إنقاذ الجمهورية وخشية على مستقبل البلاد.
التحق عام 1955 بالمدرسة الحربية الفرنسية سان مكسان، سائرا في طريق والده الذي كان يعمل رقيبا في الجيش الفرنسي، لكنه فرّ منه بعد ثلاث سنوات ليلتحق في مرحلة متأخرة بثورة التحرير ضد فرنسا، ويشرف على تدريب الثوار في تونس، كما ذكر ذلك بمذكراته الصادرة عام 2002.
اندلعت ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 ضد الاستعمار الفرنسي الذي احتلّ البلاد منذ عام 1830.
ودامت ثورة التحرير طيلة سبع سنوات ونصف من الكفاح المسلح، والتي انتهت بإعلان استقلال الجزائر في 1962 بعدما سقط فيها أكثر من مليون ونصف المليون قتيل جزائري.
بعد الاستقلال، تدرج خالد نزار في عدة مسؤوليات بالجيش الجزائري، حتى أصبح في 1982 قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة، ثم عين قائدا للقوات البرية، ونائبا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي عام 1987.
وفي أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988 كُلّف بإعادة النظام، وقد سقط في تلك الأحداث 600 قتيل، إذ طالت نزار اتهامات عديدة باستعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين، لكنه صرّح بأن قوات الفض التي أُرسلت لتفريق المظاهرات لم تكن تمتلك الرصاص المطاطي.
في أكتوبر من عام 1988، خرج الجزائريون إلى الشوارع احتجاجا على واقعهم ومطالبين بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وانتهت بإقرار دستور جديد أنهى مرحلة الأحادية الحزبية وفتح باب التعددية السياسية والإعلامية.
في 1990 عيّن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، خالد نزار وزيرا للدفاع، ثم تمكن من موقعه أن يقود الانقلاب على الانتخابات التي فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدورة الأولى منها.
وفي عام 1992 أجبر نزار، الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد على الاستقالة، وتولى بعده علي كافي رئاسة البلاد خلفا له.
كان نزار على خلاف دائم مع الرئيس الجزائري السابق علي كافي، الذي تولى المنصب بين عامي 1992 و1994، ووجه إليه اتهامات بإقصائه لصالح اليامين زروال، الذي تولى منصب وزير الدفاع خلفا له، ثم رئاسة البلاد بعد ذلك.
وفي عام 1993، تعرض خالد نزار لمحاولة اغتيال فاشلة، وهو ما جعله يبتعد شيئا فشيئا إلى أن انسحب من الحياة السياسية بعد تسلم الرئيس الجزائري اليامين زروال مقاليد الحكم عام 1994 إلى 1999.
وطيلة مدة حكم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، التي امتدت من عام 1999 وحتى 2019، لم يكن لخالد نزار أي دور سياسي أو عسكري، لكنه كان محميا من الملاحقات القضائية.
وبعد انطلاق الحراك الجزائري عام 2019 وصعود نجم الجنرال أحمد قايد صالح الذي كان رئيسا لأركان الجيش ونائبا لوزيرا للدفاع، أصدرت المحكمة العسكرية الجزائرية عقوبة بالسجن 20 عاما في حق خالد نزار ونجله لطفي، بتهمة المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة، لكنه تمكن من الفرار إلى إسبانيا.
وفي أغسطس/ آب عام 2020، طالب خالد نزار، الفار إلى الخارج، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باتخاذ قرار "صائب" لوقف ملاحقته من قبل القضاء العسكري، إذ سمح له بعد أربعة أشهر فقط من العودة إلى الجزائر قادما من إسبانيا التي مكث فيها عاما ونصف العام.
وبعد ذلك بعامين، وتحديدا في 4 أغسطس/آب 2022، كرم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عددا من القادة والضباط السابقين بمناسبة عيد الجيش، وكان من بينهم وزير الدفاع السابق، خالد نزار، رغم أنه لم يكن حاضرا لأسباب قيل إنها تتعلق بوضعه الصحي.
كاره الإسلاميين
لم يكن كره خالد نزار مقتصرا على التيار الإسلامي في الجزائر فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى بلدان أخرى.
إذ أيد الانقلاب العسكري الذي قام به وزير الدفاع المصري (رئيس النظام المصري حاليا) عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني للبلاد محمد مرسي في عام 2013.
وجاء انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد عام واحد من فوز الأخير في انتخابات الرئاسة المصرية وتوليه الحكم خلفا للرئيس السابق حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة شعبية عام 2011.
وقال نزار في تصريحات نقلها موقع "العربية نت" السعودي في 31 يوليو/ تموز 2013، إن الشعوب العربية بدأت تلفظ تيار الإسلام السياسي، مستشهدا بما حدث أخيرا مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والحراك السياسي القائم في تونس ضد حرك النهضة.
وزعم نزار أن "التيار الإسلامي يمول وتتم رعايته من قبل الدول الغربية، لكن الشعوب العربية تلفظ هذا التيار".
ولفت إلى أن "الأضواء مسلّطة على مصر وتونس المرشحتين لتلقيا مصير ما عرفته الجزائر في يناير/كانون الثاني 1992 من رفض للإسلاميين".
وأشار وزير الدفاع الجزائري السابق إلى أن "قرار وقف المسار الانتخابي بالجزائر في يناير/كانون الثاني 1992 لم يكن مدبرا".
وأضاف أن "المؤسسة العسكرية لم تكن تنوي القيام بهذه الخطوة، لكن القرار اتخذ لاحقا، وزعم أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت في الدور الأول لتلك الانتخابات كانت تهدد بالإخلال بالتوازن القائم في المجتمع الجزائري".