بعد اتفاق طهران وبغداد.. هل يُخرج "كردستان العراق" معارضي إيران من أراضيه؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ما زالت قضية الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة في إقليم كردستان العراق، تشكل هاجسا يؤرق السلطات في طهران، حتى توصلت أخيرا الى اتفاق مع بغداد بنزع السلاح ممن وصفتهم بـ"الجماعات الإرهابية المسلحة" ونقلها إلى أماكن أخرى، وإغلاق مقارها العسكرية.

الاتفاق الذي أعلنته طهران في 28 أغسطس/ آب 2023، وأكدته بغداد باليوم التالي، أثار جملة من التساؤلات، لعل من أبرزها هو، ما مدى التزام إقليم كردستان بما اتفق عليه الطرفان، وما السيناريوهات المحتملة في حال عدم الالتزام بإبعاد هذه الجماعات؟

ودأبت إيران على قصف مقار أحزاب المعارضة الكردية في إقليم كردستان العراق، الذي تتهمه بإيواء ما تعدها "جماعات إرهابية" متورطة في هجمات ضدها، كان آخر تلك الضربات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وأدت إلى مقتل شخصين وإصابة 8 آخرين.

ويحتضن إقليم كردستان العراق منذ أكثر من أربعة عقود أحزابا كردية إيرانية معارضة، منها: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية، والحياة الحرة (البيجاك)، ومنظمة النضال الكردستاني، وحزب سربستي، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".

ويوجد مقاتلو هذه الأحزاب داخل كردستان إيران، بينما ينتشر عدد من مقراتهم في أطراف محافظتي السليمانية وأربيل وقضائي كويسنجق وسوران في إقليم كردستان العراق.

تصفير الوجود

وعن تفاصيل ما جرى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن "إيران والعراق توصلا إلى اتفاق يلتزم بموجبه العراق بنزع سلاح المسلحين الانفصاليين والجماعات الإرهابية الموجودة على أراضيه، وإغلاق قواعدها، ونقلها إلى أماكن أخرى قبل 19 سبتمبر/ أيلول 2023".

وفي الوقت الذي لم يكشف فيه كنعاني خلال إفادته الصحفية الأسبوعية، في 28 أغسطس، أنه "إذا لم ينفذ الاتفاق في موعده، فسنقوم بمسؤولياتنا تجاه الجماعات الإرهابية في كردستان العراق".

وعلى الصعيد ذاته، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، خلال مؤتمر صحفي له في 29 أغسطس، إن "العراق وقع اتفاقا مع إيران ينص على منع تسلل المسلحين وتسليم المطلوبين ونزع السلاح وإزالة المعسكرات وقد نفذ التزامه".

ولفت العوادي إلى أن "أهم مبادئ السياسة الخارجية ألا يكون العراق طرفا في الإضرار بجيرانه، كما أن السيادة العراقية تقتضي تفاهمات أمنية لحماية حدود العراق من أي اعتداء".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مسؤول في مكتب مستشار الأمن الوطني العراقي (لم تكشف هويته) قوله إن "الاتفاق بين طهران وبغداد بشأن المعارضة وصل إلى المراحل النهائية، وسيدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل".

وأكد المسؤول العراقي في 28 أغسطس، أن العملية ستنتهي بتصفير المعسكرات الكردية في الإقليم، مشيرا إلى الاتفاق على نقل المعارضة إلى مواقع في غرب العراق طرح كواحد من الخيارات، دون ذكر المزيد من التفاصيل.

وفي 19 مارس 2023، وقع العراق وإيران "محضرا أمنيا" يهدف إلى "التنسيق في حماية الحدود المشتركة" بين البلدين وتوطيد التعاون في مجالات أمنية عدة، وذلك بعد أشهر من المفاوضات بشأن ما وصفته طهران بـ"تهديدات من الأراضي العراقية".

وقال المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال بيان له في حينها، إن الاتفاق وقعه مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (السابق) علي شمخاني بحضور رئيس الوزراء العراقي.

وذكر البيان أن "المحضر الأمني تضمن التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين، وتوطيد التعاون المشترك في مجالات أمنية عدّة"، لافتا إلى أن اللّقاء بحث "العلاقات الثنائية، والأوضاع الأمنية والسياسية في عموم المنطقة، وسبل تعزيز أمنها واستقرارها".

وشدد السوداني خلال استقباله شمخاني، على موقف بلاده "الرافض لأن تكون الأراضي العراقية منطلقا للاعتداء على أي من دول الجوار"، مؤكدا رفضه القاطع على أن "تكون بلاده مسرحا لتواجد الجماعات المسلحة، أو منطلقا لاستهدافها، أو أيّ مساس بالسيادة العراقية".

استنجاد بأميركا

ردا على الاتفاق بين طهران وبغداد، طالب حسين يزدان زعيم حزب الحرية الكردستاني المعارض لإيران والذي يتخذ من كردستان العراق مقرا له بعودة قوات أميركية إلى الإقليم لتضع حدا لما وصفها بأنها "تدخلات إيران في شؤون العراق وفي شؤون إقليم كردستان".

وقال يزدان خلال مقابلة مع "وكالة أنباء العالم العربي" في 29 أغسطس 2023، إن "القوات (المعارضة الكردية) لن تنسحب من أماكنها في إقليم كردستان".

وأضاف: "انسحاب أميركا تسبب في ظهور تنظيم الدولة في المنطقة واندلعت كوارث. نحن نرى النتيجة. الآن عودة القوات الأميركية مهم جدا، حتى تضع حدا لإيران لكيلا تتدخل في شؤون العراق أو في شؤون إقليم كردستان، وفي المنطقة".

وتابع: "لما نقول التدخل الإيراني نعني تدخلا مباشرا، واستغلال مجاميع الحشد الشعبي لأفعال إرهابية مثل مهاجمة عن طريق طائرات مسيرة في سماء كردستان. يقتلون الصحفيين وناشطين ويحاولون أن يحكموا العراق بأسوأ سلطة. أتمنى أن تعود القوات الأميركية وتضع حدا للإرهاب والنشاطات الإرهابية لحكومة إيران".

وشدد يزدان على أنه "من المهم جدا أن يساعد المجتمع الدولي قوميات ومكونات الشعب الإيراني، والآن هم تحت سيطرة حكومة إيران ومن ضمنها القومية الكردية حتى يتحرروا من الحكم الإيراني الأسود".

وأردف: "نحن نعلم أن من المفترض أن ينقذ أو يحرر المنطقة بأكملها من سياسة الإرهاب وتدخلات الجمهورية الإيرانية. بخصوص مشكلتنا.. الحل ليس فقط في الهجوم أو الضرب على إيران".

وحتى يوم 28 أغسطس 2023، لم يصدر أي تعليق على الموضوع، سواء من السلطات في إقليم كردستان العراق، أو من الحزبين الكرديين الحاكمين فيه، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني، بقيادة بافل الطالباني.

صفقة محتملة

وبخصوص مدى موافقة إقليم كردستان على الاتفاق بين العراق وإيران، قال الباحث في الشأن العراقي، بهاء الدين البرزنجي، إن "قبول حكومة أربيل بإجلاء أحزاب المعارضة الإيرانية أمر وارد جدا، وربما يكون بضغط أميركي، لأن الأخيرة ربما هي من وافقت على ذلك مسبقا".

 وأضاف لـ"الاستقلال" إن "امتناع الإقليم عن تطبيق اتفاق طهران وبغداد، قد يدفع إيران إلى استهداف مناطق كردستان العراق بالقصف الصاروخي والمدفعي، وأن هذا الضغط يدفع أميركا نحو التفاوض أكثر من السلطات الإيرانية".

ولم يستبعد الباحث العراقي "وجود صفقة بين إيران والولايات المتحدة سواء في سوريا أو ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، مقابل إخراج الأحزاب الإيرانية المعارضة من أرض إقليم كردستان العراق، على طريقة التنازل، والتنازل المقابل بين طهران وواشنطن".

من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري، إن "إخراج الأحزاب الإيرانية المعارضة من العراق يؤثر على سمعة العراق الخارجية، على تقدير أن هؤلاء لاجئون، وهناك صعوبة بإخراجهم، لكن يمكن للحكومة العراقية تقييد حركتهم".

ورأى الشمري خلال تصريح لصحيفة "العربي الجديد" في 29 أغسطس، أن "إبعاد هذه الأحزاب يتنافى مع القوانين الدولية وحتى مبادئ حقوق الإنسان، والعراق جزء من هذه القوانين الدولية، والعمل على إخراجهم سوف يظهر العراق على أنه ملتزم فقط بإخراج أعداء إيران".

وأشار رئيس مركز التفكير السياسي إلى أن "الحل الأمثل يكون من خلال نقل هذه الأحزاب إلى مقرات جديدة، وأيضا إخراجهم قد يؤدي إلى ضغط تركي جديد على العراق، كون تركيا سوف تطالب بالإجراء ذاته ضد الأحزاب المعارضة لها".

وكان عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وفاء محمد كريم، قد كشف عن طرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لمجموعة شروط خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد وأربيل في 22 أغسطس 2023، مقابل تزويد حصة العراق المائية واستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان.

ويعاني العراق من تراجع في مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، إذ إنه يطالب باستمرار من تركيا بزيادة في الدفعات المائية للنهرين كونها هي دولة المنبع.

في 25 مارس/آذار 2023، أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية النفطية البالغة 450 ألف برميل يوميا، بعد حكم غرفة التجارة الدولية بباريس، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها من حكومة الإقليم بين عامي 2014 و2018.

وقال كريم خلال تصريح لوكالة "بغداد اليوم" العراقية في 26 أغسطس 2023، إنه "على رأس الشروط التركية تسمية العراق حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية والتعامل معه كما تعاملت مع المعارضة الإيرانية منظمة مجاهدي خلق، التي كانت مدعومة من نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين".

وفي 11 سبتمبر/ أيلول 2016، أعلن العراق إنهاء تواجد منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة على أراضيه، ونقل جميع أفرادها إلى دول أخرى بموجب اتفاق سابق مع الأمم المتحدة.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء (السابق) حيدر العبادي في حينها أن الحكومة أنهت بشكل تام تواجد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية على الأراضي العراقية، وتمكنت من إغلاق هذا الملف.

وذلك بنقل آخر دفعة منهم يبلغ عددها 280 من مخيم ليبرتي في أطراف بغداد إلى مطار العاصمة، ومنه إلى جمهورية ألبانيا بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.