يحتاج إلى وقت.. ما جدية العراق في استيراد الغاز من تركمانستان وإنهاء هيمنة إيران؟ 

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في محاولة منه لإيجاد بديل عن الخيار الإيراني الوحيد، أعلن العراق التوصل إلى اتفاق مبدئي مع تركمانستان لاستيراد كميات من الغاز لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربائية، إذ من المؤمل أن يوقع البلدان على الاتفاقية رسميا قبل نهاية العام 2023.

يعاني العراقيون في كل موسم صيف لاهب من انقطاع في التيار الكهربائي، جراء إيقاف إيران دفعات الغاز التي تزود بها العراق وتصل إلى 28 مليون مكعب شهريا لتشغيل محطات الطاقة لديه، كما يشتري بشكل مباشر 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.

وتبلغ نفقات العراق على الغاز والكهرباء التي يستوردهما من إيران نحو 4 مليارات دولار سنويا، من أصل 12 مليار دولار هي إجمالي ما تجنيه طهران من الصادرات السنوية لبلاد الرافدين.

خطوة متقدمة

وعن تفاصيل ما جرى الاتفاق عليه بين العراق وتركمانستان، قال وكيل وزارة النفط العراقية عزت صابر، إنه جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي لاستيراد كميات من الغاز لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربائية وفق مذكرة تعاون من المؤمل التوقيع عليها قبل نهاية العام 2023.

وأردف صابر خلال بيان صحفي في 24 أغسطس/آب 2023، أن العراق يعمل على "تعزيز آفاق التعاون مع الدول الصديقة في مجال الغاز ومنها جمهورية تركمانستان، وأن وفدا حكوميا رفيعا عقد اجتماعات مع المسؤولين في قطاع الغاز هناك".

وأوضح أن الاجتماعات أثمرت عن "الاتفاق مبدئيا على استيراد كميات من الغاز وفق مذكرة تعاون يجرى الإعداد لها لهذا الغرض ومن المؤمل التوقيع عليها قبل نهاية العام الجاري (2023) تتضمن الكميات المقترحة والآليات التي يتم اعتمادها بين البلدين".

وأكد صابر أهمية هذا الاتفاق "الذي يمثل خطوة متقدمة لتوسيع آفاق التعاون مع الدول المنتجة للغاز ومنها تركمانستان التي تعد إحدى أهم الدول المنتجة للغاز في المنطقة والعالم".

من جهته، كشف موقع "المونيتور" الأميركي، في 26 أغسطس 2023، عن تفاصيل الاتفاق "المبدئي" بين العراق ودولة تركمانستان للحصول على الغاز، مؤكدا أنه يأتي ضمن جهود الحكومة العراقية لتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني المستورد.

وقال إن اتفاق الطرفين "المبدئي" يتضمن تجهيز تركمانستان للعراق بدلا عن إيران خلال الفترة التي تعمل فيها بغداد على استثمار احتياطيها "الهائل" من الغاز الطبيعي، والذي ما يزال حتى اللحظة "غير مستغل".

وتابعت: "يمتلك العراق الاحتياطي الثاني عشر الأكبر على مستوى العالم من الغاز، لكنه ما يزال حتى اللحظة يفتقر الى البنى التحتية الضرورية لاستثماره"، لافتة إلى أنه "يعتمد حاليا على إيران لتجهيزه بنحو 40 بالمئة من حاجته السنوية للطاقة".

"خيال علمي"

وعن مدى إمكانية تحقق الاتفاق رسميا بين العراق وتركمانستان لاستيراد الغاز، قال الخبير النفطي العراقي، حمزة الجواهري، إن "مثل هذا المشروع يحتاج إلى سنوات طويلة لإنجازه، لأنه يتطلب مد أنبوب طويل من الدولة المورّدة ويمر عبر إيران بمسافة قد تصل من 2500 إلى 3000 كيلومتر".

وأوضح الجواهري في حديث لـ"الاستقلال" أن "موضوع استيراد الغاز من تركمانستان ما يزال مجرد فكرة حتى الآن، لأن الأمر يحتاج إلى 4 سنوات لإنجازه في حال توقيع الاتفاق، إضافة إلى أن كلفته عالية جدا".

وأردف: "إذا كان بإمكان العراق تنفيذ مشروع مع استيراد الغاز من تركمانستان، فإن الأولى أن ينفذ مشاريع معالجة الغاز المصاحب في البلد والذي يصل إلى 1600 مليون قدم مكعب قياسي، وتسريع إنجازها للاستفادة مما يهدره البلد يوميا".

وأثناء عمليات استخراج النفط يحرق العراق أكثر من 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب له في العام الواحد، مما يضيع على البلاد فرصة استثماره في توليد الكهرباء أو تصدير الفائض منه.

ولفت الجواهري إلى أن "العراق يمتلك 5 حقول غازية، هي: "سيبا، المنصورية وعكاز" وهذه أعطيت إلى شركات لاستثمارها ضمن جولة تراخيص الثالثة التي أبرمتها وزارة النفط عام 2010، إضافة إلى حقلي غاز في شمال محافظة ديالى، أدرجت بجولة التراخيص الخامسة في فبراير (شباط) 2023".

وأكد الخبير النفطي أن "لدى العراق كميات هائلة من الغاز لو أنتجها فإنها ستكفيه ويصدر منها أيضا، لذلك من الأفضل له العمل على إنجاز المشاريع الغازية داخل البلد بدلا من إبرام اتفاقيات مكلفة مع دول أخرى وتتطلب مددا زمنية طويلة".

ورأى أن "طرح موضوع استيراد الغاز من تركمانستان في الوقت الحالي هو لأغراض الاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، وذلك في ظل الصيف اللاهب، حتى يقولوا إننا لسنا محتكرين من دولة ما، وإنما لدينا القدرة على إبرام اتفاقيات مع دول أخرى. وهذا أشبه بأفلام الخيال العلمي".

وخلال يوليو/تموز 2023، أكدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن سلطات تركمانستان تعاني من "مشكلات وصعوبات" في تصدير الغاز، وأن الاتفاق العراقي معها لم يتضمن إعلان التفاصيل حول عملية التصدير أو الكميات التي ترغب بغداد باستيرادها.

ولفتت إلى أن بغداد قد تحاول تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني بسبب الضغوطات الأميركية المستمرة عليها، والتي عقدت من عملية شرائه من إيران خلال الفترة الماضية مع اشتداد حرارة الصيف.

وفي 11 يوليو 2023، وقع مدير مكتب رئيس الوزراء، إحسان ياسين العوادي، وسفير طهران في بغداد، محمد كاظم آل صادق، اتفاقا يقضي بمقايضة الغاز الإيراني المستورد والمشغل لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بالنفط الخام العراقي والنفط الأسود.

ويأتي إبرام الاتفاق بين البلدين، بعد أن أقدمت إيران في 7 يوليو 2023، على خفض إمدادات الغاز التي تصدرها إلى العراق بنسبة تجاوزت 50 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى تدهور إنتاج الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز مع ارتفاع الحرارة إلى 50 درجة مئوية.

وبفعل العقوبات الأميركية على طهران، لا يمكن لبغداد أن تدفع مستحقات استيراد الغاز من إيران مباشرة، ولترغم العراق على دفعها، تقطع جارته مرارا الإمدادات الضرورية لتشغيل محطات الكهرباء وتغطية ثلث احتياجات البلد من الغاز.

سيطرة إيرانية

ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة على إدارة العراق بعد عام 2003 من حل أزمة الكهرباء التي توصف بالمعقدة، رغم إنفاق أكثر من 80 مليار دولار على هذا القطاع المهم.

وفي عام 2020، حاول العراق تنويع مصادر الطاقة والتحرر من الهيمنة الإيرانية، وذلك بإيفاد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، وزير المالية لديه علي علاوي إلى المملكة العربية السعودية، لبحث تزويد البلاد بالطاقة الكهربائية.

وقال علاوي خلال مقابلة مع صحفية "الشرق الأوسط" السعودية في مايو/ أيار 2020، إن قطاع الكهرباء كان في الحسبان خلال لقاءاته مع المسؤولين السعوديين بالرياض، مؤكدا أن هناك مشاريع مهمة، ونريد أن تكون المملكة هي من يحصل على الحصة الأكبر منها.

وشدد الوزير السابق على ضرورة "ربط الشبكة الكهربائية بالعراق مع شبكة السعودية والكويت، وهذا التنوع مهم بالنسبة للتوازن الاقتصادي في بلدنا".

وهو الأمر الذي رأى مراقبون أنه يهدد المصالح الإيرانية في العراق، لا سيما أن طهران تتشبث بملف الكهرباء وتعيق أي محاولة عراقية لاجتيازه.

ولعل ما يؤكد وقوف إيران وراء إعاقة مشاريع الطاقة في العراق، ما كشفه بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة سابقا (من 2014 إلى 2015)، عن إيقاف طهران مشاريع تخص ملف الكهرباء في بلاده، وأنها "لو قدر لها أن تكتمل لتحسن وضعها بنسبة 80 بالمئة".

وأوضح الأعرجي خلال مقابلة تلفزيونية له عام 2018، قائلا: "جاءني السفير الإيراني (حسن دنائي فر) شخصيا خلال مرحلة شغلي لمنصب نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة، وقال لي: أوقف هذه المشاريع، وذلك بعدما استطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه".

واستدرك: "لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي ساهمت بأن أستقيل من حكومة (حيدر) العبادي (رئيس وزراء العراق من 2014 إلى 2018)".

وأشار نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق إلى أن "إيران عندما تفعل مثل هذا الشيء فإنها تفكر في مصلحتها، إذ تبيع الكهرباء لنا بملايين الدولارات في ظل الأزمة الموجود بالعراق".