جدار برلين يتحطم أمام المهاجرين.. ما قصة القانون الجديد الذي يسهل جنسية ألمانيا؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الحكومة الألمانية، قررت أن تحطم جدار برلين أمام ملايين المهاجرين وطالبي الجنسية الألمانية، كما حطمت السور الحقيقي عام 1989 مع انتهاء فترة الحرب الباردة.

وأقرت حكومة برلين برئاسة المستشار أولاف شولتز في 23 أغسطس/آب 2023، مشروع قانون جديد يسهل إجراءات منح الجنسية للمهاجرين، ويتجاوز الكثير من العوائق والشروط التي كانت مفروضة لحق اكتساب الجنسية الألمانية.

وفقا لبيانات وزارة الداخلية للعام 2022، فإن أكثر من 12 مليون شخص في ألمانيا يحملون جنسية أجنبية، ويقيم 5.3 مليون منهم في البلاد لمدة تصل إلى 10 سنوات على الأقل.

وفي ذلك العام 2022، تقدم 168 ألفا و545 شخصا بطلب للحصول على الجنسية الألمانية.

فما هي الشروط الجديدة التي ستسهل طلبات الجنسية؟ ولماذا سهل البوندستاغ (مجلس النواب الألماني الاتحادي) شروط الحصول على الجنسية؟

تسهيلات بالجملة 

الحكومة الألمانية اعتمدت قانون الجنسية الجديد بصورة نهائية بعد أن أرسلته إلى سائر الولايات للإطلاع عليه خلال الـ 3 أشهر الماضية (مايو/أيار 2023 إلى أغسطس 2023).

وينتظر الآن أن يصوت البرلمان الألماني على القانون في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بأغلبية أحزاب الحكومة ليدخل حيز التنفيذ مطلع العام 2024.

وسيسمح القانون بازدواجية الجنسية، وكان يشترط لمن سيحصل على الجنسية الألمانية أن يتخلى عن جنسيته الأم. 

واقتصرت ازدواجية الجنسية في السابق على مواطني الاتحاد الأوروبي وسويسرا.

ومن التسهيلات في القانون الجديد أن الجنسية ستكون ممكنة بعد إقامة الفرد مدة 5 سنوات بدلاً من 8 في ألمانيا.

وكذلك ستكون متاحة بعد 3 سنوات بالنسبة إلى حالات اندماج خاصة تشمل اكتساب المهارات اللغوية.

فمثلا تجاوز مستوى B1 في اللغة الألمانية سيكون شرطا للتجنيس على مدة 5 سنوات، والحصول على مستويات اللغة الأعلى تقصر المدة لـ 3 سنوات فقط.

وكذلك إظهار أداء أكاديمي ومهني جيد، والمشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، والقدرة على تأمين متطلبات العيش المستقل من خلال الوظيفة. 

ومن التعديلات المهمة أن تصاريح الإقامة المؤقتة ستصبح كافية للحصول على حق التجنس، وبين من يحصلون عليها العمال الماهرون أو أولئك الحاصلون على تصاريح إقامات لحالات لم الشمل. 

وبالنسبة للأطفال المولودين من أبوين أجنبيين في ألمانيا، فيحصلون على الجنسية تلقائيا عند الولادة، إذا كان أحد الوالدين يعيش في البلاد بشكل قانوني منذ أكثر من 5 سنوات. 

ويفترض أن تقلل الإصلاحات المقترحة أوقات الانتظار الطويلة، وتسرع البت في الملفات المقدمة لطلب الجنسية خلال الفترات السابقة.

عوائق التجنيس

ورغم التسهيلات الكبيرة وغير المسبوقة التي أقرها القانون، فقد تضمن محظورات وعوائق تمنع حق اكتساب الجنسية الألمانية لمن يقع فيها.

على رأسها مرتكبو جرائم حصلت بدوافع "معاداة السامية" أو العنصرية أو أخرى غير إنسانية.

إذ تفرض الإجراءات أن يبلغ المدعون العامون سلطات الهجرة بالنشاطات الإجرامية لهؤلاء الأشخاص من أجل منع تجنيسهم.

بالإضافة إلى ذلك، لن يجري تجنيس الذين يعددون الزوجات أو الذين يعملون ضد المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور.

وسيحرم الذين لا يتبنون ثقافة الحياة الألمانية بشكل عام من الجنسية، كما ستتم إعادة تقييم ملفات الأجانب الحاصلين عليها ممن قدموا وثائق مزيفة للسلطات الألمانية.

وعلقت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، على القانون الجديد، قائلة: "إنه يعكس المجتمع المتنوع في البلاد".

وأشارت في تصريحات لشبكة التحرير الألمانية "دويتشلاند" إلى أن ألمانيا في منافسة عالمية لاستقطاب الأدمغة وترغب في تحسين ما تقدمه إلى المهاجرين من خلال تسهيل مسار الحصول على الجنسية.

خطة محورية

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دافعت وزيرة الداخلية الألمانية عن خطة الحكومة للتسهيل على الأفراد التقدم للحصول على الجنسية، رغم الخلاف الشرس داخل الائتلاف الحاكم والمعارضة، تحت ذريعة أن ذلك قد يحفز الهجرة غير الشرعية.

وقالت الوزيرة نانسي فيزر في تصريحات لموقع "يورو نيوز" إنها تريد تعزيز الهجرة والتدريب للتصدي للنقص في المهارات الذي يلقي بثقله على اقتصاد ألمانيا، في وقت تراكم فيه زيادة أعمار السكان الضغوط على نظام المعاشات العام.

وأضافت: "هذه خطة محورية لهذا الائتلاف مع الاعتراف الواضح بأن ألمانيا دولة للهجرة". وأتبعت: "نحن نتحدث عن خطة موضوعة بتفاصيل دقيقة في اتفاق الائتلاف".

بعدها أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن بلاده يمكن أن تزيد عدد سكانها كثيرا في الأعوام المقبلة.

إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز الهجرة للمساعدة في تجنب نقص العمالة وأزمة في نظام المعاشات التقاعدية.

وقال خلال منتدى للمواطنين في منطقة "بوتسدام" بالقرب من  العاصمة برلين، إن الحكومة تعمل على جذب العمالة الأجنبية لمواصلة المسيرة الاقتصادية.

وأضاف: "نعمل على ذلك بسبب زيادة عدد كبار السن، أو شيخوخة السكان، التي تهدد مستقبلنا، مما يجعل زيادة السكان بنسبة 7 بالمئة ليصلوا إلى 90 مليون نسمة بحلول عام 2070 أمرا معقولا".

نسل المهاجرين

وتعد ألمانيا من أكثر دول الاتحاد الأوروبي قبولا للمهاجرين منذ سنوات طويلة، ففي 2 مارس/آذار 2023، أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، أن نحو 19 مليون شخص، ما يعادل 23 بالمئة من سكان البلاد، إما هاجروا إليها منذ عام 1950 وإما ينحدرون من نسل مهاجرين. 

وكانت تلك المرة الأولى التي يحلل فيها مكتب الإحصاء سكان ألمانيا بناء على نسب المهاجرين، وليس الجنسية فقط.

وبذلك احتلت ألمانيا أعلى تصنيف في أوروبا، إذ يصل متوسط الأصول المهاجرة في القارة إلى 10.6 بالمئة، وفقا لوكالة (Deutsche Presse-Agentur) الألمانية.

وأضافت الوكالة أنه يوجد نحو 3.7 مليون شخص، أو 4.5 بالمئة من السكان، لديهم أب أو أم مهاجرة وآخر من أصول ألمانية.

وفي تعليقه على هذا التطور، أكد إمام المركز الإسلامي في ولاية درسدن الألمانية أحمد زيدان، أن نهضة ألمانيا الحديثة قامت على المهاجرين الذين وفدوا إليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1945). 

وقال في حديثه لـ"الاستقلال": "بعد الحرب العالمية وهزيمة ألمانيا، وفد إلى البلاد عدد كبير من المهاجرين خاصة الأتراك على سبيل المثال، وكانوا هم عماد النهضة الاقتصادية والحضارية لألمانيا، وأعادوا تأسيسها بعد أن كانت ركاما".

وأضاف: "المشكلة الأساسية التي تواجه ألمانيا هي ارتفاع معدل الأعمار ووجود فئة كبيرة جدا من كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية ومصاريف كبيرة، يحصلون عليها من قبل الحكومة، مقابل قلة أعداد الشباب القادرين على العمل والإنتاج".

وأتبع: "ألمانيا التي هي أكبر اقتصاد في أوروبا ومن أكبر اقتصاديات العالم تدرس تلك المسألة بقلق وبصفتها من أساسيات الأمن القومي، لذلك سهلت إجراءات التجنيس، بفرض أن المهاجر الموجود على الأراضي الألمانية سيكون له الأولوية وهذا أمر طبيعي". 

وبسؤال زيدان عن طبيعة الشروط أجاب: "أهم شرط قد يسهل طلب اللجوء هو الاندماج من خلال تحصيل اللغة والانخراط في المجتمع، وإثبات كفاءة علمية أو رياضية أو من أي نوع".

الأمر الثاني هو القدرة على العمل واكتساب الدخل، ثم تجنب المشكلات أو الاصطدام بثوابت المجتمع، عندئذ سيكون الحصول على الجنسية أمرا سهلا، خاصة مع تخفيف شروط طول مدة السنوات والانتظار في قوائم طويلة، وفق تقديره.