بعد الحرب والزلازل والجفاف.. هكذا بدأ تفشي الكوليرا بشكل مهول في شمال غرب سوريا
الكثير من الويلات يشهدها الشمال الغربي السوري، انطلاقا من الحروب إلى الزلازل، وأيضا الأزمات بمختلف أنواعها، آخرها تفشي الكوليرا خلال العام 2022.
وأدى عدم الوصول إلى المساعدات الإنسانية والضروريات الأساسية، مثل مياه الشرب، إلى ظهور عدد من الحالات، حيث اكتشفت أكثر من 100 ألف إصابة عام 2022.
تدهور مستمر
وقالت صحيفة "الموندو" الإسبانية إن "الوضع استمر في التدهور في سوريا منذ اكتشاف أول حالة إصابة بالكوليرا قبل سنة تقريبا".
وأوضحت أن "هذا المرض يسبب بكتيريا شديدة العدوى، ينتج عنها إسهال يؤدي إلى جفاف الجسم بطريقة يمكن أن تقتل المصاب في غضون ساعات، إذا لم يتم علاج الحالة في الوقت المناسب".
وفي الواقع، أدى تدمير أنابيب المياه في شمال البلاد بعد سنوات من الحرب والأزمة الاقتصادية والجفاف الذي طال أمده وآثار الزلازل التي هزت المنطقة في فبراير/ شباط 2023، إلى خلق بيئة خصبة لتفشي المرض.
وأوضح المنسق الطبي لعمليات أطباء بلا حدود في شمال سوريا، كارلوس أرياس، أن "البعثة اكتشفت أكثر من 125 ألف حالة، ونسجل في منطقة تدخلنا فقط ما بين 50 و100 حالة أسبوعيا".
وجراء هذا الوباء، توفي ما لا يقل عن 100 شخص في العام 2022.
وقال أرياس: "هناك المزيد من الحالات في شمال غرب سوريا، لأن الظروف المعيشية هناك أسوأ؛ خاصة في أماكن مثل مخيمات النازحين التي من السهل أن تتكوّن فيها البكتيريا مثل الكوليرا".
ونقلت "الموندو" أن "90 بالمئة من الأسر تعيش تحت خط الفقر، وتعاني أكثر من 50 بالمئة من العائلات من انعدام الأمن الغذائي، وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية".
ومع ذلك، فإن الظروف في شمال غرب البلاد "أسوأ بكثير".
من جانب آخر، قالت الصحيفة إن "المعارضة السورية تسيطر على المنطقة وتتعرض لضغوط اقتصادية شديدة وهجمات من قبل النظام وحلفائه".
وأضافت أن "إحدى المشكلات الرئيسية المرتبطة بانتشار الكوليرا تختزل في سوء حالة أنظمة قنوات المياه".
واستطردت: "في الحقيقة، يعتمد أكثر من 50 بالمئة من سكان المنطقة حاليا على أنظمة المياه البديلة لتلبية الاحتياجات الأساسية، رغم أنها في كثير من الحالات، غير كافية وغير صحية".
مأساة وصعوبات
وفي السياق، أوضح أرياس أن "هذا الوضع لا يعزز زيادة حالات الكوليرا فحسب، بل يسهم أيضا في انتشار أنواع أخرى من الأمراض المعدية، مثل التهاب السحايا والجرب والحصبة أو داء الليشمانيات، وهو مرض جلدي".
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تتركز غالبية حالات الكوليرا في محافظة حلب ومحافظتي دير الزور والرقة.
من جانب آخر، تتمثل الفئة الأكثر تضررا، وتحديدا ما يعادل أكثر من نصف الحالات، من الأطفال دون سن الخامسة.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تضاعف عدد الإصابات بحوالي أربع مرات مقارنة بالربع الأول من العام 2023.
ونوهت الصحيفة بمسألة أخرى تهم الأطباء؛ وهي إمكانية وصول المرضى إلى الرعاية الصحية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يوجد في شمال غرب سوريا سبعة مراكز طبية فقط لعلاج الكوليرا بإجمالي 250 سريرا للعناية بالمصابين.
يضاف إلى المأساة الحالية، الصعوبات التي يواجهها الأطباء والمنظمات للتّمكن من إدارة ونقل المساعدات الإنسانية.
ومنذ سنة 2014، أنشأت الأمم المتحدة آلية لإرسال المساعدات الإنسانية دون الاضطرار إلى المرور عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.
تبعا لذلك، نُقلت الشحنة عبر معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا، والذي يمر عبره الغذاء والدواء والموارد الحيوية.
وبعد تجديد هذه الآلية كل ستة أو تسعة أشهر، استخدمت روسيا، مؤخرا، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع تجديد الاتفاقية.
عموما، كان هذا المعبر أيضا ذو أهمية بارزة بعد زلزال فبراير 2023، الذي تسبب في مقتل أكثر من 4500 وإصابة 10 آلاف شخص بجروح.
وضع متفاقم
ونقلت الصحيفة أن الأمم المتحدة توصلت خلال أغسطس/آب 2023 إلى اتفاق مع نظام بشار الأسد لاستئناف الممر الإنساني لمدة ستة أشهر أخرى عبر معبر باب الهوى، الأمر الذي أثار شكوكا بين المنظمات الإنسانية، من إمكانية أن يتدخل أو يقاطع الأسد نقل المواد الضرورية إلى المنطقة في أي وقت.
وفي هذا المعنى، شرح أرياس أن هذه الآلية "ليست بالحل الذي تريده المنظمة".
وواصل: "نبحث عن خطة طويلة الأمد تضمن وصول المساعدات الإنسانية لجميع سكان شمال غرب سوريا، نريد خطة محايدة، وقبل كل شيء، خطة غير مسيسة، في الحقيقة، غالبا ما استخدمت المساعدات الإنسانية بمثابة أداة للنزاع السياسي في سوريا".
وأضاف المسؤول للصحيفة: "يؤثر هذا الخلاف السياسي في نهاية المطاف على أكثر من أربعة ملايين شخص".
وتنتقد المنظمة الانقطاع في إيصال المساعدات، الذي يؤثر أيضا على المنظمات التي تعمل في عين المكان.
وعرج أرياس قائلا: "يجبرنا هذا الوضع كل ستة أشهر على التفاوض بشأن التمويل ويخلق الكثير من عدم الاستقرار، كما يؤثر على جميع المنظمات التي تحاول التخطيط لميزانيتها، وتعد هذه العراقيل سببا في إغلاق بعض المستشفيات شمال غرب البلاد".
إلى جانب هذا الوضع المتردي، يضاف عامل آخر عقد حياة السكان في هذه المنطقة المعاقبة؛ وهو الزلزال الذي حدث قبل نصف عام وكانت له آثار مدمرة.
فضلا عن ذلك، في ظل وجود أكثر من 10 آلاف جريح وآلاف النازحين داخليا، ازدادت الحاجة إلى الرعاية الطبية بشكل كبير.
وفي أغسطس 2023، فتحت تركيا الحدود حتى يتمكن مرضى السرطان من العلاج على أراضيها، لكن، يرى منسق منظمة أطباء بلا حدود أن هذا الخيار "لا يحل المشكلة بالكامل".
بعد الزلزال، رصدت المنظمة زيادة في حالات الأوبئة وازدياد الحاجة إلى الرعاية النفسية للعائلات النازحة.
بالإضافة إلى ذلك، أدت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمستشفيات بسبب الزلزال إلى زيادة عدد المرضى في المراكز الأخرى التي كانت ممتلئة بالفعل.
وقال أرياس: "كانت جميع هذه المشاكل والنقائص كامنة بالفعل، ولكن مع حدوث الزلزال تفاقم الوضع".