صفقة تبادل السجناء بين أميركا وإيران.. هل تمهد لتوقيع الاتفاق النووي؟

12

طباعة

مشاركة

وسط تهديد متبادل والتلويح بجولات صراع ساخنة، جرى الكشف فجأة عن وضع واشنطن وطهران اللمسات الأخيرة على اتفاق لتبادل أسرى والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة، كان يجرى العمل عليه سرا.

وتضمن الاتفاق إطلاق سراح خمسة أميركيين محتجزين في إيران، مقابل عدد غير معروف من الإيرانيين، بجانب سماح الولايات المتحدة برفع التجميد عن أموال إيرانية تبلغ ستة مليارات دولار في كوريا الجنوبية.

نقلت إيران بالفعل الأسرى الأميركيين من السجن إلى الإقامة الجبرية في 11 أغسطس/آب 2023، ما دل على أن المفاوضات نجحت والاتفاق في طريقة للتنفيذ وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

هذه الصفقة، ورغم نفي وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن أن تكون تعني "تخفيف العقوبات المفروضة على إيران"، وتأكيده أن الأموال المفرج عنها ستستخدم فقط لأغراض إنسانية"، طرحت تساؤلات حول التوقيت وما الذي تعنيه؟

والأهم: هل اقترب توقيع اتفاق نووي جديد بين أميركا وإيران بعدما ألغى الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، الاتفاق الموقع في 2015 مع الدول الكبرى.

خاصة أن الحديث يدور منذ فترة حول مفاوضات للتوصل لاتفاق نووي لا تزال إسرائيل تعرقله، ومفاوضات أخرى لحث إيران على عدم دعم روسيا في حربها بأوكرانيا.

كواليس الاتفاق

شبكة "سي إن إن" الأميركية كشفت 12 أغسطس 2023 كواليس المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران قبل الاتفاق على الصفقة، ونقلت عن مسؤول أميركي مطلع أنها جاءت بعد أكثر من عام من مفاوضات مباشرة في فنادق الدوحة.

وصفت الشبكة المحادثات غير المباشرة التي أدت إلى إعلان الصفقة بأنها "اختراق دبلوماسي بين واشنطن وطهران"، رغم أن المسؤولين القطريين كانوا ينقلون الرسائل بين الوفدين بأكثر طريقة سرية ممكنة"، وفقا للمسؤول الأميركي.

اتفاق تبادل السجناء قديم وسبق أن أعلن عنه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للتلفزيون الحكومي في 12 مارس/ آذار 2023، بحسب موقع "دويتشه فيله" الألماني.

قال إن كل شيء "جاهز" للقيام بتبادل للسجناء مع الولايات المتحدة، ويمكن ان يحصل ذلك سريعا إذا كانت الأخيرة راغبة بذلك، لكن واشنطن نفت صحة هذه التصريحات ووصفتها حينئذ بأنها مزاعم "كاذبة".

لكن "اتفاق تبادل الأسرى الذي جرى التوصل إليه وكان على وشك الانتهاء في مارس 2023 توقف عندما احتجزت إيران أحد المواطنين الأميركيين مزدوجي الجنسية لم يذكر اسمه، ورفضت ضمه لمن يجرى التفاوض حولهم، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية 10 أغسطس 2023.

قالت إنه جرى نقل السجناء الأميركيين بالفعل من سجن "إيفين" الشهير في إيران، إلى فندق في العاصمة طهران، حيث سيُحتجزون لعدة أسابيع تحت الحراسة لحين السماح لهم بالعودة بالطائرة بعد نقل الأموال الإيرانية المذكورة إلى بنك قطري.

وأوضح مصدر لوكالة "رويترز" البريطانية في 11 أغسطس 2023 أنه سيسمح للأميركيين الخمسة وهم إيرانيون مزودجو الجنسية بمغادرة إيران بعد رفع تجميد ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية، وقد يطول الأمر بسبب إجراءات فك تجميد الأموال ونقلها.

وأكدت طهران في 12 يونيو/حزيران 2023 إجراء محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بوساطة سلطنة عمان، وهي الوسيط التقليدي بين البلدين اللذين لا يقيمان علاقات دبلوماسية مشتركة.

فيما قال وزير الخارجية القطري ماجد بن محمد الأنصاري في منتصف أغسطس، إن قطر أدت دورا محوريا في تسهيل المفاوضات الإيرانية الأميركية الأخيرة.

وأردف أن قطر بذلت جهوداً كبيرة باعتبارها وسيطاً دولياً موثوقاً لتحقيق التقارب بين الجانبين الأميركي والإيراني.

الاتفاق النووي قادم؟

لطالما أصر المسؤولون الأميركيون على أن دبلوماسيتهم لإطلاق سراح الأميركيين المسجونين ليست مرتبطة بشكل مباشر بالمحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي.

لكن مسؤولين أميركيين قريبين من المفاوضات مع إيران أبلغوا صحيفة "نيويورك تايمز" 10 أغسطس 2023 أنه خلال لقاء، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البيت الأبيض "بريت ماكغورك"، مسؤولين في عمان أوائل مايو/أيار 2023 لمناقشة تبادل الأسرى مع إيران، نوقشت مسألة حلحلة الاتفاق النووي.

قالوا إنه أثناء وجوده في عمان، قاد "ماكغورك" محادثات غير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين، بهدف التوصل إلى اتفاق غير رسمي يقضي بوضع إيران حدا لتخصيب مادة اليورانيوم إلى مستوى أقل مما هو مطلوب لصنع سلاح نووي والحد من مساعدتها العسكرية لروسيا.

أكدوا أن الولايات المتحدة وعدت بالمقابل بعدم تشديد العقوبات أو اتخاذ إجراءات عقابية أخرى معينة ضد إيران في المحافل الدولية.

وسبق أن تحدثت صحيفة "هآرتس" العبرية 13 يوليو/تموز 2023 عن اتفاق نووي "غير مكتوب" بين أميركا وإيران وأنه أكثر من مجرد "تفاهمات ثنائية" بين الجانبين.

وادعت أنه يقضي بتجميد البرنامج النووي الإيراني في مقابل تحرير أموال طهران المجمدة في الخارج، وإطلاق سجناء ومخطوفين آخرين، وهو ما تم في الصفقة الأخيرة.

الصحيفة قالت إن جزءا من الاتفاق بدأ ينفذ فعليا، وإن الأمر ربما يكون أكثر من اتفاق غير مكتوب، والإدارة الأميركية ترفض وصفه رسميا بأنه "اتفاق" فعلي، حتى لا يثير ردود فعل سلبية من الجمهوريين في "الكونغرس".

وفي عام 2018، انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران وست قوى دولية، وأعاد فرض العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل.

وردا على العقوبات، انتهكت طهران تدريجيا القيود المفروضة على برنامجها النووي بموجب الاتفاق السابق وزادت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة. وتوقفت المحادثات غير المباشرة بين طهران وإدارة الرئيس جو بايدن لإحياء الاتفاق منذ سبتمبر/أيلول 2022.

ويأمل المفاوضون أن تؤدي المحادثات إلى اتفاق الطرفين على إجراءات خفض التصعيد، وهذا يعني بالنسبة لإيران الموافقة على عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 60 بالمئة، وتحسين تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتعهد بعدم استهداف الأميركيين، حسبما قال مسؤول إيراني وشخص آخر مطلع على المحادثات.

ما يؤكد أن اتفاق واشنطن وطهران لا يتعلق فقط بتبادل الأسرى والأموال وأنه مقدمة لاتفاقات أخرى هو كشف صحيفة فايننشال تايمز البريطانية 16 أغسطس 2023، نقلا عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة تضغط على إيران للتوقف عن بيع طائرات مسيرة لروسيا في إطار مباحثات على "تفاهم غير مكتوب" أوسع نطاقا.

وأكدت الصحيفة أن واشنطن عرضت على إيران "تخفيف شدة تطبيق" العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني، وعدم فرض عقوبات جديدة في مجالات لا تتعلق بحقوق الإنسان.

وذلك مقابل وقف إيران تزويد روسيا بالطائرات المسيرة وتشديد موقفها من استخدام الموجود منها لدى موسكو في الحرب بأوكرانيا.

وذكرت الصحيفة أن تلك المناقشات جرت إلى جانب مفاوضات بشأن اتفاق لتبادل السجناء، وأن طهران أبلغت واشنطن أنها طلبت من موسكو وقف استخدام طائراتها المسيرة في أوكرانيا لكن واشنطن تريد من طهران موقفا أكثر حسما.

لكن إيران طلبت من الولايات المتحدة إقناع الحلفاء الأوروبيين بتخفيف الضغط عليها أيضا حيث يتعرض اقتصادها للاختناق بسبب العقوبات.

وقال مسؤول إيراني إن واشنطن ستمتنع في المقابل عن فرض عقوبات جديدة في بعض المجالات، باستثناء تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، ولن تراقب بشكل صارم العقوبات المفروضة بالفعل على مبيعات النفط.

وجاء قول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن 15 أغسطس 2023 إنه سيرحب بأي خطوات إيرانية لخفض تصعيد "تهديدها النووي المتنامي"، ليؤكد أن واشنطن وطهران تحاولان تخفيف حدة التوتر وإحياء محادثات أوسع نطاقا تتعلق ببرنامج إيران النووي. 

ويحذر محللون من أنه حتى لو وافقت إيران والولايات المتحدة على إجراءات خفض التصعيد، فإن القضية الأساسية المتعلقة بمعالجة الطموحات النووية لطهران تظل صعبة ومعقدة أكثر من أي وقت مضى.

مكاسب إيرانية

ضمن صفقة تبادل الأسرى المتوقعة، سيتم تحرير أكثر من 6 مليارات دولار إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات، وتحويلها إلى حساب مصرفي في قطر لاستخدامها من قبل طهران "للتجارة غير الخاضعة للعقوبات" لسلع مثل المواد الغذائية والطبية.

وقال مسؤولون إيرانيون إن الصفقة تشمل ما بين 6 و7 مليارات دولار جرى تجميدها نتيجة العقوبات وأكدوا أن الأموال ستحول إلى قطر قبل إرسالها إلى إيران.

هذا المبلغ الكبير ستستفيد منه طهران في شراء سلع ومنتجات عديدة تخفف بها عن موارد موازنتها النفطية لتوجيهها إلى مصادر أخرى مثل التسلح.

كما أن تخفيف أميركا العقوبات نسبيا عبر "تخفيف شدة تطبيق" العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني، سيسمح لإيران بزيادة واردتها النفطية وتحسين اقتصادها بعيدا عن العقوبات الغربية.

أيضا الكشف عن الصفقة سيخفف وفق مراقبين حالة التوتر في الخليج ومضيق هرمز حيث أرسلت واشنطن حشدا عسكريا كبيرا إلى تلك المنطقة أخيرا.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، إرنا، إنه سيجرى إطلاق سراح خمسة إيرانيين من السجون الأميركية مقابل خمسة آخرين في إيران.

وسعت طهران على مدى سنوات إلى الإفراج عن أكثر من 12 إيرانيا محتجزين في الولايات المتحدة، بينهم سبعة مزدوجو الجنسية، وإيرانيان يحملان إقامة دائمة في الولايات المتحدة، وأربعة إيرانيين ليس لديهم وضع قانوني.

مع هذا يرفض المسؤولون الأميركيون التعليق على هوية أو عدد السجناء الإيرانيين الذين قد يجرى إطلاق سراحهم في اتفاق نهائي. 

لكن وسائل الإعلام الإيرانية سبق أن حددت عدة سجناء قالت إن لديهم "قضايا مرتبطة بانتهاكات لقوانين التصدير الأميركية والقيود المفروضة على التعامل مع إيران"، بحسب مجلة "تايم" الأميركية 11 أغسطس 2023.

وتشمل هذه الانتهاكات تحويل الأموال عبر فنزويلا ومبيعات معدات ذات استخدام مزدوج تزعم الولايات المتحدة أنه يمكن استخدامها في برامج إيران العسكرية والنووية. 

إذ تعمل إيران على تخصيب اليورانيوم وتخزينه كجزء من برنامجها النووي المتقدم، وفق الاتهامات الغربية.

والأهم من كل ذلك، أنه برغم تضررها من العقوبات، فإن إيران حققت تفوقا كبيرا في برنامجها النووي، لم تكن تحلم به بفضل ردها على العقوبات، ليس فقط قدرتها على إنتاج سلاح نووي ولكن الاستفادة من برنامجها النووي علميا.

وقد شرح ذلك رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي في تصريح يوم 13 أغسطس 2023 بقوله: "لدينا اليوم أكثر من 300 نوع من المشتقات الثقيلة التي يعادل كل جرام منها آلاف الدولارات وهي مكاسب علمية كانت محرمة علينا في السابق".

ومطلع مارس 2023، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت على جزيئات من اليورانيوم خصبت إلى درجة 83.7 بالمئة، وهي درجة قريبة جداً من التخصيب اللازم لصناعة أسلحة نووية، في مفاعل فوردو النووي تحت الأرض في إيران.

وقالت الوكالة، في التقرير الذي نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، إنها تناقش الأمر مع السلطات المعنية في طهران بهدف الحصول على "توضيح لهذا الأمر" من إيران.

وبدورها، أوضحت الجمهورية الإسلامية أن وجود هذه الجزيئات ربما يكون نتيجة "تقلبات غير مقصودة" في مستويات تخصيب اليورانيوم.

وتصل درجة تخصيب اليورانيوم المعلنة في المفاعلات النووية الإيرانية إلى 60 بالمئة منذ عامين في خرق واضح للاتفاق النووي بين القوى العالمية وطهران الذي وقّع في 2015.