كيف تستغل أوروبا إفريقيا في إنتاج منتجات كربونية وتعاقبها على انبعاثاتها؟

12

طباعة

مشاركة

اتهم موقع صيني الدول المتقدمة باستغلال نظيرتها النامية، تحت ستار محاربة تغير المناخ، واصفا ذلك بـ"الاستعمار الأخضر".

وفي مقال نشره موقع "الصين نت"، قال أستاذ بكلية العلاقات الدولية بجامعة بكين، وانغ شو إنه في الآونة الأخيرة، هناك انتقادات متعددة لسياسات المناخ في أوروبا، حتى إن البعض اتهمها بأنها تمارس "استعمارا أخضر".

ووفق الأستاذ الصيني، فإن مصطلح "الاستعمار الأخضر"، يشير بشكل عام إلى البلدان المتقدمة التي تستغل الموارد الطبيعية للدول النامية، وتضحي بالبيئة الإيكولوجية (علم البيئة) وتحرمها من الحق في التنمية المستقلة.

وأوضح "شو" أن هذا النوع من "الاستعمار الأخضر"، يختلف عن التقليدي، ويمثل شكلا جديدا من أشكال استغلال الدول المتقدمة للدول النامية في عصر العولمة الاقتصادية".

استعمار سري

وأفاد "شو" بأن هذا المصطلح، يُعرف أيضا باسم "الاستعمار البيئي" أو "الكربوني"، مشيرا إلى أنه "أكثر سرية من الاستعمار التقليدي، لكنه مدمّر بالقدر نفسه".

وقال: "لطالما انتقد الغرب البلدان النامية -التي يشار إليها غالبا باسم الجنوب العالمي- بصفتها المصدر الرئيس لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما أنه يعدها عوائق رئيسة لخفض الانبعاثات".

لكن في الواقع، يفتقر الغرب إلى السلطة الأخلاقية للتنظير على الدول الأخرى -وفق الأستاذ الصيني- حيث تشير الأبحاث إلى أنه في عام 2015، تسبب الشمال العالمي في زيادة هائلة من انبعاثات الكربون، بنسبة 92 بالمئة.

"بينما، في المقابل، أسهم الجنوب العالمي بنسبة 8 بالمئة فقط"، وفق تقدير الأكاديمي الصيني.

وعلاوة على ذلك، تُظهِر التقديرات المبنية على انبعاثات الكربون التراكمية للفرد أن بعض الدول الواردة في قائمة أعلى عشر دول من حيث التراكم الكلي للانبعاثات، تمثل 10 بالمئة فقط من إجمالي سكان العالم.

وذكر "شو" أن هذه الدول تشمل الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، واليابان، مشيرا إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية من هذه القائمة، تمثل 39 بالمئة من الإجمالي العالمي.

وفي المقابل، وعلى الرغم من أن الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا تمثل مجتمعة 42 بالمئة من سكان العالم، فإن انبعاثاتها التراكمية من ثاني أكسيد الكربون لا تشكل سوى 23 بالمئة من الإجمالي العالمي.

وأقر الكاتب الصيني بأن "أوروبا اتخذت خطوات كبيرة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".

"ومع ذلك، فإن العامل الحاسم الذي يسهم في هذا التقدم، هو الاستعانة بمصادر خارجية لاحتضان الصناعات التقليدية القادمة من أوروبا"، وفق "شو".

معاقبة إفريقيا

وأضاف: "شهدت أوروبا في مراحل تطورها الرأسمالي المتأخر، انتقال العديد من الصناعات على نطاق واسع، سعيا وراء خفض تكاليف الإنتاج، وزيادة الأرباح".

وأفاد بأن "الصناعات ذات المستويات العالية من التلوث والانبعاثات واجهت قيودا بسبب السياسات الأوروبية، مما دفعها إلى الانتقال إلى دول نامية".

وأوضح "ومع ذلك، فإنه عندما تستورد أوروبا المنتجات التي تسبب انبعاثات عالية من الكربون من البلدان النامية، فإنها تفرض ضرائب جمركية عليها، كغرامات لانبعاثاتها المفرطة".

وتابع: "وفي جوهر هذه العملية، فإن أوروبا تستفيد من إنتاج منتجات عالية الكربون في البلدان النامية دون تحمل المسؤوليات".

"ولا تتحمل هذه الدول النامية تأثير الانبعاثات فحسب، بل تواجه أيضا انتقادات وعقوبات من الدول المتقدمة"، حسب "شو".

وفي مايو/أيار 2022، زار المستشار الألماني، أولاف شولتز، إفريقيا بحثا عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي.

واتفقت الجزائر والنيجر ونيجيريا على بناء خط أنابيب للغاز، عبر الصحراء الكبرى، لتزويد أوروبا بالغاز.

كما أظهر الاتحاد الأوروبي اهتماما متزايدا بهذا المشروع، كمحاولة لتنويع مصادر الطاقة لديه، ومع ذلك، فقد واجه المشروع عقبات في تقدمه، وفق الأكاديمي الصيني.

وقال إنه "بغض النظر عن المخاوف الأمنية في إفريقيا، فإن هناك سببا مهما يكمن في موقف أوروبا تجاه القارة المذكورة".

غطرسة أوروبية

هذا السبب أشار إليه مؤسس ومدير مركز "باور شيفت آفريكا" للبحوث المناخية، محمد أدو، الذي قال، عام 2022، إن أوروبا تحاول جعل إفريقيا "محطة وقودها".

وأردف "أدو" أن "أوروبا فشلت في توفير التمويل الكافي لتعزيز الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية".

وأضاف "لا يمكننا أن نسمح لإفريقيا -التي فاتها التصنيع القائم على الوقود الأحفوري- بأن تصبح الآن ضحية للمصالح الاستعمارية الأنانية قصيرة النظر، وخاصة تلك القادمة من أوروبا".

وكان المبعوث الأميركي الخاص المعني بتغير المناخ، جون كيري، قد صرح في 2022، بأن الغاز -بما في ذلك في إفريقيا- "سيكون جزءا من هذا التحول الأخضر للطاقة بالتأكيد، إذا جرت إدارته بشكل صحيح وفعال".

كما تعرضت الدول الأوروبية -بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا- لانتقادات من قبل ناشطي المناخ، لتشجيعها حكومات دول إفريقية، مثل السنغال ونيجيريا وموزمبيق، خلف الأبواب المغلقة، على تطوير وتصدير احتياطياتها من الغاز الأحفوري.

بدوره، أوضح "شو" أنه "لطالما كانت عملية تحول الطاقة في أوروبا مستمرة، غير أنه، وفي خضم التهديد المتزايد لتغير المناخ عالميا، والحاجة الملحة للطاقة، بعد نشوب الصراع الروسي-الأوكراني، تسارع هذا التحول بشكل كبير".

وأردف: "يعود سبب تقدير أوروبا للصناعات الخضراء، في المقام الأول، إلى أنها اتخذت زمام المبادرة في وقت مبكر بهذا المجال، مع تمتعها بمزايا تكنولوجية نسبية، وخبرات غنية".

وأشار الكاتب الصيني إلى أن "أوروبا متخلفة عن الركب في الاقتصاد الرقمي، لذا فهي تريد التركيز على الصناعة الخضراء، والتي تعد عنصرا أساسيا في تشكيل قدرتها التنافسية في المستقبل".

وفي الوقت نفسه، فإن "اكتساب اليد العليا في هذا المجال يعني إمكانية السيطرة على صياغة القواعد (التجارية)، وهي قوة ناعمة معنوية سعت أوروبا -التي تفتقر إلى القوة الخشنة- لامتلاكها"، حسب "شو".

وأكد الأكاديمي الصيني أنه "لطالما كانت أوروبا طموحة في مجال الصناعات الخضراء".

ويرى أن "جوهر غطرسة أوروبا وعنادها يكمن في شعورها بالمركزية، لكن لم يعد العالم يعيش في ذلك العصر، الذي كانت فيه القارة العجوز قوة إقليمية كبرى". وشدد "شو" على أن "قضية تغير المناخ تتطلب من جميع الدول العمل معا".

وختم بالقول: "إذا كانت أوروبا تتشدق فقط بالمساواة، ولكنها لا تزال متمسكة بالعقلية الاستعمارية البالية، فإن التعاون معها سيكون مستحيلا، وستتباعد توقعاتها عن الواقع بشكل متزايد".