جرعات أدوية وعلاج نفسي.. هكذا تنتقم إيران من المعترضات على ارتداء الحجاب
اتسع نطاق الاعتراضات في إيران أخيرا، على إحالة النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الإلزامي إلى الأطباء النفسيين والأخصائيين في علم النفس.
وفي هذا السياق، احتجت أربع جمعيات للطب النفسي وعلم النفس على إصدار مثل هذه الأحكام القضائية من قبل القضاء الإيراني.
وفي رسالة إلى الأمم المتحدة، وصفت جمعية علماء النفس والأطباء النفسيين الإيرانيين في أميركا الشمالية، إصدار مثل هذه الأحكام بأنه "استخدام للعلم كأداة للقمع"، وعدته مظهرا آخر من مظاهر انتهاك الحكومة الإيرانية لحقوق الإنسان.
أعد هذه الرسالة ووقعها العشرات من الأطباء النفسيين من أصل إيراني في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وانضم إليهم فيما بعد متخصصون من أماكن أخرى في العالم.
وطالب الموقعون على الرسالة التي أرسلت إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، باتخاذ إجراءات حاسمة وإجراء تحقيق من قبل بعثة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة الأممية في هذا الشأن.
جاء في هذه الرسالة أن المحاكم الإيرانية حكمت على عدة نساء ممن يرفضن الحجاب الإلزامي بمقابلة طبيب نفسي.
وجاء في جزء آخر منها: "أدرج قضاة الحكومة تشخيصات زائفة للشخصية والسلوك المعادي للمجتمع في الأحكام الصادرة عنهم، وألزموا النساء اللاتي يعارضن الحجاب الإلزامي بالذهاب إلى جلسات العلاج النفسي الأسبوعية لتغيير سلوكهن ورأيهن".
وبحسب الموقعين على الرسالة، فإنه من دون ضغط وتدخل دوليين، ستزداد حالات انتهاك حقوق الإنسان والأضرار التي لا يمكن إصلاحها للصحة العقلية للمعارضين في إيران، كما ستؤدي إلى فقدان ثقة الجمهور في الطب النفسي وعلم النفس.
فقدان الثقة
وفي تعليقه على هذه القضية، قال موقع إيران واير، إنه منذ ظهور حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، احتج المجتمع الطبي مرارا وتكرارا على سلوكيات الأجهزة الأمنية والنظام القضائي، ومنها إساءة استخدام سيارات الإسعاف في نقل المعتقلين، ومنع العلاج عن المتظاهرين الموقوفين.
ويقصد بحركة "المرأة، الحياة، الحرية"، تلك المظاهرات التي اندلعت في 16 سبتمبر/أيلول 2022، في إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.
وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.
وبعد هذه الحادثة، بدأ صوت مجتمع الأطباء النفسيين يعلو اعتراضا على إصدار أوامر الإحالة الإلزامية إلى الطبيب النفسي.
وبدورها، تحدثت نوشين رنجبر، أستاذة الطب النفسي الإيرانية في جامعة أريزونا الأميركية، عن تجربة أحد المعالجين النفسيين في إيران عندما واجه امرأة أجبرت على مقابلته بأمر من المحكمة، بسبب عدم ارتدائها الحجاب.
أوضحت هذه الأخصائية النفسية أنها كامرأة ليس لديها ما تقوله للمرأة التي أمرها القاضي بالذهاب إليها لمدة 10 جلسات.
وأكدت رنجبر، وهي واحدة من الموقعين على الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة، أن إصدار هذه الأحكام وإجبار الناس على زيارة الأطباء النفسيين بسبب معتقداتهم يضر بهوية العلاج النفسي.
وأضافت: "ما يراه الناس هو أن البعض يتعين عليه الذهاب إلى طبيب نفسي بسبب رأيه، وهو ما قد يؤدي إلى إحجامهم عن تلقي العلاج النفسي عندما يحتاجون إليه فعلا".
كما قالت أناهيتا بصيرنيا، الطبيبة النفسية والأستاذة المساعدة في جامعة ييل الأميركية، إن هذه الأحكام تهز مكانة الطب النفسي وعلم النفس في المجتمع بشكل عام وثقة الناس في هذه العلوم، وهو ما يؤثر على المهنيين.
وأوضحت بصيرنيا وهي من الموقعين على الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة أيضا: "قد يعتقد الناس أن الطبيب النفسي أو الخبير بعلم النفس يمكن أن يغير أفكار الناس ومعتقداتهم، في حين أن هذا ليس صحيحا على الإطلاق".
وبينت أنهم "قد يشعرون أن الأطباء النفسيين وعلماء النفس يقفون إلى جانب السلطة، وهذا أيضا غير صحيح".
وأكدت بصيرنيا أن استخدام هذه الخبرة كأداة للقمع يُعد أحد أسباب احتجاج علماء النفس والأطباء النفسيين داخل إيران وخارجها على مثل هذه الأحكام.
أداة للقمع
سلط الموقع الضوء على تاريخ استخدام علم النفس كأداة للقمع فقال إن للإساءة السياسية للطب النفسي تاريخا طويلا في الحكومات الشمولية.
وبعد بحث بسيط في المقالات العلمية والتاريخية، تشير جميع الأدلة إلى أن الأكثر استخداما لهذه الوسيلة كانت حكومة الاتحاد السوفيتي السابق.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، مازالت جمهورية الصين الشعبية تتبع فكرة وضع المعارضين والمنتقدين في مستشفيات الأمراض العقلية.
ونقل الموقع الإيراني عن مقالة تضمنت مراجعة تاريخية لإساءة استخدام الطب النفسي، أن المسؤولين في الحكومة السوفيتية كانوا يعتقدون آنذاك أنهم قدموا للناس أفضل شكل من أشكال الحكم، وأنه "إذا خالف أي شخص هذه السلطة التي أوجدت مجتمعا مثاليا فهو مجنون".
على ضوء هذه الفكرة، اشتد الضغط على المعارضين لإيداعهم في مستشفيات الأمراض العقلية، وفق المقالة التي كتبها الناشط الهولندي روبرت فان فورين.
ووصل الأمر في مرحلة ما إلى حد أن ثلث السجناء السياسيين كانوا في مستشفيات الأمراض العقلية، وهو ما لقي معارضة من علماء النفس والأطباء النفسيين في ثمانينيات القرن العشرين.
وحول إساءة استخدام الطب النفسي من قبل الحكومة الإيرانية، ينقل الموقع عن أناهيتا بصيرنيا، أن الحكم على بعض النساء بالخضوع لهذه الجلسات أو إعطائهن جرعات قسرية عالية من الأدوية النفسية، أمر غير مقبول، وغير علمي، وغير أخلاقي للغاية.
ولهذا السبب، احتج علماء النفس والأطباء النفسيون داخل إيران وخارجها على ذلك، وفق بصيرنيا.
وأكدت أنه لا يحق لأحد إجبار شخص ما على الخضوع لعلاج نفسي، حتى لو كان يعاني من اضطراب عقلي، فهذه ليست جريمة يفترض أن تصدر المحكمة حكما بشأنها.
ولا يمكن لأحد أن يفرض العلاج النفسي على أي شخص باستثناء الحالات التي يكون لدى صاحبها إمكانية إيذاء نفسه أو الآخرين، بحسب الطبيبة.
الاضطراب النفسي
وبدورها، أوضحت نوشين رنجبر، أن طاقم الطب النفسي مخصص لأولئك الذين يعانون من مرض عقلي أو اضطراب نفسي، ويريدون الحصول على المساعدة من تلقاء أنفسهم.
وإذا شخّص المعالج النفسي اضطرابا ما، فإن عملية العلاج يجرى تقديمها بالتعاون مع المريض.
وأضافت: "الآن، في ظل الوضع الحالي لإيران، يجرى إخبار النساء اللاتي يتصرفن ضد قانون الحجاب الإلزامي بوجوب الحصول على جلسات علاج نفسي، وهذا إهانة كبيرة لإنسانية هؤلاء الناس، ولحريتهم، وإساءة لطاقم الأطباء".
يذكر الموقع أنه من الأشياء التي اعترض عليها علماء النفس والأطباء النفسيون، تشخيص "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع" من قبل القاضي.
فالقاضي يحكم بأن المرأة التي تظهر علانية بدون حجاب إجباري تعاني من هذا الاضطراب النفسي، ويجب أن تذهب إلى جلسات علاج كل أسبوعين.
وحول اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، تقول نوشين رنجبر، إن هذا التشخيص لا ينبغي أن يجريه إلا أخصائي أو طبيب نفسي لأن من يعاني منه ينتهك باستمرار حقوق الآخرين ويؤذيهم دون الشعور بالضيق أو الذنب.
وذكرت أنه "عادة ما يكون مثل هذا التشخيص لمَن لا يستطيع التمييز أخلاقيا بين الصواب والخطأ، وقد يرتكب جرائم مثل السرقة أو الطعن أو نهب الممتلكات".
وأردفت: "لا يمكن للشرطة أو القاضي تشخيص مثل هذا الاضطراب، ولكن للأسف، لوحظ أن هذه الكلمة والتخصص يساء استخدامهما لوصم الأشخاص الذين يدافعون عن حقوقهم الإنسانية".
أما أناهيتا بصيرنيا فقد أكدت أن الطبيب أو الأخصائي النفسي فقط هو الذي يمكنه تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بعد المقابلات السريرية.
وقالت إنه حتى لو كان الشخص مصابا باضطراب عقلي، فلا يمكن جعل ذلك جريمة، ولا ينبغي النظر إلى العلاج النفسي على أنه عمل إلزامي من جانب القاضي.