"شبيبة التلال".. مليشيات يهودية متطرفة تشعل الضفة ولا تردعها حكومة أو قانون
في الآونة الأخيرة، بدأت تتكاثر الأحاديث الإسرائيلية عن "مليشيات يهودية" بدأ يتعاظم خطرها في الضفة الغربية يوما وراء يوم، فيما ترى أصوات عبرية أنها تمثل خطرا على إسرائيل نفسها نظرا، لأنه لا تردعها حكومة أو قانون.
وفي مقال له، نشره موقع "زمان" العبري، قال المحلل الأمني والعسكري الإسرائيلي، أمير بار شالوم، إن مراسل القناة 12 الإسرائيلية، جلعاد شالمور، أمضى أسبوعا كاملا، خلال عام 2021، مع ما يُعرفون بــ"شبيبة التلال" أو "فتية التلال".
وأوضح شالوم أن "البطل الرئيس في هذه السلسلة من المقابلات التي أعدتها القناة، كان إليشا يارد، الشخصية المركزية في منطقة تلال السامرة (جبال الضفة الغربية)، والذي استقطب العديد من الشبان خلفه".
وأضاف أن هذه السلسلة صُورت بعد عملية طويلة من الإجراءات والتصاريح، حيث أجرى شالمور سلسلة من المقابلات مع "شبيبة التلال".
شبيبة التلال
و"شبيبة التلال" هم مستوطنون متطرفون، يشنون هجمات متواصلة على الفلسطينيين وممتلكاتهم والمقدسات الإسلامية والمسيحية، تحت شعار "تدفيع الثمن".
وحسب المقال، فإنه أخيرا، وبالتحديد في 7 أغسطس/آب 2023، بثت "القناة 12" مقتطفات من هذه المقابلات، التي صُورت في نفس الشهر من عام 2021، وبدت المقاطع حديثة وحية، كما لو أنها صُوّرت هذا الأسبوع.
ووفق المحلل العسكري، فإن "هذا يعني أنه لم يتغير الكثير في العامين الماضيين، وعلى فرض حدوث تغيير، فإنه فقط للأسوأ".
وبين أن مراسل القناة 12 الإسرائيلية أخبره بأن المستوطن "إليشا يارد شخصية كاريزمية استثنائية، حيث يمكنه إصدار أمر غير منطقي، وسيقف أتباعه على الفور لتنفيذها".
"كان هذا ملموسا، على سبيل المثال، عند زراعة الأشجار في درجة حرارة تصل إلى 35 درجة مئوية خلال ساعات الظهيرة، ولم يعلق أحد من أتباعه على هذا الأمر"، حسب الصحفي شالمور.
وأردف: "يحدث ذلك، رغم أن هؤلاء الشبان ليس فوقهم أي سلطة أخرى تجعلهم يطيعونه، لا سلطة سياسية ولا دينية ولا أبوية".
وأشار المقال إلى أن "يارد"، الذي يعيش في بؤرة "رمات ميغرون" الاستيطانية غير القانونية (قرب رام الله)، هو أحد المتهمين في قضية مقتل الشاب الفلسطيني، قصي معطان، في قرية برقة ليلة 4 أغسطس 2023.
لكن في مساء 8 أغسطس، قررت ما تسمى محكمة "الصلح الإسرائيلية"، الإفراج عن "يارد"، وتحويله للحبس المنزلي بضمان مكان إقامته.
مليشيات متطرفة
وكان "يارد" يعمل كمتحدث باسم عضو البرلمان الإسرائيلي، ليمور سون هار ميليخ، غير أنه بعد عدة أشهر، أوقف نشاطه السياسي معه، وعاد إلى أعماله الاستيطانية، على خلفية تزايد الهجمات وحالات إخلاء البؤر الاستيطانية.
وقال المحلل الأمني شالوم: "ليس من قبيل الصدفة أننا كثيرا ما نسمع مصطلح مليشيا في الآونة الأخيرة، في سياق أنشطة اليمين المتطرف في يهودا والسامرة (الاسم اليهودي للضفة الغربية)".
وبات يظهر مصطلح "المليشيات" في النقاشات، حول تقييمات الوضع الأمني على جميع المستويات، العسكرية والسياسية، وفق شالوم.
وأضاف أن "التحذيرات الموجهة من رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ليست أمرا جديدا".
فقد جرى التعبير عن انتقادات أكثر حدة في اجتماعهما بعد "أحداث حوارة" في فبراير/شباط 2023، عندما اقتحم مئات المستوطنين قرية فلسطينية وأشعلوا النيران في العديد من المنازل والسيارات"، وفق المقال.
"ولهذا السبب وافق وزير الدفاع، يوآف غالانت، بعد ذلك على ثماني مذكرات توقيف إداري ضد بعض الناشطين (الإسرائيليين)، ومن غير المرجح أن يوافق على أوامر توقيف إضافية قريبا".
ونقل شالوم عن مسؤول أمني قوله: "إذا كان هناك شيء يجب أن يقلقنا بشكل كبير، فهو حقيقة وجود عملية تجري بشكل مستقل تماما عن المؤسسات الحكومية".
"فعندما تتعقد الأمور في عمليات تظاهر، أو وجود تجمع مسلح في قرية فلسطينية، فإن النداء الأول يُوَجَّه إلى الناشطين المسلحين من اليمين، الذين يتواجدون في المنطقة".
انحسار دور الجيش
وتابع: "إنهم لا يدعون جيش الدفاع الإسرائيلي، بل يدعون ناشطين مسلحين آخرين"، وفق وصفه.
وأوضح المقال أن "هذا هو بالضبط ما حدث يوم الجمعة في برقة (الاعتداء الذي استشهد فيه الشاب الفلسطيني، قصي معطان)".
"فالاتصال الأول جاء من الفلسطينيين إلى الإدارة المدنية (الإسرائيلية)، بينما وصلت الرسالة من رئيس المستوطنة إلى الجيش بعد 50 دقيقة".
وجاء هذا الاتصال "فقط بعد أن تبين للمتمردين (المليشيات الإسرائيلية) أنهم في وضع غير مؤات أمام عشرات أو ربما مئات الفلسطينيين"، وفق شالوم.
وأوضح المحلل العسكري الإسرائيلي أنه "في المؤسسة الأمنية، كان هناك حديث أخيرا عن ظاهرة أصبحت ملحوظة للغاية، فيما يتعلق بأنشطة اليمين المتطرف".
وأردف: "فحقيقة أن أكثر من 200 مواطن إسرائيلي شاركوا في أحداث حوارة، في فبراير 2023، أضاءت الضوء الأحمر في وحدة اليهود، داخل جهاز الشاباك".
وقال مصدر أمني: "في وقت قصير جدا، شهدنا تحولا حادا من نشاط فردي، إلى آخر منظم ومتسلسل، شمل في البداية العشرات ثم المئات من الناشطين اليمينيين".
وذكر شالوم أن كل ناشط من هذا النوع يحصل على دعم قانوني فوري تقدمه منظمة "حنينو" الحقوقية اليمينية، التي تعرض خدمات قانونية على مدار 24 ساعة طيلة الأسبوع، حتى خلال أيام السبت والعطلات الرسمية.
وهذا ما تدل عليه المراسلات التي أجراها الصحفي في صحيفة "هآرتس"، حاييم ليفينسون، باسم مستعار مع المحامية، ناتي روم، في يوم السبت الماضي (5 أغسطس)، مباشرة بعد أن اعتقلت الشرطة "يارد"، وبعض المحيطين به.
وأشار المحلل الإسرائيلي إلى أن الناشطين اليمينيين "حضروا ورشات عمل حول كيفية التعامل مع التحقيقات التي يجريها جهاز الأمن العام والشرطة، كما أنهم يتلقون تدريبات حول ما يجب فعله في حال وقوعهم في أسر العدو".
دور "بن غفير"
وتابع: "بالمناسبة، فإن الشخص الذي وضع أسس هذه المعرفة ليس سوى وزير الأمن القومي الحالي، إيتمار بن غفير، الذي قدم في وقت سابق دورة تدريبية خاصة بالتحقيقات لشباب منظمة "لاهافا" اليمينية".
وأردف: "يبرز هنا بشكل كبير هذا الصمت المطبق من قِبل القادة في يهودا والسامرة، وخاصة رؤساء المجالس المحلية".
ووفق مسؤول أمني على اتصال دائم برؤساء المستوطنات، فإنهم يرون "أنهم في عام انتخابات، ولا أحد يريد من هؤلاء المسؤولين أن يرتكب أي أخطاء انتخابية".
وأكد مراسل القناة 12 العبرية، جلعاد شالمور، أننا "بحاجة إلى فهم الفكرة الأساسية لشبيبة التلال".
وأضاف: "إنهم يحتقرون الدولة والقانون الإسرائيلي، الذي يعد في نظرهم متساهلا، ويخلق لهم واقعا خطيرا يواجهونه بشكل يومي".
كما أنهم "يحتقرون المستوطنين الآخرين الذين يعيشون في المستوطنات المحاطة بالسياج"، وفق شالمور.
وشدد المحلل الأمني شالوم على أن "الصورة التي يجري رسمها في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي -الذي يحتك يوميا بهؤلاء الأشخاص- مقلقة للغاية".
كذلك فإن الرسائل الواضحة من بن غفير، والصمت المتعمد من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، تبث روح الشك في المنطقة، بحسب تعبيره.
وأفاد المقال بأنه "صدرت في الأسبوع الماضي (مطلع أغسطس) أوامر هدم لعدد من المباني (الوحدات الاستيطانية) في المنطقة، من المفترض أن تُهدم خلال الأيام التالية، لكن من المشكوك فيه أن يحدث ذلك، لأن بن غفير يماطل في إخلاء البؤرة الاستيطانية منذ عدة أشهر".