أثار الفوضى وانتهك الدستور.. لماذا اختار السيسي رئيس محكمة النقض من خارج أقدم سبعة؟ 

12

طباعة

مشاركة

في 27 يوليو/ تموز 2023، رفع المحامي المصري ناصر أمين، دعوى أمام مجلس الدولة، ضد قرار رئيس النظام عبد الفتاح السيسي بتعيين رئيس لمحكمة النقض، تخالف صفاته أحكام الدستور.

ومجلس الدولة هو أحد الأعمدة الثلاثة التي تشكل السلطة القضائية في مصر، (المحكمة الدستورية العليا، محكمة النقض، مجلس الدولة)، ويختص في المنازعات الإدارية بين الأفراد والجهات الحاكمة، ولديه سلطة إلغاء قرارات الحكومة.

وفي 9 يوليو 2023، عين السيسي ثلاثة رؤساء جدد لمحكمة النقض، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية على التوالي، وتضمنت التعيينات المستشار حسني عبد اللطيف، رئيسًا لمحكمة النقض، رغم أنه من خارج قاعدة أقدم 7 نواب.

ولأن المادة 44 من قانون السلطة القضائية الذي عدله السيسي بنفسه في يونيو/ حزيران 2019 ليضمن السيطرة على القضاء، تنص على أن يتم اختيار رئيس محكمة النقض من بين أقدم سبعة نواب لرئيس المحكمة، عد قانونيون قرار السيسي "باطلا".

وهذه هي "المرة الأولى" التي يتخطى فيها السيسي أقدمية نواب رئيس المحكمة السبعة، ففي قرارات تعيين رؤساء المحكمة في المرات السابقة كان يتم تخطي أقدمية عضو أو اثنين أو ثلاثة على أقصى تقدير، لا كل السبعة!

والنقض محكمة عليا ومهمتها ليس الفصل بين المتقاضين أو محاكمة المتهمين كغيرها من المحاكم الأخرى، بل تتولى مراقبة هذه المحاكم إذا كان هناك خطأ في تطبيق القانون أو قصور في تسبيب الأحكام أو فساد في الاستدلال.

قرار باطل

والدعوى القضائية التي قدمها المحامي "أمين" يختصم فيها السيسي ويطالب المحكمة أن تلغي بحكم قضائي منها "قراره" تثير إشكاليات عديدة.

فقضاة مجلس الدولة المنوط بهم الحكم في الدعوى يعينهم السيسي، ولو حكموا ببطلان قراره سيضعون أنفسهم في مواجهة بطش السلطة وحرمانهم من امتيازات لا يحصل عليها سوى الموالون.

ولو رفض مجلس الدولة الدعوى سيكون هذا الحكم مؤشرا على حجم هيمنة السيسي علي القضاة.

وبحسب ما قال المحامي أمين عبر حسابه على تويتر، فإن قرار السيسي "باطل" لإصابته بعيوب جوهرية منها "عيب الشكل والانحراف بالسلطة ومخالفة القانون".

والسبب، أن السيسي لا يملك حق الاختيار من خارج أقدم سبعة مستشارين بمحكمة النقض، والدستور لم يحدد أية استثناءات تتعلق بندب أو إعارة أي مستشار.

"أمين" قال في دعواه التي حملت رقم 65897 لسنة 77 قضائية، إن قرار السيسي بتعيين "عبد اللطيف" رئيسًا لمحكمة النقض صدر بالمخالفة لأحكام الدستور، والذي ينص في المادة 185 منه على أن يُعين رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم سبعة من نوابهم.

اثنان من القضاة المرشحين ضمن السبعة الأقدمين من نواب رئيس النقض، قالا لموقع "مدى مصر" المحلي في 10 يوليو 2023، إنهما يشككان في قرار السيسي من الناحية القانونية.

ورأيا أن استبعاد المستشار الخامس في الترتيب بسبب انتدابه لوزارة العدل حجة واهية ومبرر غير منطقي، وأن اختيار عبد اللطيف لرئاسة المحكمة مخالفة صريحة للدستور.

قالا إن فترة رئاسة "محمد عيد محجوب" لمجلس القضاء الأعلى وللمحكمة، انتهت في 30 مايو/ آيار 2023 ببلوغه سن التقاعد (70 عامًا).

وأنه عقب نهاية العام القضائي في 30 يونيو/ حزيران 2023، أرسل المجلس الأعلى للقضاء إلى وزارة العدل أسماء أقدم سبعة مستشارين بالمحكمة، لعرضها على السيسي لاختيار رئيس الهيئة الجديد من بينها، لكنه اختار من هو في الترتيب الثامن.

"نائب ثانٍ لرئيس محكمة النقض" قال لـ"مدى مصر" إن قرار السيسي مخالفة صريحة للدستور، ودليل على عدم تقيد السلطة بأية قواعد عند اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية.

وأوضح أن قرار تعيين رئيس "النقض" الجديد، والذي بموجبه جرى استبعاد سبعة قضاة مرشحين تم بموجب "التقارير الأمنية والحسابات السياسية".

وشدد على أن الحديث عن استبعاد "سدرة" بسبب انتدابه لوزارة العدل هو حجة واهية ومبرر غير منطقي.

مصدر آخر بمحكمة النقض قال: "هل ممكن أي قاضي يرفض منصب رئيس محكمة النقض الذي يعادل درجة وزير في الراتب والمعاش وجميع الامتيازات ويتمسك بمنصب مساعد وزير؟".

وأوضح أنه لا يوجد قانون ما يمنع من إنهاء ندب "سدرة" لوزارة العدل وعودته لعمله القضائي في حال اختياره لرئاسة المحكمة.

لماذا استبعد القضاة الأقدم؟

المستشارون السبعة الذين استبعدهم الرئيس من رئاسة المحكمة بترتيب أقدمية تعيينهم في المحكمة، من الأقدم للأحدث هم: محمود سعيد محمود السيد، عبد العزيز إبراهيم الطنطاوي، عادل السيد السعيد الكنانى، حمد عبد اللطيف عبد الجواد، هاني حنا سدرة، عاصم عبد اللطيف الغايش، محمد سامي إبراهيم السيسي.

وبرر مصدر قضائي بمحكمة النقض خروج السيسي عن قاعدة الاختيار من نواب السبعة بأن أحدهم معار لجهة حكومية وبالتالي فهم ستة فقط، لذلك تم تصعيد الثامن، ليصبح سابعا، والذي بالمصادفة تم اختياره هو رئيسا لمحكمة النقض!

وقال المصدر القضائي لموقع "مدى مصر" في 10 يوليو، إن أحد نواب رئيس محكمة النقض السبعة، وهو المستشار هاني حنا سدرة، تولي منصب مساعد وزير العدل لشؤون التشريع، ولم يعتل منصة محكمة النقض من قبل.

لذلك حل محله في الترشيحات "عبد اللطيف"، تاليًا له في أقدمية كأقدم سابع نائب لرئيس المحكمة، وتم اختياره من قبل السيسي!.

مصدر قضائي آخر برر استبعاد السبعة لصحيفة "العربي الجديد" في 16 يوليو، بأن "التقارير الأمنية المختلفة التي وردت إليه أكدت أن هناك 5 قضاة منهم يعانون من أمراض مزمنة تعوق توليهم منصبهم "الحسّاس".

قال إنه تم استبعاد هؤلاء الخمسة بزعم أنهم "غير لائقين طبياً"، وهناك ما يعوق أداءهم عملهم، واستبعاد سادس (غير معروف) من الاختيار "لوجود مانع أمني وفق التقارير الخاصة المرسلة إلى السيسي"!

والسابع المستبعد هو المستشار هاني حنا، بدعوى أن تعيينه سيكون مخالفاً للقوانين واللوائح الخاصة بمحكمة النقض، ومن ثم وجد أن اختياره من الممكن أن يبطل القرار الجمهوري وما يترتب عليه من آثار خاصة بتعيينه".

حيث تنص لوائح وأعراف محكمة النقض على أن من يعين رئيساً لمحكمة النقض من نواب رئيس محكمة النقض، يجب أن يعتلي منصة محكمة النقض قبل توليه المنصب بمدة لا تقل عن سنتين على الأقل.

والمستشار هاني حنا، يتولى حالياً منصب مساعد وزير العدل لشؤون التشريع، ولم يعتل منصة محكمة النقض في آخر سنتين، وحصل على منصب نائب رئيس محكمة النقض بحكم أقدميته في المحكمة فقط.

لذا عده السيسي "معتذرا ضمنيا عن رئاسة المحكمة، لعدم اعتذاره عن الاستمرار في ندبه في وزارة العدل، وعودته إلى محكمة النقض قبل موعد كافٍ من بلوغ محجوب سن التقاعد".

دلالات القرار

كان مفارقة غريبة أنه رغم أن السيسي هو من عدل الدستور وقانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، خصيصاً لضمان سيطرته على القضاة، واختيار رؤساء الهيئات القضائية الموالين لا المعارضين، إلا أنه خالف مجددا هذه المرة ما وضعه بيده.

قاض سابق قال لـ"الاستقلال" مفضلا عدم ذكر اسمه، إن التعديلات الدستورية التي تمت عام 2019 وجعلت رئيس السلطة التنفيذية (السيسي) يُعين رؤساء الهيئات القضائية "أنهت استقلالية القضاء وجعلته تابعا له".

قال: أصبح السيسي يعين رئيس المحكمة الدستورية التي تفصل في دستورية قوانين السلطة، ويعين رئيس القضاء الإداري الذي يراجع مشروعية قرارات الرئيس والحكومة"!!

أكد أن المعيار الوحيد الذي يختار السيسي في ضوئه الرؤساء الجدد للجهات والهيئات القضائية، هي تحريات الأجهزة الأمنية عن المرشحين وعدم وجود أحكام قضائية أو آراء معارضة تجاه السلطة للمرشح الذي سيقع عليه الاختيار".

وظهر رئيس مجلس القضاء الأعلى الجديد الذي اختاره السيسي من خارج المرشحين وهو يثني قدمه ويضع يده، وكأنه في جلسة صلاة، وهو ما وصفه الصحفي جمال سلطان بأنه مؤشر على "القاع الذي وصل إليه القضاء المصري وهيبته تحت حكم العسكر".

مخالفة السيسي القاعدة الدستورية التي وضعها "مؤشر على طريقة حكمه الفوضوية الديكتاتورية"، وفق محلل سياسي مصري.

المحلل، الذي فضل عدم ذكر اسمه، والقريب من الدوائر القضائية، قال إن السيسي يعد نفسه أعلى من الجميع ويكلمه الله، ولا تحكمه أي قوانين.

وأوضح أن صمت القضاة على التعديلات السابقة عام 2019 التي سمحت للسيسي بالتحكم في تعيينهم واستبعاد من يشاء وتقريب من يشاء، دفعته لفعل ما يريد وقتما يريد طالما لم يقف أمامه القضاة كما فعلوا في عصور سابقة.

وأكد أن نظام السيسي نجح في خلق نظام "العصا والجزرة" بين القضاة مقربا من يواليه ويعينه في مناصب قضائية عليا، بينما يغضب على من يخالف أو يعارض سياسته كما فعل مع قضاة سابقين.

وحتى 28 مارس/ آذار 2017 كان العرف القانوني يقضي بقيام كل هيئة قضائية بتعيين القاضي الأقدم والأكبر سنا رئيسا لها.

لكن في ذلك التاريخ، أصدر السيسي قانونًا يضع حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية في يده وذلك من بين ثلاثة أعضاء ترشحهم هذه الهيئات، خلافًا لقاعدة الأقدمية المعمول بها.

وأصدر السيسي القانون برغم اعتراضات الجهات والهيئات القضائية، وتوصية قسم التشريع بمجلس الدولة بعدم إصداره؛ لتوافر شبهات عدم الدستورية في غالبية مواده.

وأكد بعض القضاة، حينئذ، أن القانون جاء ليبعد المستشارين يحيى الدكروري، صاحب حكم بطلان اتفاقية "تيران وصنافير"، وأنس عمارة، النائب الأول الأسبق لرئيس محكمة النقض، بسبب قراراته بإلغاء "أحكام الإعدام المستندة إلى تحريات جهاز الأمن الوطني".

وقد طعن "دكروري" و"عمارة" على قرار السيسي ومكنتهما كل من المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض في 26 نوفمبر 2017، و19 مارس 2018 على الترتيب من إقامة دعويين أمام المحكمة الدستورية العليا ضد القانون، لا تزال في أدراج المحكمة التي يعين السيسي أيضا قادتها ودعمت انقلابه عام 2013.

ولمزيد من تقنين و"دسترة" مسألة تعيين الرئيس لرؤساء الهيئات القضائية، طرحت السلطات المصرية تعديلات دستورية للاستفتاء وتمت الموافقة عليها وسط شكوك دولية، وأقرها البرلمان في أبريل/ نيسان 2019. 

وسبق للسيسي أن عين أخاه "أحمد سعيد حسين خليل السيسي" نائبا لرئيس محكمة النقض ثم أعاد ترقيته مرة أخرى ليصبح رئيسا لوحدة "مكافحة الإرهاب" في 2016.

وقبل تولي السيسي لم يكن اسم شقيقه معروفا في أوساط محكمة النقض، غير أنه صار الشخصية الأهم عقب توليه منصب نائب رئيس المحكمة، حيث تحول إلى رقم مؤثر بمنظومة العدالة.