العراق ينتفض.. جدل واسع بشأن سماح السويد مجددا بحرق المصحف

12

طباعة

مشاركة

في الساعات الأولى من فجر 20 يوليو/ تموز 2023، هاجم مئات المحتجين العراقيين سفارة السويد، احتجاجا على ترخيص السويد مجدداً لسلوان موميكا، وهو عراقي مقيم في السويد، بحرق نسخة من المصحف والعلم العراقي أمام مبنى سفارة بغداد في ستوكهولم.

المحتجون من أتباع التيار الصدري تسلقوا جدران السفارة وأحرقوا أقساما من المبنى ما أدى إلى تصاعد دخان أسود منه، حتى تدخلت قوات مكافحة الشغب العراقية وفرّقتهم باستخدام خراطيم المياه والعصي، ورد المتظاهرون بدورهم برشق القوات الأمنية بالحجارة.

ويأتي الهجوم على السفارة السويدية في بغداد بعد سماح الشرطة السويدية بتنظيم تجمع صغير في نفس اليوم أمام السفارة العراقية في ستوكهولم، لحرق نسخة من المصحف والعلم العراقي.

وداس موميكا على المصحف أمام سفارة بلاده في ستوكهولم لكن من دون أن ينفّذ وعيده بإحراقه، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية.

وتزامنا مع ذلك، طلب العراق في بيان رسمي من السفيرة السويدية مغادرة أراضيه، وقرر سحب القائم بأعماله من استوكهولم، ردا على حرق القرآن في العاصمة السويدية.

وموميكا لاجئ عراقي هناك، وأحرق في 28 يونيو/ حزيران كذلك صفحات من نسخة من المصحف أمام أكبر مسجد في ستوكهولم يوم عيد الأضحى.

وأكّدت الشرطة السويدية في 19 يوليو، أن الإذن لم يُمنح على أساس طلب رسمي لإحراق كُتب دينية، بل على أساس إقامة تجمّع عام سيجرى التعبير خلاله عن "رأي" بموجب الحق الدستوري بحرية التجمّع.

ودفع حرق موميكا لصفحات من نسخة من المصحف في يونيو، مناصرين للتيار الصدري في العراق إلى اقتحام السفارة السويدية في بغداد في 29 من ذات الشهر.

وأثارت الأحداث موجة جدل واسعة بين الناشطين على تويتر، بين مؤيدين لحرق السفارة السويدية في العراق ومشيدين بالفعل، فيما رفض آخرون مثل هذه الخطوة.

وأعربوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حرق_المصحف، #علم_العراق_خط_احمر، وغيرها، عن استيائهم من سماح الحكومة السويدية بإهانة الإسلام والمسلمين، والتصريح بحرق المصحف الشريف، بالإضافة للعلم العراقي.

ورفضوا المبررات التي ساقتها السويد للسماح بإحراق المصحف، بصفته "أسلوباً من أساليب التعبير عن الرأي"، وعدوه تصرفا قبيحا له تأثيراته السلبية على المجتمع والتعايش السلمي، داعين العقلاء لرفضه ونبذه مهما كانت دياناتهم.

وندد ناشطون بصمت الأنظمة العربية والغربية على الانتهاكات الصارخة بحق الإسلام والإساءة للمسلمين، وبث الكراهية والتطرف تجاههم، مؤكدين أنه بات لزاما على المجتمع الدولي استنكار هذه الأعمال الاستفزازية. 

نتيجة للاستفزاز

وتفاعلا مع الأحداث، أوضح عضو مجلس الأمناء باتحاد علماء المسلمين محمد الصغير، أن تسارع وتيرة الأحداث يأتي ردا على عدم مبالاة السويد بمقدسات المسلمين، وضعف الرد الرسمي.

ورأى مصطفى حسين، أنه إذا كان حرق علم العراق أو الكتب التي يؤمن بها الناس تؤمن حرية تعبير، فإن حرق السفارة رد مناسب وشاف تستاهله السويد ويعدونه حرية تعبير.

وأكد أن حرق الكتب ليست حرية، بل وعدوانا وكراهية، والموافقة على حرق علم العراق أشبه بالحرب على البلد، معربا عن أسفه على عدم وجود رد قوي غير رد التيار الصدري.

وانتقد أحد المغردين غضب السويد من حرق سفارتها قائلا: "يأمرونك باحترام دينهم ودولتهم وعدم المساس بأي شيء تابع لهم تحت مسمى القوانين الدولية، بالمقابل يحرقون دينك والقرآن الكريم والعلم العراقي ويقولون لا تفعلوا أي شي لأنه تحت مسمى حرية التعبير".

وعلق مغرد آخر على قول وزارة الخارجية السويدية، إن الهجمات على السفارات والدبلوماسيين تشكل انتهاكا خطيرا لاتفاقية فيينا، معربا عن أسفه للوصول إلى هذه المرحلة بالقول: "حرية التعبير عندهم ما تطلع إلا في إهانة وتدنيس مقدسات المسلمين كحرق المصحف وتشويهه، والدول الإسلامية والعربية صامتة لا يحركها ساكن".

ودافع الصحفي حسام جعفر الغزي، عن حرق السفارة السويدية قائلا: "هو فعل يدل على حرية التعبير عن الرأي وهو حق قانوني وأتمنى ألا يتباكى عليها أحد، وذلك مثلما أجاز القانون السويدي المتطرف والعنصري أن حرق المصحف الشريف والعلم العراقي هو حرية تعبير عن الرأي بموجب دستورهم".

انتهاك للمقدسات

وأدان ناشطون عودة السويد مرة أُخرى لانتهاك حُرمةِ كتاب الله ومنح تصاريح بإحراقه على مرأى ومسمع من الجميع، غير آبهة لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم، متحدثين عن مآلات وتبعات ما تفعله حكومة ستوكهولم.

ووصف الإعلامي والناشط الحقوقي محمد الشواف، حكومة السويد بأنها متطرفة حاقدة مبينا أنه يجب تغيير قانونها العدائي.

واستنكر الصحفي مصطفى كامل، "سماح الشرطة السويدية مجددا للمجرم المليشياوي الإرهابي سلوان موميكا بإحراق نسخة من المصحف الشريف أمام سفارة نظام بغداد في ستوكهولم".

وقال الباحث في شؤون المسلمين في الغرب عثمان عثمان، إن بإمكان عابث، أو مهووس أو حاقد أو مجنون، أن يشعل عود ثقاب في نسخة من "كتاب" فيشعل معها العالم، ولكن قد لا يسع كل عقلاء العالم بعدها، إطفاء النار التي أشعلها مجنون هنا أو حاقد هناك، متسائلا: "أين العقلاء؟"

وحذر الإعلامي العراقي عمر الجنابي، من أن السويد ستواجه مشاكل كثيرة بسبب رعونتها، قائلا إن المتطرف سلوان موميكا تسبب بأزمة دبلوماسية كبيرة بين البلدين وتتحمل ذلك السلطات السويدية التي وافقت على طلب هذا المعتوه بإحراق نسخة من المصحف وعلم العراق أمام مبنى السفارة العراقية.

وعرض مقطع فيديو يظهر تصاعد النيران من مبنى السفارة السويدية في بغداد، بعد إضرام النار فيها من قبل محتجين، رفضا لإحراق نسخة من القرآن الكريم للمرة الثانية في ستوكهولم.

وأكد الكاتب الصحفي أمين ناصر، أن السويد بموافقتها على حرق القرآن مجددا من قبل متطرف مختل، أمام سفارة العراق في ستوكهولم، ستعرض بهذا التصرف جميع مواطنيها ورعاياها بالداخل والخارج إلى الخطر، وهي بهذا الفعل تدعم التطرف لا الحريات، قائلا إن هذا الفعل الشنيع المدان يحتاج إلى مواقف رسمية تضاف للشعبية.

صمت دولي

واستهجن ناشطون ضعف موقف دول العالم خاصة الدول العربية والإسلامية وحكامها من تطرف الحكومة السويدية، مؤكدين أن ذلك خلف تمادي أكبر وامتهان أوسع للإسلام بإحراق المصحف.

ورأى الصحفي والكاتب المصري عادل عبدالمنعم، أن العالم الإسلامي يحتاج إلى إعادة تقييم للعلاقة مع الدول الغربية فيما يتعلق بالموقف من الإسلام.

وأكد أنه لم يعد مقبولا أن تتعرض مقدسات المسلمين للإساءة المتكررة، حتى وصل بهم التطرف إلى السماح بحرق المصحف والتعامل مع القرآن الكريم بما لا يليق.

وقال: "لو وجد قادة الغرب ردود فعل قوية على المستوى الرسمي -ولو بالكلام فقط- ضد الإساءة للمصحف لأوقفوها على الفور، ولو أن الدبلوماسيين والمبعوثين الغربيين الذين يلتقون يوميا بالمسؤولين في بلادنا يتعرضون للتوبيخ بسبب هذا التطاول، وتم ربط المصالح باحترام عقيدتنا، لما وصلنا إلى ما نراه".

وقال المدون السياسي والاجتماعي العراقي مصطفى المالكي: "في ضل تداعيات حرق  المصحف الكريم وللمرة الثانية، على جميع الدول الإسلامية عربية كانت أو غير عربية اتخاذ الموضوع بجدية أكثر وإغلاق جميع السفارات السويدية في بلدانهم، بدل حماية مقراتها لما في ذلك من أخطار كبيرة في بث العنف والكراهية".

وأكد ايجرين صلاح، أن الانظمة العربية المنبطحة التي تتواصل مع السويد أصبحت في مزبلة التاريخ.

وأشار عبدالله فتاح إلى أن حرق المصحف الشريف من قبل شواذ المجتمع لها دوافع عديدة، مستنكرا صمت أغلب بلدان وسكان العالم. 

وتساءل: "هل هذه الدول والمجتمعات غير الإسلامية تبقى صامتة في حال حرق أحد الإنجيل أو التوراة؟"، مضيفا: "واضح أن في المرحلة القادمة لدينا سيناريوهات عديدة بهذا الخصوص.. فتيلة حرب عقائدية"، وفق وصفه.

إدانة الحرق

في المقابل، أدان ناشطون تعدي المحتجين على السفارة السويدية في العراق خاصة أن الدولة هي التي تتحمل مسؤولية حماية البعثات الدبلوماسية، معربين عن استيائهم من مقابلة الخطأ بخطأ مماثل دون تحريك الجهات المعنية وإسنادها مسؤولية الرد. 

وقال الكاتب رائد الحامد، إن في الاتفاقيات الدولية تتحمل الدولة المضيف مسؤولية حماية المرافق الدبلوماسية للدول الأخرى.

لكن القوات الأمنية التي لم تحرك ساكنا قبل أيام لإيقاف المجموعات التي أحرقت عشرات المقرات لأحزاب ومليشيات، فإنها لن تتخذ أي إجراء لحماية سفارة السويد طالما أن القوة المهاجمة قوة متنفذة، وفق قوله.

ورأى ضابط المخابرات العراقي السابق سالم الجميلي، أن حرق السفارة السويدية في بغداد ناتج إما عن تواطؤ أجهزة الدولة الأمنية أو فشلها.

وتابع: "في كل الأحوال يشكل هذا الفعل انتهاكا للاتفاقيات الدولية وصدمة للسلطات في ستوكهولم لكن الغرب يعتقد أن الحادث تحصيل حاصل بسبب فوضوية السلطة العراقية الواقعة تحت سطوة الميليشيا وسوف لن يتم محاسبة أي من مرتكبي الفعل".

وقالت فهرية عمر، إنه "لا بد ألا يقابل الجهل بالجهل، فرغم الإعلان عن إعادة حرق المصحف الكريم في السويد، إلا أننا لا نقبل باقتحام السفارة وحرقها".

كما أدانت وزارة الخارجية العراقية في بيان "بأشد العبارات" حرق سفارة مملكة السويد لدى بغداد، معتبرة أن "هذا الفعل يأتي في سياق الاعتداء على البعثات الدبلوماسية وتهديد أمنها".

وذكر البيان أن "الحكومة العراقية أوعزت إلى الجهات الأمنية المختصة، بالتحقيق العاجل واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة بهدف كشف ملابسات الحادثة والتعرف على هوية مرتكبي هذا الفعل ومحاسبتهم وفق القانون".