صديق الأمس عدو اليوم.. لماذا أعلن ابن سلمان عدم ثقته في ابن زايد؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

قبل سنوات عندما كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في زيارة إلى الإمارات (9 ديسمبر/ كانون الأول 2019)، قال له ولي عهد أبو ظبي آنذاك محمد بن زايد "الله لا يفرقنا والعلاقات تقوى عند الشدائد".

يبدو أن دعاء ابن زايد الرئيس الحالي لدولة الإمارات لم يستجب، بعدما تفجرت أنباء عن خلافات متصاعدة بينه وبين ابن سلمان، وصلت إلى درجات غير مسبوقة بين الرجلين، اللذين يعدان فعليا أقوى حكام المنطقة في الوقت الحالي. 

ولطالما اتفقا في ملفات جيوسياسية غاية في الأهمية، على رأسها حرب اليمن وحصار قطر ودعم قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي.

ففي مرحلة ما كانا قريبين من بعضهما البعض، حتى إن ابن زايد كان بمثابة المرشد السياسي لابن سلمان وعراب التمهيد له في الغرب.

لكن اليوم غير الأمس إذ هبت رياح الصدام من جانب القصر الملكي في الرياض، حين قرر ولي العهد السعودي المضي في خطته الطموحة للهيمنة، غير عابئ بحليفه الوثيق ومرشده السابق محمد بن زيد. 

وقد ذكرت صحف دولية أن الرجلين لم يتحدثا معا منذ أكثر من 6 أشهر، كما قال أشخاص مقربون منهما، وامتدت نزاعاتهما الخاصة إلى العلن.

فما الذي طرأ على العلاقات السعودية الإماراتية؟ ولماذا غضب ابن سلمان من حليفه الإماراتي؟ وما نتيجة ذلك الصدام؟

ثقة منعدمة

في 18 يوليو/تموز 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرا مطولا تحت عنوان: "أفضل الأصدقاء: ولي العهد السعودي يصطدم بالرئيس الإماراتي".

إذ نشرت تفاصيل اجتماع خاص وسري جرت وقائعه في الرياض، جمع محمد بن سلمان بالصحفيين المحليين.

ونقل الأمير لصحفييه رسالة مباشرة عندما استخدم عبارة: "الإمارات طعنتنا في الظهر"، وفق ما نقلت الصحيفة الأميركية.

كما نقلت عن الحاضرين للقاء، توعد ولي العهد السعودي بقوله: "سوف يرون ما الذي بإمكاني أن أفعله".

واستطرد: "أرسلت للإمارات قائمة بمطالبنا، وإذا لم تتماش معنا فإننا مستعدون لاتخاذ خطوات عقابية وستكون أسوأ مما فعلته مع قطر (فترة الحصار والقطيعة يونيو/حزيران 2017 من قبل الحليفين إضافة إلى البحرين ومصر)".

وتحدثت "وول ستريت جورنال" عن أسباب اشتداد الانقسامات تحديدا في السياسة تجاه اليمن وقيود أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط).

والإحباطات في الإمارات وصلت إلى النقطة التي أبلغوا فيها المسؤولين الأميركيين أنهم مستعدون للانسحاب من أوبك.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم عدوا ذلك علامة على الغضب الإماراتي وليس تهديدا حقيقيا، وفق الصحيفة. 

ونقلت عن مسؤولين خليجيين أن الرئيس الإماراتي اتهم ولي العهد السعودي بأنه يتقرب كثيرا من السياسات النفطية الروسية واتباع خطوات محفوفة بالمخاطر مثل الاتفاق الدبلوماسي مع طهران دون التشاور مع أبوظبي.

بينما يشعر ابن سلمان أن ابن زايد قاده إلى صراعات كارثية تخدم مصالح الإمارات وليس السعودية وعلى رأسها حرب اليمن.

حتى إنه قبل ذلك، أخبر محمد بن سلمان مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد بأنه لا ينبغي أن تفسد الإمارات محادثات السلام في اليمن التي تقودها السعودية.

ورغم وعود ابن سلمان بتقديم تنازلات للإمارات فيما يخص ضبط سعر النفط، وسياسة التقارب الروسي الصيني، لكنه فيما بعد أوعز لمستشاريه بأنهم يجب ألا يغيروا أيا من السياسات تجاه الإمارات، وقال: "لم أعد أثق بهم".

 وذكرت "وول ستريت جورنال" أن المسؤولين الأميركيين قلقون من أن التنافس الخليجي بين الإمارات والسعودية قد يجعل من الصعب إنشاء تحالف أمني موحد لمواجهة إيران وإنهاء الحرب في اليمن وتوسيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول الإسلامية.

ونقلت عن مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن "ولي العهد السعودي والرئيس الإماراتي لا يزالان يتعاونان على مستوى ما ولا يبدو أي منهما مرتاحا لوجود الآخر على نفس القاعدة وليس من المفيد لنا أن يكونا متنازعين".

واستشهدت بقول دوجلاس لندن، الضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والذي يعمل الآن كباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط (مقره واشنطن): "إن محمد بن سلمان (لا يحب) محمد بن زايد (ويريد إحراجه)، وأنه مع انحسار التهديدات من إيران والجماعات الإرهابية، من المرجح أن تتصاعد التوترات بينهما".

خلاف النفط

وبدوره، تطرق إلى الأزمة الباحث الأميركي كريستيان كوتس أولريشن، زميل شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة، بجامعة رايس الأميركية، وهو مؤلف كتاب "الإمارات العربية المتحدة: السلطة والسياسة وصنع السياسات"، عبر صفحته بموقع "تويتر" في 18 يوليو 2023.

وقال إن "الدولتان الخليجيتان تظهران المزيد من القوة وتتصرفان بشكل أكثر عدوانية تجاه بعضهما البعض في المنطقة بشكل عام واليمن هو خط المواجهة الأول والأكثر نشاطا".

وشهد 4 يوليو 2021، ظهور التوتر بين السعودية والإمارات إلى العلن، وكانت شرارته تصدير النفط.

إذ دعا وزير الطاقة السعودي، عبدالعزيز بن سلمان، الإمارات، إلى تقديم القليل من "العقلانية والتنازلات" للتوصل لاتفاق بشأن زيادة إنتاج النفط في تحالف "أوبك بلس".

تصريحات الوزير السعودي جاءت بعد اعتراض الإمارات، على ربط زيادة الإنتاج بتمديد اتفاق "أوبك بلس"، والذي رأت أنه "غير عادل".

وزير الطاقة السعودي، أشار للرفض الإماراتي، وقال إن جميع أعضاء التحالف قبلوا المبادرة السعودية- الروسية باستثناء "دولة واحدة".

وأضاف أن تقديم القليل مما وصفها بـ"العقلانية والتنازلات" يسهم في التوصل لاتفاق زيادة الإنتاج بعد فشل جهود سابقة.

وأكد أن "أمثل دولة متوازنة تراعي مصالح الجميع في دورها كرئيسة لأوبك بلس، السعودية، أكبر المضحين، ولولا قيادتها لما تحسنت السوق النفطية".

وتساءل الوزير السعودي، عن "سكوت" الدول صاحبة التحفظات على الاتفاق، في السابق.

 

في المقابل، رد وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، خلال تصريحات صحفية في 4 يوليو 2021، بأن "مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/ نيسان 2020". وأكد أن "هذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول".

ذلك الغضب الإماراتي من سياسة الرياض النفطية والتي تحدثت عنه "وول ستريت جورنال" في تقريرها السابق، وظهر في خلافات عام 2021، هو بمثابة أزمة مزمنة متطورة بين البلدين بشكل مستمر.

ففي 3 مارس/آذار 2023، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، عن وجود نقاش داخل حكومة الإمارات بشأن إمكانية الخروج من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). 

وذكرت أن "خروج الإمارات من منظمة أوبك يمكن أن تكون له تداعيات سياسية ليس فقط مع السعودية أحد أكبر شركاء الإمارات التجاريين، ولكن مع حلفاء أبوظبي الآخرين مثل الكويت والعراق".

وأضافت أن المسؤولين الإماراتيين يفكرون منذ سنوات في أفضل التحالفات لتحقيق مصالحها طويلة المدى".

إذ تسعى الإمارات إلى تحقيق أقصى استفادة من زيادة قدراتها الإنتاجية في مجال النفط الخام، ولو على حساب حليفتها السعودية، بحسب الوكالة الأميركية.

تنافس اقتصادي

لكن الخلاف السعودي الإماراتي يتخطى مسألة النفط والطاقة إلى ما هو أبعد من ذلك.

وكانت صحيفة "الاستقلال" قد نشرت ورقة بحثية بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2022، بعنوان "الخلاف السعودي الإماراتي.. تنافس اقتصادي ومواجهات إستراتيجية"، ذكرت فيها: أن "الرياض وأبو ظبي تبدوان أمام مواجهة اقتصادية شرسة بعد بدء الأخيرة بالرد على الخطوات السعودية التي تهدد مكانة الإمارات الريادية في الخدمات والسياحة".

وأضافت: "تتحرك الدولتان على طريق ما بعد النفط، وفيما تحاول أبوظبي أن تمضي إلى زيادة إمكاناتها المستقبلية اقتصاديا وإستراتيجيا، بدأت السعودية تتحرك في نفس الإطار الذي شقته الإمارات لنفسها منذ أكثر من 3 عقود، سواء على صعيد ملفات استضافة الشركات أم السياحة غير الدينية، وحتى مجال إنتاج الطاقة النظيفة بغرض التصدير". 

وأوضح التقرير: "تحتدم المنافسة بين البلدين مع تقدير الخبراء أن مساعي المملكة في هذا الإطار تهدد الإمارات بشكل خاص، وتتجاوز تهديدها باتجاه ابتلاع عدد من الفرص أمام دول عربية عدة".

ومن أهم النقاط المشار إليها كموضع للخلاف المحتدم، رغبة السعودية في منافسة الإمارات في استضافة الشركات العاملة في الساحة الإقليمية. 

وفي فبراير/ شباط 2021، اتخذت السعودية قرارا يسري بدءا من مطلع العام 2024، بقصر تعامل المؤسسات والجهات الحكومية مع الشركات العالمية التي يكون لها فروع في المملكة، ومنع التعامل مع الشركات التي ليس لها فروع فيها. 

وينطبق القرار على المؤسسات الكبرى التي لديها عقود مع الحكومة فقط. ويأتي القرار في ضوء "رؤية 2030" التي وضعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على جذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي هذا الإطار التنافسي كذلك تتجه السعودية نحو إطلاق شركة طيران جديدة للتنافس مع طيران الإمارات والخطوط القطرية.

وتستهدف مسارات دولية جديدة تنافس تلك التي تعمل عليها شركات الطيران الخليجية الكبرى، وتوفر رحلات ربط (ترانزيت) منافسة كذلك. 

وفي 20 يونيو/حزيران 2023، كشف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، عن خطط لإطلاق عدة شركات طيران في المملكة في الفترة المقبلة وتوقع الإعلان عن ذلك قريبا.

وقال الفالح في مقابلة خاصة مع قناة "العربية" السعودية، على هامش معرض باريس الجوي، إن "طيران الرياض ستسهم في دعم إستراتيجيات المملكة، وأهمها السياحة وربط الرياض بالعواصم العالمية". 

وذكر أن "طيران الرياض" سيربط العاصمة بـ 100 مدينة حول العالم، مضيفا: "السعودية تستهدف 100 مليون سائح، منها 70 مليون سائح دولي من مسافات طويلة".

وهو ما سيهدد بشكل مباشر مستقبل دبي، الذي شيدته عبر سنوات طويلة، كمركز للسياحة في الخليج والشرق الأوسط، وكمركز ترانزيت عالمي لرحلات الطيران. 

الصاع صاعين 

على مستوى الدبلوماسية الخارجية كان هناك تباين واضح في طريق ابن زايد وابن سلمان، وقد اتخذ الأخير سلسلة من التحركات الدبلوماسية وأنهى عزلته السياسية الناجمة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018. 

إذ لجأ إلى الصين للمساعدة في استعادة علاقات السعودية مع إيران، ثم دبر عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وهي عملية بدأت بها الإمارات قبل سنوات عدة بعد أن تم طرد دمشق في عام 2011 من الجامعة إثر حملة القمع الوحشية التي شنها رئيس النظام بشار الأسد على المدنيين السوريين المتظاهرين من أجل التغيير.

كما أجرى ولي العهد السعودي، وفق تقارير عديدة، محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الاعتراف رسميا بإسرائيل، وهو ما فعلته الإمارات في 2020.

كما يقود محمد بن سلمان الجهود الدبلوماسية لقمع العنف في السودان، حيث تدعم الإمارات طرفا منافسا وهو قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". 

لكن كان هناك جدل بخصوص غياب السعودية عن قمة أبوظبي السداسية التي لم تستغرق سوى ساعات معدودة، وحضرها قادة الإمارات وقطر والبحرين والأردن ومصر.

وخرجت القمة العربية المصغرة في 18 يناير/كانون الثاني 2023، بدعوة "المجتمع الدولي إلى ضرورة الحماية للشعب الفلسطيني وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين".

وكشف غياب السعودية عن أزمة بين الدولتين، وفي تفسير لذلك، رأى الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان أن "واحدا من التفسيرات عن أسباب عدم حضور ولي العهد  هو وجود توتر في العلاقات مع الإمارات".

وأوضح عطوان عبر مقطع فيديو نشره على موقع "يوتيوب" في 20 يناير 2023، أن "التوتر الحاصل سببه موقف ابن سلمان من غياب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عن القمم الثلاثة التي دعت لها السعودية عندما زارهم الرئيس الصيني شي جين بينغ نهاية عام 2022".

وهو ما يعني أن محمد بن سلمان أراد أن يرد الصاع صاعين لنظيره الإماراتي، الذي تغيب عن قمم أخرى، أقيمت على شرف مأدبته. 

وعلقت دينا اسفندياري كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية، على ذلك قائلة: "التوترات تتصاعد بينهما، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن محمد بن سلمان يريد الخروج من ظل ابن زايد".

واختتمت: "لقد أصبحا أكثر غضبا وحزما في سياستهما الخارجية بعيدا عن بعضهما البعض".