اقتحام للأقصى وحرق للقرى.. غضب عارم من عربدة المستوطنين وضعف موقف السلطة

12

طباعة

مشاركة

أحرقوا السيارات والمزارع والبيوت وأطلقوا النيران على الآمنين العزل ودنسوا المساجد ودهسوا المصاحف، هكذا صعد مستوطنون عدوانهم على القرى والمدن الفلسطينية بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مرأى ومسمع من السلطة الفلسطينية التي اكتفت ببيانات شجب "ركيكة".

وفي 24 يونيو/حزيران 2023، أحرق مستوطنون متطرفون منازل و7 مركبات على الأقل في قرية أم صفا شمال غربي رام الله بالضفة الغربية، وأطلقوا النار تجاه طواقم صحفية، ما أدى إلى إصابة كاميرات تصوير، وتخريب معدات العمل.

كما هاجم مستوطنون مركبة إسعاف حكومية ورشقوها بالحجارة، ما أدى إلى إصابة السائق بجروح ورضوض، فيما حاول الأهالي التصدي لهم وإجبارهم على الانسحاب من القرية، بينما أطلق جنود الاحتلال الرصاص وقنابل الغاز على المواطنين لقمعهم. 

وتمكن شبان خلال تصديهم لقوات الاحتلال من إحراق إحدى السيارات التابعة للجيش الإسرائيلي خلال المواجهات، وأسفر عدوان المستوطنين عن إصابة عدد من الفلسطينيين.

واستبق المستوطنون عدوانهم على قرية "أم صفا"، بالهجوم على بلدة ترمسعيا قرب رام الله الذي أدى إلى استشهاد فلسطيني وإصابة 12 بالرصاص الحي، وإحراق 30 منزلا وأكثر من 60 مركبة.

وأعقب ذلك هجوم على قرية جالود جنوبي نابلس بالضفة الغربية المحتلة، ما أدى إلى إصابة فلسطيني بالرصاص الحي في بطنه نقل على إثرها للمستشفى، وآخر بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط في رأسه، و3 أشخاص بالحجارة، والعشرات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع.

كما طالت هجمات المستوطنين قرى فلسطينية أخرى مثل اللِّبن الشرقية وحوارة الواقعتين على الطريق الواصل بين مدينتي رام الله ونابلس.

وطالت اقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى، حيث أوضحت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس في 25 يونيو 2023، بأن عشرات المستوطنين المتطرفين اقتحموه من جهة باب المغاربة بحراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية.

وأوضحت أن المستوطنين المتطرفين نظموا جولات استفزازية في باحات الأقصى، وأدوا طقوسا تلمودية في منطقة باب الرحمة شرقي المسجد، بينما تواصل شرطة الاحتلال التضييق على دخول المصلين الوافدين من القدس والداخل المحتل للأقصى، وتُدقق في هوياتهم وتحتجز بعضها عند بواباته الخارجية.

وفي بيان مشترك، قال قادة الجيش والشرطة وجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل، إن أفعال المستوطنين ترقى إلى حد "الإرهاب القومي" وتعهدوا بالتصدي له، وأثار هذا الوصف غضب وزراء منتمين لليمين المتطرف في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذين رفضوا قبل ذلك مقارنة ما يفعله اليهود بما يقوم به الفلسطينيون المسلحون.

عربدة المستوطنين واعتداءاتهم على المدن والقرى الفلسطينية والمسجد الأقصى أثارت موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر، إذ هاجموا السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، بسبب ضعف موقفها تجاه عدوان المستوطنين وتخليها عن مهامها الأساسية في تأمين القرى الفلسطينية بينما تواصل تعاونها الأمني مع الاحتلال.

وعبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ام_صفا، صبوا جام غضبهم على وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، لتحريضهم المستوطنين في عدوانهم على القرى والمدن الفلسطينية، ورفضهم توصيف أعمالهم بـ"الإرهابية".

وأعرب ناشطون عن استيائهم مما يحدث في الضفة الغربية بفلسطين من جرائم وحشية بحق الأبرياء الفلسطينيين العُزّل من أطفال ونساء وشيوخ على أيدي المستوطنين الإرهابيين وبمباركة ومشاركة جيش الاحتلال.

عدوان إسرائيلي

وتفاعلا مع الأحداث، عرض الخبير المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات، مقطع فيديو يوثق إطلاق مليشيا استيطانية يهودية النار على الفلسطينيين في القرية الفلسطينية أم صفا، مؤكدا أنهم "في الأصل جنود يخدمون في جيش العدو الإسرائيلي، لأنهم جميعا يحملون أسلحة عسكرية مملوكة للجيش - لأنه لا يمكنهم شراء M4 في مثل حالتهم".

وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي وتقاطعاته العربية والإسلامية والعالمية، صالح النعامي، أن مهاجمة قطعان المستوطنين اليهود لقرية "أم صفا" الفلسطينية وإحراقهم منازل وسيارات وعاثوا في الأرض فسادا في ظل حماية الجيش "يعد سابع عمل إرهابي ضد قرى فلسطينية". ولفت الباحث في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، إلى أن "سلطات الاحتلال تفسح المجال لقطعان المستوطنين بالاستمرار في استباحة الأراضي الفلسطينية والتخريب فيها، بديلا عن ذهابها لعملية عسكرية واسعة لن تشكل حلّا لتصاعد الهجمات الفدائية، مما يعني مواصلة غض الطرف عن هؤلاء السفلة لتنفيس غضبهم من إهمال الحكومة بحق أمنهم".

وقالت المحامية، هنا فؤاد، إن "الاحتلال يساند المستوطنين في حرقهم لمنازل المواطنين ويمنع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول للبيوت المحروقة، وعنا شلة سلطة تتفرج هي وعناصرها الـ70 ألفا".

تحريض رسمي

وأشار ناشطون إلى أن عنف وجرائم قطعان المستوطنين والأحداث الجارية في الساحة الفلسطينية والأعمال الانتقامية ضد الشعب الفلسطيني مدفوعة بتحريض من حكومة اليمين المتطرف وتحت نظر جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وذكر ياسين عز الدين، بأن ابن غفير قال في خطاب له أمام مستوطني الضفة يطالب بهجوم واسع يقتل فيه مئات الفلسطينيين أو حتى الآلاف، ودعاهم للاستيطان في كل قمم التلال بالضفة (أي كل مكان).

وعلق قائلا: "صحيح أنه وزير مهمش داخل حكومة نتنياهو لكن في ظل فوضى الحكم في دولة الاحتلال فجماعته يطبقون مخططاتهم ورؤيتهم في الميدان".

وأكدت رنا بن جماعة، أن "ابن غفير لديه تأثير على القطعان التي تراه أحد الوجوه القيادية فيها".

وأشارت إلى أن "تحريضاته تعكس من جهة أحقاد المستوطنين وجماعاتهم، ومن جهة أخرى مخططاتهم التي يواصلون السعي لتنفيذها رغم حالة عدم الاستقرار الداخلية لديهم".

وأوضح الكاتب والمدون عزات جمال، أن مهاجمة المدن والقرى وحرق البيوت والممتلكات وقتل الآمنين، ضمن ما يعرف "بتدفيع الثمن" هو أسلوب قديم انتهجته العصابات الصهيونية إبان النكبة، وتقليد سار عليه كل قادة الكيان.

وقال "ليس غريبا على ابن غفير وسموترتش وحكومتهم الفاشية أن تدفع اليوم باتجاه ذلك وتشجع المستوطنين على الحرق والقتل وتخريب كل ما تستطيع أياديهم الوصول إليه، أمام مرأى ومسمع العالم الذي يكتفي بالإدانة والاستنكار.

وأضاف جمال، أن الغريب أن "تترك السلطة الفلسطينية هذه القرى دون حماية، وتستمر في ملاحقة واعتقال طلبة الجامعات والمقاومين الذين يدافعون عن أهلهم ووطنهم، وتترك هؤلاء الإرهابيين يعيثون في الأرض الفساد".

خيانات السلطة

وسخر ناشطون من الانتقادات الخجولة التي خرج بها قادة السلطة الفلسطينية ودونها على حساباتهم على تويتر وكأنهم مجرد ناشطين أو صحفيين يرصدون الأخبار وليسوا مسؤولين في مراكز اتخاذ القرار.

وتحت عنوان "فجأة صحي ضميرهم"، قال الناشط أبو العز السوافيرى، إن "موجة الانتقادات التي خرج بها قادة المنظومة الأمنية للأعمال الإرهابية التي ترتكبها عصابات المستوطنين ضد المواطنين العُزل في القرى الفلسطينية ما هي إلا محاولة لتجميل وجه الاحتلال البشع، بعدما شاهد العالم إجرام المستوطنين تحت حماية الجيش".

وأضاف: "يمكن أن تسمع آراء مختلفة في الكيان حول أي قضية.. لكن هناك قضية لا يختلف عليها اثنان وهي الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.. ومن هنا.. لا تصدقوا أن هناك يمينا ويسارا في إسرائيل.. ولا رافضين للسلام ومحبين له.. عند الأرض تجدهم قمة العنصرية والإرهاب وقمة الحقد والكراهية لكل ما هو فلسطيني.. وعلى قلب رجل واحد".

وتابع السوافيري: "تريدون الموقف الحقيقي.. خذوه من فم ابن غفير وسموتريش وباروخ مارزيل ويوسى دواغان وغيرهم من رموز الإرهاب اليهودى..".

وأشار المغرد غزاوي، إلى أن "جرائم المستوطنين تحدث في قلب رام الله.. معقل سلطة عباس"، لافتا إلى "إحراق 10 منازل و 7 سيارات في قرية أم صفا في رام الله من قبل المستوطنين".

واستنكر قائلا: "لا أعرف شو لازمة السلطة إذا المستوطنين بيفوتوا وبحرقوا وبدمروا على كيفهم وبيطلعوا بكل اريحية".

وسخر اللاجئ محمد حماد العلايلي، من قول عضو المؤتمر العام لحركة فتح مأمون رشيد، إن "من الخطأ السماح لسلاح أن يعمل خارج الشرعية، السودان مثلا والآن روسيا ولن ننسى ما حدث في غزة"، متسائلا: "بالنسبة لسلاح المستوطنين في الضفة هل هو ضمن أسلحة الشرعية أم يجب على السلطة منعهم من هذه الأسلحة؟" وقال أحد المغردين، إن "الجرائم البشعة التي ارتكبها المستوطنون لن ترهب شعبنا ولن تكسر إرادته وستكون مقاومتنا أمينة في الدفاع عن شعبنا ورد العدوان بكل الوسائل"، داعيا "السلطة لأخذ دورها في حماية الشعب أمام إرهاب المستوطنين، والتوقف عن كل السياسات المناقضة للثورة في وجه إجرام الاحتلال وحكومته المتطرفة".

وقال الباحث في الشأن الإسرائيلي، مصطفى إبراهيم، إن "الحكومة والجيش يحميان المستوطنين، والسلطة الفلسطينية لا تحمينا".

وأعرب عن استيائه من أن "حرق القرى الفلسطينية  أصبح أمرا روتينيا، وتحت حماية الجيش والشرطة وجودهم في مكان المذبحة، ولم يمنعوا الهجمات". 

وأشار إبراهيم إلى أن "أعمال الإرهاب والقتل والتدمير في قرى الضفة، وتنفيذ المستوطنين عشرات الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء الضفة، لم تتوقف منذ أسبوع، كما أغلقوا الطرق أمام حركة المركبات الفلسطينية واعتدوا على الفلسطينيين، وتفاخر المستوطنون أنفسهم بأعمالهم الارهابية التي نفذوها من خلال مجموعات داخلية".  

وأضاف إبراهيم: "المستوطنون والجيش الإسرائيلي واحد، والادعاء إن السلطة الفلسطينية تفقد السيطرة، السلطة  لم تفقد السيطرة، إنها تسيطر على ما تريد غرسه في الممارسة والوعي، إنها تفعل ذلك متعمدة، لا يوجد فقدان السيطرة، توجد  مصالح  للنخبة التي تدير السلطة، وتنفذ تلك السياسات والاتفاقيات".