علي شمخاني.. مسؤول إيراني سابق بنى إمبراطورية اقتصادية بالإمارات عبر نجليه
بعد استقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في مايو/أيار 2023، بدأت تتكشف أكثر فأكثر معالم إمبراطوريته المالية التي يقودها أولاده.
ويتخذ حسين وحسن نجلا شمخاني من الإمارات مركزا لإدارة استثماراتهم الضخمة، والتي كانت تدر على العائلة ملايين الدولارات خلال سنوات التوتر في العلاقة بين طهران وأبوظبي.
وما كان لافتا هو اتخاذ حسين وحسن من إمارة دبي مقرا لشركتهما البارزة في مجال شركة الشحن البحري "Admiral Group" والتي تأسست منذ عام 2011، مما يؤكد حجم التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الإمارات للإيرانيين.
العقل المدبر
في مقابلة لـ "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية" مع علي شمخاني عام 2009 ظهر معه إلى جانبه ابنه حسين، وقال حينها الأب، إنه نصح أبناءه بعدم الذهاب إلى العمل الحكومي وإن مخاوفهم الخاصة يجب ألا يكون لها "أي علاقة" بالقطاع العام، وفق ما نقل موقع "إيران وير".
وفقد علي شمخاني نفوذه في طهران عام 2023، عقب إعلانه استقالته بشكل غامض في 21 مايو، بعدما استمر لعشر سنوات كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حيث جرى استبدال رجل الحرس الثوري علي أكبر أحمديان به في المنصب المذكور.
ويعد علي شمخاني "عراب التقارب العربي الإيراني" الجديد، ومحل ثقة المرشد الأعلى علي خامنئي.
ولد شمخاني عام 1955 بمدينة الأحواز في إيران، وينتسب إلى عشيرة الشماخنة التابعة لقبيلة بني ربيعة العربية.
ودرس في كلية الزراعة من جامعة الأهواز وتخرج فيها، ثم نال شهادة الماجستير في الشؤون العسكرية، وماجستير في الإدارة، ورقي إلى رتبة قائد عام في سن الثلاثين.
كان أميرالا في البحرية الإيرانية وقائدا سابقا في الحرس الثوري الإيراني قبل أن يعين أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عام 2013 في بداية رئاسة الرئيس السابق حسن روحاني.
كما عمل شمخاني وزيرا للدفاع لمدة ثماني سنوات في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي.
ووجد شمخاني نفسه على الصفحات الأولى لأهم وسائل الإعلام في العالم وهو يصافح وزيرا سعوديا بعد التوصل لاتفاق تاريخي يعيد العلاقات بين طهران والرياض توسطت فيه الصين قبل أن تكون هذه المهمة هي الأخيرة له.
باحة شمخاني
وعقب خفوت ضوء شمخاني الصاعد في الدبلوماسية الإيرانية على مدى سنوات، أصبحت شبكة شركاته المخفية التي يديرها في دبي معرضة للخطر بعدما لم يعد محميا من طرف كبار المسؤولين الإيرانيين.
وبالتالي فقد شمخاني حصانته السياسية على الرغم من المبادرات الناجحة التي قادها مثل الاتفاق التاريخي لعودة العلاقة بين إيران والسعودية في مارس/آذار 2023، وهو ما يعرض شبكة أعماله للخطر في الإمارات.
وتمتع شمخاني بالحماية السياسية أثناء تنمية أعماله حيث استفاد بعض كبار المسؤولين الإيرانيين من جزء من أنشطته.
وتشمل أعماله شركة الشحن البحري Admiral Group التي تأسست عام 2011، وهي شركة ليست معروفة فقط بالالتفاف حول العقوبات المفروضة على إيران.
ولكن أيضا بأنها ساعدت عائلة شمخاني على الثراء بطرق مختلفة عبر الاستفادة من مظلة العقوبات من خلال عدم دفع الديون المصرفية، وتغيير العملة بأسعار تفضيلية، والمضاربة على أسعار الصرف.
وبحسب ما نشرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير لها بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2023، فإن Admiral Group مسجلة في دبي ويديرها رسميا أبناء شمخاني، حسن وحسين.
وبحسب المعلومات التي جمعتها المجلة، فإن ابنيه استخدما معلومات واردة من وزارة الاستخبارات والأمن القومي لصالحهما في أعمالهما.
ويبدو أنهما يحملان أيضا جوازات سفر دولة سانت كيتس ونيفيس (متاحة للشراء مقابل 150 إلى 400 ألف دولار) حيث يمكنهما استخدامها لتجنب العقوبات، مع العلم بأن حسين شمخاني مطلوب حاليا لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي.
ويتطلع علي شمخاني المسؤول الأمني السابق إلى الإمارات لتنمية أعماله حيث تربط ابنيه علاقة قوية بأحد مستشاري أمير الشارقة المقربين، سلطان بن محمد القاسمي.
كما يستثمران في العقارات بدبي، ويمتلكان جزئيا (على الأقل) مبنى يدعى "سما"، يضم شركة Volta Shipping Services التي يديرها رسميا الهندي Jay Sankar Viswanathan.
ووفق ما علمته "إنتليجنس أونلاين"، فإن هذه الشركة وشركة Sea Lead Shipping، المسجلة رسميا في دبي ويديرها الهندي Preeta Sunil Kumar لديها روابط مع مجموعة Admiral Group.
إذ يستخدمون نفس عناوين IP ودومين البريد الإلكتروني ولديهم بعض أعضاء فريق العمل المشترك، وفق المجلة.
ويتيح ذلك لعائلة شمخاني إدارة العديد من شركات الشحن البحري العاملة على خطوط الملاحة من دبي إلى الهند وسنغافورة ذهابا وإيابا.
أموال مشبوهة
وتشير السجلات إلى أن شركة "الأدميرال" تأسست عندما كان حسين شمخاني يبلغ من العمر 27 عاما، وبعد خمس سنوات، أفادت أن لديها قدرة استيعابية تبلغ 16000 حاوية نمطية (20 قدما مكافئة للحاويات) وتوفر خدمات النقل في الخليج العربي والمحيط الهندي والشرق الأقصى.
كما جرى الإعلان عن أن هذه الشركة أطلقت خدمة مباشرة من الشرق الأقصى إلى ميناء الإمام الخميني بسفن بسعة 6500 حاوية مكافئة (6500 حاوية 20 قدما) مع شركة الشحن الألمانية ESL.
في السنوات الأخيرة، تعرضت الأنشطة الاقتصادية لعائلة شمخاني، بما في ذلك شقيقه وصهره، لانتقادات واسعة وتصدرت عناوين الصحف في إيران.
ففي فبراير/شباط 2022، جرى حجز سفينة شحن تحمل اسم "كابول" وترفع علم دولة "سانت كيتس ونيفيس" مملوكة لحسن وحسين شمخاني في أحد الموانئ الهندية، وتنتمي سفينة الحاويات إلى شركة "أدميرال" للشحن حسبما قالت وسائل إعلام إيرانية.
ووقتها ذكرت وكالة أنباء "إيلنا" أن محكمة هندية أمرت بمصادرة السفينة والبضائع القادمة من إيران أو المتجهة إليها بتهمة حيازة وثائق مزورة، وقد رست في ميناء كاندلا البحري غرب الهند.
وآنذاك عادت أموال عائلة رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني وقتها إلى دائرة الضوء بعد حجز السفينة كون هذه الحلقة هي الأحدث في سلسلة من الفضائح الصغيرة المتعلقة بالإمبراطورية المالية المزدهرة لأسرة شمخاني.
وظهرت عام 2018 قصة إخبارية غير مواتية للعائلة، تتعلق بالحسابات المصرفية لحفيد علي شمخاني البالغ من العمر ثلاث سنوات، الابن الصغير لحسن.
وكان له عدد من العقارات المسجلة باسمه وعدة مليارات تومان (العملة الإيرانية) في حسابات بمعهد قزوين الائتماني شبه المفلس.
وكثيرا ما انتقد معارضو النظام الإيراني استمرار العقوبات الأميركية على إيران فيما المصالح التجارية لعائلة شمخاني سارية.
وقد كتب الصحفي الإيراني يشار سلطاني على حسابه في تويتر بتاريخ 16 فبراير/شباط 2022، "من الجيد لحسين شمخاني وشبكته الملاحية أن يبيعوا النفط الإيراني! في الوقت الحالي، اشرح للناس عدد ناقلات النفط الخاصة بابنك ومعدل نموها في نفس الوقت الذي تبدأ فيه العقوبات القاسية على إيران وستترك بقية الموضوعات للجمهور!".
#برجام هر چقدر برای مردم در حوزه اقتصادی به پوسته خالی تبدیل شده باشد، برای #حسین_شمخانی آقازاده شما و شبکه کشتیرانیاش برای فروش نفت ایران خوب ساخته!
— yashar soltani (@yasharsoltani) February 16, 2022
شما فعلا تعداد نفتکشهای پسرت و میزان رشد آنها همزمان با آغاز تحریمهای کمرشکن را به مردم توضیح دهید، بقیه مباحث پیشکش! https://t.co/SxTtyKCEXQ
وبحسب المعلومات التي تلقتها قناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة، ونشرتها في 10 أبريل/نيسان 2023، فإن حسين، نجل علي شمخاني، يربح أكثر من مليار دولار سنويا من تجارة النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية.
وذكرت القناة أن شركة الأدميرال للملاحة لها الحق الحصري في بيع جزء من النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية وهي المنتجات التي تجلب مئات الملايين من الدولارات سنويا، وتذهب الأرباح إليها.
فساد علني
ومما يدل على نفوذ عائلة شمخاني في الإمارات هو حضور أحد أبناء علي، لقاء مع حاكم دبي محمد بن راشد في 16 مارس 2023.
وقد رجحت وسائل إعلام إيرانية محلية حينها أن حسن الرئيس الآخر لشركة "أدميرال" هو من حضر اللقاء.
وكان لافتا تعهد حاكم دبي بحل مشاكل المواطنين الإيرانيين والمؤسسات التي تتخذ من دبي مقرا لها، وقال خلال اللقاء: "سنبذل قصارى جهدنا لفعل ذلك".
وأكد ابن راشد على عدم سماح الإمارات للأجانب بمحاولة تدمير العلاقات الثنائية مع إيران.
وأضاف: "أظهر التاريخ أن الرابحين الوحيدين في الخلاف بين البلدين هم أعداء دول المنطقة، لذا فإن سياستنا الحتمية هي عدم السماح لأي دولة أو جهة ثالثة بتعكير صفو العلاقات بين البلدين، أو السماح باستخدام الأراضي الإماراتية ضد إيران".
وحضر اللقاء وقتها كل من نائب حاكم دبي ووزير المالية، إضافة إلى أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس حكومة الإمارات، وأيضا طلال حميد بلحول الفلاسي مدير عام جهاز أمن دولة دبي.
وحينئذ كانت زيارة شمخاني رسمية إلى الإمارات واستغرقت يوما واحدا ورافقه خلالها كبار المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والمصرفيين والأمنيين الإيرانيين.
كما انعقدت اجتماعات منفصلة بين مسؤولين إيرانيين ونظرائهم في الإمارات جرى خلالها مناقشة القضايا الاقتصادية والمصرفية والأمنية.
وجذبت صورة لقاء شمخاني مع حاكم دبي انتباه مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، لوجود شخص يرتدي ملابس غير رسمية وأحذية جامعية بدون جوارب وقميص قصير الأكمام.
بعد أسابيع قليلة، كشفت شخصيات مثل حميد رسائي وأحمد أمير آبادي فرحاني، وهما عضوان حاليا في البرلمان الإيراني، عن هوية هذا الشخص، وبحسبهم فإن الشاب الذي في الصورة هو ابن علي شمخاني.
ووجه هؤلاء عددا من الأسئلة على تويتر ومنها ما كتبه حميد رسائي: "السيد شمخاني ما سبب حضور نجلك رجل الأعمال في لقاء رسمي؟ هل هذه الفرصة والإيجار متاحان أيضا للمتداولين الآخرين؟" في إشارة إلى رجال الأعمال الإيرانيين.
وتعد علاقة الأميرال شمخاني بالإمارات متفردة من بين المسؤولين الإيرانيين، كونه عراب تطوير العلاقات الثنائية ومد جسور التعاون بين البلدين، فقد زار أبوظبي في 16 مارس/آذار 2023 والتقى برئيس الإمارات محمد بن زايد.
وبحسب ما قال المحلل الإيراني في مجموعة أوراسيا غريغوري برو، لوكالة الأنباء الفرنسية في 16 مارس 2023 فإن "الإمارات شريك تجاري رئيس لإيران وأصبحت أيضا وسيطا مهما لصادرات النفط الإيرانية".
وأضاف أن علي شمخاني وخلال زيارته لأبوظبي في التاريخ المذكور، "ربما ناقش سبل الوصول إلى الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج عبر وساطة إماراتية أو دعم دبلوماسي".
وكان مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد قد زار طهران في ديسمبر/كانون الأول 2021، تلبية لدعوة شمخاني.
وكانت هذه الزيارة لإيران هي الأولى منذ قطع العلاقات الإيرانية السعودية عام 2016، بعد إعدام السعودية للمعارض الشيعي نمر النمر، بعد ذلك، خفضت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.