"استقلالية غائبة".. لماذا ترفض واشنطن قرار السعودية خفض إنتاج النفط؟

12

طباعة

مشاركة

استعرض موقع صيني الخلاف الأخير بين بعض أعضاء منظمة "أوبك بلس"، موضحا أن الولايات المتحدة "لا تريد للدول المنتجة للنفط أن تنال استقلالية قرارها الإستراتيجي".

وقال موقع "الصين نت" إنه "بعد اتفاقية خفض إنتاج النفط غير المتوقعة التي تم التوصل إليها في أبريل/ نيسان 2023، قاومت الدول الرئيسة المنتجة للنفط مثل السعودية وروسيا الضغوط مرة أخرى".

وأضاف أن "أوبك بلس" توصلت إلى اتفاق في اجتماعها الخامس والثلاثين، في 5 يونيو/ حزيران 2023، إلى تمديد خفض الإنتاج حتى عام 2024، مما يدل على تصميمها على الحفاظ على الأسعار".

وتماشيا مع قرار "أوبك بلس"، أعلنت وزارة الطاقة السعودية أنها ستخفض طواعية إنتاج النفط الخام بمقدار مليون برميل أخرى يوميا، لمدة شهر واحد، قابل للتمديد، بدءا من يوليو/ تموز 2023، حسب التقرير.

وحيث إن هذا القرار أكد على خفض الإنتاج، في تعارض مع توقعات السوق السابقة، فقد أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، وفق التقرير.

وأوضح الموقع الصيني أنه "في سياق خفض إنتاج النفط، تنشأ خلافات بين الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك بلس)، حيث لم تعبِّر روسيا بعد عن نيتها في تمديد خفض الإنتاج".

خلاف سعودي-إفريقي

وأضاف الموقع أن "هذه الخلافات تتجلى بشكل واضح بين الدول المنتجة الرئيسة مثل السعودية وعدة دول إفريقية".

فعلى سبيل المثال، تتمتع الدول المنتجة الرئيسة مثل السعودية بقوة اقتصادية كبيرة وقدرة مالية قوية، وتبدي إصرارا أكبر على تخفيض الإنتاج.

ومن ناحية أخرى، تشعر دول إفريقيا المنتجة للنفط بقلق من تأثير تخفيض الإنتاج على إيراداتها المالية، وبالتالي فإن ثقتها في قرار خفض الإنتاج تبدو ضعيفة.

لكن قد يُفهم تصميم المملكة والدول الرئيسة الأخرى المنتجة للنفط على حماية الأسعار من جانبين، وفق التقرير.

أولا، من منظور الدول المنتجة الرئيسة مثل السعودية، إذ تتطلع إلى الحفاظ على أسعار النفط في مستويات مرتفعة معينة؛ لتعزيز التنمية المستدامة في البلاد ومنطقة الخليج ككل، وتلبية الاحتياجات المالية للحكومة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتخفيض الإنتاج أن يكبح جماح المضاربين في سوق النفط، فمنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عندما أقرت منظمة "أوبك بلس" خفض الإنتاج اليومي بمقدار 2 مليون برميل لتحفيز السوق، شهدت أسعار النفط ارتفاعا واضحا.

لكن هذه الأسعار "انخفضت بشكل مستمر بعد إعلان تلك الاتفاقية، ويعود ذلك في الأساس إلى المخاوف من تراجع الاقتصاد العالمي، وتراجع الطلب على النفط، بالإضافة إلى تواجد المضاربين السلبيين في سوق النفط"، وفق "الصين نت".

وأشار إلى أنه "في عام 2016، وبعد إطلاق رؤية السعودية لعام 2030، زادت جهود المملكة في الانفتاح الاقتصادي، وتنويع الإيرادات المحلية".

وألمح التقرير إلى أن "السعودية قامت أخيرا بتحسين علاقاتها مع تركيا وقطر، واستأنفت تواصلها مع سوريا، ودعمت وقف إطلاق النار في اليمن، وطبّعت علاقاتها مع إيران".

وأكد الموقع الصيني أن "كل هذه الجهود تهدف إلى حد كبير للحفاظ على أسعار النفط المرتفعة، وهو ما يتعارض مع توقعات الولايات المتحدة من الدولة الخليجية".

وشدد الموقع على أن "السعودية تميل بشكل أكبر إلى دعم استقرار أسعار النفط من خلال الحفاظ عليها في مستويات مرتفعة، وذلك بهدف دعم إستراتيجية التنمية الطويلة الأمد التي تتبناها الرياض".

ووفقا لأحدث البيانات، ففي الربع الأول من عام 2023، زادت الإيرادات غير النفطية للسعودية بنسبة 9 بالمئة، لكن ما يقرب من ثلثي إيراداتها لا يزال يأتي من بيع الوقود الأحفوري، مثل النفط.

ثانيا، من المنظور العالمي، فإن سعر النفط يتأثر بشدة بالعوامل الاقتصادية الأخرى حول العالم.

ففي أعقاب الأزمة المصرفية، تعاني الولايات المتحدة من أزمة ديون وارتفاع التضخم، حيث وصلت الحكومة الأميركية إلى سقف الديون المسموح به البالغ 31.4 تريليون دولار في يناير/ كانون الثاني 2023.

أزمة الديون

وأكملت واشنطن للتو المفاوضات بشأن سقف الديون الأميركية، متوصلة إلى حل لتفادي التخلف عن السداد، وفق التقرير.

وفيما يتعلق بالتضخم، قامت الولايات المتحدة بإطلاق كميات كبيرة من الاحتياطي الإستراتيجي للنفط، لمواجهة ضغوط التضخم الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، ولكن دون نجاح يذكر.

وأوضح الموقع أن "ما يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي هي توقعات السوق بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يتخطى رفع أسعار الفائدة في يونيو/ حزيران 2023".

أضف إلى ذلك أن "العلاقات بين الصين والولايات المتحدة لا تزال غير واضحة، فرغم استئناف الحوار في المجال الاقتصادي والتجاري أخيرا، إلا أن التقدم لم يكن مرضيا".

وأشار الموقع إلى أن "مشكلة التضخم في الولايات المتحدة غالبا ما تؤثر على التنمية الاقتصادية على مستوى العالم".

واستدرك: "لكن رغم تأثر الصين، إلا أن هذا التأثير محدود نسبيا؛ لأنها تمتلك سلاسل إنتاج كاملة، ولكن بالنسبة لبلدان أوبك بلس ودول أخرى، فإن الدولار يرتبط ارتباطا وثيقا بالنفط".

وقال إنه "رغم أن الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط، إلا أنها أيضا أكبر مستهلك له في العالم".

وأضاف أنه "في السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة زيادة في التضخم وتدهور قوة الشراء للدولار نتيجة التدخل المتكرر في السياسة النقدية". 

وأردف أن "هذا يؤدي إلى زيادة الأسعار المعلنة للنفط، لكن القوة الشرائية الفعلية تتراجع".

وتابع أنه "من خلال اتخاذ الإجراءات الحازمة لمواجهة مشكلة التضخم في الولايات المتحدة، تطالب واشنطن بقوة إلى تعاون الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك السعودية، لتخفيض أسعار النفط بهدف التخفيف من تأثير التضخم".

"لكن من الواضح أن هذا السلوك يتسبب في إلحاق أضرار برؤية السعودية وخططها التنموية"، حسب "الصين نت".

وأكد أنه بالرغم من أن "قرار أوبك بلس خفض الإنتاج يشمل فترة ذروة استهلاك النفط في فصل الصيف وفترة تعافي الطلب، إلا أن قلق السعودية ينبع من احتمالية أن تكون هناك مشكلة في جانب الطلب قد تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط".

ولهذا السبب "يعد هذا التخفيض الكبير غير المسبوق في الإنتاج محاولة مقصودة لإعادة إحياء سوق النفط"، حسب الموقع.

ونوه إلى أنه "بعد التوصل إلى اتفاقية خفض الإنتاج، أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، زيارة إلى السعودية، في 6 يونيو/ حزيران 2023.

وأكد "الصين نت" أنه "من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد للدول المنتجة للنفط أن تزيد من استقلالية قرارها الإستراتيجي".

وتابع: "لذلك فهي تريد التأثير على مدة خفض إنتاج النفط في المملكة من خلال استمالتها، الأمر الذي سيحفز الدول الأخرى على اتباع الرياض".

وأكد الموقع على أنه "بالطبع، فإن الولايات المتحدة تأمل أيضا في تفكيك التحالف بين السعودية وروسيا في مجال الطاقة، وفي سبيل ذلك، قد تطلق واشنطن سلسلة جديدة من التعاون مع الرياض".

وأوضح أنه "بعدما أعلنت السعودية عن تحقيق فائض في موازنتها للمرة الأولى خلال العشر سنوات الماضية في عام 2022، فهي تجد نفسها مجددا واقعة في عجز لميزانية عام 2023".

ويرى الموقع أن "السعودية تتبنى موقفا مرنا تجاه جذب الاستثمارات الأجنبية، لذا لا يُستبعد أن تدوّر علاقاتها بين الولايات المتحدة وروسيا سعيا لتحقيق أهدافها".