من بكين إلى الرياض.. هل ينجح ابن سلمان في تلميع صورته عبر كرة القدم؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في إطار مساعي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لاستضافة كأس العالم 2030، وإحداث نقلة نوعية يستهدف معها تغيير شكل وهوية الوطن والمواطن، وتحسين صورته دوليا، أصبح الدوري المحلي لكرة القدم محط استقطاب نجوم اللعبة الأوائل حول العالم.

ففي 7 يونيو/ حزيران 2023، أعلن نادي "الاتحاد" بطل الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم التعاقد مع النجم الفرنسي العالمي كريم بنزيما حتى 2026، وقدرت قيمة الصفقة بنحو 100 مليون يورو (106.93 ملايين دولار) سنويا.

بعدها في 9 يونيو 2023، أعلن نفس  النادي (الاتحاد) التعاقد مع الفرنسي نغولو كانتي، لاعب تشيلسي الإنجليزي، مقابل 100 مليون يورو أيضا.

لكن تظل الصفقة الأكثر أهمية وجدلا، هي انتقال الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو، الملقب بـ"صاروخ ماديرا" أو "الدون" إلى نادي النصر السعودي، في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022، مقابل 200 مليون يورو في العام الواحد، ليصبح اللاعب صاحب الـ37 عاما، هو الأعلى أجرا في تاريخ كرة القدم.

ومع تلك الصفقات والأجور الفلكية لكبار لاعبي العالم، الذين باتوا يتهافتون على الدوري السعودي (قبل اعتزالهم)، ظهرت التساؤلات عن مدى جدوى تلك الصفقات وأهميتها للمواطن السعودي؟ ولماذا يسعى ابن سلمان لجذب هؤلاء اللاعبين وصناعة دوري يكون محط أنظار العالم؟.

وصمة عار

وفي 5 يونيو/ حزيران 2023، أعلن وزير الرياضة السعودي، عبد العزيز بن تركي، نقل ملكية أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي المنافسة في الدوري المحلي للمحترفين لكرة القدم إلى "صندوق الاستثمارات العامة" (حكومي).

وأضاف أن "هدف المملكة جعل بطولة الدوري ضمن أقوى 10 دوريات في العالم، وكذلك زيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال (120 مليون يورو) إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنويا (نحو 447 مليون يورو)".

وأفاد بأنهم يقومون "بتطوير المنشآت الرياضية خاصة الملاعب، مثل ملعب الملك فهد بالرياض، الذي يعد درة الملاعب السعودية، الذي يستكمل تجهيزه عام 2026".

ويقع على بعد كيلومترات قليلة من ملعب الملك فهد، ومن الأندية الكبرى في الرياض، سجن الحائر أو "الحاير"، أكثر سجون السعودية تحصينا وأشدها قسوة.

فالاهتمام بكرة القدم والملاعب من قبل ولي العهد، يقابله اهتمام بسجن رموز الإصلاح في أعتى الأقبية هناك، ومنهم الدكتور سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي. 

وهو ما يؤكد أن كرة القدم في مفهوم الإدارة السعودية الحاكمة، مجرد وسيلة، لتلميع "سمعة الأمير" الملطخة بالدماء، خاصة أنها تضررت بشدة عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، على يد فرقة اغتيالات خاصة أرسلها ابن سلمان لهذه المهمة التي أصبحت وصمة عار في عهده. 

وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2023، نشر موقع "أوراسيا ريفيو" الأميركي، أنه على عكس الانطباعات السائدة، فإن انتقال رونالدو للعب في السعودية يتجاوز كونه مجرد تحرك لصرف انتباه الرأي العام عن السجل الحقوقي الشنيع للمملكة".

وأضاف أن "حقوق الإنسان ليست سوى واحدة من المشكلات التي تلطخت بها سمعة المملكة، حتى لو كانت هي المشكلة التي تجذب أكبر قدر من الاهتمام". 

وأورد الموقع أن "السعودية تسعى إلى تغيير صورة ترسخت على مدى سبعة عقود لمملكة منغلقة استخدمت ثروتها النفطية لأن تروج على المستوى العالمي، تفسيرا متشددا ومتعصبا وغير متسامح للإسلام". 

وذكر أن "ولي العهد السعودي، أجرى تعديلات اجتماعية واقتصادية كبيرة، بالتزامن مع إحكام قبضته القمعية على المجال السياسي". 

كأس العالم 2030 

ورغم كل هذه الخطوات التي اتخذتها المملكة بقوة، والتي تصب في اتجاه حلم محمد بن سلمان بتنظيم كأس العالم 2030، كحدث تاريخي، سيكون أفضل مروج لحكمه. 

لكن هناك الكثير من العقبات في طريقه، ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2022، رأت منظمة "العفو الدولية" أن تنظيم بطولة كأس العالم 2030 في دول بينها السعودية، سيكون "مستحيلا". 

وأضافت أنه "إذا طبق الاتحاد الدولي (الفيفا) معايير حقوق الإنسان الخاصة به بشكل صحيح، بشأن مراجعة أي عرض تقدمه المملكة، فسيكون مرفوضا لا محالة". 

وشددت المنظمة على أن "الفيفا مطالبة بتطبيق معايير حقوق الإنسان بصرامة عند تقييم أي عرض محتمل يتعلق بالسعودية، من أجل تجنب الخطأ الذي ارتكبته لجنتها التنفيذية بمنح نهائيات 2018 لروسيا، المعروفة بانتهاكها للحقوق والحريات الإنسانية". 

وفي 9 سبتمبر 2022، نقلت وكالة الأنباء البريطانية "بي أيه ميديا"، تحذيرات مدير حملات الأفراد المعرضين للخطر في منظمة العفو الدولية، فيليكس جاكينز، من أن المملكة تسعى لاستضافة كأس العالم 2030، "كنوع من التتويج لعمليات غسيل سمعتها عن طريق الرياضة".

يأتي ذلك في وقت تتدهور فيه حقوق الإنسان بشكل مقلق في ظل حكم ولي العهد ابن سلمان.

النموذج الصيني 

ومن هنا يأتي الطرح القائم على مدى نجاعة ما يفعله ابن سلمان لتحسين سمعته وهل هو أول الحكام الذين لجأوا إلى كرة القدم لتغيير صورتهم المتضررة أمام العالم، كونهم مستبدين.

ففي 14 ديسمبر 2015، نشر موقع "بي بي سي" البريطاني، تقريره عن اهتمام نظام الحزب الشيوعي في الصين بكرة القدم.

وذكر التقرير أن "المستثمرين الصينيين قاموا بشراء حصة 13 بالمئة من أسهم شركة مانشستر سيتي، حيث عاد اهتمام بكين بكرة القدم إلى الواجهة".

وأضاف أن "المستثمرين الصينيين بدأوا خلال السنوات الأخيرة بشراء حصص في أندية كرة قدم في إنجلترا وإسبانيا وفرنسا وهولندا وتشيكيا، كما اعترف الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، بحبه لهذه اللعبة". 

وذكر الموقع البريطاني أن "هناك أسبابا عديدة لهذا الاهتمام، من بينها رغبة صينية في الظهور بمظهر جيد على الساحة الدولية، تتجاوز بها عن ملفات القمع والاستبداد، والتضييق على الحريات الإعلامية والسياسية".

وبالفعل حرص الدوري الصيني على جذب لاعبين بارزين مثل الإيفواري ديديه دروجبا، والفرنسي نيكولا أنيلكا، والمالي سيدو كيتا، والأرجنتيني كارلوس تيفيز، كلهم انتقلوا إلى هناك، تماما كما يحدث حاليا في الدوري السعودي.

اهتمام بكين بكرة القدم وفتح الباب على مصرعيه أمام كبار لاعبي العالم، سلط الضوء على الجانب الحقوقي في الصين، لا سيما قضية اضطهاد 23 مليون مسلم من مسلمي "الإيغور" في إقليم تركستان الشرقية. 

وفي 14 ديسمبر 2019، أعلن نجم نادي أرسنال الإنجليزي (آنذاك) مسعود أوزيل انتقاده بقوة لصمت البلدان الإسلامية حيال تعرض أقلية الإيغور المسلمة للاضطهاد في الصين.

وغرد اللاعب الألماني ذو الأصول التركية، عبر حسابه الخاص على موقع "تويتر"، إن "في الصين تحرق المصاحف، وتغلق المساجد، وتحظر المدارس وعلماء الدين يقتلون واحدا تلو الآخر..".

وأضاف أن "الذكور يساقون قسرا إلى المخيمات، فيما تجبر المسلمات على الزواج من الرجال الصينيين".

وتساءل أوزيل مستنكرا في هذا الصدد "أين هي البلدان الإسلامية وإعلامها؟".

لذلك فإن كرة القدم تحولت إلى سلاح ذي حدين في وجه الصين، فبدلا من الدعاية لها، أصبحت سببا لانتقادها من قبل لاعبين بارزين كأوزيل. 

الطغاة وكرة القدم

وليس ابن سلمان أو الصين من انتهجوا تلك السياسة بمفردهم، فقد عرف التاريخ الحديث العديد من الطغاة والمستبدين الذين اهتموا بكرة القدم، واستغلوها كأداة لسياستهم.

ومن ضمن هؤلاء الساسة على سبيل المثال، الرئيس "الطاغية"، موبوتو سيكو، الذي حكم زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا) بالحديد والنار، وقتل مئات الآلاف من أفراد شعبه. 

ومن نوادر هذا الرجل أنه خلال مشاركة منتخب بلاده في كأس العالم عام 1974 بألمانيا الغربية (آنذاك)، بعث سيكو برسالة إلى لاعبي بلاده.

وجاء في الرسالة: "من الآن أنتم لستم في سلام، ستدفعون الثمن باهظا لتلك الهزيمة القاسية التي دنست وجه زائير في الأرض، اجعلوا العقوبة على رؤوسكم أنتم فقط، ولا تخسروا بأكثر من 3 أهداف أمام البرازيل، أكثر من 3 سيكون أمام كل هدف 3 رصاصات في رأس كل فرد من عائلاتكم".

خسرت زائير بنتيجة 3 لصفر، ونجح لاعبوها في العودة إلى بلدهم، لكنهم أمضوا بقية حياتهم كمنبوذين وفقراء ومُنعوا من اللعب في الخارج.

أما النموذج الأشهر فكان الجنرال الأرجنتيني، خورخى فيديلا، الذي أقام كأس العالم عام 1978، وذلك بعد عامين من قيادته انقلابا عسكريا فى البلاد، ضد رئيسة الجمهورية إيزابيل بيرون.

فيديلا حينها كان يزج بمعارضيه في السجون والمعتقلات ويختطف أطفالهم، بالإضافة إلى جريمة الإخفاء القسري، التي اشتهر بها حكمه، ما دفع النجم الهولندي يوهان كرويف للامتناع عن المشاركة مع منتخب بلاده فى البطولة، بعد تعرضه لتهديدات بالاختطاف هو وأسرته حال مجيئه إلى الأرجنتين بسبب انتقاداته لسياسات الجنرال.

وفي تلك البطولة، فازت الأرجنتين في النهائي 3-1 على هولندا، واحتفل الجنرال بالكأس، والسلطة بالانتصار، وبكى الناس على أقربائهم المقتولين، لكن بقيت البطولة في الذاكرة كأقبح استخدام سياسي لكرة القدم.

وانتهى بعد ذلك الانقلاب العسكري في الأرجنتين، وفي عام 2010 حكم على فيديلا بالحبس مدى الحياة قبل أن يتوفى في السجن في مايو/ آيار 2013.

وهو ما يعطي انطباعا أن الأنظمة الديكتاتورية مهما تترست بكرة القدم أو غيرها، تظل حقيقتها واحدة لا تتغير.