أوراق تركية ضاغطة.. ماذا وراء تحرك العراق لكبح تمدد حزب العمال الكردستاني؟
رغم تعهد العراق أكثر من مرة بكبح تمدد حزب العمال الكردستاني "بي كاكا" الذي تصنفه تركيا على لوائح الإرهاب، لكن مسلحي هذا التنظيم لا يزالون يسيطرون على مدينة سنجار في محافظة نينوى (شمال)، بتنسيق مع قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.
وفي السنوات الأخيرة، شكل حزب العمال الكردستاني مصدر توتر بين العراق وتركيا، كونه لم يعد موجودا على الحدود فقط، وإنما يسيطر على قضاء سنجار عبر مليشيا "وحدات حماية سنجار" (اليبشة) التابعة له، بعد استعادته من تنظيم الدولة عام 2015.
أوراق تركية
وفي 31 مايو/ أيار 2023، نشرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، تقريرا تحدثت فيه عن الأوراق التي تمتلكها تركيا للضغط فيها على العراق لإرغامه على التعاون في كبح تمدد حزب العمال الكردستاني.
وقالت المجلة إن تركيا هددت بتقييد تدفق نهر دجلة إلى العراق، وكذلك لم تستأنف تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان منذ صدور حكم غرفة التجارة الدولية بباريس في مارس/ آذار 2023 "في النزاع بين أربيل وبغداد حول تصدير النفط من كردستان"، ما أعطاها نفوذا إضافيا على بغداد.
وفي 25 مارس 2023، أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية البالغة 450 ألف برميل يوميا، بعد حكم غرفة التجارة الدولية في باريس، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها من حكومة الإقليم بين عامي 2014 و2018.
ما دفع الاستخبارات التركية للتلويح بتصعيد الهجمات الجوية ضد أهداف في العراق، وهو ما عملت بغداد على تجنبه بشكل سريع لأنه يمثل انتهاكًا واضحًا لأراضيها، وفقا للمجلة الفرنسية.
وبالمثل، تضيف المجلة، في الوقت الذي تفاوضت فيه المخابرات التركية على الترتيبات الخاصة بمخيم مخمور المثير للجدل مباشرة مع الحكومة العراقية في بغداد، فقد ساعدت أيضا في الملف حكومة إقليم كردستان.
وأشارت إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والذي يتولى السلطة في أربيل، مقرب من أنقرة، ولديه مكتب داخل المخيم بالقرب من الحدود الإقليمية لكردستان العراق، ما يسهل تتبع الأعضاء المفترضين في حزب العمال الكردستاني.
علاوة على ذلك، أكدت المجلة أن السلطات في أربيل أغلقت بشكل كامل في 20 مايو 2023 معبر فيش خابور الحدودي بين سوريا والعراق، وهو الطريق الرئيس لعبور الأكراد بين الدولتين.
ومخيم مخمور، المشيد منذ منتصف التسعينيات وتقطنه المئات من العائلات الكردية التركية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، من أبرز المواقع التي تعدها تركيا مركز تجنيد وأنشطة مسلحة ضد أمنها القومي، وتطالب العراق بالعمل على منع الأنشطة ذات البعد العسكري داخله.
خضوع بغداد
بعد إدانة التوغلات التركية في العراق، أذعنت بغداد أخيرا لمطالب الاستخبارات التركية بإجراء عمليات ضد أعضاء مفترضين من حزب العمال الكردستاني، وذلك بعد أن زار ممثلو الاستخبارات التركية العاصمة العراقية عدة مرات في الأشهر الأخيرة، بحسب "إنتلجنس أونلاين".
ولفتت إلى أنه بعد إجبارها على الرضوخ لمطالب الاستخبارات التركية، بدأت الحكومة العراقية في بغداد بعملية للسيطرة على مقاتلي حزب العمال الكردستاني المشتبه بهم، بمشاركة ضمنية من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي إليه بارزاني.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي السابق (وزير الخارجية الحالي) هاكان فيدان، يراقب الآن الحدود الجنوبية لبلاده مع العراق، إذ طوقت السلطات في بغداد بناء على طلبه مخيم مخمور للاجئين، الذي تعده أنقرة معقل حزب العمال الكردستاني.
المخيم، الذي يخضع رسميا لسيطرة الأمم المتحدة، وبشكل غير رسمي لسيطرة مليشيا داخلية، أصبح محاطًا بوحدات من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية العراقية التي منعت الدخول والخروج من المخيم وصادرت أسلحة منه، حسب المجلة الفرنسية.
ولفتت إلى أنه يمكن أن تدفع أنقرة الجيش العراقي للسيطرة على سنجار، حيث ينفذ الجيش التركي هناك ضربات منتظمة، وهو ما من شأنه أن يضع بغداد في موقف صعب أمام الحشد الشعبي الذي يسيطر على المنطقة.
وفي 23 مايو 2023 بدأ الجيش العراقي، بحفر خندق حول مخيم مخمور الذي يضم لاجئين أكرادا من تركيا، ومن المقرر أن يقوم بنصب أبراج مراقبة حوله، حسبما أعلن قائمقام قضاء مخمور، رزكار محمد.
ونقل موقع "رووداو" العراقي عن محمد قوله إن "قائمقامية القضاء لا صلة له بالقرار، بل اتخذته القيادة العامة للقوات المسلحة لوضع المخيم تحت سيطرة العراق ورفع العلم العراقي عليه"".
وفي 20 مايو، زار وفد من وزارتي الداخلية والدفاع العراقيتين مخيم مخمور، وقدم 4 مقترحات للمسؤولين فيه، وهي: "تسييج المخيم وحراسته (حمايته) من قوات الجيش والشرطة العراقية. وضع حواجز إسمنتية على طريق المخيم وأمامه".
ومن ضمن المقترحات أيضا: "إدخال الشرطة المحلية الى داخل المخيم، وكذلك تحديد طريق واحد فقط لمرور سكان المخيم"، مؤكدا أن الوفد القادم من بغداد أمهل حينها مسؤولي المخيم ثلاث ساعات للإجابة على المقترحات المطروحة أمامهم".
ويقع المخيم الذي يطلق عليه الموالون للكردستاني اسم "الشهيد روستم جودي" في قضاء مخمور بين محافظتي أربيل 70 كيلومترا غربا، ونينوى نحو 100 كيلومتر من جهة جنوب شرقي الموصل.
والقضاء مدرج ضمن المناطق موضع نزاع بين حكومتي إقليم كردستان وبغداد، لكنه يتبع رسميا إدارة محافظة نينوى، وسكانه خليط من العرب والكرد والتركمان.
يعود تاريخ إنشاء المخيم إلى عام 1998، عندما خصص بإشراف منظمة الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين من أكراد تركيا، الذين يقدر عددهم حاليا بأكثر من 12 ألف شخص، ثم تحول بعدها إلى حي سكني، وتقول تركيا إن المخيم بات معقلا لحزب العمال الكردستاني.
وفي يونيو/ حزيران 2021، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن بلاده ستقوم "بتطهير" مخيم مخمور، لأنه "تحول لملاذ آمن لمسلحي حزب العمال الكردستاني، ويتعيّن التعامل معه، كونه يستمر بـ"تصدير الإرهابيين منه".
وعقب هذا التعليق بأيام، أعلنت أنقرة عن تمكن الاستخبارات التركية من قتل القيادي في حزب "العمال الكردستاني" سلمان بوزقير، الملقب بـ"دكتور حسين"، المسؤول العام عن مخيم مخمور شمالي العراق.
حشر بالزاوية
وعن مدى خضوع العراق وتعاونه بشكل حقيقي مع تركيا في ظل ضغوط الأخيرة، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، لؤي العزاوي أن "حكومة محمد شياع السوداني تحاول النجاح بشتى الطرق لكسب الشارع، وإذا لم تتعاون مع أنقرة فإنها ستطوقها في أزمة مياه خانقة".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "بقاء السوداني في منصبه رئيسا للحكومة قد يكون مرهونا بالاستجابة لمطلب تركيا، لأن الشارع العراقي يضغط عليه بقوة بخصوص أزمة المياه وأزمات أخرى، بالتالي أصبح محشورا في زاوية يصعب عليه التفكير بعدم التعاون مع الأتراك".
وتوقع الباحث أن "تمتثل الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران، والمنضوية في الحشد الشعبي لأوامر السوداني، بالتخلي عن حزب العمال الكردستاني، لأن الحكومة تابعة للإطار التنسيقي، وبالتالي فشله ينعكس بالضرورة عليهم جميعا، وكذلك من مصلحة طهران التهدئة مع تركيا حاليا".
وفي أول زيارة يجريها السوداني، إلى أنقرة منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بحث مع الرئيس أردوغان، الكثير من الملفات التي تخص البلدين، ومن بينها ملف حزب العمال الكردستاني.
وتطرق الجانبان خلال مؤتمر صحفي في 21 مارس 2023 إلى قضية مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لديهم قواعد خلفية في منطقة إقليم كردستان العراق المحاذية للأراضي التركية.
وقال الرئيس التركي: "نتوقع من أشقائنا العراقيين تصنيف حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا وتخليص أراضيهم من هذه المنظمة الإرهابية الدموية".
بدوره، شدد رئيس الحكومة العراقية على رفض "استخدام أراضيه للاعتداء على دول الجوار، أو أي مساس بالسيادة العراقية" وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية في 21 مارس.
وقبيل بدء المحادثات بين أردوغان والسوداني، التقى وزير الدفاع التركي السابق خلوصي أكار نظيره العراقي ثابت محمد سعيد العباسي، إذ أكد الأول خلال اللقاء، الذي عقد في مقر وزارة الدفاع التركية، أن حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدا مشتركا لتركيا والعراق.
وشدد أكار على أن تركيا تحترم وحدة أراضي دول الجوار وفي مقدمتها العراق، مؤكدا تصميم القوات التركية على دحر الإرهاب وحماية حدود البلاد، وأهمية التعاون والتنسيق في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وضرورة تعزيز التعاون بين الجيشين التركي والعراقي.
وتناول الوزيران، خلال اللقاء، عددا من الملفات الإقليمية والدولية وسبل تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين، حسب ما صدر عن وزارة الدفاع التركية في 21 مارس.
وتنفذ تركيا عمليات عسكرية مستمرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، آخرها عملية "المخلب – القفل" المستمرة منذ 17 أبريل/ نيسان 2022، بعد أن دفع الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994.
وبموجب الاتفاقية يُسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترًا على طول الشريط الحدودي، إذ جرى تمديدها عام 2007.
وينتشر نحو 20 من القواعد والمقرات العسكرية التركية موزعة على محافظتي أربيل ودهوك، في إقليم كردستان العراق، وتقع أكبر تلك القواعد في بامرني شمال دهوك، وهي قاعدة عسكرية لوجستية فيها مهبط للطائرات.
المصادر
- تقرير فرنسي: الحكومة العراقية رضخت للمطالب التركية بشأن مخيم مخمور
- الجيش العراقي يتحرك صوب مخيم مخمور لوقف تمدد "العمال الكردستاني"
- الجيش العراقي يبدأ حفر خندق حول مخيم مخمور
- حجر عثرة.. هل يلبي العراق طلب تركيا بتصنيف العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا؟
- رغم الاتفاق الداخلي.. من يقف وراء تعطيل استئناف ضخ نفط العراق عبر تركيا؟