موقع فرنسي: السعودية قامت بتعويم الأسد للحد من الكبتاغون لكنه لن ينفذ طلبها
رأى موقع فرنسي أن مخدر الكبتاغون - الذي يعيث فسادا في الشرق الأوسط- هو أحد الأسباب التي دفعت الدول العربية للتطبيع مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ونقل موقع "TV5 Monde" الفرنسي عن باحثين أن "إدارة تجارة الكبتاغون وعواقبها كانت شرطا سعوديا لا غنى عنه لإعادة دمج دمشق في جامعة الدول العربية".
وقال الموقع إن "الضيف الأكثر انتظارا في قمة الجامعة العربية الفائتة، كان رئيس النظام السوري، الذي عاد بعد غياب الطويل، ليحضر قمة جامعة الدول العربية التي انعقدت في جدة بالمملكة العربية السعودية".
وأضاف التقرير: "وصل بشار الأسد مرتديا بدلة زرقاء وربطة عنق بلون سماوي فاتح، حيث جمعته مصافحة حارة بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبدت على وجهي الرجلين ابتسامة عريضة".
وأكد أن "لهذه الصورة أهمية كبيرة، خاصةً بعد أن أُوقفت عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية لأكثر من 11 عاما؛ بسبب قمعه العنيف للحراك الاحتجاجي ضده".
ووفقا لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الضحايا المدنيين الذين فقدوا حياتهم منذ بداية الصراع لا يقل عن 495 ألف شخص.
دور حاسم
"وفي بداية مايو/أيار 2023، أُعيد إدماج دمشق في جامعة الدول العربية بقرار من وزراء خارجية الدول الأعضاء، وبناء على ذلك، اتجهت العلاقات مع سوريا نحو مسار التطبيع"، حسب التقرير.
ووفقا لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، فقد لعبت الرياض دورا حاسما في عودة بشار الأسد.
وأوضح أن "نظام الأسد لم يكن ليتلقى دعوة من جامعة الدول العربية لحضور القمة، إذا لم يتدخل الدبلوماسيون السعوديون ويتحدثون مع الأعضاء الآخرين في الجامعة، دفاعا عن موقف الأسد".
إلا أن هناك قلقا لدى السعوديين يتعلق بتجارة المخدرات التي تحولت سوريا إلى مركز رئيس لها، وتحديدا المخدر المعروف باسم "الكبتاغون".
وحسب التقرير، يعد هذا المخدر المنشط والمثير للرغبة من فئة الأمفيتامين، وبات يعيث فسادا في مجتمعات الشرق الأوسط.
وشدد الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية بباريس، ديفيد ريجوليه روز، على أن "إدارة قضية تجارة الكبتاغون وتداعياتها، كانت شرطا ضروريا - من منظور الرياض- لإعادة إدماج دمشق في جامعة الدول العربية".
وأوضح روز: "على هذا النحو، ترى السعودية أن تجارة الكبتاغون عنصر يجب أخذه بعين الاعتبار في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، صحيح أنه ليس العامل الوحيد في عودة دمشق للجامعة العربية، لكنه في غاية الأهمية".
وأشار التقرير إلى أن "جزءا من المجتمع العربي يستهلك حاليا الكبتاغون، المخدر الذي أصبح آفة سهلة المنال".
كما أشار الباحث إلى أن وزراء الخارجية العرب سلطوا الضوء بشكل واضح على مشكلة الكبتاغون، في سياق الحديث عن عودة الأسد للجامعة.
ثم طُلب من نظام الأسد أن يعمل على تقييد حركة المرور عبر حدود الأردن والعراق ودول الجوار، وتحديد هوية المهربين وتحسين ظروف نقل البضائع، نظرا للتحديات التي تواجه المنطقة بأكملها.
دولة المخدرات
وأشار روز إلى أنه "في ظل وجود العقوبات الدولية وحالة العزلة التي يعاني منها الأسد، فإن العائدات الناتجة عن تجارة الكبتاغون تسمح للنظام أن يظل واقفا على قدميه".
وبشكل عام، تعد سوريا المركز الرئيس لحركة تجارة هذا المخدر، حيث تتمركز فيها معظم المختبرات، وتُنظّم عمليات التهريب انطلاقا منها، وفق الباحث الفرنسي.
وأضاف ديفيد روز أن "هذه التجارة تدرّ أرباحا ضخمة، تقول التقديرات إنها بين 5 و10 مليارات دولار سنويا، مما مكّن نظام الأسد من إدارة العجز المالي الناجم عن العقوبات لعدة سنوات".
"وبالتالي، أصبح هذا المخدر قضية رئيسة بالنسبة لحكومة الأسد، التي عانت من التهميش على الساحة الدولية"، حسب التقرير.
ووفق عبد الغني، فإنه "في الوقت الحاضر، يصعب إنتاج ونقل الكبتاغون في سوريا دون مراقبة وموافقة النظام، مما جعل البلاد تشتهر بكونها دولة مروجة للمخدرات، كما أطلقت عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة".
وتابع: "بالفعل، بشار الأسد أصبح أحد الزعماء السياسيين المعروفين الذين يستفيدون من تجارة المخدرات".
وأكد ديفيد روز أن "الكبتاغون مصدر دخل أساسي لنظام الأسد، ومن المعروف أن أفراد حاشيته يستفيدون من تهريبه أو حتى أنهم مصدره الرئيس".
وهذا هو السبب في إعادة بشار الأسد إلى منصبه، حيث يرى البعض ضرورة استخدام النظام السوري للسيطرة على تجارة الكبتاغون، إذا لم يستطع القضاء تماما عليها، وفق ديفيد روز.
وحسب الموقع الفرنسي، فإن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من 11 عاما من الإقصاء تُعَدُّ أحد أبرز أحداث القمة الثانية والثلاثين للجامعة.
"ومع ذلك، تتباين القراءات والتفسيرات لهذه العودة داخل الساحة العربية، فبالنسبة لبعض الأطراف في العالم العربي، تُعَدُّ القضايا المتعلقة بالكبتاغون مجرد ذريعة فقط لقبولهم عودة الأسد للجامعة".
ويرى "عبد الغني" أنه "إذا كان نجاح الأسد في التأثير على جامعة الدول العربية أتى من خلال ملف تجارة الكبتاغون، فإن هذا يُشير إلى ضعف تلك المنظمة؛ لأنه من الصعب السيطرة على النشاط المرتبط بهذا المخدر، أو حتى إيقافه".
ذريعة للتطبيع
وأردف: "في رأيي، فإن استخدام الكبتاغون كدافع لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية مجرد ذريعة".
وأشار عبد الغني إلى أن "الدول العربية وعدت دمشق بمبلغ 4 مليارات دولار، ولكن يبدو أن هذا المبلغ لن يكون كافيا للتحكم في حركة المرور عبر الحدود، ودعم نظام بشار الذي يخضع للعقوبات الدولية".
ومن جانبها، تعارض بعض المنظمات غير الحكومية إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية.
في هذا السياق، أشار عبد الغني إلى "حقيقة أن بشار الأسد سُمَح له بالانضمام مرة أخرى إلى جامعة الدول العربية دون أن يُحاسَب على انتهاكاته المستمرة لأبسط الحقوق للسجناء في البلاد، وهو أمر غير مفهوم".
وأضاف: "إن دعوة رئيس الدولة السورية للمشاركة في قمة لجامعة الدول العربية، في ظل استمرار احتجاز أكثر من 100 ألف سوري دون المطالبة بتحقيق العدالة، أمر يثير الكثير من التساؤلات".
وأشار التقرير إلى أنه "خلال قمة الدول العربية الثانية والثلاثين، تمكّن بشار الأسد من إجراء محادثات ثنائية مع قادة مختلف البلدان العربية، الأمر الذي أعطاه ثقة في استئناف علاقاته الثنائية مع بلدان أخرى".
"وحيث إن الدول الغربية غير مستعدة لرفع عقوباتها عنه، فإنه يمكن للأسد أن يطلب من البلدان العربية تقديم تعويضات مالية لإعادة إعمار بلاده، مقابل تقييد تهريب الكبتاغون"، حسب التقرير.
وقد أشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 400 مليار دولار لإنجاز هذا الهدف.
وختم ديفيد روز بالتأكيد على أن "الملكيات النفطية باتت تحظى بمزيد من الجذب والتأثير أكثر من أي وقت مضى، إذ أصبحت في قلب عملية صنع القرار العربي".