بثينة شعبان.. مترجمة حافظ الأسد ومستشارة بشار المكلفة بتلميع النظام

12

طباعة

مشاركة

في مهمة خبيثة، لعبت المستشارة السياسية الخاصة لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، دورا أساسيا في "شيطنة" الثورة السورية عقب اندلاعها عام 2011.

وتولت شعبان (70 عاما) المترجمة الشخصية للرئيس السابق حافظ الأسد حتى وفاته عام 2000، مهمة التعامل مع وسائل الإعلام الغربية لإيصال وجهة نظر النظام من مواجهة الثورة.

وكانت شعبان منبهرة من حدوث "الانفجار العظيم" في سوريا، كونها ابنة ذلك النظام الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وبعقلية بوليسية منذ صعود الأسد الأب للسلطة عام 1971 عقب انقلاب عسكري.

ولم تكن شعبان مجرد وزيرة أو مترجمة للأسد الأب ومستشارة لابنه بشار، بل "إعلامية القصر الجمهوري" التي وقفت والدماء تسيل في الشوارع برصاص أجهزة المخابرات، تنافح عن النظام وتتهم وسائل الإعلام الغربية بالترويج لـ"مشروع فتنة طائفية" بسوريا.

ومع إعادة نظام الأسد لشغل مقعد دمشق في الجامعة العربية، بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو 2023، سلم النظام شعبان المهمة الجديدة المتمثلة بدفع عمليات تطبيع العلاقات معه عربيا مستفيدا من خبرتها السياسية لعقود من الزمن.

وفي حين أن المهمة المتمثلة في العمل على تحقيق مصالحة نظام الأسد مع جيران سوريا تقع على عاتق رؤساء مخابراته، إلا أن الأسد طلب المساعدة أيضا من شخصيات بارزة في الحرس القديم لوالده.

وبحسب مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، فإن أحد هؤلاء المستشارين هي شعبان المقربة من أسماء زوجة بشار.

وأفاد تقرير المجلة الذي نشرته في 23 مايو 2023، بأنه عندما رحبت الدول العربية بعودة سوريا إلى القمة العربية بالسعودية في 19 مايو 2023 بحضور الأسد، كانت هناك مستشارة سرية على متن وفد النظام في جدة، وهي بثينة شعبان التي كانت تجلس خلف كرسي الأسد في القمة.

النشأة والتكوين

ولدت بثينة شعبان في قرية المسعودية بريف حمص عام 1953، لأسرة من الطائفة العلوية، وتزوجت من العراقي الشيعي خليل جواد.

وأثناء تولي السياسي محمد ناجي عطري الحكومة السورية عام 2003، استطاعت شعبان أن تحصل على الجنسية السورية لزوجها وأولادها منه، الأمر الذي ساعده لاحقا على تعيينه مباشرة في منصب مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الغذائية.

ودرست شعبان الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وانخرطت في صفوف حزب "البعث" عام 1969.

 وحصلت على دكتواره من جامعة "يورك" في بريطانيا، وبدأت التدريس في جامعة دمشق منذ عام 1985، قبل أن تصبح مترجمة في وزارة الخارجية عام 1988.

عملت شعبان مستشارة وزير الخارجية السابق فاروق الشرع، الذي فاجأها يوما بأن ترافقه إلى القصر الجمهوري لتترجم للرئيس حافظ الأسد، فكانت موفقة حينها وجرى استدعاؤها مرة ثانية وثالثة، لتصبح فيما بعد مترجمة في "القصر الجمهوري".

وشغلت شعبان منصب مديرة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية والناطق باسم الجمهورية العربية السورية، ثم في عام 2003 أصبحت وزيرة للمغتربين وعضو مجلس الوزراء.

في عام 2008 جرى اختيارها مستشارة سياسية وإعلامية لرأس النظام بشار وعضو اللجنة السياسية العليا.

صوت الجريمة

خرجت شعبان بوصفها مستشارة الأسد، في 24 مارس/آذار 2011، أي بعد أسبوع من اندلاع المظاهرات في محافظة درعا ومقتل عدد من المدنيين برصاص أجهزة الأمن، وزعمت أن "القيادة القطرية لحزب البعث السوري برئاسة بشار أصدرت مجموعة من القرارات أهمها مكافحة الفساد ودراسة إنهاء حالة الطوارئ" السارية منذ 48 عاما آنذاك.

وقالت شعبان في المؤتمر الصحفي وقتها إن "الأسد لم يأمر قوات الأمن بإطلاق النار على المحتجين"، ومضت تقول إن "الرئيس سيقدم مشاريع قوانين تمنح حريات لوسائل الإعلام وتسمح بتشكيل حركات سياسية غير حزب البعث" الذي يحكم البلاد.

لكن أيا من وعود النظام على لسان شعبان لم تتحقق، لا سيما أن ظهورها الإعلامي في الأيام الأولى للثورة كان يحمل لغة تهديد "بفتنة وطائفية" وذلك في تبرير للعنف المفرط ضد المتظاهرين.

وكانت شعبان صوت نظام الأسد والناطق بما يمليه عليها "القصر الجمهوري"، لدرجة أنها بعد امتداد رقعة الثورة لجميع المحافظات وتعالي المطالب برحيل الأسد، حاولت شعبان في أحد مؤتمراتها الصحفية إغراء المتظاهرين بتحسين الحالة المعيشية لهم.

ليتصدى لها المتظاهرون بهتاف شهير من درعا في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بالقول: "يا بثينة يا شعبان الشعب السورى مو جوعان"، "الله سورية حرية وبس".

وتعد شعبان صاحبة الكلمة الشهيرة التي تناقلها السوريون في بداية الثورة بعدما استخدمت كلمة "خلصت" للدلالة على انتهاء الثورة، حيث عللت ذلك بأن مطالب المتظاهرين هي اقتصادية وليس سياسية، وأن السوريين يطالبون برفع رواتبهم فقط وهذا "ما ستستجيب له القيادة".

أدرك نظام الأسد، أن شعبان يمكنها أن تتولى مهمة التعامل مع وسائل الإعلام المتعطشة لنشر ما يجرى في سوريا عقب اندلاع الثورة.

فراحت شعبان تنفي أي ممارسات مشينة لمخابرات الأسد بحق المتظاهرين وقتلهم، أو تعذيب المعتقلين في سجونه خلال مقابلاتها مع الصحافة الغربية، بل وتنسب ذلك لمن تصفهم بـ"الإرهابيين".

أما "الكذبة الكبرى" التي يعرفها جميع السوريين عن شعبان هو تأليفها قصة خيالية وعرضها على الهواء مباشرة.

وجاء لك، حينما اتهمت المعارضة السورية بالمسؤولية عن الهجوم الكيماوي الذي تعرضت له الغوطة الشرقية بريف دمشق، زاعمة خلال مقابلة تلفزيونية في 5 سبتمبر/أيلول 2013 "أنهم خطفوا أطفالا وبالغين من القرى الساحلية (العلوية) ونقلوهم إلى هناك لقتلهم".

ومجزرة الكيماوي بالغوطة الشرقية عام 2013، أودت بحياة حوالي 1400 شخص بينهم أطفال ونساء بعد قصف المنطقة بصواريخ من نوع أرض أرض محملة بغازات سامة يرجح أنها من نوع "السارين"، وفق ما اتهم الائتلاف السوري المعارض نظام الأسد.

كما أنه خلال مقابلة مع قناة "بي بي سي" البريطانية، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2015 نفت قصف المواطنين السوريين بالبراميل المتفجرة من الطائرات المروحية.

وفي مقابلة مع وكالة "فرانس برس" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وصفت شعبان رد الغرب على مكافحة الإرهاب بسوريا بأنه "ضعيف ومتأخر" وذلك تعليقا منها على تحرك فرنسي أميركي آنذاك لمحاربة تنظيم الدولة الذي تمدد قبل عام في سوريا.

إعلامية القصر

كانت شعبان تتولى توجيه رسائل للغرب حول كثير من المواقف التي تخص سوريا وتجري مناقشتها دون أي تواصل مع نظام الأسد، ومنها حينما دعت في سبتمبر/أيلول 2015 خلال مقابلة مع التلفزيون النظام السوري الرسمي، المستشارة الألمانية انغيلا ميركل إلى إشراك الأسد في أي مفاوضات تهدف إلى الحل بسوريا.

وقالت شعبان وقتها إنه "لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي للأزمة في سوريا دون القضاء على الإرهاب"، ويقصد بالإرهاب هو محاربة فصائل المعارضة بوصفها قوة غير شرعية، بينما هي تأسست لوقف مزيد من المجازر بحق السوريين من قبل آلة النظام العسكرية التي لم تتوان عن استخدام الأسلحة كافة لقصف المدن فضلا عن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية عام 2013.

ولطالما كانت شعبان محط سخرية وانتقاد السوريين ولا سيما أنها تطلق تصريحات غير واقعة وتثير استهجانهم، ومنها حينما طالبت عام 2020 السوريين في مناطق النظام بالصبر والصمود لمواجهة العقوبات الغربية.

ليرد عليها الشارع بنشر صور ابنها المقيم في أميركا وهو يركب أفخر أنواع السيارات ويعيش حياة مرفهة بعيدا عن سوريا.

كما أنها ذات مرة، وخلال مقابلة لها مع قناة "الميادين" في يناير/كانون الثاني 2020، قالت إن الوضع الاقتصادي في سوريا "أفضل بـ50 مرة مما كان عليه قبل عام 2011"، الأمر الذي جعلها محط سخرية وانتقاد كبيرين لحجم الكذب بشكل علني.

وعلى سبيل المثال، كتب حينها مسلم طالاس، وهو خبير اقتصادي وأستاذ مادة الاقتصاد في قسمي الإدارة والعلوم السياسية في جامعة ماردين التركية، عبر موقع "فيسبوك": "من أية كهوف يخرج هؤلاء القوم؟ وماذا يظنون بنا كشعب سوى بهائم؟ أية شياطين حكمتهم برقابنا؟ فعلا القدرة على الكذب باتت خارج المقاييس".

اللافت أن شعبان لا تتوانى عن مهاجمة السوريين وإطلاق توصيفات بحقهم، فعندما خرجت مظاهرات احتجاجية في فبراير/شباط 2022 بمدينة السويداء التي يسيطر عليها النظام بشكل جزئي، وصفت هؤلاء في مقال نشرته بصحيفة "الوطن" الموالية، بأنهم "مرتبطون بشبكات تجسس إسرائيلية".

وذات مرة قالت شعبان، إن "المرأة الغربية تعيش حالة عبودية حيث لا رياض أطفال أو بنية حقيقية تُمكّن المرأة العاملة أن تكون أما"، ليرد عليها السوريون و"ماذا عن الأم السورية المعتقلة في سجون الأسد منذ عام 2011؟"

إرث الأسد الأب

تشكل شعبان في الوقت الراهن للأسد الباحث عن حبال تواصل مع الدول العربية والغربية "إرث أبيه القديم" من السياسيين الذين كانوا يشهدون تجاوزه للعقبات السياسية.

إذ حاول الأسد إبعاد هؤلاء في بداية الثورة ضده، لإظهار مرونة في تغيير الوجوه السياسية، وذلك على الأقل في الإعلام آنذاك.

ولهذا غابت شعبان فترة من الزمن، وانحصر دورها في كتابة مقالات رأي في صحف محلية وإجراء مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية، وذلك مع صعود لونا الشبل المستشارة الخاصة لرئيس النظام.

لكن المستمع لكلام شعبان يجد نفسه وكأنه يستمع لأغنية يحفظها، بمعنى أنها متمسكة برواية الأسد حول الثورة، ووصفها بأنها "مؤامرة كونية تحاك ضد سوريا" لا ثورة شعبية تطالب بالتخلص من الاستبداد.

وذات يوم أطلت شعبان في لقاء صحفي مع صحيفة "أثير" العُمانية الإلكترونية للحديث عن "صمود سوريا وتصديها".

وكررت شعبان "جملها وكلماتها وحروفها" التي لم تتغير منذ عام 2011، قائلة: "سوريا ستواصل صمودها في وجه الحرب المفروضة عليها ولن تقبل بإملاءات أحد".

وفي عام 2021، تم إرسال شعبان في مهمة لمسقط لإبلاغ وزارة الخارجية العمانية باستعداد سوريا لمزيد من التعاون الإقليمي، حيث تلعب الآن دورا رئيسا في تلك العلاقة الثنائية،

ومن شواهد ذلك، استدعاؤها للانضمام إلى أسماء في دمشق لاستقبال وفد من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية، بقيادة حمد بن محمد الضوياني في 13 مايو 2033، وكلف الأسد زوجته بمعالجة العلاقات الثقافية وما يسمى بالعلاقات الإنسانية في سوريا.

وشعبان هي أيضا شخصية مؤثرة في علاقات نظام الأسد مع إيران، فقد مهدت رحلتها الأخيرة إلى طهران في يناير/كانون الثاني 2023، ولا سيما أنه جرت دعوتها شخصيا من قبل زوجة الرئيس إبراهيم رئيسي، جميلة علم الهدى، مما سمح لبثينة بالوصول إلى أعلى المسؤولين الإيرانيين.

بالإضافة إلى عملها على تطبيع علاقات نظام الأسد مع الدول العربية، شاركت شعبان منذ فترة طويلة في جهود المصالحة التي تبذلها دمشق مع الدول الأوروبية، حيث تنقل بانتظام رسائل الأسد إلى المؤسسات الأوروبية مثل معهد "شيلر" الألماني الذي ينادي برفع العقوبات عن سوريا.

كما نقلت رسائل إلى وفد ثقافي إيطالي بقيادة باولو كاسيلو في يونيو/حزيران 2023.